منذ عام 2014 تولي القيادة المصرية القارةَ الأفريقية مكانةً خاصةً في سياسة مصر الخارجية، حيث سعت هذه القيادة لاستعادة الدور المصري في أفريقيا بعد ما أصابه من الركود خلال الحقبة السابقة. تجلى ذلك بوضوح في عدد الزيارات التي قام بها الرئيس المصري لدول القارة الأفريقية والتي تصل إلى ما يزيد على 25 زيارة، وكذلك عدد اللقاءات التي جمعته بمسؤولي وقادة أفريقيا أثناء زيارتهم لمصر والتي يفوق عددها 150 لقاءً واجتماعًا منذ توليه الرئاسة حتى الآن. يعود ذلك الاهتمام إلى كون العلاقات المصرية – الأفريقية تعبر عن مدى الارتباط التاريخي بين الشعب المصري والشعوب الأفريقية وما يجمعهم من وحدة الماضي في مكافحة الاستعمار وتقديم الدعم لحركات التحرر الأفريقي، ووحدة الحاضر والمستقبل من خلال التعاون المشترك لمواجهة التحديات التي تشهدها مصر ودول القارة، وأهمها تحدي تحقيق التنمية المستدامة والتكامل الاقتصادي بما يضمن مستقبلًا أفضل لجميع شعوب القارة الأفريقية.
سوف نعرض في هذه المقالة ملامح السياسة الخارجية المصرية تجاه القارة الأفريقية منذ عام 2014 حتى الآن التي يمكن تناولها من خلال عدة محاور.
أولًا: أهداف السياسة الخارجية المصرية في أفريقيا
توجد مجموعة من الأهداف التي تسعى القيادة المصرية الجديدة التي تتولى السلطة في مصر منذ عام 2014 لتحقيقها تجاه دول القارة الأفريقية، ويمكن أن نشير إلى تلك الأهداف من خلال النقاط التالية:
1- إعادة هيكلة السياسة الخارجية المصرية تجاه القارة
من أهم الأهداف التي سعت إليها القيادة المصرية الجديدة بعد عام 2014 إعادة هيكلة أدوات وتوجهات السياسة الخارجية المصرية تجاه القارة الأفريقية وذلك بما يتفق مع طبيعة المرحلة الجديدة، حيث سعت أجهزة الدولة المصرية كافة إلى وضع استراتيجية متكاملة لتحقيق أهداف السياسة الخارجية المصرية في القارة. ويأتي على رأس تلك الاستراتيجية الانتقال من الاهتمام بملف واحد في أفريقيا وهو ملف الأمن المائي إلى انخراط مصر في الاهتمام بمختلف قضايا القارة، بل والتحول من الاهتمام بدول حوض النيل إلى الانفتاح على دول القارة كافة، وكذلك الانتقال من التوقف عند الدور التاريخي المصري في دعم حركات التحرر في القارة إلى القيام بدور مستقبلي في التعامل مع التحديات التي تواجه القارة وبالأخص تحديات التنمية الاقتصادية والسلم والأمن. كما شملت كذلك تلك الاستراتيجية عمل مصر على تعزيز البعد الاقتصادي والتنموي في العلاقات المصرية – الأفريقية، ووضع أطر جديدة للتعاون على غرار إنشاء لجنة للشؤون الأفريقية بمجلس النواب، وإنشاء الوكالة المصرية للشراكة من أجل التنمية بوزارة الخارجية المصرية(1).
