مقدمة:

تهدف هذه الدراسة إلى تحليل الجوانب المختلفة للعلاقات الحمساوية – السلفية(**) الجهادية في قطاع غزة، والمراحل التي مرت بها، وكيفية التعامل بين الطرفين في مراحل الهدوء ومراحل التأزم، ومدى تأثير التطورات السياسية الإقليمية في هذه العلاقة.

وفي إطار هذه الدراسة الممتدة منذ بداية تشكيل الحركات السلفية الجهادية، الذي تزامن مع بداية حكم حماس للقطاع عام 2007 وحتى نهاية أيلول/سبتمبر 2017، وهو العام الذي طرأ فيه تحسن على العلاقات الحمساوية – المصرية، وتأزمت فيه علاقة حماس مع السلفية.

وفي إطار ذلك تسعى هذه الدراسة للإجابة عن عدد من الأسئلة والتي تتمثّل أهمها بالآتي:

  • ما طبيعة العلاقة بين حماس والسلفية؟ وما هو مستقبل هذه العلاقة في ظل التزام حماس بالتهدئة مع إسرائيل والتفاهم الحمساوي مع مصر؟
  • هل ساهمت البيئة الاجتماعية والسياسية والأمنية، التي خلقتها حماس في غزة في نمو الحركات السلفية؟
  • ما هو موقف السلفية من ممارسات حماس القمعية بحقها؟
  • هل تسير العلاقة نحو القطيعة عبر زيادة حدة الضربات الحمساوية للسلفية؟
  • هل يحقق التعامل الأمني مع السلفية الاستقرار الأمني في القطاع؟
  • إلى أي مدى يمكن أن تنعكس تبعات المصالحة الجارية بين فتح وحماس برعاية مصرية على العلاقة بين حماس والسلفيين وعلى حجم السلفيين ودورهم في غزة؟

 

أولاً: نشأة الحركات السلفية الجهادية في القطاع

إن الحركات السلفية في القطاع جديدة وبلا جذور، فقد بدأت بالظهور خلال الانتفاضة الثانية عام 2002، كما أنها تفتقر إلى شيوخ ومراجع أصيلة، مقارنة بحركة الإخوان المسلمين‏[1]. تشكل السلفية تهديداً مستمراً لحماس، رغم تراجعها عندما قضت حماس عام 2009 على أول إمارة إسلامية تعلنها السلفية في القطاع. على الرغم من ذلك تمددت السلفية ونفذت عدداً من العمليات التفجيرية الداخلية التي استهدفت مؤسسات ومقاهيَ ومحال للإنترنت، وصالونات للسيدات، ومؤسسات مسيحية، وأطلقت صواريخ على إسرائيل للانتقام من حماس.

1 – الفكر المتطرف وبدايات الظهور

السلفية الجهادية هي جماعة مغلقة على الأتباع، متمحورة حول شيخ وأيديولوجيا، ويقوم خطابها على أنها المدافع عن الطائفة السنيَّة في وجه الطوائف الأخرى. يلامس خطابها العقائدي حاجة نفسية لدى شرائح معينة من الجمهور المستهدف الذي يعاني غضباً وتهميشاً وفراغاً ناجماً عن الصعوبات المعيشية، الأمر الذي يحيل فكرة الخلاص مدخـلاً أساسياً في استراتيجيات التجنيد والتأطير من جانب هذه الجماعات‏[2].

والجهاد عند السلفية هو السبيل لإعلاء كلمة الله وتغيير أنظمة الحكم الكافرة، وتحرير البلاد المحتلة وتطبيق الشريعة. ولا يقف هدفها عند استعادة النظام السياسي الإسلامي وإنما يتجاوزه إلى الجهاد في كل مكان من أجل إقامة دولة خلافة عالمية. وهي ترفض أسس الحكم المعاصرة وتطبيقاتها المتعددة بوصفها كفراً. إضافة إلى أنها تتبنى صيغة جذرية لتقسيم البشرية على أساس ديني، مسلم وكافر، معتبرة جزءاً كبيراً من المسلمين كفاراً‏[3]. وتتبنى السلفية منهاج التغيير بقوة السلاح من أجل إقامة الدولة الإسلامية. ومنهاجها لا يهدف إلى تخريج سلفيين فقط، بل شريحة من الجهاديين التكفيريين أيضاً، وبذلك يبررون استخدام العنف ضد بقية المسلمين بتهمة الارتداد عن الدين‏[4].

وفي القطاع، ظهرت أعداد قليلة جداً ممن يتبنون الأفكار المتطرفة للمرة الأولى قبل عقد من الزمن، منشقين عن فصائل إسلامية ووطنية، وأطلقوا على أنفسهم تسميات سيوف الحق وجند أنصار الله، وغيرها من الأسماء. ارتبطت هذه الجماعات فكرياً بتنظيم القاعدة قبل أن تتحول إلى داعش، بعد ظهوره في العراق عام 2014. لكن نقطة التحول الرئيسية كانت في عام 2006 نتيجة مشاركة حماس في انتخابات المجلس التشريعي حيث أصيب عشرات من أنصارها وكوادرها بصدمة كبيرة، إذ اعتبروا من وجهة نظرهم أن الحركة تخلت عن مبادئها وقيمها الإسلامية، التي تعتبر أن الانتخابات حرام شرعاً، لمصلحة قيم علمانية كافرة‏[5].

تجدر الإشارة هنا إلى أن معظم العناصر المتطرفة قد خرجت من صفوف حماس، وتكمن المشكلة في أساليب التلقين المستخدمة من جانب حماس، وهو ما جعل عناصرها منغلقة ولا تتقبل الأفكار الأخرى وتنظر إلى الآخر الوطني بالريبة والشك‏[6]. وعلى الرغم من تعرض السلفية على نحوٍ مستمر لضربات حماس العنيفة فإنها ما زالت قادرة على الوجود وتجنيد أتباع جدد والاستمرار في التهديد المباشر لحكم حماس.

ويبيِّن الكاتب حلمي الغول أن الانقلاب هو من أوجد التربة الخصبة لنشوء السلفية، ومنحها الحماية، وجزء أساسي من عناصر السلفية هم من منتسبي كتائب القسام. ويرى الغول أن رفض حماس خيار المصالحة، وتمسكها بالحكم سيسهم في اتساع دور السلفية‏[7].

يستدل مما سبق، أن سيطرة حماس على القطاع بقوة السلاح، والحصار المفروض على القطاع، وتردّي الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية، وهجرة الشباب، وغيرها من العوامل الموضوعية، قد ساهمت في خلق بيئة اجتماعية وسياسية وأمنية وفّرت أرضية خصبة لنمو السلفية. ويمكن القول إن العديد من قادة السلفية وأعضائها قد خرجوا من رحم حماس، إضافة إلى استغلال إسرائيل لهذه الظاهرة من أجل ضرب المقاومة من خلال توريط عناصر السلفية في أعمال التخريب وخرق الهدنة مع إسرائيل واستهداف الجيش المصري لإدامة الحصار على القطاع.

2 – العوامل الرئيسية التي ساعدت على ظهورها وانتشارها‏[8]

أ – الواقع السياسي: مشاركة حماس في السياسة الرسمية الفلسطينية اعتُبرت من جانب السلفيين اتباعاً لوسائل علمانية، فبدأ السلفيون يشيعون أن الانتخابات حرام وتحكيم لغير شرع الله.

ب – المحافظة على التهدئة مع إسرائيل: توقف حماس عن المقاومة أحياناً من أجل تثبيت حكمها، الأمر الذي منح السلفية فرصة لاتهامها بالتراجع عن ثوابتها وتخليها عن المقاومة.

