المعد: فتحي التريكي

مراجعة: خالد صلاح حنفي(**)

الناشر: وزارة الثقافة، الهيئة العامة لقصور الثقافة، القاهرة

سنة النشر: 2016

عدد الصفحات: 214

 

– 1 –

تعد قضايا العيش المشترك، والحوار، وتقبل الآخر، والتسامح، من أبرز الموضوعات الفكرية على الساحة العالمية في السنوات الأخيرة. وقد تعددت وجهات النظر حولها، ونالت قدراً كبيراً من النقاشات الفلسفية، بدايةً من أفلاطون وأرسطو وفلاسفة الحضارة اليونانية مروراً بفلاسفة الحضارات الإسلامية والمسيحية والعصور الوسطى وما بعدها وانتهاء بالفلاسفة المعاصرين أمثال جون لوك وجون ستيوارت ميل وجان جاك روسو، وجاك دريدا وغيرهم.

يتضمن مفهوم العيش المشترك قدرة الإنسان على تغيير طبيعته الاجتماعية وتحويلها إلى طبيعة اجتماعية عقلانية وواعية. فالعيش المشترك يبنى على قاعدة التآنس والمحبة، والتآلف والانسجام بين البشر الذي لا يعبر فقط عن عدالة مصحوبة بالحكمة والحب ولكن أيضاً الوفاق الممكن بين الأشخاص، فهو يعبِّر عن إنسانية قوامها حق الاختلاف والاحترام والمحبة، كما يقوم على التآنس والإنسانية وهو شكل من أشكال المودة والألفة، وهي أروع شكل للكينونة والوجود مع الآخر.

وقد عالج هذا الكتاب قضية من أهم القضايا الفكرية التي يدور حولها النقاش الآن في العالم، نعني بها «جمالية العيش المشترك»، فهو يتضمن بحوثاً ودراسات بعضها دروس لفلاسفة عالميين قد ألقيت في فترات متعددة ضمن أشغال كرسي اليونسكو للفلسفة في العالم العربي التابع لجامعة تونس، ومقرّه كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية. وفي واقع الأمر كان للدرس الافتتاحي لهذا الكرسي الذي قام به الفيلسوف الفرنسي الراحل جاك دريدا (Jacques Derrida) في شهر شباط/فبراير 1998 بكلية العلوم الإنسانية والاجتماعية بتونس حول العيش المشترك تأثير كبير في مجرى أعمال منبر الفلسفة فيما بعد، ولا سيَّما أن إشكالية الفلسفة وتجارب الغيرية قد كانت كالخيط الواصل بين كل المباحث الفكرية في هذا الكتاب.

وكتاب جمالية العيش المشترك هو أحد إصدارات سلسلة الفلسفة الصادرة عن الهيئة العامة لقصور الثقافة التابعة لوزارة الثقافة. يقع الكتاب في 214 صفحة، وتضمن عدداً كبيراً من الدراسات والأوراق عن تجارب الغيرية والضيافة والعيش سوياً، جاءت بأقلام فلاسفة من تونس وألمانيا وفرنسا وأيسلنده وكلها تدرس الإمكانات الضخمة للتثاقف والتعايش حسب قاعدة الضيافة. والخيط الرابط لكل المقالات الواردة في الكتاب يتلخص في مفهوم جمالية العيش المشترك وسعادة التحاور مع الغير من دون أن يفقد المرء هويته ونمط وجوده في العالم.