2 – استعادة الدور المصري في أفريقيا وتعزيز هوية مصر الأفريقية
من أهم أهداف السياسة الخارجية المصرية في أفريقيا هو استعادة الدور المصري في القارة الأفريقية بعد ما أصابه من تراجع بعد حادثة محاولة اغتيال الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك في أديس أبابا عام 1995 أثناء ذهابه لحضور مؤتمر القمة الأفريقية في إثيوبيا، وقد أسفرت هذه الحادثة عن تراجع الدور المصري في أفريقيا طوال المرحلة التالية لحكم مبارك. وبعد ثورة كانون الثاني/يناير 2011 ظل الدور المصري في أفريقيا في حالة تراجع نتيجة بسبب عدم استقرار البلاد حتى عام 2014، وبعد تولي القيادة المصرية الجديدة مقاليد السلطة في البلاد أكدت ضرورة العودة إلى القارة، وقد تجلى ذلك في تأكيد هوية مصر الأفريقية الذي تضمنته ديباجة الدستور المصري الصادر علن 2014، وكذلك زيارات الرئيس المصري المتكررة إلى دول القارة التي تمثل نحو 30 بالمئة من زيارات الرئيس الخارجية لدول العالم حيث أراد الرئيس أن يكون بينه وبين قيادات القارة تواصل مباشر بحيث يدعم عملية التعاون المشترك على الصعد كافة. وكذلك حرص الرئيس المصري على حضور أغلب القمم الأفريقية وهو الأمر الذي حظي بتقدير الدول الأفريقية. كما أن اهتمام الرئيس المصري بعلاقاته مع دول القارة الأفريقية امتد ليشمل المشاركة في جميع القمم الدولية المشتركة مع القارة الأفريقية، ولعل أبرزها قمة أفريقيا – الولايات المتحدة في واشنطن عام 2014، وقمة الهند – أفريقيا عام 2015، ومنتدى الصين أفريقيا أعوام 2015 و2018 و2019، وقمة ألمانيا – أفريقيا 2017 و2018 و 2019، وقمة أوروبا – أفريقيا عام 2018، والقمة اليابانية – الأفريقية 2019، والقمة الروسية – الأفريقية عام 2019، وغيرها من قمم مشتركة مع القارة الأفريقية. كما احتلت لقاءات واجتماعات الرئيس بالقادة الأفارقة الذين استقبلهم في مصر أهمية ملحوظة، إذ يزيد عددها على 150 زيارة منذ عام 2014 حتى منتصف عام 2021. كما نجد أن أعضاء الحكومة المصرية والقيادات المختلفة تبادلوا الزيارات مع المسؤولين الأفارقة لتقديم التعاون المشترك الذي يهدف إلى استعادة الدور الريادي لمصر في أفريقيا.
3 – حماية الأمن القومي المصري وخصوصًا الأمن المائي
تعد قضية حماية الأمن القومي المصري من أهم أهداف السياسة الخارجية المصرية في أفريقيا، إذ لو نظرنا إلى حدود مصر المشتركة مع الدول الأفريقية نجد أنها في حالة عدم استقرار. فلو نظرنا إلى ليبيا على حدود مصر الغربية نجد أنها في حالة عدم استقرار منذ سقوط نظام الرئيس القذافي وما تلاه من صراع داخلي يمثل تهديدًا لأمن مصر القومي من ناحية الغرب، وهو ما جعل مصر تسعى لحماية حدودها الغربية ومنع تدفق المقاتلين والأسلحة إلى داخل البلاد، وكذلك منع انتقال الجماعات المتطرفة المعادية للدولة المصرية إلى الأراضي المصرية. كما نجد أن الحدود المصرية – السودانية من ناحية الجنوب كانت محل تهديد لمصر، وبخاصة بعد حالة عدم الاستقرار التي أعقبت سقوط نظام الرئيس السوداني عمر البشير، وكذلك أزمة الخلاف حول قضية حلايب وشلاتين التي تظهر من وقت إلى آخر. أما عن الحدود الشرقية فنجد أن عملية تأمين البحر الأحمر وحماية مدخل قناة السويس هي أيضًا من الأمور التي تسعى مصر لتحقيقها من خلال التعاون مع دول القرن الأفريقي، وبخاصة مع كثرة التهديدات؛ أهمها الصراع في اليمن وما قد ينجم عنه من تهديد لمدخل البحر الأحمر. ولعل قضية حماية الأمن المائي المصري هي أهم قضية في سياسة مصر الخارجية تجاه أفريقيا وبخاصة دول حوض النيل، إذ منذ اندلاع أزمة سد النهضة تسعى مصر للحفاظ على حصتها المائية من خلال الطريق التفاوضي رغم أنه لم ينتهِ حتى الآن ولم يسفر عن اتفاق نهائي بين الدول الثلاث مصر والسودان وإثيوبيا. ورغم التعنت الصادر من المفاوض الإثيوبي فإن مصر تلتزم بمبدأ المفاوضات التي ترجو منها تحقيق التوازن بين حق مصر في الحفاظ على أمنها المائي وحق إثيوبيا في تحقيق التنمية التي تسعى إليها، وذلك بما لا يضر حقوق مصر التاريخية في مياه النيل(3).