ج – تردي الأوضاع الاقتصادية: الحصار المفروض، وما صاحبه من ضغط واقع على القطاع، دفع بالبعض لاتهام حماس بالتسبب بالأزمة؛ فالظروف المعيشية الصعبة التي يعانيها أهالي القطاع، وانتشار مظاهر الفقر والبطالة وتفشي الفساد، دفعت الشباب الغزاوي للانتماء للسلفية كسبيل للهروب من الواقع الاجتماعي والاقتصادي الصعب‏[9].

د – الانقسام الفلسطيني: أدى الانقسام الفلسطيني إلى تفشي التطرف في صفوف فئة من الشباب شعرت بالغبن والظلم، وهو ما يفسر وجود أعضاء سابقين من حماس في صفوف السلفية‏[10].

إن نجاح السلفية في التمدد، جعلها طرفاً مؤثراً في الواقع الفلسطيني، وهو ما سينعكس على بنية المجتمع، وعلى وجود الفصائل، وحالة التعايش المجتمعي وواقع الأقليات الدينية‏[11].

ثانياً: منطلقات السلفية ورؤيتها

لا تعتبر السلفية نفسها جزءاً من النظام السياسي الفلسطيني، بل جزءاً من منظومة دينية أكبر تشمل العالم الإسلامي وتتباهى بالعلاقة مع الجهاد العالمي والقاعدة، ورؤيتهم تتلخص فيما قدمه قادتها ‏[12]:

– القيادي السلفي محمود طالب (17 أبريل/نيسان 2011) الذي قال: «نحن نؤمن بأن الجماعات الإسلامية التي تشارك بالانتخابات هي جماعات بدعية، نبرأ إلى الله من أفعالها، كما نؤمن أن العلمانية على اختلاف راياتها ومسمياتها وأحزابها هي كفر بواح مخرج من الملة، ونؤمن أن الحاكم بغير ما أنزل الله وطائفته المُبدلين للشريعة هم كفار مرتدّون، والخروج عليهم بالسلاح والقوة فرض عين على كل مسلم».

– كما شدد القيادي السلفي أبو عبد الله المهاجر من جهته في أكتوبر/2012 على الهدف الأساس للسلفية، المتمثل بإقامة الإمارة الإسلامية، حيث صرّح «نحن دوماً نخطط لإقامة شرع الله في الأرض، وهذا فرض وواجب على كل مسلم، ومشروعنا قائم بإذن الله، وسيأتي اليوم الذي يحقق فيه المجاهدون مشروعهم».

في البداية تسامحت حماس مع الأنشطة السلفية في المساجد والجمعيات، لأنها وجدت فيها دعماً لخطها الإسلامي في مواجهة التيار العلماني. لكن بعد تزايد نفوذ السلفية وخروجها عن طواعية حماس، بالتناغم مع توجهات كل من القاعدة وداعش، أصبحت تشكل خطراً على حكم حماس. ويتضاعف نشاط السلفية في أوقات الهدوء بين حماس وبعض الدول الإقليمية، وتجد حماس أن عمليات السلفية تعطي ذريعة لإسرائيل لجر القطاع مجدداً إلى حرب‏[13].

1 – الركائز الأساسية لدعايتها

– اتهام حماس بأنها انتقلت من المقاومة إلى سدة الحكم.

– تقاعس حماس عن تطبيق الشريعة الإسلامية في القطاع.

– تلقي حماس الدعم المالي والعسكري من إيران، وهو ما عرّض الحركة للاتهام بأنها جعلت من القطاع بوابة للتشيُّع‏[14].

– التزام حماس التهدئة مع إسرائيل ومنع التنظيمات من إطلاق الصواريخ باتجاه إسرائيل وحمايتها للحدود مع الاحتلال ومصر.

2 – العنف المتطرف

تعتمد السلفية على العنف المتطرف المسلح مع رفض أي شكل للتعامل السلمي في العملية السياسية مع حماس سواء بالتحالف أو المشاركة أو حتى المهادنة.

يأتي في سياق ذلك، هجمات السلفية على مؤسسات مسيحية وغربية في القطاع، منها اختطاف مراسل هيئة الإذاعة البريطانية آلن جونستون سنة 2006، وتفجير مكتبة جمعية الشبان المسيحيين في شباط/فبراير 2008، والهجوم على مدرسة تديرها الراهبات في أيار/مايو 2008، وإطلاق النار على شرطي من حماس، ردت الأخيرة عليها رداً موجعاً؛ ففي أيلول/سبتمبر 2008 حاصرت حماس مجمعاً سكنياً لعشيرة دغمش، وأطلقت ذخيرة حية عليه، أسفرت عن مقتل أحد عشر شخصاً وجرح عشرات آخرين‏[15].

وتعد العملية الانتحارية التي نفذها أحد أعضاء السلفية في آب/أغسطس2017 ضد مجموعة الضبط الميداني التابعة لكتائب القسام على الحدود المصرية – الفلسطينية نقلة نوعية غير مسبوقة ضد حماس منذ عقد على حكمها القطاع، وقد أثارت هذه العملية من جديد الكثير من الأسئلة، منها: ما هو مدلول الزمان والمكان للعملية الانتحارية؟ وهل المستهدف منها هو تحسن العلاقات المصرية – الحمساوية؟ وهل يوجد للسلفية ارتباطات خارجية؟ وهل للموساد الإسرائيلي علاقة بكل ما يحصل؟ ولعل مشاركة العميل السلفي أشرف أبو ليلة باغتيال القائد القسامي مازن فقهاء في آذار/مارس 2017 أكبر دليل على أن السلفية مخترقة وهناك من يوجهها لخلط الأوراق وإدامة توتر العلاقات الحمساوية – المصرية. يقودنا هذا إلى أن الصراع بين حماس والسلفية بدأ يأخذ شكـلاً خطيراً، بعد العملية الانتحارية، ولقد أصبح الطرفان يتعامل أحدهما مع الآخر من خلال اعتماد استراتيجية عدائية، وهذه الاستراتيجية نابعة من التهديد المباشر الذي تشكله السلفية لحكم حماس.

يرى عدد من المحللين أن الهجوم الانتحاري هو رد على التفاهمات بين حماس والقاهرة التي تشمل لجم حماس للسلفية داخل القطاع، ويعكس التفجير كذلك رفض المتشددين للمصالحة الجارية بين حماس ودحلان برعاية مصرية. وترى السلفية أن حصول هذه المصالحة يعني نهايتها‏[16].

من ناحية ثانية أعلنت أجناد بيت المقدس في 25 أيار/مايو 2016 تبنيها إطلاق صاروخ كاتيوشا محلي الصنع باتجاه موقع إسرائيلي؛ وعليه قام الجيش الإسرائيلي بمهاجمة أهداف تابعة لحماس في قطاع غزة‏[17].

وقد اتهم يونس الأسطل في تصريح له في21 آب/أغسطس 2017 بأن «معظم من قابلتهم من هؤلاء الشباب السلفيين في العشرينات من العمر هم أناس بسطاء من حيث الثقافة – لا وعي سياسي ولا أمني ولا ديني – وهؤلاء تلقوا بعض القناعات عبر الإنترنت، وأن الحاجة المالية هي من دفعت بعضهم للالتحاق بهذه الجماعات»‏[18]. واتهم الأسطل الاحتلال باستغلال هؤلاء الشبان في إقناعهم أن واقع الشعوب العربية هو الكفر والردة، وأن حماس على وجه الخصوص ليست حركة دينية إنما هي حركة سياسية تتستر بالدين‏[19].