– 2 –

تناول فتحي التريكي في مقدمة الكتاب التي أطلق عليها «فلسفة الغيرية والعيش معاً» مفهوم جمالية العيش المشترك الذي يعني قدرة الإنسان على تغيير طبيعته الاجتماعية وتحويلها إلى طبيعة اجتماعية عقلانية وواعية. فالعيش المشترك يبنى على قاعدة التآنس والمحبة، والتآلف والانسجام بين البشر الذي لا يعبّر فقط عن عدالة مصحوبة بالحكمة والحب ولكن أيضاً الوفاق الممكن بين الأشخاص؛ فهو يعبّر عن إنسانية قوامها حق الاختلاف والاحترام والمحبة. فالتآنس هو شكل من أشكال المودة والإلفة، وهي أروع شكل للكينونة والوجود مع الآخر. كما أشار التريكي إلى أن ابن خلدون قد تناول مفهوم التآنس من حيث هو شكل من أشكال التحضر المرتبط بالتهذيب، وهو ضد التوحش الذي يعتبره أحد أشكال الحياة البدوية المعروفة بالنهب والسلب والأخذ بالثأر. وطاف التريكي عوالم أفلاطون والفارابي وابن خلدون، وهو يعرض لمفهوم التآنس الذي يبدأ من المحيط الشخصي الضيِّق مع العائلة والأصدقاء، ليشمل الجماعات المختلفة في المجتمع الواحد، وصولاً إلى العيش المشترك على كوكب واحد بين أقوام وشعوب وثقافات مختلفة.

وأوضح التريكي أنه لا توجد حياة عامة أو قابلية لحياة كونية من دون رابط إنسي ضمن وحدة اللغة أو الكلام الذي تتقاسمه الممارسات اليومية والعادات والتقاليد والأمنيات والحقوق والواجبات التي تهم كل فرد. وأكد أن الأمة لا تحقق وحدتها وهويتها إلا باتفاقها من خلال عملية تحاورية ضخمة، تؤسس فيها عوامل الارتباط وأسباب إنجاحها وتحولها إلى عيش مشترك في ظل الكرامة والحرية.

ويخلص التريكي إلى ضرورة وجود توافق واعٍ يجعل من القرابة في كل أشكالها مجالاً للشمل الإنساني يكون نتاجاً للتبادل المشترك بين الأنا والآخر، ليصبح الأرضية للعيش سوياً؛ فلا وجود لحياة مشتركة من دون توافق وتحاور ووعي ولو بنسبة ضئيلة، وذلك في إطار القرابة الفردية والتجمعات المترابطة والهياكل المهنية والمؤسسات الثقافية والفنية على الصعيد الوطني وعلى الصعيد الإنساني.

فلا توجد حياة عامة من دون وجود رابط إنساني ضمن نظام المجتمع والحق المشترك أو ضمن وحدة اللغة أو الكلام الذي تتقاسمه الممارسات اليومية والعادات والتقاليد والأمنيات والحقوق والواجبات التي تهم كل فرد، إن أي أمة لا تحقق وحدتها وهويتها إلا باتفاقها من خلال عملية تحاورية ضخمة، تؤسس فيها عوامل الارتباط وأسباب نجاحها وتحويلها إلى عيش مشترك في ظل الكرامة والحرية.

والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة في كل ذلك الخضم: كيف يمكن التقارب بين البلدان المتقدمة والغنية التي تمتلك الثقافة والطموحات والمصالح الحياتية المتشعبة وتهيمن عليها هيمنة شبه مطلقة، والبلدان التي تركت إلى المنظمات الإنسانية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من الفقر والجهل والمرض؟ وما شهده بعض هذه البلدان كبلدان الربيع العربي من انتفاضات وثورات؟ وهل يمكن تحقيق التقارب والعيش المشترك؟

إننا كبشر بحاجة إلى كونية جديدة تأخذ الاختلاف والتنوع مأخذ الجد، وتسهم الفلسفة في البناء الأنطولوجي لهوية متعددة ولغيرية متسامحة تتبنى احترام الاختلافات الثقافية، وتؤسس لحوار حضاري يتبنى القيم المقاومة للهيمنة، وعقلانية تضع حداً للدوغماتية والتعصب، وكليانية الأفكار، وتهدف لتحقيق السلام بين البشر.

– 3 –

أما دراسة جاك دريدا (قوانين الضيافة) فأكدت أن العولمة قد أفرزت نمطاً للعيش يقترب كثيراً من بعض معطيات التوحش، وغلبة «التكنوقراطي العلمي» على مجرى الحياة بحيث يدفع الأفراد إلى نوع من «الوحشة» والكآبة، والوحدة التي قد تتحول إلى الهمجية والعنف.

