تباينت الاتجاهات، من ماركسية علمانية، إلى دينية، وأخرى قومية، في الإجابة عن التساؤلات حول مفهوم العروبة والمحدد الرئيس لهذا المفهوم. لذا آثرت مؤلفة هذا الكتاب أن تنطلق بالقراءة حول مفهوم العروبة من منظور المؤرخ عبد العزيز الدوري، أحد رواد حركة التأريخ العربي – الإسلامي في العصر الحديث والمعاصر، متناولة مؤلفاته وبحوثه المتعلقة بموضوع العروبة، التي تخدم البعد القومي للفكرة
العربية، والتي كان ارتباطها وتلازمها مع الإسلام من وجهة نظره، الأساس في ظهور مفهوم الأمة العربية، ذلك المفهوم الذي تتبع الدوري الظروف التاريخية بكل جوانبها لظهوره، بغية الوصول إلى دلالاته وماهية التطورات المفضية إلى تشكله قبل الإسلام وبعده.
وانطلاقاً من المنهج التاريخي الاستقصائي، تقدم المؤلفة في خمسة فصول وخاتمة رؤية الدوري لمفهوم العروبة تاريخياً، عله يسهم في تأسيس مرجعية فكرية لدى الشباب العربي لفهم مرحلتهم التاريخية الحالية.
يتناول الفصل الأول تطور الفكر القومي في العراق من عام 1913 إلى عام 1963، ليقدم صورة أولية عن البيئة التي عاش فيها المؤرخ عبد العزيز الدوري بكل جوانبها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، مركزاً على المؤتمر العربي الأول الذي عقد في باريس عام 1913 ومساهمة العراقيين البارزة فيه، التي توجوها في مساهمتهم في الثورة العربية الكبرى عام 1916، والطروحات الوحدوية التي رفعوا شعارها أبان الثورة العراقية عام 1920، وما نتج منها من تطور فكري ومؤسسي لدعم الفكر القومي لدى العراقيين.
ويتناول الفصل الثاني نشأة الدوري والمحطات الرئيسية في حياته التي صاغت بمجملها فكره ورسمت الأيديولوجيا الفكرية التي انطلق منها في كتاباته التاريخية، بينما يتطرق الفصل الثالث إلى منهج المؤرخ عبد العزيز الدوري وفهمه لمصطلح التاريخ بعامة، والتاريخ العربي بخاصة، وصولاً إلى وضعه سلّماً لتحقيب هذا التاريخ.
أما الفصل الرابع، فيعرض لخصوصية التاريخ العربي التي درسها الدوري عبر تطورات تاريخية امتدت لعقود قبل مجيء الإسلام الذي رسخ هذه الخصوصية وأعطاها بعداً وديمومة من خلال بلورة مفهوم العروبة وترسيخها كهوية تصدر عن الأمة التي استمرت إلى يومنا هذا في الفكر والواقع.
ويناقش الفصل الخامس مفهوم الأمة عند الدوري كأحد أهم مظاهر الترابط بين العروبة والإسلام، متناولاً أهم مقومات وجودها ألا وهي الثقافة العربية.
وتخلص المؤلفة إلى أن الوجود العربي سابق على الإسلام، وهو قائم على أساس رابطة اللغة التي شكلت أساس الهوية لذلك الوجود، قبل أن يأتي الإسلام ليرسخ هذه الهوية ويرتبط عضوياً بالعروبة، ليؤدي هذا الترابط إلى ظهور مفهوم الأمة العربية في التاريخ على أسس ثقافية عبر تطور اجتماعي – فكري طويل الأمد، وذلك بفعل التطورات الاقتصادية والتحولات الاجتماعية التي تقاطعت مع الجانب السياسي، وحولت أيضاً بمرور الزمن مفهوم العروبة من مفهوم ثقافي إلى مفهوم سياسي، عبر عنه الدوري بظهور القومية العربية في العصر الحديث الذي يعد الإسلام بمفهومه الحضاري، وتراثه العربي – الإسلامي، أحد المفاصل الحيوية فيها.
بدعمكم نستمر
إدعم مركز دراسات الوحدة العربية
ينتظر المركز من أصدقائه وقرائه ومحبِّيه في هذه المرحلة الوقوف إلى جانبه من خلال طلب منشوراته وتسديد ثمنها بالعملة الصعبة نقداً، أو حتى تقديم بعض التبرعات النقدية لتعزيز قدرته على الصمود والاستمرار في مسيرته العلمية والبحثية المستقلة والموضوعية والملتزمة بقضايا الأرض والإنسان في مختلف أرجاء الوطن العربي.