3 – أسباب تأخر ظهورها‏[20]:

أ – قوة الحركة الإسلامية وتجذرها داخل المجتمع؛ وهو ما كان له أثره الملحوظ في الحد من امتداد السلفية.

ب – قدرة الحركة الوطنية والإسلامية على استيعاب الطاقات الشبابية المتدينة التواقة إلى العمل المقاوم، وخصوصاً إبان الانتفاضتين، كما نجحت في إدارة حوار جاد مع الإسلاميين الشبان ممّن تأثروا بنوازع سلفية.

ج – الموقف المعارض لدى الفصائل المختلفة – الوطنية والإسلامية – من السلفية، منع السلفية من التمدد والانتشار، وذلك حتى العام 2007 على الأقل عندما حدث الانقسام.

ثالثاً: أبرز الحركات السلفية الجهادية في القطاع

تنقسم الجماعات السلفية في القطاع إلى مجموعتين: الأولى دعوية وهي التي يتبع لها حزب النور، والثانية جهادية مسلحة، ومنها جماعات تنظيم جند الله، وسيوف الحق، وجيش الأمة، وجيش الإسلام، وجلجلت، والتوحيد والجهاد، وسرية الشيخ عمر حديد‏[21].

1 – جند أنصار الله

برز اسم التنظيم عقب فوز حماس في الانتخابات عام 2006، وما تلاها من فوضى عارمة، وسيطرة حماس على القطاع، بعد الحسم العسكري سنة 2007‏[22]. وتعد جند أنصار الله هي العنوان الأبرز لمجمل نشاطات الحركات السلفية، في محاولة منها لتشكيل إطار واسع للسلفية. وقد بدأت مشكلاتهم مع حماس بعد التفجيرات التي حصلت بالقطاع، وبالأخص بعد التفجير الذي استهدف حفل زفاف عائلة دحلان، إضافة إلى امتناع أمير الجماعة عن تسليم مسجد ابن تيمية لوزارة الأوقاف التابعة لحماس في إطار الحملة التي قامت بها حماس للسيطرة على المساجد‏[23].

وانفجر التوتر بين الطرفين في الرابع عشر من آب/أغسطس عام 2009، عندما انتقد زعيم جند أنصار الله الشيخ الطبيب عبد اللطيف موسى من منبر مسجد أنصار الله، تقاعس سلطة حماس عن تطبيق الشريعة الإسلامية، وأعلن عن قيام إمارة إسلامية في رفح، فاعتبرت حماس هذا الإعلان تمرداً على سلطتها، وحاصرت قواتها المسلحة المسجد وحصل إطلاق نار بين الطرفين أدى إلى قتل أكثر من 20 شخصاً وإصابة ما يزيد على 70 آخرين، وانتهى الحادث بإنهاء التمرد‏[24]. بعد أحداث المسجد، لم تشهد العلاقة بين حماس والسلفية تحسناً كبيراً، حيث انتهجت حماس أسلوب الملاحقة الأمنية وتجريدهم من أسلحتهم‏[25].

2 – سيوف الحق‏[26]

برز اسم التنظيم عام 2006، وتبنى خطاباً دينياً تخطى حدود القطاع، ليتلامس مع الحركات الجهادية خارج فلسطين. وحارب التنظيم مظاهر الحياة الغربية في القطاع، وتبنى العديد من العمليات، مثل إطلاق قذائف آر بي جي وتفجير بعض العبوات الناسفة في محال الإنترنت، وتفجير متجرين لتسويق الأغاني، وأعلن التنظيم مسؤوليته عن تفجير مكتب قناة الجزيرة عام 2007.

3 – جيش الأمة

تشكل جيش الأمة في حزيران/يونيو 2007‏[27]، وهو جماعة إسلامية تأسست وفق أيديولوجيا تنظيم القاعدة. يتزعم هذا التنظيم أبو حفص المقدسي، وكانت تسمح حماس له بالعمل في إطار تفاهم غير مكتوب بأن ينأى عن السياسات الداخلية وألا يستخدم القوة لفرض معتقداته‏[28]. ويضم التنظيم مقاتلين فلسطينيين ومقاتلين من جنسيات أخرى. ويشير المتحدث الإعلامي للتنظيم إلى أن حماس لا تطبق الشريعة الإسلامية، وترهق المواطنين بالضرائب الباهظة، وتعتقل الدعاة وتمنعهم من ممارسة الدعوة‏[29].

4 – جيش الإسلام‏[30]

تعود جذوره الأولى إلى أواخر عام 2005 بعد الانسحاب الإسرائيلي من القطاع، وفي 8 أيار/مايو 2006، صدر بيانه التأسيسي. أسسه الضابط السابق في جهاز الأمن الوقائي ممتاز دغمش بعد انشقاقه عن لجان المقاومة الشعبية. وقد برز اسم التنظيم بقوة عندما شارك في اختطاف الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط، في25 حزيران/يونيو 2006.

نفذ التنظيم العديد من العمليات، منها احتجاز صحافيين تابعين لوكالة فوكس نيوز الأمريكية، وخطف الصحافي في هيئة الإذاعة البريطانية آلن جونستون عام 2007. وينسب له تنفيذ هجمات على مقار جمعية الشبان المسيحية، والمدرسة الأمريكية، ومهاجمة أفراد من كتائب القسام. كما أن وسائل الإعلام المصرية تردد اسم دغمش، كأحد أبرز المتهمين الأساسيين في عدة اعتداءات مسلحة وقعت في مصر وسيناء. وتسبب التنظيم في حرج شديد لحكومة حماس، إذ واجهت اتهامات من أطراف إقليمية بإيواء عناصر تتبنى تنظيم القاعدة‏[31].

5 – جلجلت‏[32]

ظهر هذا التنظيم إلى العلن عام 2007، وهو اسم جمعي لكل التنظيمات السلفية في القطاع، ومرده إلى أنشودة جلجلت التي انتشرت بين معتنقي الفكر الجهادي في أفغانستان والعراق والشيشان. ويعتبر محمود طالب الناشط السابق في حماس أحد أهم قادته. حاول استهداف موكبَي الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر ورئيس الحكومة البريطانية السابق توني بلير، اللذين كانا في زيارتين منفصلتين لغزة، ويُنسب إليه أيضاً تفجير العشرات من مقاهي الإنترنت، وكذلك تفجير منزل النائب الحمساوي مروان أبو راس.

6 – التوحيد والجهاد

يطلق عليه أنصار بيت المقدس، وهم جماعة تتبنى أفكار تنظيم القاعدة. يعتقد أن ظهورها الأول كان عام 2011، نتيجة الفراغ الأمني الناجم عن سقوط نظام حكم الرئيس الأسبق حسني مبارك. فبدأت تنشط في القطاع والشريط الحدودي مع مصر، وسيناء. وتعود جذورها إلى الجماعات الجهادية التي تشكلت في سيناء خلال تسعينيات القرن الماضي‏[33]. أمير الجماعة هشام السعيدني الذي كان له الدور الأبرز في تشكيلها، ونسبت للتنظيم تفجيرات شرم الشيخ ودهب ونويبع عام 2004‏[34]. الجماعة عبارة عن خليط من فلسطينيي القطاع ومصريين كانوا يتبعون جماعة التوحيد والجهاد‏[35].

