مستخلص
ترى هذه الدراسة أنّه نظرًا إلى أنّ السياسة العامة في الولايات المتحدة الأمريكية تتأثّر بمؤثرات رسمية وغير رسمية، ولأنّ الولايات المتحدة الأمريكية دولة ليبرالية، فإنّ الفاعلين غير الرسميين، مثل جماعات الضغط التي تتمتّع بنفوذ وسلطة على صانعي القرار والسياسة الأمريكية، يؤدون دورًا رئيسًا في التأثير في السياسة العامة.
وتعدّ لجنة الشؤون العامة الأمريكية – الإسرائيلية (أيباك)، من أهمّ جماعات الضغط في الولايات المتحدة الأمريكية، وتتمتّع بنفوذ قويّ لدى صانعي السياسة العامة الأمريكية. كما تعَدّ أيباك (AIPAC) من أبرز المنظمات المعنية بقضايا الصهيونية العالمية، وتسعى إلى جعل السياسة الأمريكية متوافقة مع المصالح الإسرائيلية، في ظلّ ثورة الطلاب الأمريكيين في أهمّ الجامعات من أجل وقف الإبادة الجَماعيّة في قطاع غزّة، وما تبع هذه الثورة من انتهاك لحريّة الرأي والتعبير التي يتغنّى بها الغرب.
الكلمات المفتاحية: الثنائية الحزبية؛ المجمع الانتخابيّ؛ اللوبي؛ أيباك؛ حريّة الرأي والتعبير.
مقدّمة
من الأهميّة بمكان دراسة كيفية تأثير أيباك في الحياة السياسية والرئاسية في الولايات المتحدة الأمريكية. صحيح أنّ لأيباك تأثيرًا غير مباشر في وطننا العربي من خلال الإدارات والمؤسسات الأمريكية، ما دامت هذه السياسات تتمّ في ظلّ القفزة الأمريكية إلى الأمام، ولكنْ ببعد صهيونيّ.
يسعى الرئيس الأمريكي جو بايدن للفوز بولاية ثانية عن الحزب الديمقراطي لعام 2024، مقابل المرشح الأكثر حظًّا الرئيس الأسبق دونالد ترامب، الذي يمثّل الحزب الجمهوريّ. ويمثّل التمويل جانبًا مهمًّا في الانتخابات الأمريكية، إذ ينفق المرشح على هذه الانتخابات مبالغ طائلة للفوز، ما يلزمه بالرضوخ لضغوط المال والإعلام المملوكَين من المنظمات اليهودية، ومصالح الأسلحة. ففي عام 2020 تمّ إنفاق عشرين مليارًا على الحملات الانتخابية.
في المقابل، إنّ التأثير العربي في السياسة الأمريكية ضعيف جدًّا، بسبب عدم سيطرته على المال والإعلام المملوك من قبل اليهود. لذلك تستعمل الجالية اليهودية هذا الضعف لتقوّي نفوذها إلى أقصى الحدود، وهي التي لديها مجموعة كبيرة من أدوات الضغط، أبرزها لجنة الشؤون العامة الأمريكية – الإسرائيلية (أيباك) صاحبة التأثير الكبير في البيت الأبيض والكونغرس بغرفتيه النواب والشيوخ والمؤسسات الحكومية الأخرى. وهذا ما يؤكّد أهمية الأيباك في هذه الانتخابات وقدرتها على السيطرة على مواقع القرار.
ولا بد لنا من أنّ نقتبس قول الزعيم الكيني جومو كينياتا، الذي قال: «عندما جاء المبشرون، كان لديهم الإنجيل، وكانت لدينا الأرض، علمونا كيف نغمض أعيننا كي نصلي في خشوع، وعندما فتحنا أعيننا، كنا قد أخذنا الإنجيل، وكانوا قد أخذوا الأرض».
لكلّ شخص حقّ التمتّع بحريّة الرأي والتعبير (المادة 19 من الإعلان العالميّ لحقوق الإنسان)، ولكلّ شخص حقّ المشاركة في إدارة الشؤون العامة لبلده، إمّا مباشرةً وإمّا بواسطة ممثلين يجري اختيارهم بحريّة، ولكلّ شخص، بالتساوي مع اﻵخرين، حقّ تقلّد الوظائف العامّة في بلده. وإرادة الشعب هي مصدر سلطة الحكم، ويجب أنّ تتجلّى هذه الإرادة من خلال انتخابات نزيهة تجرى بالاقتراع العامّ، وعلى قدم المساواة بين الناخبين، وبالتصويت السرّي، أو بإجراء متكافئ من حيث ضمان حريّة التصويت (المادة 21 من الإعلان العالميّ لحقوق الإنسان). ويترتّب على حسبان الانتخاب حقًّا شخصيًّا النتائج التالية [1]:
1 – لا يجوز للمشرّع أنّ يحدّ من حقّ الانتخاب فيجعله مقتصرًا على فئة دون فئة أخرى، إذ إنّ هذا الحقّ لصيق بالفرد بوصفه مواطنًا، ومن ثَمَّ يلزم الأخذ بنظام الاقتراع العام لا الاقتراع المقيّد.