وأوضح دريدا أن قوانين الضيافة عند أرسطو وأفلاطون والفلسفة الألمانية ممثلة بكانط مؤكداً أن الضيافة تدل على حق الأجنبي عند حلوله بالبلد المضيف في ألّا يعامل كعدو. فالضيافة لا تتعارض مع أي شيء آخر إلا مع التعارض ذاته أي العداء، فالضيف المستقبل هو غريب نتعامل معه كصديق أو كحليف، وذلك يتعارض مع الآخر الأجنبي الذي نعامله كعدو.

– 4 –

أما دراسة بال سكيلوسون (بول ريكور ومسألة الإرادة) فقد شدّدت على فلسفة الإرادة التي تناولها «بول ريكور» في مؤلفاته، والتي تشير إلى قدرتها على مواجهة التضاد القائم بين الثقافة القومية والحضارة الكونية، ففلسفة الإرادة تسهم في رؤيتها لفهم مشترك، وفي نفس الوقت لوجودنا الإرادي والصراعات التي تميز وضعنا التاريخي ورغبتنا في بناء حياة مشتركة يكون الاعتراف المتبادل بين هويتنا الإنسانية وبين هوياتنا الثقافية اعترافاً فعلياً من أجل التكامل، والاعتراف بالانتماء لثقافة وحضارة ما، وفي نفس الوقت وجود نفس الإمكانات والضعف بين البشر. فالثقافة تمنح الذات الإنسانية اللغة والأفكار والأخلاق الخاصة بمجموعة ما، في حين أن الحضارة تشرك الذات الإنسانية في عمليات تقنية واقتصادية وسياسية.

– 5 –

وجاءت ورقة رشيدة التريكي بعنوان «فن وتواصل» حول العلاقة بين الفن والتواصل. وهي تنطلق من الاهتمامات الجمالية التي تتمثل بمستقبل الاستيتيقا، حيث تتساءل: ما هي صلة التواصل بالفن المعاصر؟ وعلى وجه التحديد كيف يمكن فهم عملية الاستقبال لأي شيء فني؟ وما نوع التواصل؟ وكيف يتكون الوعي الذي يمكن أن يحصل لنا من جراء ذلك؟ لتؤكد أن الفن بقوته وبحضوره يتيح لنا فرصة الإحساس والتفكير في علاقتنا بالزمن والمحيط والتقنية… ويمكن أن يكون هذا هو بعده التواصلي من حيث تحريضه لما قبل التأمل في المسائل الفلسفية.

– 6 –

أما دراسة هانس يورغ زاندكهل بعنوان «دولة القانون والحقوق الأساسية في عالم التثاقف» فقد دارت حول الحق في مجتمعات التعددية، مؤكداً أنه لا يمكن اليوم ولا حتى في أمد بعيد التفكير في المطالبة بحقوق الإنسان وتحقيقها باستقلال عن الدولة وعن مؤسساتها الشرعية والقانونية. ولكن تُرى عن أي دولة وعن أي حق نتكلم؟ إن الحديث عن دولة القانون وعن حقوق الإنسان الأساسية إنما الغاية منه هي النظر في إمكان تحقيق عالم أكثر عدلاً.

– 7 –

وتناولت دراسة ماتياس كوفمان بعنوان «التعايش ونقد الحقوق الكونية للإنسان» موضوع العلاقة بين الثقافة القومية والحضارة الكونية وأنهما ليسا طرفي نقيض مطلق، فالثقافة القومية هي غاية مشتركة للإنسانية، أما الحضارة الكونية فهي منحصرة في تجاوزها للزمان، ووفقاً لكانط فإن ثقافة ما دون حضارة تكون عمياء في حين تكون حضارة ما دون ثقافة فارغة، لهذا يجب إيجاد الإرادة الواعية بإمكاناتها ومتفهمة لانفعالاتها كي تستطيع التأليف بينهما. كما أنه لا بد من تقبل الاختلاف في اللغات والثقافات والوظائف… إلخ، وهناك حاجة إلى التسامح والقضاء على التفاوت الفعلي اللامرغوب فيه.