4 – دعم عمليات حفظ السلم والأمن وتسوية الأزمات في القارة
من بين أهداف السياسة الخارجية المصرية في القارة دعم عمليات حفظ السلم والأمن في القارة، وتسوية الأزمات والنزاعات في مختلف دول القارة التي تشهد حالة من عدم الاستقرار، وقد تجلى ذلك الأمر من خلال إطلاق الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أثناء توليه رئاسة الاتحاد الأفريقي في مطلع عام 2019 لمبادرة إسكات البنادق. هذه المبادرة هي إحدى مبادرات أجندة التنمية المستدامة للاتحاد الأفريقي عام 2063 التي تهدف إلى جعل أفريقيا سالمة آمنة من خلال إنهاء جميع الحروب والنزاعات في القارة، والقضاء على ممارسات العنف القائم بسبب العرق أو الجنس أو اللون، ومنع جرائم الإبادة الجماعية في أفريقيا، وكذلك تعزيز الحكم الرشيد والمساءلة والشفافية، إضافة إلى تعزيز آليات ضمان السلم والمصالحة على جميع المستوىات. كما أن مصر، من خلال توليها العضوية غير الدائمة في مجلس الأمن الدولي، ورئاسة وعضوية مجلس السلم والأمن الأفريقي، عملت على أداء دور كبير في تسوية أزمات القارة، حيث طرحت أكثر من مبادرة لإنهاء الصراع في ليبيا، وشاركت في دعم اتفاق السلام في السودان، وكذلك دعم عملية المصالحة في جنوب السودان. ولم تتوانَ القيادة المصرية حتى الآن في العمل على تسوية النزاعات والأزمات على مستوى القارة سواء من خلال عضويتها في الأجهزة القارية أو من خلال طرحها مبادرات ذاتية. كما نذكر أن مصر تشارك بجنودها في بعثات حفظ السلام داخل دول القارة، حيث تُعَدّ مصر من بين أكبر عشر دول تساهم بقوات في حفظ السلام في أفريقيا(4).
5 – دعم عمليات التكامل الاقتصادي والتنمية المستدامة في القارة
من أهم أهداف السياسة الخارجية للدول المصرية هو دعم كل ما يعزز العلاقات الاقتصادية المصرية مع دول القارة الأفريقية، وذلك من خلال زيادة معدلات التبادل التجاري، وتعزيز الاستثمارات المتبادلة، وتبادل الخبرات الصناعية، وتوظيف الموارد على نحو يحقق المصالح المشتركة، ونجد أنه منذ تولي القيادة المصرية للبلاد عام 2014 حدثت نقلة نوعية في التعاون المصري – الأفريقي في المجال الاقتصادي ومن دلائل ذلك دعم مصر لأجندة الاتحاد الأفريقي للتنمية المستدامة عام 2063 التي تهدف إلى تحقيق تحول اقتصادي واجتماعي للقارة على مدار الخمسين عامًا المقبلة. كما نجد أن مصر استضافت عددًا من القمم والاجتماعات المتعلقة بالتعاون الاقتصادي بين دول القارة بما فيها مصر، أهمها استضافة مصر لمؤتمر التكتلات الاقتصادية الأفريقية الثلاثة (الكوميسا، والسادك، والإياك) وذلك في شرم الشيخ عام 2015. كذلك استضافت مصر منتدى الاستثمار في أفريقيا لأكثر من دورة أولها في 2016، ومؤتمر ومعرض التجارة البينية الأفريقية في كانون الأول/ ديسمبر 2018، ثم اجتماع رؤساء البنوك المركزية الأفريقية عام 2018. ولعل أهم ما أنجزته مصر في هذا المجال هو دعم اتفاقية منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية التي ستدخل حيز النفاذ مع بداية 2021 كما هو مخطط له(5).