2 – ما دام الانتخاب حقًّا، فإنّه لا يمكن إلزام صاحبه بمباشرته، فالانتخاب اختياريّ وليس إجباريًّا.
كثيرًا ما ساد الاعتقاد بأنّ الانتخابات غير المباشرة هي البديل الأفضل للديمقراطية المباشرة بعد العجز والفشل في تطبيقها في كثير من الحالات. فالانتخابات غير المباشرة تُعَد أفضل ليس فقط لكونها الوسيلة الوحيدة التي تؤدّي إلى ممارسة هذا الحقّ من قبل القواعد الشعبية غير المقيّدة بأيّ وسائط كالأحزاب السياسية، بل لأنّها من أنجح الوسائل لزيادة الوعي السياسيّ للناخبين الأفراد، وترسيخه نتيجةً لاهتمامهم ومسؤوليتهم المباشرة أثناء الانتخابات[2].
جماعات الضغط هي إحدى القوى السياسية الموجودة في النظام السياسيّ الأمريكيّ، وهي منظمات اجتماعية، ولكنها تنخرط أيضًا في الأنشطة السياسية. يجتمع أعضاء جماعات الضغط في منظمة واحدة أو أكثر لها مصالح مشتركة، وتعمل جماعات الضغط على التأثير في القرارات الحكومية لمصلحتها. ولا تكتفي هذه المنظمات بتحقيق أهدافها من خلال التأثير في الحكومات والجهات الفاعلة العامة فحسب، بل تضمّ سلطتها أيضًا إلى القوى غير الرسمية لتكوين السياسة العامة.
ويختلف دور جماعات الضغط في تكوين السياسة العامة والتأثير فيها بين الجماعات والأنظمة السياسية. فبعض المنظمات تركز على الجوانب السياسية، بينما تركّز منظمات أخرى على الجوانب الاقتصادية والثقافية والإنسانية.
علاوة على ذلك، فإن بعض جماعات الضغط دائمة، وبعضها اﻵخر مؤقت، حيث تظهر في مواقف معينة وتختفي عندما تمتثل الحكومة لمطالبها. والسمة الرئيسة التي تميّز جماعات الضغط عن الأحزاب السياسية هي أنها لا تهدف إلى السلطة كما تفعل الأحزاب السياسية.
في الولايات المتحدة، كما هي الحال في البلدان والأنظمة السياسية الأخرى، هناك جماعات ضغط تؤثر في السياسة العامة وتؤدي دورًا مهمًا في الانتخابات التشريعية والرئاسية. وتسمى هذه الجماعات «جماعات الضغط»، ولديها القدرة على التأثير في النواب والمشرعين لخدمة مصالحها وقضاياها الخاصّة.
وعلى هذا النحو، تحاول الدول العربيّة عمومًا، وبشكل غير مفاجئ، الوفاء بالتزاماتها التعاهدية، غير أنّ إسرائيل (مغتصبة الأرض الفلسطينية) هي من ينتهك الاتفاقات الرسمية وغير الرسمية في كثير من الحالات وليس العرب[3] وفي حين أنّ الولايات المتحدة الأمريكية دولة مؤسسية تهدف إلى تأمين وخدمة مصالحها، وهي قوة عظمى قادرة على التأثير في الدول الأخرى، فإنّ جماعات الضغط تستطيع التأثير في الكثير من القرارات لخدمة مصالحها وتوجيه السياسة الأمريكية في اتجاهات معينة.
إلى أيّ مدى تتمكن جماعات الضغط (الأيباك)، من التأثير في الانتخابات الأمريكية؟ ما هو دور المال في الانتخابات الرئاسية؟ وما مدى تأثير النّظام الانتخابيّ في طريق البيت الأبيض؟
تمثلت أهداف الدراسة بتبيان دور الأيباك في الانتخابات ونفوذها على الكونغرس الأمريكيّ.
تستخدم الدراسة منهجًا وصفيًّا وتحليليًّا لوصف وتحليل جماعات الضغط الآليّات المستخدَمة في صوغ السياسة العامة في الولايات المتحدة الأمريكية، وتفسير القرارات التي تتخذها الولايات المتحدة الأمريكية وفقًا لمصالح جماعات الضغط.
تتمثّل الفرضية الرئيسة للدراسة في وجود علاقة قوية بين جماعات الضغط ومسار الانتخابات الرئاسية الأمريكية، تحقيقًا للمصلحة الإسرائيلية.