وأحد متطلبات العيش معاً هو توافر الحقوق والعدالة والديمقراطية الاجتماعية، ووجود دولة تخضع للحقوق الأساسية، ووجود مواطنين أحرار لا يخضعون لأي قمع سياسي أو اقتصادي، وبشر لديهم الاستعداد للتعاون والتعاضد، ووجود رؤية لااختزالية للعالم، من خلال تواصلية تحترم اختلاف الثقافات والتعابير الإنسانية، ومن خلال تثاقف مبدع للقيم المحطمة للسيطرة والهيمنة، وخلال عقلانية تضع حداً للدوغماتية الفكرية، وتبحث عن السلم الأبدي.

– 8 –

وجاءت دراسة جاك جوليفي بعنوان «العقل والأخلاق في الفلسفة العربية الإسلامية» فعرض تأملات الفلاسفة كنماذج للغيرية، وحلقات الصراع الذي عاناه الفلاسفة والمتكلمون في الإسلام حول إدراج الأخلاق في السياسة في مجموعة العلوم التي أخذت من الفلسفة اليونانية، وتناول المؤلف آراء الكندي، والرازي، والفارابي، ومسكويه.

– 9 –

أما العربي الطاهري فتناول في ورقته «طريق السعادة الإنسانية» فكرةَ السعادة بوصفها غاية الاجتماع الإنساني لدى كل من الفارابي وابن خلدون، وتحليل المفاهيم لدى كل منهما. وخلص لودغير كونهاردت في ورقته «العيش سوياً» إلى أن فكرة العيش سوياً هي المصير المحتوم للشعوب على اختلاف دياناتها، وهي أمر لا بد منه لتحقيق إنسانية كونية خلال القرن الحادي والعشرين. ومن هنا تبرز قيمة الحب والعلاقة بين الحب الإنساني والحب الإلهي للبرهنة على أوجه التقارب في التقاليد الروحية بين أصحاب الديانات، وهذا الأمر يؤدي إلى تعميق فكرة «العيش سوياً» بين جميع الناس. إن الاعتراف بالتنوع مع القبول بالقيم الكونية، الذي يستمد جذوره في الحب بين الناس وحب الله، نتيجة حتمية لتلك المعطيات.

ولكل بلد مقياسه الخاص لما يدعى عيش الأمم المشترك، فلا وجود لتوازن حقيقي في العلاقات الدولية، ولا لأية فرصة للثبات والاستقرار والسلم والتعاون من دون تحاور الشعوب، ومع ذلك فإن هدف كل نقاش وتحاور، وبخاصة إذا تعلق الأمر بقرار خطر يتمثل ببلوغ أشمل نسبة من التوافق الذي يضمن للقرار الجماعي شرعية حقيقية. وهذه هي الفكرة التي أقرّها كانط حول السلم الدائم. وقد مرت قرون من النزاعات حتى تمكن الاتحاد الدولي من تعيين حق عالمي وحكم على المفاوضات المتعددة تحت عنوان «منظمة الأمم المتحدة». لهذا فإن جمالية التعايش عبر تثقيف الغيرية وتطوير مشاعر حب الإنسانية تهدف في واقع أمرها إلى مواجهات متعددة بينها مواجهة الجهل والتخلف العلمي والحضاري الذي يهيمن على العالم حالياً، وقد تفتح فضاءً جديداً لإنقاذ الإنسان من مصائب القرن الجديد الموسوم منذ بداياته بالوحشية التي تتشكل ضمن الأحادية والأنانية.

– 10 –

لقد تميز الكتاب عموماً بدقة الترجمة، حيث قام بترجمته نخبة من المترجمين والمتخصصين، وانعكس ذلك على وضوح لغته رغم أنها تتناول ميداناً يتميز بالعمق والاتساع وهو ميدان الفلسفة كما جاء مضمون الكتاب ليؤكد فكرة «العيش سوياً» وأهمية وجود الإرادة البشرية نحو التعايش والحوار واحترام الاختلاف، وتبنّي قيم التسامح والتكاتف.