6 – مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة والهجرة غير المشروعة
من بين أهم الأهداف التي تسعى السياسة الخارجية المصرية لتحقيقها في أفريقيا هو هدف مكافحة الإرهاب في دول القارة، وبخاصة في منطقة الساحل الأفريقي التي أصبحت معقلًا للجماعات المتشددة والمسلحة، والتي تهدد الأمن القومي المصري من خلال تواصلها مع الجماعات المسلحة في سيناء وفي ليبيا، وكذلك الجماعات الجهادية في شرق أفريقيا بالصومال والتي يمكن أن تمثل خطرًا على المجرى الملاحي لقناة السويس من خلال استهداف السفن في البحر الأحمر أو في مضيق باب المندب. كما أن مكافحة الجريمة المنظمة وعمليات الاتجار بالمخدرات والسلاح وعمليات الاتجار بالبشر من الأهداف التي تسعى الخارجية المصرية لتحقيقها في القارة، إضافة إلى مكافحة عمليات الهجرة غير المشروعة التي أصبحت تمثل خطرًا كبيرًا من خلال تدفق المهاجرين عبر المناطق الحدودية، وبخاصة في المناطق التي تشهد حالة من عدم الاستقرار داخل دول القارة (6).
7 – محاصرة التغلغل الإسرائيلي والتواجد الإيراني في القارة
لا يخفى على أحد أنه كلما تغلغلت إسرائيل داخل دول القارة الأفريقية أثر ذلك سلبًا في العلاقات العربية – الأفريقية، إذ إن محاصرة التغلغل الإسرائيلي داخل دول القارة من الأهداف التي سعت مصر للعمل على احتوائها على الرغم مما يتم الترويج له إعلاميًا من وجود تعاون مصري – إسرائيلي. غير أن إسرائيل كانت، ولا تزال، هي مبعث القلق الأول لمصر، وأي تعامل رسمي معها يكون مصحوبًا بالتعامل الحذر. ولعل ما قيل عن وجود دور إسرائيلي داعم لسد النهضة الإثيوبي ومحاولة إسرائيل التحكم من خلاله في الأمن المائي المصري بهدف صناعة أدوات ضغط ضد مصر يظل هو الأمر الأشد خطرًا لدى القيادة المصرية وبخاصة بعد لقاءات رئيس الحكومة الإسرائيلي مع رئيس الوزراء الإثيوبي وما أعلنه من تصريحات تتعلق بالتعاون الفني مع إثيوبيا في مسائل الري والزراعة واستخدام المياه. كما أنه على الجانب الآخر تهدف مصر إلى التصدي للأجندة الإيرانية المتعلقة بأفريقيا والتي لديها توجهات أيديولوجية وطائفية قد تؤثر في العلاقات العربية – الأفريقية وبخاصة مع وجود حضور إيراني في بعض الدول الأفريقية وهو ما يتعارض مع توجهات الدولة المصرية وحلفائها في الخليج (7).