أولًا: تطور الحياة السياسية والنّظام الحزبي
ظهر في أوروبا مفهوم جديد للديمقراطية، وهي الديمقراطية التمثيلية التي تفترض بطبيعتها انتداب ممثلين من الشعب لتولي الحكم عنه، لأنّ الشعب لا يستطيع ممارسة الحكم مباشرة. وذلك بطريقة الانتخاب التي كانت وسيلة للشعب لانتقاء من يثق بهم من نوابه[4].
أمّا الانتخاب في الدول الاشتراكية فلا يعدّ أساسًا يمكن الاستغناء عنه، فالنظرية الماركسية ترى في الحريات الفردية، ومنها حقّ الانتخاب، حريات وحقوقًا شكلية فارغة من مضمونها، لأنّ الحريّة العملية منعدمة بفعل الرأسمالية التي يتعلق مصير حياة الفرد فيها بإرادة أصحابها وضغطهم[5].
بُعيد انتخابات سنة 1800، لم يعد الفدراليون أكثر من مجرّد حزب فئويّ في نيو إنغلاند، حيث كانت سياساتهم محافظة أكثر ممّا ينبغي، فلم تستهوِ الأمّة، ولم يبذل زعماؤهم من الجهد إلّا قليلًا للتوصّل إلى تفاهمات لكسب شعبية. ولأنّهم إنكليزيو الهوى حتى النخاع، فقد عارضوا إعلان الكونغرس الحرب على بريطانيا سنة 1812، وبحلول سنة 1820، لم يكن للحزب الديمقراطي الجمهوري أيّ منافسين ذوي ثقل[6].
تعدّ معدلات المشاركة أحد المؤشرات المهمّة في النظم الديمقراطية. فكلما ارتفعت نسبة المشاركة، كلما عكست النّتائج إرادة شريحة أكبر من المجتمع وزادت الثّقة في نتائج التصويت. ومن ناحية أخرى تشير معدلات المشاركة أيضًا إلى ثقة المواطنين في المؤسسات الديمقراطية وتنامي وعيهم بتأثيرها وفعاليتها السياسية.
1 – البُعد التاريخيّ للأحزاب السياسية الأمريكية
على حدّ قول إبراهام لينكولن في خطاب التنصيب عام 1861، «يستمدّ الحاكم الأعلى كلّ سلطته من الشعب». بينما في ذلك الوقت كانت أغلبية الدول الأوروبية ملكيات وراثية.
وفقًا لـ جون أدامز (John Adams)، من كتابه أفكار حول الحكومة، الصادر عام 1776، «عندما تنتهي الانتخابات السنوية تبدأ العبودية». الانتخاب هو نمط أيلولة السلطة يرتكز على اختيار المواطنين لممثليهم أو لمندوبيهم على المستوى المحلّي الوطني أو المهنيّ، أو هو نمط لمشاركة المواطنين في الحكم في إطار الديمقراطية التمثيلية [7].
أ – تحليل النظام الانتخابي الأمريكي
تاريخ الدوائر أحاديّة العضوية في الولايات المتحدة الأمريكية تاريخٌ كاشف، حيث نوقشت الدوائر أحادية العضوية في المؤتمر الدستوريّ الأمريكيّ المنعقد في 1787، وذهب جيمس ماديسون (James Madison)، في مقال له نُشر تحت عنوان الورقة الفدرالية الرقم 56 ذكر فيه مسوّغات التصديق على الدستور الجديد، إلى أنّ الدوائر أحادية العضويّة سوف «تقسّم أكبر ولاية إلى عشر دوائر أو اثنتي عشرة دائرة، وسيتبيّن أنّه لا توجد مصالح محليّة فريدة… لا يعرفها ممثّل الدائرة». وفي الأساس، من شأن الممثلين المحليين أنّ يتفهموا المصالح المحليّة ومن ثمّ يدافعون عنها[8].
طوّر النّظام الحزبيّ الأمريكيّ الدوائر الانتخابية ذات العضو الواحد لتمثيل المصالح الحزبية بصورة أفضل. وعلى الرغم من ذلك، استمرت بعض الولايات في استخدام نظام الأحزاب التقليديّ من دون تطبيق قوانين إعادة تقسيم الدوائر كما هو مقرر كلّ عقد. في عام 1967، صدر قانون يمنع الدوائر متعددة الأعضاء لحماية حقوق التصويت، ومع ذلك هناك شكوك حول استخدام الدوائر ذات العضوية الفردية لتعزيز تأثير ناخبين من أصول سوداء.
يثير التغيّر في التجانس والهجرة تساؤلات حول فعالية هذه الممارسة في التمثيل بشكل عادل. وإضافة إلى ذلك، يستمرون في التشديد على تمثيلهم جغرافيًّا وحماية مصالحهم في كونغرس الولايات المتحدة[9].
