يعرض هذا الكتاب للعوامل الاقتصادية والجيوبوليتيكة للغاز في العالم، ليؤكد أن الصراع على الغاز اليوم بات كالصراع على النفط بالأمس، يكتسب أهميته بوصفه صراعاً على سلعة أساسية تحرك عجلة الاقتصاد العالمي، وتحضر في الجيوبوليتيك للقوى الدولية والإقليمية، مستدعية التنافس فيما بينها لتأمين منابعها وطرق إمداداتها، مع ما يرافق ذلك من تدخل لهذه القوى الأجنبية لفرض نفوذها وهيمنتها على مناطق النفط والغاز، واستقطاب دولها في سياق تقاسم النفوذ والمصالح، وإدخالها في اقتتال فيما بينها، لا أفق له سوى اللعنة، «لعنة النفط» و«لعنة الغاز».
ويوضح الكتاب أن الصراع على الطاقة تُوِّج بحروب شملت وسط آسيا وسورية وأوكرانيا وأفريقيا، وتخللتها مواجهات قانونية وعقوبات ومقاطعة بين الدول والشركات المتنافسة. وتحولت أغلبية الدول، ولا سيّما العربية منها، التي امتلكت النفط والغاز، إلى ساحة الصراع على النفوذ، فتقاسمتها القوى الكبرى والإقليمية، لتشركها بصورة مباشرة أو بالوكالة – في صراعات عربية – عربية، أو عربية – إقليمية، يقتل فيها العربي أخاه العربي – من أجل الاستفراد بالثروة على غرار «هابيل وقايين» (أي قابيل)، وهو ما يصيبها بلعنة «قايين» وتحديداً بـ «لعنة قايين العرب»: النفط.
وإذا ما كان النفط دليل القوى الغربية في القرن العشرين لرسم الحدود بين العرب وفق مصالحها المرتبطة بتوزيع ثروة النفط، وإيجاد البيئة الملائمة للنزاعات العربية – العربية، فقد جاء القرن الحادي والعشرون، بلعنة ثانية على العرب هي الغاز الطبيعي، فأصبحت الشعوب العربية وبلاد العرب وقوداً في «حروب الغاز»؛ في سورية وليبيا واليمن والعراق ومصر، وصولاً إلى لبنان وفلسطين. هنا أيضاً لم تواجه القوى الغربية صعوبة في إيجاد أمراء يملكون الكثير من الغاز ويقبلون أن يكونوا «شركاء» في قتل عربٍ آخرين.
وفي سياق رسم صورة عن تعقيدات موضوع الغاز في حوض البحر الأبيض المتوسط، والمخاطر المحيطة باستخراج الغاز اللبناني خصص المؤلف فصـلاً عن لبنان حذَّر فيه من تأخر لبنان في توقيع الاتفاقات التجارية لاستثمار ثروته بسبب الخلافات على المحاصصات السياسية – الطائفية والفساد المهيمن على القطاع العام، فيما الشركات العالمية تعمل منذ سنوات في شرق المتوسط وبخاصة في إسرائيل وقبرص ومصر. ورأى المؤلف أن لبنان قد يصبح خارج الخريطة الإقليمية والدولية إذا ما قام حلف للطاقة بين قبرص وإسرائيل ومصر لتصدير الغاز إلى أوروبا بواسطة أنابيب روسية إلى الاتحاد الأوروبي. كما حذر من خطر تدفّق الغاز الروسي والغاز من وسط آسيا وإيران وشرق المتوسط – باستثناء غاز لبنان – إلى هبوط أسعار الغاز في السوق الأوروبية إلى مستوى تصبح معه تكلفة استخراج الغاز اللبناني مرتفعة أو دون جدوى اقتصادية، بحيث يبقى في أعماق البحر، من دون استخراج أو فائدة تذكر.
بدعمكم نستمر
إدعم مركز دراسات الوحدة العربية
ينتظر المركز من أصدقائه وقرائه ومحبِّيه في هذه المرحلة الوقوف إلى جانبه من خلال طلب منشوراته وتسديد ثمنها بالعملة الصعبة نقداً، أو حتى تقديم بعض التبرعات النقدية لتعزيز قدرته على الصمود والاستمرار في مسيرته العلمية والبحثية المستقلة والموضوعية والملتزمة بقضايا الأرض والإنسان في مختلف أرجاء الوطن العربي.