عموماً يتناول الكتاب قيماً إنسانية عالمية دعت إليها جميع الديانات السماوية، وكذلك المواثيق والعهود الدولية لحقوق الإنسان، كما دعا إليها الكثير من المفكرين عبر العصور بداية من عصر سقراط وأفلاطون ومروراً بالفلاسفة والمفكرين من العصور كافة… وهو ما دلل عليه الكتاب وحاول الربط بين هذه الآراء ليقدم رؤية شاملة ومتكاملة لها. لكن يبقى التحدي قائماً بكيفية تطبيق تلك الأفكار على أرض الواقع؟ وكيف يمكن ممارسة تلك القيم؟ وكيف يمكن إقامة دولة المؤسسات والقانون؟ بمعنى آخر كيف نتواصل ونتحاور ونتقبل الاختلاف عملياً؟… إن هذا السؤال احتار الفلاسفة والمفكرون حول إجابته، لكن تلك القيم رهن بالإرادة الواعية لدى البشر، وإيمانهم بحاجة بعضهم إلى بعض، وإلى الحرية والحوار والتعايش معاً ونبذ العنف والتطرف ومقاومة كل محاولة للاستغلال أو الاستعلاء… ويبقى التحدي قائماً ما وُجد الإنسان على كوكب الأرض.

إن إعادة تأسيس الأرضية القيمية لعالم اليوم لن تكون بفرض مركزية قيمية على غرار الخطاب التحديثي التقليدي أو مقولات الإثنوغرافيا الاستعمارية، وإنما لبلورة الإطار التواصلي بين الثقافات والشبكات القيمية الإنسانية، وفق مقتضيات التسامح، و«المؤانسة» (حسب تعبير أبي حيان التوحيدي). والمنطلق في هذه الأتيقا البديلة هو الانتماء المشترك والتكامل العضوي بين أبناء البشرية، في ما وراء تنوعهم القومي والحضاري والديني.

أما على الصعيد العربي فقد حان الوقت لانتهاج سياسات رشيدة إزاء التعدُّدية الثّقافيّة مهما يكن نوع ومكونات هذه التعدُّدية، ذلك أن الأصل في المجتمعات هو التنوّع والتعدُّد والتعايُش والحوار في إطار من الوحدة ولكن الطوعية وليس القسرية. فالتعايُش يحافظ على كينونة ووحدة المجتمع ويسهم في التفاعل البنّاء فيما بين المكوّنات الاجتماعية، ويجنّب المجتمعات الكثير من الصراعات الخفيّة أو المعلنة. والتعايُش بهذا المعنى يمثل الاعتراف المتبادل والاحترام المتبادل والجهد المتبادل والمسؤولية المتبادلة بين مختلف المكوّنات والتعدُّديات في الانتقال بالمجتمعات من حال المواجهة إلى حال أرقى من حيث النوع والحضارة والسلام، ومن شأن ذلك أن يحافظ على استقرار المجتمعات من الهزات الاجتماعية والسياسية. فالمجتمعات التي تسوس تعدُّدياتها الثّقافيّة بسياسات رشيدة واعتراف متبادل، هي أكثر استقراراً ووحدة.

إن العيش المشترك هو في الأساس طبع وتطبُّع. ولا مناص اليوم من أن نعيش معاً ونتقاسم الأرض والهواء، ونتقاسم أيضاً اللغة والثقافة والانتماء. وفي عالم يتوحد يوماً بعد يوم ويُحَدِّث أخباره كل صباح ومساء، سيزداد اختلافنا وتنوعنا وستقل قواسمنا المشتركة التي تعودناها من قبل، وتصبح هويتنا الجماعية بحاجة إلى إعادة البناء. لذلك صار لزاماً علينا أن ندرك أهمية التربية على المواطنة في حياتنا، وأن نوليها أهمية قصوى، ونجعل منها قضية وطنية بامتياز .