تطوّر الحقّ في التصويت
للنظام الانتخابي المعتمد تأثير مباشر في نسب المشاركة، فوفقًا لدراسةٍ أجريت على الانتخابات التشريعية في 163 دولة لدراسة النّظم الانتخابية المقارنة في التسعينيات، سجل متوسط معدلات المشاركة 75 بالمئة في الدول التي تعتمد نظم التمثيل النسبيّ، أي بزيادة 10 بالمئة من متوسط معدلات المشاركة في الدول التي تعتمد نظم الأغلبية.
في بداية تأسيس الجمهورية في أمريكا، كان التصويت مقتصرًا على الرجال البيض أصحاب الأملاك، واليوم أصبح حق الانتخاب مكفولًا للجميع، ومرت مراحل توسُّع جمهور الناخبين بأربع مراحل:
في المرحلة الأولى: أُلغي شرط حيازة الأملاك ليحلّ محلّه شرط أن يكون الناخب دافع ضرائب، واستمر هذا الشّرط حتى إلغائه بموجب التعديل الرقم 24 للدستور سنة 1964.
وفي المرحلة الثّانية: استغرقت عملية توسيع حقوق التصويت لتشمل السود أكثر من قرن. وفي عام 1870، نصّ التعديل الخامس عشر للدستور الأمريكي على أنّه لا يجوز حرمان أيّ شخص من حقّ التصويت بسبب العرق أو اللون أو العبودية السابقة، ولكنّ الهيئات التشريعية في ولاية الرقيق أضافت شروطًا مستحيلة لممارسة هذا الحقّ، كتجاوز اختبارات في القراءة وتفسير الدستور، إضافة إلى فتح مراكز الاقتراع في أماكن بعيدة من مناطق الرقيق، وتفتح لساعات محدودة، إضافة إلى استعمال وسائل غير قانونية كالترهيب والاعتداء. وفي عام 1965، تناول قانون حقوق التصويت عدم المساواة في الحقوق السياسية عندنا نصّ على أنّ عدد المسجلين للتصويت من أيّ أقليّة عرقية هو أقلّ من 50 بالمئة، فقد كان ذلك دليلًا على التمييز، كما تمّ استبدال أمناء السجلات الفدراليين محلّ المسؤولين المحليين لضمان المساواة في معاملة الأقليات العرقية، وعلى الرغم من إزالة العائق القانونيّ الأكثر أهميّة أمام تصويت الأمريكيين من أصل أفريقي، إلاّ أنّ معدلات مشاركتهم تظلّ أقلّ من المتوسط الوطني.
في المرحلة الثالثة: تمّ توسيع حقّ الانتخاب للنساء، وامتد نضال الماديات بهذا الحقّ من مؤتمر سينياك فولز الذي أصدر إعلان المشاعر المعني بحقوق المرأة سنة 1848 وحتى التصديق على التعديل الدستوري الرقم 19 سنة 1920، الذي منح المرأة حقّ الانتخاب.
وفي المرحلة الرابعة: وفي خطاب الرئيس أيزنهاور عن حالة الاتحاد، الذي طلب فيه من أعضاء الكونغرس سنّ قانون خفض سنّ التصويت من 21 سنة إلى 18 سنة، ولكن لم يتم ذلك إلا في سنة 1971 إبان حرب فيتنام بموجب التعديل الرقم 26 للدستور، ولم يكن لذلك تأثير نظرًا إلى المشاركة الضعيفة للشباب مقارنةً بكبار السنّ[10].
ب – ابتكار نظام المجّمع الانتخابي
ببساطة شديدة، اخترع مؤسسو الأمّة المجمّع الانتخابي لحلّ المشكلات السياسية التي واجهوها. فكتابة الدستور عمليّة معقّدة، وكانت أهمّ تسوية في صياغة دستور 1787 ما سُمّيَ «تسوية كونكتيكت» (Connecticut Compromise)، التي دعت إلى إنشاء مجلس نواب موزَّع حسب عدد السكان، ومجلس شيوخ تمثّل فيه كلّ ولاية بعضوين، فحلّت الصراع بين الولايات الكبيرة والصغيرة من حيث عدد السكان. وتقرّر اختيار أعضاء مجلس النواب بالانتخاب الشعبي، وتُرك للولايات تقرير كيفية اختيار ممثليها في مجلس الشيوخ، وكانت القاعدة وقت إقرار الدستور هي انتخاب الشيوخ من جانب الهيئات التشريعية للولايات[11].
يجادل النقاد حول أنّ المجمع الانتخابي أقلّ ديمقراطيةً من التصويت الشعبي الوطني المباشر، كما أنّه عرضة للتلاعب بسبب الناخبين الخائنين للأمانة. لذلك يكون هناك تناقض مع ما تسعى إلى تحقيقه الديمقراطية، وهو مواطن واحد، يعني «صوت واحد»، وهذا التناقض حصل في انتخابات عام 2000 (وفوز جورج بوش الابن، وفي عام 2016 وفوز دونالد ترامب). حصل الخاسرون في هذه الانتخابات من الناحية الشعبية حعلى أعلى نسبة تصويت شعبيّ، بين الفائزين، وعلى أعلى نسبة تصويت من أعضاء المجمّع الانتخابي.