إبان حكم الرئيس الأسبق محمد مرسي، قامت الجماعة بخرق الهدنة بين إسرائيل وحماس، وهو ما دفع حماس إلى ملاحقة عناصرها، وهذا ما دفعهم إلى الهروب إلى سيناء والاندماج بجماعة التوحيد والجهاد. وتحول اسم الجماعة إلى ولاية سيناء بعد إعلان ولائهم لزعيم تنظيم داعش أبو بكر البغدادي‏[36].

7 – سرية الشيخ عمر حديد‏[37]

تشكلت عام 2015، وبعد ظهورها بأسبوع هاجمت إسرائيل ثلاث مرات بعدة صواريخ. فشددت حماس الخناق على السلفية، واعتقلت المزيد من عناصرها وأخضعتهم لتحقيقات بهدف الحصول على معلومات حول السرية ومصدر صواريخها على نحو محدد.

وقالت مصادر مقربة من السلفية، إن السرية جزء من هذه الجماعات العاملة في القطاع منذ سنوات طويلة وتضم عناصر جديدة كانت منضوية في صفوف فصائل فلسطينية، ومنها كتائب القسام. تستخدم هذه السرية صواريخ سوفياتية من طراز غراد‏[38].

علاوة على ما سبق، ظهر العديد من الجماعات السلفية الجهادية الصغيرة الداعية إلى إقامة إمارة إسلامية في القطاع تحت أسماء مختلفة، منها: أبناء أهل السنة والجماعة، وعصبة الأنصار، والجبهة الإسلامية، وجحافل التوحيد والجهاد، وغيرها من المسميات.

رابعاً: العلاقة بين حماس والسلفية الجهادية

وصلت العلاقة بين حماس والسلفية إلى حالة من القطيعة، عقب إعلان حماس أنها لا تسعى لأسلمة المجتمع، وزادت العلاقة تأزماً بين الطرفين، ولا سيَّما بعد اشتباكات دامية دارت بين حماس وعائلة دغمش أوقعت 11 قتيـلاً من العائلة. وقالت حماس إن أسباب تلك المواجهات جنائية، إلا أن جيش الإسلام أعطاها صبغة أيديولوجية‏[39].

1 – ركيزتا التعامل بين حماس والجهادية السلفية

استندت حماس على ركيزتين أساسيتين في تعاملها مع السلفية‏[40]: (أ) الحوار الفكري المكثف مع الشبان من خلال العلماء والمشايخ. إلا أن هناك صعوبة في إقناعهم لأن أيديولوجيتهم تقوم على احتكار الحقيقة، فهم لا يثقون بالعلماء ولا يعترفون بهم، ويعتبرونهم مرتدِّين وعلى ضلال؛ و(ب) المتابعة الأمنية، حيث تعمل حماس على اعتقال كل من تشي تحركاته بأنه بات يشكل تهديداً، حيث تعمل على تجفيف منابع السلفيين.

من الطبيعي أن تولي حماس اهتمامها بالأمن وتسعى لاستقراره، حيث قال مصدر أمني حمساوي إن الأمن مقدس، وحماس لن تتهاون فيه أبداً، وأن الهدف من وراء إطلاق هذه الصواريخ هو للتشويش على حكم حماس، ولاستجلاب رد وقصف إسرائيلي‏[41].

وبهذا الصدد، صرح القيادي السلفي البارز أبو العيناء الأنصاري في 11حزيران/يونيو 2015، أن إطلاق الصواريخ سيستمر وأن ذلك مرتبط بالوضع الأمني بالقطاع، مطالباً حماس بالإفراج عن المعتقلين كافة فوراً للعودة إلى الهدوء. وفي نفس السياق بيّن المسؤول السلفي محمد أبو جامع أن التوصل إلى اتفاق بين السلفية وحماس يتضمن توقف السلفية عن إطلاق القذائف الصاروخية على إسرائيل في مقابل إطلاق حماس سراح جميع المعتقلين لديها من نشطاء السلفية، وتوقفها عن ملاحقتهم‏[42].

يغلب على العلاقة بين الطرفين التوتر بسبب خلافات أيديولوجية وخلافات حول التهدئة، فالسلفيون يرفضون التهدئة التي تفرضها حماس، وتقوم حماس باعتقال أعضاء السلفية في إثر إطلاق الصواريخ تجاه أهداف إسرائيلية‏[43]. وبقيت علاقة حماس بالسلفية متوترة بين مد وجزر، إلى أن شهدت عام 2013، اتفاقاً على التهدئة بددته داعش في اليرموك. وساءت العلاقة بين حماس والسلفية على نحو خاص في نيسان/أبريل 2015، بعدما دخلت داعش إلى مخيم اليرموك الفلسطيني في سورية فدعمها السلفيون وعارضتها حماس بشدة‏[44].

2 – تأزم العلاقة وسياسة الاستهداف المتبادل

زادت حالة التوتر بين الطرفين بعد اتهام مصر للسلفيين بالوقوف أو المساعدة في الهجوم الإرهابي في السادس من آب/أغسطس 2012 على نقاط حدودية في مدينة رفح المصرية الذي أسفر عن مقتل 16 ضابطاً وجندياً مصرياً‏[45].

وفي عام 2012 شددت حماس الخناق على السلفية بشكل كبير في إثر عملية إطلاق صواريخ على إسرائيل أدت إلى إصابة مستوطن بجراح، الأمر الذي أدى إلى شن إسرائيل العديد من الغارات على مواقع في القطاع، فوسعت الحركة ملاحقتها للعناصر السلفية التي كانت قد بدأت منذ تنفيذ الهجوم على ثكنة للجنود المصريين، كما أصدرت تعليمات للصحافيين والإعلاميين بعدم تغطية أي أخبار تخص السلفيين‏[46].

وفي تشرين الثاني/نوفمبر 2013 تم بث تقرير عبر قناة الـ BBC تناول ظاهرة خروج الفلسطينيين من القطاع للمشاركة في الحرب على سورية، حيث بيّن التقرير أن العشرات من السلفية قد خرجوا إلى سورية بسبب ملاحقة حماس لهم‏[47]. تعمل حماس على الخلاص من السلفية من خلال فتح المجال لهم للخروج إلى سورية، كونها لا تريدهم في القطاع ولكرهها للنظام السوري.

وبخصوص الاعتقالات التي تقوم بها حماس تجاه السلفية، استنكر الشيخ حسام الجزار نائب رئيس جمعية ابن باز الإسلامية حملة الاعتقالات الواسعة التي تجري ضد السلفيين، لأنها تزيد الهوة التي تحتاج إلى من يقللها لا من يغذيها‏[48].

وعلى هذا المنوال، أكد أبو العيناء الأنصاري أن مجموعة من الاتفاقات جرى التوصل إليها مع حماس تتقدمها السماح لهم بممارسة نشاطاتهم ما لم تضر المواطنين وأمن حماس، كما اتفق على ضرورة إخلاء سبيل إخواننا مقابل التزام القوانين التي تفرض في القطاع‏[49].

في الثالث من أيلول/سبتمبر 2015، أصدرت ولاية دمشق التابعة لتنظيم الدولة فيديو يهاجم فيه التنظيم حماس، متهماً إياها بأنها لا تقاتل عن دين وإنما باسم الديمقراطية. ووصل الهجوم الإعلامي إلى ذروته حين بثت ولاية حلب التابعة لتنظيم الدولة تسجيـلاً مصوراً لمسلحين فلسطينيين ينتمون لما يسمى سرية أبي النور المقدسي وصفوا فيه حماس بالـطواغيت، وتوعدوها بجعل القطاع منطقة نفوذ للتنظيم‏[50].

