مقدمة

أسهمت التطورات التكنولوجية والتقنيات الذكية في ظهور أنماط سلوكية وتفاعلية جديدة دفعت في اتجاه مراجعة حقل العلاقات الدولية، والربط بينه وبين منظورات بينية أخرى للوصول إلى فهم أدق للظواهر السياسية.

ولا شك في أن تلك التطورات المتمثلة بالذكاء الاصطناعي، والروبوتات، والسيارات الذاتية القيادة، والبيانات العملاقة، وإنترنت الأشياء، باتت تُلقي بظلالها على أنماط التفاعلات الدولية، لتعيد تشكيلها من جديد وتصيغها وفقًا لمعطياتها وقوانينها الجديدة‏[1].

ولا شك أن لهذه التطورات تأثيرًا في بنية النظام الدولي الذي يعتمد على نحو أساسي على توزيع القوة بين وحداته، ومن ثم تحوّل القوة فيه. ولا يقتصر مفهوم القوة هنا على القوة السياسية، والعسكرية والاقتصادية، وإنما أصبح يشير أيضًا إلى القوة التكنولوجية فبهن جميعًا يتحدد الهيكل البنيوي للنظام الدولي.

لذلك كان لتلك التطورات عدة تداعيات على العلاقات والتفاعلات الدولية بصفة عامة وعلى التنافس الأمريكي – الصيني بصفة خاصة؛ لذلك ركزت الدراسة على التنافس الأمريكي – الصيني في مجال الذكاء الاصطناعي بوصفه التنافس الأبرز على المستوي التكنولوجي في الآونة الأخيرة؛ حيث بات التنافس بين الولايات المتحدة والصين في مجال الذكاء الاصطناعي محط أنظار الجميع في القرن الحادي والعشرين. وقد استندت في ذلك إلى المنهج الوصفي والمنهج المقارن هذا فضلًا عن المنهج البيني في إطار التأثير الجليً للتكنولوجيا في علم العلاقات الدولية.

استندت الدراسة في إطارها النظري إلى نظريتي تحول القوة والهيمنة واللتين تشيران إلى فكرة وجود متحدٍ جديد – بفعل عوامل ومتغيرات مختلفة تستند إلى اعتبارات القوة – للقوة المهيمنة وهو ما قد يعيد ترتيب النظام الدولي وفقًا للمعطيات الجديدة.

إشكالية الدراسة: مع تزايد الاهتمام بدور التكنولوجيا في مجال العلاقات الدولية تصاعد دور الذكاء الاصطناعي في مختلف المجالات سواء المدنية أو العسكرية؛ حيث أصبح المتغيِّر التكنولوجي أحد أهم العوامل المؤثرة في تحديد موازين القوى في النظام الدولي، وبات قادرًا على إحداث تقارب نسبي بين القوى الكبرى وذلك استنادًا إلى أن الدول التي تمتلك أدوات التكنولوجيا يكون لها فرصة أكبر في التأثير وممارسة النفوذ في التفاعلات الدولية السياسية. وهو ما يستدعي البحث عن تأثير تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي في توازن القوى المستقبلي بين الصين والولايات المتحدة في المجال العسكري وتحوُّلات القوى في النظام الدولي، وعن مدى رضاء كل من الدولتين عن مكانتها في النظام الدولي وذلك في إطار قدرة الذكاء الاصطناعي على تغيير ميزان القوى وترجيح كفة الميزان لمصلحة الصين على الرغم من محاولات الغرب احتواء التطور التكنولوجي في الصين؛ فالانتشار السريع للتكنولوجيات التي تندرج على نطاق واسع تحت مظلة الذكاء الاصطناعي قد يعمل على تكوين النظام العالمي الناشئ في العلاقات الدولية، كما قد يمهد لسباق عالمي ينتج منه صعود قوى وسقوط أخرى، أو على الأقل تزعزع مكانتها في التسلسل الهرمي في النظام الدولي – على غرار التأثير الذي أحدثته الثورات الصناعية الثلاث في الماضي – ومن ثم إعادة ترتيب التسلسل الهرمي للسلطة على المستوى النظامي تحت مظلة التنافس التكنولوجي وما يستتبع ذلك من تنامٍ للحروب الذكية بين القوى الكبرى وتحولات للقوى فيما بينها‏[2].