المواطنون الأفراد في الولايات الأقلّ كثافة سكانية لديهم قوّة تصويتية أكبر نسبيًّا من تلك الموجودة في الولايات الأكثر اكتظاظًا بالسكان. علاوة على ذلك، يمكن للمرشحين الفوز من خلال تركيز مواردهم على عدد قليل من الولايات المتأرجحة.
ويمكن تشبيه وظيفة المجمّع الانتخابي في اختيار الرئيس بتلك التي في كلّية الكرادلة التابعة لكنيسة الروم الكاثوليك في اختيار البابا. وكانت الفكرة الأصليّة للأفراد الأكثر معرفة واطّلاعًا من كلّ ولاية على اختيار الرئيس على أساس الجدارة فقط، وبغضّ النّظر عن الولاية الأصليّة أو الحزب السياسيّ.
(1) مداولات عملية انتخاب الرئيس: كانت خطّة فرجينيا هي الأساس للمناقشة في المؤتمر الدستوري سنة 1787، حيث تطلّبت خطّة فرجينيا من الكونغرس انتخاب رئيس. وافق معظم ممثّلي الولايات الأمريكية على طريقة الانتخابات هذه. عارض الممثلون على ترشيح الكونغرس، لأنّه يخالف مبدأ الفصل بين السلطات.
ثمّ قدّم جيمس ولسون اقتراحًا للناخبين بهدف انتخاب الرئيس. وفي وقت لاحق من المؤتمر، ألفت لجنة لوضع تفاصيل مختلفة، بما في ذلك طريقة انتخاب الرئيس، والتوصيات النهائية للناخبين، وهم مجموعة من الأشخاص من الولايات التي لها عدد متساوٍ من الممثلين في الكونغرس (وهي الصيغة التي كانت تمّت تسويتها في المناقشات التي أسفرت عن تسوية كنتيكت الثلاثة أخماس)، ولكنْ يتمّ اختيارهم من قبل كل ولاية «بالطريقة التي قد يوجهها المجلس التشريعي».
وقد أوضح كوفنير موريس (Kovner Morris) عضو اللجنة أسباب التغيير. من بين أمور أخرى، هناك مخاوف بشأن «المؤامرة» إذا تمّ اختيار الرئيس من قبل مجموعة صغيرة من الأشخاص الذين يجتمعون بصورة منتظمة، ومخاوف بشأن استقلالية الرئيس إذا انتُخب من قبل الكونغرس[12].
أُنشئت الهيئة الانتخابية لحماية العملية الانتخابية من العصابات والفساد، على خلاف الانتخابات الرئاسية التي يُستخدم فيها الاقتراع الشعبي المباشر.
تجدر الإشارة إلى أنّ المجتمع السياسي في الولايات المتحدة الأمريكية تطور وتأسس على الإبادة الجماعية للسكان الأصليين (الهنود الحمر)، حيث كانت القسوة سمةً أساسيةً للصراع على البقاء (…) وفي صور مخطوط «شامبلين» (Champlain) وتقرير «دو بري» (Du Pré) لعام 1599، تظهر جماعة من الكهنة قادمين من جنوب أوروبا، وبصحبتهم بعض السادة من محاكم التفتيش، وتظهرهم الصور وهم يرتدون أرديةً مزركشة وسترات فخمة، وقد علت رؤوسهم قبعات مثنية الأطراف، وهم يقفون قرب محرقة يُشوى على قضبانها هنودٌ لم يقبلوا الهداية، فجاءالعقاب بحرقهم من أجل الرب[13].
وهذا يوضح لنا الفرق بين السكان الأصليين (الهنود الحمر)، والسود (الذين تم جلبهم من أفريقيا كعبيد)، والأوروبيين الذين يمتلكون الأرض والسكّان، هناك فرق كبير بينهم، وهذا بالطبع سيؤثّر في أيّ عملية انتخابية لو كانت مباشرة.
إنّ انتخاب رئيس الدولة من الشعب مباشرةً بوصفه رئيسًا للدولة والحكومة معًا يضعه على قدم المساواة من الأهمية والمكانة والنفوذ مع البرلمان، ويجعل له صفة تمثيليّة للشّعب، ويعطيه الحقّ في التكلّم باسمه والتعبير عن إرادته، إذ يستطيع أنّ يتخذ من القرارات الحيوية ما يجعل لإرادته المكانة العليا في الدولة، ويمثّل محورًا تشعّ منه سياسة البلاد الداخلية والخارجية ومنطلقًا لسلطاتٍ ضخمةٍ تشمل جميع الميادين العسكرية والمدنية على حد سواء[14].