على الرغم من أن سيف القمع والملاحقة ظل طاغياً على أجواء العلاقة بين حماس والسلفية، إلا أن الحملات الأمنية السابقة كانت تنتهي غالباً بإطلاق سراح معظم المعتقلين، والوصول إلى تفاهماتٍ معهم بوساطات سلفية محلية وخارجية‏[51].

3 – أسباب مخاوف حماس من السلفية‏[52]

أ – تدرك حماس جيداً أن عناصر السلفية لا يؤمن جانبهم، فهم يعتمدون على أمرين: الأول، المهادنة الظاهرية للسلطة الحاكمة، حتى تقوى شوكتهم، وتصبح عصيّة على الاستئصال والكسر. والثاني، توجيه ضربات محددة بهدف إثارة الفوضى، وإضعاف السلطة الحاكمة.

تحكم السلفية أيديولوجيا خطيرة جداً، وأخطر ما فيها هو الاعتقاد السائد عندهم بأن قتال العدو القريب مقدم على قتال العدو البعيد.

ب – معظم عناصر السلفية هم من أبناء القطاع، ويعرفون شوارع غزة وأزقتها، وليس من المستغرب أن يكونوا على دراية ببعض مخازن السلاح، والأنفاق.

ج – قد يسعى عناصر السلفية إلى زعزعة الاستقرار بشكل مستمر، لضرب الحاضنة الشعبية لحماس، وتنفيذاً لبعض الأجندات الخارجية المخترقة للتنظيم.

د – تنامي قوة الجماعات المتطرفة في سيناء، ومبايعتها لأبي بكر البغدادي، قد يدفعها للتمدد إلى غزة.

ويمكن اعتبار مقتل الناشط الإيطالي فيتوريو أريغوني الذي خطفته السلفية بعدما طلبت من حماس الإفراج عن معتقليها، أهم ضربة توجهها لحماس، كونها تمس الأمن وتهدد أيضاً حالة التضامن الدولي مع القطاع‏[53].

يثير تنامي السلفية إشكاليات لحماس، حيث تمثل السلفية على المستوى الأيديولوجي معارضة من الداخل، وهو عامل إغراءٍ للعديد من عناصر حماس للانضمام لها، على الرغم من أن خطاب كوادر حماس ومشايخها لا يختلف في جوهره عن ذلك الذي تعتنقه السلفية‏[54].

4 – مظالم السلفية من ممارسات حماس ضدها

تضمنت مظالم السلفية عدة أوجه من الممارسات، مثل الملاحقات، واقتحام البيوت، وهدم المساجد، وإزهاق الأرواح، والاختطاف، والتعذيب في السجون، ومصادرة الأموال، والمحاكمات العسكرية ومن الشواهد على ذلك الظلم‏[55]:

أ – أن حماس تضمر الشر وتخفي السوء لأبناء التيار السلفي، فقد دأبت حماس على الطعن في أهل التوحيد بهدف تشويه منهجهم ومشروعهم بدون بيِّنة ولا برهان.

ب – هدم مسجد واعتقال عدد كبير من رواده المشايخ، وإزالة مسجد الإيمان في النصيرات، والقيام بحملة ضخمة شملت اعتقال عشرات السلفيين.

ج – يروي الإخوة الذين يمُن الله عليهم بالخروج من سجون حماس قصصاً عن أفعال تثير السخط من شدة التعذيب الجسدي.

5 – محاربة حماس للسلفية

من الأسباب التي دفعت حماس لاستخدام القوة المفرطة لتصفية وجود السلفية هي ‏[56]:

أ – ترسيخ قواعدها في حكم القطاع.

ب – تعزيز توجهها البراغماتي، ولجم الأصوات المتطرفة في الحركة عن طريق التبرؤ منها إن خرجت عن سيطرتها.

ج – حرصها على الحؤول دون مواجهة عسكرية مع إسرائيل.

د – المراهنة على تغيير مواقف المجتمع الدولي تجاهها.

هـ – حاجتها إلى هدوء طويل من أجل استعادة قوتها العسكرية.

و – خشيتها من أن يكون النشاط المناوئ لها في القطاع على أيدي الجماعات السلفية.

ح – اتهام حماس إسرائيل بالوقوف خلف بعض هذه الجماعات، لذلك فحماس معنية باجتثاثها.

يلاحظ أن حماس كانت تستخدم ورقة هذه الجماعات المتطرفة من أجل الضغط على الجوار الإقليمي (مصر)، فحماس تمنع حركة فتح من تنظيم المهرجانات في القطاع، وفي المقابل كانت تسمح للسلفية بالقيام بتظاهرة في كانون ثاني/يناير 2015 في الوقت الذي يجب أن تقوم بردعها وقمعها، ولكن الحركة أرادت إيصال رسائل عبر هذه الجماعات‏[57].

إن حماس لا تريد أي مواجهة جديدة مع إسرائيل في ظل اشتداد الحصار وسياسة العقوبات على القطاع من جانب الرئيس عباس. أمام هذا التشتت لم تجد حماس حـلاً للتخلص من هذه المشكلة سوى احتواء السلفية أو تفكيك خلاياها، واستغلال الثغر في أفكارهم وانتمائهم إلى جماعات متشددة في بلاد مختلفة، مثل سورية والعراق وليبيا وكذلك مصر، لضرب صفوفهم‏[58].

لقد شددت حماس قبضتها الأمنية وشنت حملات اعتقال متتالية قوبلت بعمليات انتقامية من بينها تفجير عبوات ناسفة بمقر الأونروا، ومحاولات متتالية لتفجير المركز الثقافي الفرنسي. وفي أيار/مايو 2015 تبنت مجموعة تطلق على نفسها أنصار الدولة الإسلامية قصف مواقع تابعة لحماس بقذائف الهاون بعد رفض الأخيرة إطلاق سراح معتقلين سلفيين‏[59].

وفي عام 2015 قتل يونس الحنر، وهو عضو سابق في القسام، قبل أن يغادرها لينضم إلى داعش. وقالت حماس إن الحنر قتل في تبادل لإطلاق النار أثناء محاولة اعتقاله من منزله بحي الشيخ رضوان. وفي 20 تموز/يوليو 2015، انفجرت خمس سيارات – بنفس التوقيت – تابعة لقيادات في كتائب القسام وسرايا القدس‏[60].

في عام 2015 كشفت التحقيقات الأمنية تورط عدد من السلفيين مع جهات أمنية إسرائيلية، ومنهم من شارك باغتيال الشهيد فقهاء. وفي حزيران/يونيو 2017 أحبطت حماس اختطاف رجل أعمال على يد السلفيين. وفي السابع عشر من آب/أغسطس 2017 نفذ أحد عناصر السلفية عملية انتحارية بقوة أمنية من الضبط الميداني على الحدود المصرية – الفلسطينية‏[61]. وفي 7 تشرين الأول/أكتوبر 2017 أعلن مصدر أمني أن جهاز الأمن الداخلي في القطاع اعتقل عدة أشخاص بينهم نور عيسى وهو أحد قيادات تنظيم داعش وهو مطلوب منذ عام‏[62].

وحول قدرة حماس على دمج السلفيين في المنظومة الوطنية، قال أستاذ العلوم السياسية ناجي شراب إن للسلفيين رؤية أكبر وأشمل تتجاوز أهداف حماس، فهم مرتبطون بجماعات إسلامية خارجية. مضيفاً أن «الإشكالية التي تواجه حماس أنها لم تعد حركة مقاومة صرفة، فهي حركة سياسية لها حضور إقليمي ودولي وتدير نظام حكم يفرض عليها أن تنفتح بعلاقاتها مع مصر»‏[63]. وقد رد داعش عقب التفجير الانتحاري، بأن حماس تحصد ثمار قتلها ومطاردتها السلفيين‏[64].