انطلاقًا من ذلك تتمثل المشكلة البحثية في تفسير مدى تداعيات الذكاء الاصطناعي على تحولات القوى في النظام الدولي بالتطبيق على التنافس الأمريكي – الصيني في مجال الذكاء الاصطناعي. ومن ثم تتمحور المشكلة البحثية في إطار السؤال البحثي الآتي: ما هي تداعيات الذكاء الاصطناعي على تحولات القوى في النظام الدولي: دراسة للتنافس الأمريكي – الصيني في مجال الذكاء الاصطناعي؟ وتسعى الدراسة للإجابة عنه من خلال عدد من التساؤلات الفرعية المتمثلة بـ:

1 – ماهية الذكاء الاصطناعي وأنواعه وأهم تطبيقاته وتداعياته على تعزيز قوة الدولة؟

2 – ما هي أهم مؤشرات التنافس الأمريكي – الصيني في مجال الذكاء الاصطناعي؟

3 – ما هو تأثير التنافس الأمريكي – الصيني في مجال الذكاء الاصطناعي في تحولات القوى في النظام الدولي والعوامل المؤثرة في إطار نظرية تحول القوى؟

ترجع الأهمية العلمية والنظرية للدراسة في ضوء ندرة الدراسات المصرية التي تتناول تأثير الذكاء الاصطناعي في العلاقات الدولية، على الرغم من ثراء الدراسات الأجنبية في هذا الصدد. أما الأهمية العملية؛ فتكمن في التزايد الكبير في استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في كل مجالات العلاقات الدولية؛ حيث أصبح الذكاء الاصطناعي من أهم ساحات التنافس بين الدول. وقد شهد على ذلك الحرب بين روسيا وأوكرانيا التي استخدم فيها الطرفان تقنية الذكاء الاصطناعي، وكذلك تصاعد السباق الأمريكي – الصيني في مجال الذكاء الاصطناعي.

لقراءة الورقة كاملة يمكنكم اقتناء العدد 559 (ورقي او الكتروني) عبر هذا الرابط:

مجلة المستقبل العربي العدد 559 أيلول/سبتمبر 2025

المصادر:

نُشرت هذه الدراسة في مجلة المستقبل العربي العدد 559 في أيلول/سبتمبر 2025.

الصورة من موقع freepik.

عبير أبو عرام: باحثة دكتوراه، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة.

[1] Klaus Schwab, «The Forth Industrial Revolution,» Encyclopaedia Britannica (2018), <https://www.britannica.com/event/The-Fourth-Industrial-Revolution-2119734>. (Accessed on 8 July 2024).

[2] Anastasia Kapetas, «The Geopolitics of Artificial Intelligence,» The Australian Strategic Policy Institute (24 December 2020), <https://www.aspistrategist.org.au/the-geopolitics-of-artificial-intelligence/> (Accessed on 5 May 2024).

 


مركز دراسات الوحدة العربية

فكرة تأسيس مركز للدراسات من جانب نخبة واسعة من المثقفين العرب في سبعينيات القرن الماضي كمشروع فكري وبحثي متخصص في قضايا الوحدة العربية

مقالات الكاتب
مركز دراسات الوحدة العربية
بدعمكم نستمر

إدعم مركز دراسات الوحدة العربية

ينتظر المركز من أصدقائه وقرائه ومحبِّيه في هذه المرحلة الوقوف إلى جانبه من خلال طلب منشوراته وتسديد ثمنها بالعملة الصعبة نقداً، أو حتى تقديم بعض التبرعات النقدية لتعزيز قدرته على الصمود والاستمرار في مسيرته العلمية والبحثية المستقلة والموضوعية والملتزمة بقضايا الأرض والإنسان في مختلف أرجاء الوطن العربي.

إدعم المركز