ومن الأسباب الدافعة لاعتماد المجمع الانتخابيّ، هي مسألة وجود السود في الولايات الأمريكية الجنوبية، على نقيض ما هو عليه الأمر في الولايات الشمالية ذات القدر الكافي من الحريّة، ومن ثم ممارسة الحقّ في التصويت من دون قيود وتأثيرات متعددة.
في السادس من أيلول/سبتمبر 1787، وافق المؤتمر على اقتراح المجمّع الانتخابي للجنة مع تعديلات طفيفة[15]. بينما دعم ممثلو الولايات ذات التعداد السكاني الأقلّ أو مساحة الأرض المحدودة (مثل كنتيكت ونيوجيرزي وماريلاند)، بوجه عام المجمع الانتخابي مع بعض الاعتبار للولايات[16]. وفي التسوية التي تنصّ على انعقاد جولة إعادة تعيين المرشحين الخمسة الأوائل، افترضت الولايات الصغيرة أنّ مجلس النواب، مع قيام كل وفد ولاية بإدلاء صوت واحد، هو الذي سيقرر معظم الانتخابات[17].
أوجز جيمس ماديسون بوجهات نظره بشأن الانتخابات الرئاسية والدستور في الأوراق الفدرالية. في الورقة الفدرالية 39، جادل ماديسون بأنّ الدستور تمّ تصميمه ليكون بمنزلة مزيج من التمثيل النسبيّ على أساس الولاية والتمثيل النسبيّ على أساس السكان. سيكون للكونغرس مجلسان: مجلس الشيوخ على مستوى الولاية، ومجلس النواب على مستوى السكان. وفي الوقت نفسه، سيتم انتخاب الرئيس من خلال مزيج من طريقتين[18].
(2) الانتخابات المباشرة من الشعب وإشكالية فارق الأصوات مع المجمّع الانتخابي: كتب الرئيس جيمي كارتر رسالة إصلاح إلى الكونغرس بتاريخ 22 آذار/مارس 1977) تضمّنت أيضًا تعبيره عن إلغاء الهيئة الانتخابية على نحو أساسيّ. تمّت قراءة الرسالة جزئيًّا: «توصيلي الرابع هو أنّ يتبنّى الكونغرس تعديلًا دستوريًّا لتوفير انتخابات شعبيّة مباشرة للرئيس. مثل هذا التعديل، الذي من شأنه إلغاء الهيئة الانتخابية، سيضمن أنّ يصبح المرشّح الذي يختاره الناخبون رئيسًا بالفعل.
وفي ظلّ الهيئة الانتخابية، وفقًا لما ورد في «رسالة كارتر»، من الممكن دائمًا ألّا يتم انتخاب الفائز في التصويت الشعبيّ. لقد حدث هذا بالفعل في ثلاثة انتخابات أعوام 1824، و1876، و1888. في الانتخابات الأخيرة، كان من الممكن تغيير النتيجة من خلال تحوّل صغير في الأصوات في أوهايو وهاواي، على الرغم من فارق الأصوات الشعبية البالغ 1 و7 ملايين. لا أوصي بتعديل دستوريّ باستخفاف. أعتقد أنّ عملية التعديل يجب أنّ تقتصر على قضية ذات أهميّة حكومية عليا. لكنّ الطريقة التي ننتخب بها رئيسنا هي مثل هذه القضية. لن أقترح تعديل انتخاب مباشر محدّد. أفضل السماح للكونغرس بالمضيّ قُدمًا في عمله من دون مقاطعة اقتراح جديد[19].
2 – دور الأحزاب في الحياة السياسية الأمريكية
تعدّ الأحزاب في الولايات المتحدة الأمريكية ذات طابع خاص، عكس ما هو سائد من أحزاب سياسية في أوروبا، سواء من حيث الهيكل التنظيمي أو الأيديولوجيا العقائدية، وحتى من حيث النشأة والتكوين. فلم يكن واضعو دستور الولايات المتحدة في عام 1787 على قناعة بأنّه سيكون للأحزاب السياسية دور مهمّ في النّظام السياسيّ الأمريكيّ، حيث سعى هؤلاء من خلال وضع ترتيبات دستورية متنوعة مثل فصل السلطات، والضوابط والتوازنات، والنظام الفدراليّ، والانتخاب غير المباشر لرئيس الجمهورية من قبل هيئة انتخابية إلى عزل الجمهورية الجديدة عن الأحزاب والفئات[20].
أ – تداول الحكم من خلال النّظام الحزبي الثنائي
يرى جيدن روز، السياسة الخارجية لها مصادرها في السياسة الداخلية، فالأيديولوجيا السياسية والاقتصادية والمميزات الوطنية والسياسات الحزبية والبنى السوسيواقتصادية هي التي تحدد كيف تتصرف الدول تجاه العالم الذي يقع خارج حدودها، وهذا يعني أنّ السياسة الخارجية تُفهم على نحو جيد إذا أخذت على أنّها نتاج الحركية الداخلية للدول[21].