أصدر لواء التوحيد السلفي بياناً بتاريخ 20/8/2017، اتهم فيه حماس باعتقال عدد من القادة الميدانيين والعناصر التابعين للواء، وباقتحام موقع أبو عطايا العسكري في رفح‏[65].

لقد وصف منظِّر حماس أحمد يوسف البيانَ الذي أصدره تنظيم داعش في نعي الانتحاري الكلاب، بأنه انعكاس لطبيعة الحقد والعداء الذي يغذي هذه المجموعات المتطرفة‏[66]. أما كتائب القسام فقد بينت أنها ستضرب بيد من حديد كل من يستهدف أمن واستقرار القطاع‏[67]. وعلى هذا المنوال، أصدرت عائلة كلاب بياناً للرأي العام حول تفجير ابنها نفسه في عناصر القسام، وقالت إننا في عائلة كلاب في الداخل والخارج ندين بشدة هذه الجريمة البشعة والخارجة عن كل معتقداتنا وديننا، نعلن براءتنا التامة من الجريمة ومنفذها‏[68].

6 – خطر السلفية على حكم حماس

أ – تركز الدعاية السلفية بالأساس على محاولة استقطاب المنتسبين لحماس. فالكثير من أفراد وقيادات السلفية هم من أبناء حماس السابقين، وهو ما زاد من مخاوف الحركة على تماسك جبهتها الداخلية‏[69].

ب – تخوف حركة حماس والمقاومة من ارتباط عناصر من السلفية بالاستخبارات الإسرائيلية، ودورهم في عملية اغتيال القائد القسامي والعديد من الأعمال الإجرامية واستغلالهم من قبل الموساد.

لقد حذر الخبراء من تغييب المعالجة الفكرية في التعامل مع السلفية واعتماد المعالجة الأمنية فقط، مطالبين باعتماد معالجة شاملة لمحاصرة هذه الأفكار التي وصفوها بالمتطرفة. وقال النائب الأسطل إنه أجرى سلسلة حوارات مع السلفيين على مدار السنوات الماضية من أجل إقناعهم بانتهاج الفكر الوسطي وعدم اللجوء إلى العنف المجتمعي‏[70].

بينما يبين شراب أن الحوار مع السلفية سيواجه معوقات كبيرة جداً، منها أنها لا ترى إلا نفسها ولا تسمع إلا بأذنها، مشيراً إلى أنه في هذه الحالة يجب أن يكون هناك أولوية لمعالجة الشؤون الأمنية‏[71].

خامساً: تأثير السلفية الجهادية
في العلاقات الحمساوية – المصرية

على مستوى العلاقات المصرية – الحمساوية، يلقي وجود عناصر سلفية فلسطينية في سيناء بظلاله على العلاقة بين حماس ومصر، ومحاولات التقارب بينهما. فخلال السنوات الماضية، دأبت الأجهزة الأمنية والإعلامية المصرية على تحميل حماس المسؤولية عن توفير المأوى والعلاج والتدريب والتسليح للعناصر السلفية التي تُهاجم الجيش المصري في سيناء. وعلى الرغم من أن حماس كانت تُواجه هذه الادعاءات بالنفي وبالتشديد الدائم على حرصها على أمن مصر، إلا أن ربط مصر فتح معبر رفح بزيادة التعاون الأمني من قِبل حماس في ملف السلفية، يشكل ضغوطاً أكبر على حماس لاتخاذ إجراءاتٍ أكثر عملية وحسماً إزاء السلفية‏[72] .

قال الناطق باسم وزارة الداخلية في القطاع إياد البُزم إن التحقيقات المكثفة التي أجرتها الأجهزة الأمنية في قضية التفجير الانتحاري في رفح على الحدود مع مصر، أظهرت أن كلاب ورفيقه كانا في طريقهما للتسلل إلى مدينة رفح المصرية عبر الشريط الحدودي الفاصل للانضمام إلى تنظيم ولاية سيناء فرع تنظيم داعش‏[73]. وتبرز أهمية القطاع في كونه خزاناً بشرياً يمكن الاعتماد عليه لتجنيد المزيد من المقاتلين وتعويض خسائر داعش في مصر والإبقاء على الحرب مشتعلة لإنهاك الجيش المصري‏[74].

ويؤكد شراب أن حماس لن تسمح لأحد بالمساس بأمنها، باعتبار أن مستقبلها مرتبط بتوفير الأمن، وإذا خسرته تخسر حكمها للقطاع. واعتبر إبراهيم حبيب، الخبير في الشأن الأمني أن لحادث رفح أبعاداً سياسية وأمنية، مشيراً إلى أن المنبع الأساسي لهذا الفكر يأتي من التيار الإسلامي، مؤكداً على أن الاحتلال مخترق هذه الجماعات‏[75].

وعلى هذا المنوال أكد السفير المصري محمود فهمي، أن الحادث الأخير في رفح أثبت أن حماس الأحرص على أمننا القومي، وأنها ليست من يرسل المقاتلين لسيناء وليست من يتعاون مع داعش، إن حماس تواجهها جماعات متشددة مدعومة إسرائيلياً… اليوم بات الأمر أكثر وضوحاً. معتبراً أن التفجير بما فيه من آلام، كان دليـلاً دامغاً على براءة حماس من أي علاقة مع هؤلاء المتشددين‏[76].

وفي هذا السياق، برز تزامن واضح بين اشتداد الحملة الحمساوية على العناصر السلفية وتسارع إجراءات التعاون الأمني بين مصر وحماس. فاستقبلت القاهرة في كانون ثاني/يناير 2017 وفداً من الأجهزة الأمنية لحماس لتناقش معه سبل تأمين الحدود، وتمخضت لقاءات وفد حماس والمسؤولين الأمنيين المصريين في أوائل حزيران/يونيو 2017 عن اتفاقٍ على إقامة منطقة عازلة بعمق 100 متر على طول الجانب الفلسطيني من الحدود المصرية. وما إن وُضعت هذه التفاهمات حيز التنفيذ، حتى قام تنظيم داعش بشن هجومٍ كبير على كمين البرث في سيناء موقعاً أكثر من عشرين قتيـلاً في صفوف الجيش المصري، وخرجت التقارير الصحافية بعد ذلك لتتحدث عن مقتل بضعة شبان غزيين أثناء الهجوم. كشف الحادث عن مستوى كبيرٍ من التنسيق بين السلفية في القطاع ومصر، وكان بمثابة رسالة لقدرتهم على التأثير سلباً في أي تفاهماتٍ يتمّ التوصل إليها بين حماس ومصر‏[77].

الجدير بالذكر في هذا الصدد أن زيارة إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحماس للقاهرة، وهي الزيارة الأولى منذ انتخابه في أيار/مايو 2017، وسماح مصر لحماس عقد أول اجتماع لمكتبها السياسي في القاهرة، أن الأخيرة أرادت توجيه العديد من الرسائل للعديد من الأطراف بأنها هي من يستطيع تحريك الملف الفلسطيني وليست قطر وتركيا، وعلى الجميع أن يأخذ في الحسبان أن تخطي الدور المصري نتائجه وخيمة على القطاع وعلى رام الله.

إن العلاقات الحمساوية – المصرية تسير باتجاه التحسن والتقاء المصالح، فمصر تسعى لزيادة التعاون الأمني وضبط الحدود وزيادة حدة الضربات الحمساوية للسلفية، وحماس تريد الولوج للعالم الخارجي من طريق القاهرة وفتح المعبر وصولاً لرفع الحصار. وفي هذا السياق، أكد القيادي الحمساوي أسامة حمدان أن الزيارة تعكس تجاوز مرحلة من الفتور والتوتر مرت بها علاقة حماس بالقاهرة، وإنها تقدمت كثيراً‏[78].