8 – التصدي للحضور التركي القطري في القارة
من بين الأهداف التي تسعى السياسة الخارجية المصرية لتحقيقها في القارة الأفريقية هو التصدي للحضور التركي القطري في القارة، حيث إنه نتيجة لحالة الانقسام العربي التي شهدتها الدول العربية والإسلامية عقب “ثورات الربيع العربي” وما تلاها من أحداث أسفرت عن وجود خلاف أيديولوجي بين كل من قطر وتركيا من جانب، ومصر وحلفائها في دول الخليج من جانب آخر، وذلك بسبب دعم كل من قطر وتركيا لتيارات الإسلام السياسي في المنطقة، بينما تصنف مصر ودول الخليج تلك التيارات على أنها تيارات مضادة للنظم الحاكمة في المنطقة. وقد أدى ذلك الخلاف الأيديولوجي إلى قلق مصر من الوجود التركي القطري داخل دول القارة، وبخاصة في منطقة القرن الأفريقي وبالأخص في الصومال، وكذلك الحضور التركي القطري في غرب أفريقيا وفي منطقة الساحل الأفريقي، بل الوجود التركي في ليبيا أيضًا، وهو ما قد يؤدي إلى الإضرار بالمصالح المصرية في القارة، ولا سيّما أمنها المائي بحسب التصور المصري. لذلك كان من بين أهداف السياسة الخارجية المصرية بعد عام 2014 التصدي للحضور التركي القطري داخل القارة(8). هذه هي أهم الأهداف التي سعت القيادة المصرية الجديدة إلى تحقيقها في القارة الأفريقية وإن كان هناك مزيد من الأهداف التي لا يتسع المقام لذكرها.
ثانيًا: تحديات السياسة الخارجية المصرية في أفريقيا
تواجه السياسة الخارجية المصرية في أفريقيا مجموعة من التحديات الداخلية، التي ترجع إلى أسباب من داخل القارة نفسها، وكذلك مجموعة من التحديات الخارجية التي ترجع إلى التفاعلات الدولية والإقليمية، كما تتنوع هذه التحديات إلى تحديات سياسية، واقتصادية، وأمنية، وغيرها من تحديات، ويمكن أن نشير إلى تلك التحديات من خلال النقاط التالية:
1 – تحدي التصدي للقوى الدولية التي تعيق التكامل الأفريقي
تعَدّ القارة الأفريقية مسرحًا للصراع الدولي بين القوى كافة التي تتنافس على نهب خيراتها ومواردها. لذلك تعمل هذه القوى الدولية على تفكيك محاولات التكامل الأفريقي- الأفريقي لكونه سيؤثر في مصالحها داخل القارة. لذلك يعد تحدي التصدي لتلك القوى هو أول تحدٍّ يواجه تنفيذ السياسة الخارجية المصرية في أفريقيا وهو تحدٍّ خارجي كبير، إذ إن القارة محل للصراع الأمريكي – الصيني. وكذلك لفرنسا وجود قوي في مستعمراتها القديمة، إضافة إلى عودة الدب الروسي إلى القارة محاولًا استعادة هيمنته القديمة في ظل أحلام بوتين بعودة الإمبراطورية الروسية. ولذا فإن محاولات التكامل المصري العربي – الأفريقي لا تتوافق مع أجندات القوي الدولية التي تريد إبقاء أفريقيا تابعة وخاضعة لسياساتها وقراراتها داخل المنظومة الدولية(9).
2 – تحدي إصلاح وتفعيل المنظمات الدولية الأفريقية
من بين أهم التحديات التي تواجهها مصر هو تحدي إصلاح وتفعيل المنظمات الدولية الأفريقية وعلى رأسها الاتحاد الأفريقي الذي يعاني عدم الفاعلية، ويظهر ذلك الأمر في عدم قدرة الاتحاد الأفريقي على تسوية كثير من الأزمات المندلعة داخل القارة وعدم قدرته على تطبيق مبدأ الحلول الأفريقية للمشاكل الأفريقية، وانتظار الحلول القادمة من خارج القارة من القوى الدولية والإقليمية، بسبب اعتماد الاتحاد الأفريقي عليها في تمويله، وهو ما يجعل قراراته تابعة لها. وكذلك تحتاج أجهزة الاتحاد الأفريقي إلى الإصلاح والتفعيل، وبالأخص البرلمان الأفريقي ومحكمة العدل الأفريقية. كما أن المنظمات الإقليمية الأفريقية تحتاج هي الأخرى إلى مزيد من الإصلاح والتفعيل من أجل إتمام عمليات التكامل الأفريقي(10).