يعَدّ الجمهوريون والديمقراطيون، وهما الحزبان الرئيسيان والتاريخيان، أكبرَ الأحزاب السياسية في الولايات المتحدة، وبعد كل انتخابات، يشغلان مقاعد الأغلبية في مجلس النواب ومجلس الشيوخ وكذلك أكبر عدد من المحافظين، إلّا أنّ لديهم بعض الاختلافات الواضحة التي تظهر في منهجهم وسياساتهم وتاريخهم. هذه الاختلافات هي في الأساس مسارات أيديولوجية وسياسية واجتماعية واقتصادية. وتعتمد الاختلافات بين الطرفين على موقف الأغلبية.
إنّ الديمقراطيين والجمهوريين هم أعضاء الحزبين الرئيسيين في الولايات المتحدة، حتى بعدما أصبحت الأحزاب المعتدلة والبديلة في اﻵونة الأخيرة أكثر حضورًا، فإنّه لا يزال الديمقراطيون والجمهوريون أكبر حزبين تاريخيين يحتفظان بأغلبية المقاعد في مجلس الشيوخ وفي مجلس النواب.
ووفق النّظام الانتخابي الأمريكي المميز، تطرح في الكثير من المناسبات الانتخابية تساؤلات حول فعالية نظام المجمّع الانتخابي، وبخاصة بعد الانتخابات الرئاسية لسنة 2000 بين جورج بوش وآل غور، وهناك من يشكك في النّظام الذي يسمح للديمقراطيين والجمهوريين بالهيمنة على السياسة لنحو 150 سنة، برغم أنّ الأحزاب السياسية غير مذكورة بالكلية في الدستور.
ففي كونغرس 2006 بأعضائه الـ 535 كان عدد الأعضاء من خارج الحزبين لا يمثل سوى عضوين فقط. كما خاض في السنة نفسها حكّام الولايات الخمسين كلّها الانتخابات تحت راية أحد الحزبين، وأكثر من 7350 مشرّعًا من 7400 مشرّع ولاياتيًا[22].
إنّ المنطق الأساسيّ للحزب الجمهوريّ يركز على فكرة الهيمنة الأمريكية، وأحيانًا كثيرة على فكرة الإمبراطورية الأمريكية، ويعتقدون أنّه يجب استخدام القوّة الأمريكية للتشجيع على نشر الديمقراطية والحفاظ على السيطرة الأمريكية، كما يعتقدون أيضًا أنّ النّظام الديمقراطيّ الأمريكيّ يكفي أنْ يمثّل الضمانة بأنْ ينظر معظم البلدان الأخرى إلى تلك السيطرة على أنّها سيطرة حميدة، وبأنّ القيادة الأمريكية الأحادية للعالم مرحّب بها شرط أنّ تتم ممارستها في صورة حاسمة[23].
ب – تأثير النّظام الحزبي الثّنائي
تعود بدايات النظام الحزبي في الولايات المتحدة الأمريكية إلى حقبة الصراع في المستعمرات في مرحلة ما قبل الاستقلال عام 1776، بين المؤيدين للمصالح البريطانية والذين عرفوا بالمحافظين، وبين أنصار الحكم الذاتيّ وسموا بالأحرار. وبعد الاستقلال ظهر الصراع بين الاتحاديين ومعارضيهم المنادين بالحكم الذاتي.
في عهدة الرئاسة الأولى لجورج واشنطن، برز الصراع بهيئة تحزب حين تزعم ألكسندر هاملتون، ومعه جورج واشنطن، الاتجاه نحو الاتحادية (أيّ المركزية الفدرالية) لحماية أصحاب الملاك، في حين تزعّم توماس جيفرسون، (مؤسس الحزب الجمهوري القديم الذي سمّي بالديمقراطي عام 1828 وبقي حتى اﻵن)، الاتجاه المعارض للاتحادية، والمشدد على أنصار حقوق الفرد، وتحول حزب واشنطن وهاملتون الداعي إلى الاتحادية عام 1830 إلى حزب الأحرار وتغيّر اسمه في عام 1854 إلى الحزب الجمهوري[24].
فالأحزاب السياسية لم تكن قد ظهرت في الولايات المتحدة عند صوغ الدستور وإقراره في أواخر القرن الثامن عشر، فقد تأسست الأحزاب السياسية بعد ممارسة الحكومة أعمالها وكنتيجة للسياسات التي اتبعها الرئيس الأمريكي الأوّل جورج واشنطن؛ حيث عدّ البعض أنّ عدم الإشارة إلى الأحزاب السياسية يعدّ ثغرةً في الدستور الأمريكي، في حين فسر البعض اﻵخر ذلك بافتراض أنّ الأحزاب السياسية مرتبطة بالمشاحنات والخداع والمآرب الشخصية أكثر من ارتباطها بالاتحاد والمسؤولية، إذ كان اﻵباء المؤسسون توّاقين لتقوية وبناء الاتحاد الجديد، وبالتالي لم يوافقوا على مثل هذه المؤثرات المضعفة كالأحزاب السياسية[25].