وبهذا الصدد، جددت حماس خلال لقاء في 11 أيلول/سبتمبر 2017 جمع وفد حماس برئاسة هنية، مع وزير الاستخبارات المصرية العامة خالد فوزي تأكيد حرصها على أمن مصر، وعدم السماح باستخدام القطاع بأي صورة من الصور للمساس بأمن مصر‏[79]. وقالت مصادر فلسطينية إن اللقاءات كانت إيجابية، لكن مسؤولي الاستخبارات طلبوا من حماس إجراءات أخرى على الحدود، بما يشمل هدم باقي الأنفاق بين غزة ومصر، لقطع الطريق على تسلل جماعات متشددة من وإلى سيناء‏[80]. وشددت مصادر في حماس على أنها مصممة على تعزيز العلاقة مع القاهرة مهما كلف الثمن، وصولاً إلى إقامة علاقة استراتيجية، بما تحمل من تبعات ومسؤوليات على كلا الطرفين. وشدد موسى أبو مرزوق على أن تنظيم داعش خصم بل عدو مشترك بيننا وبين مصر، لكن لديه بعض الأشخاص في غزة، ونحن نحاربهم ونتصدى لهم بقوة‏[81].

وعلى المنوال نفسه، أكد المسؤول المصري طارق فهمي أن اللقاءات تعد نقلة نوعية في العلاقة بين الطرفين، ومن المرجح أن تشهد المرحلة المقبلة المزيد من زيارات حماس للقاهرة، وتنامي العلاقة بين الطرفين، في ظل استحسان القاهرة للإجراءات القائمة بين مصر والحركة‏[82]. وهذا ما أكده القيادي الحمساوي أحمد يوسف بأنه حصل انفراج في العلاقة بين حماس والقاهرة، مؤكداً أن حماس استطاعت استعادة ثقة مصر‏[83]. وقد تعززت هذه الثقة بين حماس ومصر إلى الدرجة التي تجعل حماس تقول لمصر هذه قضية المصالحة والحكومة واللجنة الإدارية بين أيديكم‏[84].

ويهمنا في هذا السياق أن نشير إلى موافقة القيادة المصرية على فتح مكتب سياسي دائم لحماس في القاهرة، يمثله القيادي روحي مشتهى الذي سيقيم فيها‏[85]. مع العلم أنه تم إعادة فتح مكتبها، الذي كان قد أنشىء في عهد الرئيس السابق محمد مرسي، وظل قائماً حتى بداية حكم الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي، قبل أن يغادر أبو مرزوق القاهرة إلى الدوحة، بعدما تفاقمت الخلافات بين الطرفين‏[86].

يتبدى مما سبق حصول تقدم كبير في تطور العلاقة بين الطرفين وانتقالها من المباحثات والتفاهمات الأمنية إلى العلاقات السياسية، وطي صفحة الماضي الإخواني، إضافة إلى بعث العديد من الرسائل للعديد من الأطراف وبالتحديد للرئيس عباس بأن مصر قادرة على فعل ما تريد، وعليه أن ينصاع للمطالب المصرية في المصالحة مع دحلان.

لقد حاولت حماس التعامل بهدوء مع الحالة السلفية، ولكن تكاثر الشكاوى المصرية من قيام عناصر من هذا التيار باختراقات أمنية، استفز الأجهزة الأمنية، فقامت بوضع الخطرين والمشبوهين منهم في دائرة الرصد والمراقبة؛ حيث كشفتهم قصة العميل أبو ليلة، الذي قام باغتيال فقهاء، فأصبحوا خطراً حتى على المقاومة وأمن القطاع‏[87].

ومع اكتشاف الأجهزة الأمنية في القطاع عدداً من هؤلاء الشبان المشبوهين، الذين نجحت الاستخبارات الإسرائيلية في تجنيدهم، بهدف خلق حالة من الفتنة الدينية والفوضى الأمنية، وتكرار تحذيرات مصر من وجود عناصر من بين هؤلاء تقاتل إلى جانب داعش في سيناء، قامت حماس بتعزيز أمن الحدود مع مصر، ونفذت حملة اعتقالات واسعة ضد هذه العناصر للتحقيق معها‏[88].

ويكمن مأزق حماس في سعيها للتقارب مع مصر والتعاون معها أمنياً من أجل رفع الحصار، تقيده رغبتها بعدم الظهور بمظهر طاغوت صغير يعمل لمصلحة طاغوت أكبر، الأمر الذي قد يُعطي الدعاية السلفية المزيد من الصدقية. كما أنه قد يُثير في ذات الوقت استنكار قواعد حماس التي تكن مشاعر سلبية تجاه النظام المصري، وهي ما زالت تستحضر في ذاكرتها الصور المأسوية لميدان رابعة العدوية‏[89].

ثم تأتي بعد ذلك قضية المصالحة الحمساوية الفتحاوية برعاية الاستخبارات المصرية، حيث وقعت حركتا فتح وحماس اتفاق المصالحة الفلسطينية من أجل إنهاء الانقسام في 12 تشرين أول/أكتوبر. واتفقت الحركتان على إجراءات تمكين حكومة الوفاق الوطني من ممارسة مهامها والقيام بمسؤولياتها الكاملة، في إدارة شؤون القطاع والضفة‏[90].

ويذكر أن هذا الاتفاق هو السادس الذي جاء ضمن سلسلة اتفاقات قبله جميعها باءت بالفشل، وعلى الرغم من توقيع الاتفاق إلا أن الرئيس عباس ما زال يرفض رفع العقوبات المفروضة على القطاع. وما زالت المصالحة ضمن الإطار النظري ولم يتم تطبيقها على أرض الواقع، وفي حال تمت المصالحة الفلسطينية واستلمت حكومة التوافق الوطني مهامها فإن المسؤولية الأمنية ستكون من صلاحيات الحكومة وستكون السلفية في دائرة الاستهداف المباشر؛ فالحكومة هي أيضاً ملتزمة بعدم خرق الهدنة مع إسرائيل، وستعمل حماس بكل قوتها على مساندة الحكومة لقمع أي تحرك للسلفية تجاه تعكير العلاقات مع مصر أو اختراق الحدود المصرية والاعتداء على الأمن المصري. وفي حدود علاقة حماس بالسلفية ستكون العلاقة عدائية وستبقى في دائرة الاستهداف المتبادل، وستعمل حماس بكل قوتها للتضييق على السلفية خوفاً من تمددها وإعادة بناء قدراتها على حساب الحركة. فحماس ستعمل بكل قوتها الأمنية على متابعتهم ومراقبتهم ومساعدة الحكومة في التضييق عليهم، وهنا يعتقد الباحث أن العلاقة ما بين الطرفين لن يطرأ عليها أي تغيير بكون حماس هي الحاكم الخفي وهي من تسيطر على القطاع.

سادساً: هبوط شعبية السلفية الجهادية في القطاع

برزت عدة عوامل ساهمت في هبوط شعبية السلفية الجهادية في قطاع غزة، أبرزها:

1 – بداية السلفية: انطلقت بداية السلفية بعد انسحاب إسرائيل من القطاع، ما منع السلفية من تنفيذ عمليات ضد إسرائيل فحُرمت عنصراً مهماً جداً من عناصر الاستقطاب الجماهيري في الوقت الذي لم تُبذل فيه أي جهود لتأسيس خلايا عسكرية في الضفة الغربية المحتلة‏[91].