3 – تحدي تنامي الجماعات الإرهابية داخل دول القارة
تزايدت في الآونة الأخيرة الجماعات الإرهابية في ربوع القارة بصورة غير مسبوقة حيث أصبحت تضم ما يزيد على 64 تنظيمًا وجماعة إرهابية مسلحة وأغلب هذه الجماعات لديها علاقات مع تنظيم القاعدة، وتنظيم داعش، كما تنشط هذه الجماعات في منطقة الساحل والصحراء وفي الصومال وموزمبيق وغيرها من دول القارة. وتمثل هذه الجماعات تحديًا كبيرًا على الاستقرار والأمن داخل دول القارة وهو ما يعوق تنفيذ أهداف السياسة الخارجية المصرية، ويهدد مصالحها في أفريقيا(11).
4 – تحدي مواجهة الأزمات الاقتصادية والصحية
تمثل الأزمات الاقتصادية التي تواجه النظام الاقتصادي الدولي تحديًا كبيرًا للعلاقات المصرية – الأفريقية، وذلك لكونها تؤثر بالسلب في العلاقات الاقتصادية المصرية – الأفريقية، التي تعَدّ أحد المحددات والأدوات اللازمة لمصر في تنفيذ سياستها الخارجية مع أفريقيا. كما أن الأزمات الصحية العالمية وبالأخص أزمة فيروس كورونا المستجد هي من التحديات التي تسعى مصر لمواجهتها والتغلب عليها في علاقاتها مع دول القارة لكونها تؤثر في حركة التجارة والسياحة وتؤدي إلى حدوث كساد اقتصادي بين الدول(12).
5 – تحدي ضعف البنية التحتية ونقص الكوادر المدربة
من بين التحديات كذلك هو ضعف البنية التحتية اللازمة لإقامة المشروعات المصرية في أفريقيا، وبخاصة ما يتعلق بموضوع التجارة الإلكترونية والاقتصاد المعرفي، حيث إن القارة الأفريقية لا تزال متأخرة في هذا المجال بسبب ضعف البني التحتية والشبكات وغيرها من متطلبات تفعيل التجارة الإلكترونية، وكذلك نقص الكوادر البشرية المدربة التي تستطيع مواكبة التطورات في تلك المجالات(13). هذه هي بعض التحديات وإن كان هناك الكثير من التحديات الأخرى.
ثالثًا: تقييم السياسة الخارجية المصرية في أفريقيا
إذا أردنا تقييم السياسة الخارجية المصرية في أفريقيا نجد أنها حققت كثيرًا من النجاحات وإن كان هناك بعض القضايا الحيوية التي تحتاج إلى بذل الكثير من الجهد خلال الفترة المقبلة، ويتضح ذلك في ما يلي:
1- النجاحات التي حققتها مصر في أفريقيا منذ عام 2014 حتى الآن
أ – نجاح مصر في العودة إلى أحضان القارة الأفريقية واستعادة مكانتها وتولي رئاسة الاتحاد الأفريقي.
ب – تمثيل مصر للقارة الأفريقية في كثير من المنتديات والقمم الدولية كما ذكرنا سابقًا.
ج – إطلاق مصر مبادرة لعلاج مليون أفريقي من الالتهاب الكبدي الوبائي المعروف بفيروس سي.
د – قيام وزارة الزراعة المصرية بإنشاء نحو 8 مزارع نموذجية بقيمة 35 مليون جنيه مصري لتنمية مشروعاتها بأفريقيا.
هـ – افتتاح مصر المرحلة الأولى من محطة توليد الطاقة الشمسية بالمزرعة المصرية – التنزانية المشتركة، ومتابعة تنفيذ سد “ستيغلر جورج” في تنزانيا.
و – استضافة مصر عددًا من المؤتمرات والمنتديات الاقتصادية المتعلقة بأفريقيا.
ز – إطلاق مصر البرنامج الرئاسي لتأهيل الشباب الأفريقي للقيادة والذي يهدف لتدريب الشباب الأفريقي.