2 – الهيكل التنظيمي للسلفية: رغم محدودية التيار السلفي وقلة أفراده وأنصاره، وهو أحد الأسباب الرئيسية التي تفرض على السلفية استبعاد أي عنصر يسمح بتشرذمها ويجعل هذا التشرذم نظرياً من المحرمات، أو على الأقل شيئاً مستبعداً، فإن التفكك والتشرذم كان سمة ملازمة للسلفية من البداية، فقد وصل عدد التنظيمات السلفية لأكثر من 14 تنظيماً‏[92] .

3 – ارتباط أعضاء من السلفية بجهاز الموساد الإسرائيلي: لقد مارس عدد من أعضاء السلفية دور الفاعل الحقيقي في العمليات الموجهة من قبل إسرائيل ضد المقاومة وقيادتها وتورط عدد من أنصارها في محاولات خلق الفوضى والفتن من خلال استهداف كوادر من فتح وحماس من أجل إشعال نار الفتنة بينهم. تقوم إسرائيل بالتواصل مع المتشددين من خلال الإنترنت وإيهامهم بأنهم متشددون من الدول العربية فتغدقهم بالأموال وتسيطر عليهم من خلال توريطهم وتشغيلهم مقاولين عند الموساد لتنفيذ المهمات الصعبة بكونهم متدربين جاهزين.

قال ضابط الاستخبارات الأمريكي السابق إدوارد سنودن، إن جهاز السي أي إي والاستخبارات البريطانية تعاونتا مع الموساد لخلق منظمة إرهابية قادرة على جذب كل المتطرفين في جميع أنحاء العالم بمكان واحد وفي كثير من الأحيان للاستفادة من ذلك لزعزعة استقرار البلدان العربية، وأن زعيم داعش أبو بكر البغدادي تلقى تدريباً عسكرياً مكثفاً لدى الموساد‏[93].

لقد تورط السلفي عميل الموساد أشرف أبو ليلة في اغتيال الشهيد الفقهاء عبر إطلاق أربع طلقات على رأسه من مسافة الصفر من مسدس كاتم للصوت بطريقة الاحتراف الموسادي‏[94]. كما بثت حماس عبر وسائل الإعلام العديد من الاعترافات لعناصر السلفية الذين يعملون لمصلحة الاستخبارات الإسرائيلية، التي تستخدمهم مقاولي تخريب وهدم لاستقرار الأمن والسلم الأهلي وسهم مسموماً لتنفيذ الاغتيالات لقادة المقاومة.

بهذا الصدد، صرح العقيد زكي الشريف نائب رئيس هيئة التوجيه السياسي بوزارة الداخلية في القطاع، أن الاحتلال يقف خلف دعم بعض السلفيين، مبيناً أن التحقيقات أثبتت ارتباط قاتل الشهيد فقهاء مع عناصر السلفية وثبت أثناء التحقيقات ارتباط هؤلاء الأشخاص مع هذا العميل، وذُكر أن التحقيقات أثبتت أن عملاء آخرين شاركوا في قتل مقاومين، لديهم علاقة مع السلفية‏[95].

إن الموساد هو من يتحكم بتنظيم داعش في القطاع والخارج، وما يؤكد هذا القول عدم استهداف داعش لإسرائيل، وعلاج الدواعش في المستشفيات الإسرائيلية، وغير ذلك من الوقائع‏[96].

وكما سبقت الإشارة، لقد حدث هجوم لتنظيم داعش بسيناء في 11 أيلول/سبتمبر 2017 أودى بحياة 18 شرطياً مصرياً‏[97]، ويعتبر هذا الهجوم هو الأعنف، حيث شهدت محافظة شمال سيناء هدوءاً نسبياً في الهجمات ضد قوات الأمن‏[98]، وجاء هذا الاعتداء الإرهابي عقب مؤشرات انفراجة في العلاقات المصرية – الحمساوية وفي ظل وجود وفد حماس في القاهرة؛ وكل ذلك يدعم فرضية أن السلفية تعمل من أجل تعطيل أي تقارب حمساوي – مصري.

في السابق كانت الاتهامات من الإعلام الإسرائيلي، وينساق خلفها الإعلام المصري، بأن حماس هي من تقوم بالأعمال الإرهابية، كون أعضاء من سلفية القطاع يشاركون داعش سيناء هذه الأعمال، ولكن بعد قيام حماس بحماية الحدود وبعد الضربات العديدة التي وجهتها للسلفية ألغت كل الاتهامات وحجّمت دور إسرائيل في الوقيعة بين حماس ومصر.

يتجلى مما سبق، أن مستقبل العلاقة ما بين حماس والسلفية ينحو نحو مزيد من التوتر والتأزم ولا مكان للتهدئة أو المهادنة في ظل التقارب المصري الحمساوي، وتوقيع اتفاق المصالحة الفلسطينية برعاية مصرية. فحماس حاولت في السابق التفاهم مع السلفية بعدم المس في الأمن والعلاقات الخارجية والهدنة مقابل إطلاق سراح أعضاء السلفية ووقف ملاحقتهم. إلا أن السلفية سرعان ما نقضت كل التفاهمات فعاد التوتر سيد الموقف. فالسلفية في القطاع ليست وحدها من تحدد مستقبل العلاقة؛ إذ إن الدور الأساسي في ذلك يعود إلى السلفية في سيناء التي تعتمد على الرافد البشري الغزاوي لاستمرار صراعها مع الجيش المصري. فموقف حماس الواضح في منع خرق الحدود والمحافظة على الاتفاقيات الأمنية مع جهاز الاستخبارات المصري من شأنه تعطيل نشاط السلفية في سيناء المصرية وكل ذلك يصب في زيادة حدة العداء لحماس.

نخلص إلى نتيجة مفادها أن هناك قاعدتين أساسيتين تتحكمان بالعلاقة ما بين حماس الحاكمة والسلفية المحكومة وهما: الأولى، كلما تحسنت العلاقة المصرية – الحمساوية، تأزمت العلاقة الحمساوية – السلفية؛ والثانية، عدم الالتزام بالتهدئة مع إسرائيل من جانب السلفية يزيد العلاقة بين الطرفين تأزماً.

خاتمة

إن العلاقة التي سادت بين حماس والسلفية بعد تفردها في الحكم هي علاقة توتر وحذر، فقد كانت علاقة حماس بالسلفية جيدة طالما بقيت ملتزمة بقراراتها، لكن العلاقات تتوتر في حال مخالفة السلفية لقرار حماس، وبالأخص بالتهدئة مع إسرائيل، أو استهداف تحسن علاقاتها الجديدة مع مصر، أو الاعتراض على طريقة إدارة القطاع.

ينبغي عدم الاكتفاء بالتعامل الأمني لمواجهة السلفية، والعمل ضمن استراتيجية شاملة لمنع تغلغلها، من خلال إنهاء الانقسام وتحقيق المصالحة الفلسطينية، وعقد الانتخابات المحلية والنقابية والطلابية والتشريعية والرئاسية، وترميم العلاقة مع مصر، من أجل فك الحصار المفروض على القطاع ومراجعة حماس لدورها التعبوي الفكري، وعدم قمع الحريات وفتح المجال واسعاً أمام الإعلام وكل ما يتعلق بدعم حرية الرأي.

 

للاطلاع على المزيد من النصوص ذات الصلة اليكم  الدور التربوي للحركات السياسية في تنمية ثقافة المقاومة في المجتمع الفلسطيني