ح – توصيل مصر الطاقة الكهربائية لنحو 600 مليون أفريقي في إطار المبادرة الأفريقية للطاقة المتجددة.
ط – مضاعفة أنشطة الوكالة المصرية للشراكة من أجل التنمية لخدمة دول القارة، وارتفعت قيمة المنح والمساعدات الموجهة إلى أفريقيا بنسبة 113 بالمئة(14).
2 – الأمور التي لم توفق فيها مصر وتحتاج إلى مزيد من الجهود
أ – تحتاج مصر إلى بذل مزيد من الجهد في ما يخص إنهاء أزمة سد النهضة مع إثيوبيا ووضع أدوات وآليات جديدة لإدارة هذا الملف لكونه يعد أهم ملف في سياسة مصر الخارجية مع أفريقيا.
ب – العمل على إنهاء المطالب السودانية بحلايب وشلاتين والتوصل إلى اتفاق نهائي لحسم تلك القضية وبخاصة مع وجود تقارب مصري مع القيادة السودانية الجديدة.
ج – العمل على التوصل إلى توافق أفريقي دولي لإنهاء الأزمة الليبية التي تمس حدود مصر الغربية، حيث بذلت مصر جهودًا كبيرة وطرحت أكثر من مبادرة لتسوية الأزمة الليبية غير أنها تحتاج بذل المزيد مستقبلًا.
د – رغم ما بذلته مصر من جهود أثناء توليها لرئاسة الاتحاد الأفريقي لم تستطع التنفيذ الكامل لمبادرة إسكات البنادق وما زالت الصراعات مندلعة في القارة حتى الآن وهو ما يتطلب منها وضع آليات جديدة لتفعيل المبادرة بصورة أكبر بالشراكة مع الدول الأفريقية.
هـ – لم تستطع مصر ضمان الفوز لمرشحها في رئاسة البرلمان الأفريقي، وكذلك لم تستطع التنافس مع مرشحة نيجيريا لمنصب مدير منظمة التجارة العالمية، وهو ما يتطلب مزيدًا من التوافق مع دول القارة. هذه هي أهم النجاحات والإخفاقات التي صاحبت مصر في تنفيذها لسياستها الخارجية في أفريقيا.
خاتمة
يمكن أن نشير في هذه الخاتمة إلى أن مصر عادت إلى القارة الأفريقية بقوة وأصبحت فاعلًا قويًا في القضايا الأفريقية كافة، سواء على المستوى القاري أو الدولي، وهو ما يمكن أن يسفر مستقبلًا عن تصاعد الدور المصري بصورة أكبر وتحقيق مصر لكل أهدافها داخل القارة، وبخاصة إذا ما راجعت الأدوات والآليات اللازمة لتنفيذ سياستها الخارجية تبعًا لكل إقليم ولكل دولة بما يتفق مع طبيعتها الخاصة، وكذلك تفعيل الدبلوماسية الشعبية، وبرامج تصحيح الصورة الذهنية لإزالة المدركات السلبية في العلاقات المصرية -الأفريقية لما لها من دور في دعم تنفيذ السياسة الخارجية المصرية.
قد يهمكم أيضاً بريكس في أفريقيا: التوجهات الاقتصادية وآفاق المستقبل
#مركز_دراسات_الوحدة_العربية #العلاقات_المصرية_الأفريقية #أفريقيا #مصر #السياسة_الخارجية_المصرية #سياسة_مصر_الخارجية #الدول_الأفريقية #التكامل_الأفريقي #المنظمات_الأفريقية #الدور_المصري_في_أفريقيا
المصادر:
(*) محمد الجزار: باحث في شؤون السياسة الأفريقية في كلية الدراسات الأفريقية العليا في جامعة القاهرة.
(1) محمد إدريس: البعد الأفريقي في سياسة مصر الخارجية (المؤتمر السنوي للمجلس المصري للشؤون الخارجية، العلاقات المصرية الأفريقية نحو آفاق جديدة، عام 2017)، ص 18، 19.
(2) “السياسة الخارجية المصرية تجاه أفريقيا في عهد الرئيس السيسي،” (الموقع الإلكتروني للهيئة العامة للاستعلامات، بتاريخ 10/2/2019) متاح عبر هذا الرابط https://africa.sis.gov.eg.
(3) رشا عطوة عبد الحكيم، “السياسة الخارجية المصرية تجاه دول حوض النيل،” (جامعة قناة السويس، كلية التجارة بالإسماعيلية، المجلة العلمية للدراسات التجارية والبيئية، المجلد 7، عام 2016) ص91.
(4) دلال محمود، “إسكات البنادق نحو أفريقيا خالية من الصراعات” (المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، أفريقيا 2019 توازنات صعبة ومستقبل طامح) ص16- 17.
(5) د. نهلة أحمد أبو العز: “العلاقات الاقتصادية المصرية الأفريقية،” (جامعة القاهرة، معهد البحوث والدراسات الأفريقية، مركز البحوث الأفريقية، التقرير الاستراتيجي الأفريقي 2014/2015) ص15 وما بعدها.
(6) د. محمود أبو العينين، “العلاقات العربية الأفريقية الوضع الراهن وأبرز التحديات المشتركة،” نفس المرجع السابق، ص 61.
(7) كمال سالم، “التوغل الإسرائيلي في دول شرق أفريقيا وانعكاساته على الأمن القومي العربي،” (ليبيا، مجلة جامعة الزيتونة، العدد 17، عام 2016) ص 44.
(8) بوزيدي يحيي، السياسة الإيرانية والسياسة التركية تجاه أفريقيا دراسة مقارنة (مجلة قراءات أفريقية، العدد 21، عام 2014) ص 41 وما بعدها.
(9) جمال السيد ضلع، “الدور المصري في أفريقيا المتغيرات والتهديدات،” (المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية، دراسات سياسية، مايو 2016)، ص 5، 7.
(10 كريم السيد عبدالرازق، “برلمان عموم أفريقيا: تقييم القدرات المؤسسية والتنظيمية،“ (الهيئة العامة للاستعلامات، دورية آفاق أفريقية، المجلد 11، العدد 37، 2013) ص 59.
(11) محمد مجاهد الزيات، “التحديات الأمنية الأفريقية المشتركة: الإرهاب، الهجرة، الإتجار بالبشر، اللاجئين،“ (المؤتمر السنوي للمجلس المصري للشئون الخارجية، العلاقات المصرية الأفريقية نحو آفاق جديدة، عام 2017 ) ص 53.
(12) محمد السبيطلي ومبارك أحمد محمد “التداعيات الاقتصادية والأمنية لجائحة كورونا بأفريقيا،” (مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، تقدير موقف، مايو 2020) ص 7، 9.
(13) كريم سالم حسين، “الاقتصاد المعرفي ودوره في التنمية الاقتصادية جمهورية مصر العربية نموذجًا،” (جامعة البصرة، كلية الإدارة والاقتصاد، مجلة العلوم الاقتصادية، المجلد 6، العدد 24) ص 74.
(14) هايدي الشافعي، حصاد رئاسة مصر للاتحاد الأفريقي الإنجازات الاقتصادية،” (الموقع الإلكتروني للمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، المرصد المصري، بتاريخ 6/2/ 2020) متاح عبر هذا الرابط: https://marsad.ecsstudies.com.
محمد الجزار
باحث في شؤون السياسة الأفريقية في كلية الدراسات الأفريقية العليا في جامعة القاهرة.
بدعمكم نستمر
إدعم مركز دراسات الوحدة العربية
ينتظر المركز من أصدقائه وقرائه ومحبِّيه في هذه المرحلة الوقوف إلى جانبه من خلال طلب منشوراته وتسديد ثمنها بالعملة الصعبة نقداً، أو حتى تقديم بعض التبرعات النقدية لتعزيز قدرته على الصمود والاستمرار في مسيرته العلمية والبحثية المستقلة والموضوعية والملتزمة بقضايا الأرض والإنسان في مختلف أرجاء الوطن العربي.