تعدّ هيمنة حزبين على الحياة السياسية الأمريكية نتيجةً طبيعة لنظام الانتخاب بالأغلبية الذي يتماشى مع الثنائية الحزبية، وذلك بفعل عاملين أساسيين هما:
أولهما: يكمن في أنّ مثل هذه النّظم الانتخابية تتطلب الحصول على أغلبية الأصوات للفوز، وهذه النسب عادة لا تستطيع تحقيقها الأحزاب الصغيرة أو الجديدة، فيصعب عليها اختراق النّظام الحزبي.
وثانيهما: يتعلق بالتفكير العقلانيّ، فمناصرو الأحزاب الصغيرة يدركون أنّ أصواتهم تكون مهدورة لو صوتوا لأحزابهم، وبالتالي لجعل أصواتهم ذات أهميّة، سوف يصوّتون لأحد الأحزاب الكبيرة التي لها فرص واقعية للفوز، ويدعى هذا السلوك الانتخابي بالتصويت التكتيكيّ، وهنا يتوجه الناخب لاختيار الحزب صاحب التفضيل الثّاني أو الثالث. وبفعل هذين العاملين، تطورت الثنائية الحزبية في أمريكا، فمنذ عام 1860 هيمن الحزبان الكبيران الديمقراطيّ والجمهوريّ على السياسة الانتخابية الأمريكية، فلم يفز بالرئاسة أيّ متسابق خارج هذين الحزبين، ولم تحصل أغلبية في الكونغرس لأيّ حزب آخر[26].
منذ الاستقلال وإلى الحرب العالمية الأولى كان هدف الحكّام الأمريكيين بناء دولة قويّة بعيدة من مشاكل القارة العجوز، وعدم الانجرار إلى مشاكلها، حيث أكّد الرئيس جورج واشنطن، ذلك في قوله: أكبر قاعدة للتعامل مع الأمم الخارجية هي الانعزالية. ثمّ رُفع شعار أمريكا للأمريكيين من قبل الرئيس الأمريكي جيمس مونرو الذي أصبح أساس السياسة الخارجية الأمريكية حتى الحرب العالمية الأولى.
إنّ تصنيف النّظام الحزبي في الولايات المتحدة بكونه ثنائيًّا جعلَه يتميّز بعدّة خصائص تتمثّل بما يلي:
1 – إنّه نظام يعتمد احتكار الحكم من قبل حزبين رئيسيين هما الحزب الجمهوري والحزب الديمقراطي، وإنّ وجود أحزاب أخرى لا يعني تهديدها لمستقبل الحزبين الكبيرين والتأثير في فاعليتها لمدّة تزيد على الأربع سنوات.
2 – ثمّة لامركزية لدى الأحزاب السياسية في الولايات المتحدة، فمن جهة نجد أنّ الأحزاب الأمريكية ليس لها تنظيم يسمح لأيّ شخص أو رئاسة حزبية بأنّ تفرض وجهة نظرها على أعضاء الحزب، فقد يقترح الرئيس تشريعًا يعارضه أعضاء حزبه في الكونغرس، فضلًا عن ذلك لا يملك رؤساء الأحزاب في الكونغرس حقّ تقييد آراء أعضاء أحزابهم. ومن جهة أخرى فإنّ الأحزاب السياسية في الولايات المتحدة أصبحت تعرف تعددية على مستوى كل حزب تماثل عدد الولايات، بمعنى آخر إنّ كلّ فرع للحزب الديمقراطي في الولايات هو بمنزلة حزب مستقلّ. فالحزب الديمقراطي في الولايات هو بمنزلة حزب مستقل، فالحزب الديمقراطي في ولاية مسيسيبي مثلًا يختلف عن الحزب الديمقراطي في ولاية نيويورك، لذلك يرى البعض وجود 50 حزبًا ديمقراطيًّا و50 حزبًا جمهوريًّا تقريبًا، وذلك بسبب عدم وجود سلطة اتحادية للأحزاب، فاللجنة القومية التي ترأس الحزب ليس لها سلطة على الأحزاب في الولايات.
3 – عدم ثقة الناخبين بالأحزاب السياسية، حيث تعدّ من المكونات الأساسية المتأصلة في الثقافة المدنية الأمريكية. فتبني الانتخاب التميهدي المباشر لاختيار المرشحين للكونغرس وللولايات في وقت مبكر من القرن العشرين، والانتشار الواسع النطاق لنطاق الانتخابات التمهيدية الرئاسية التي أصبحت العامل المقرر في الترشيحات الرئاسية، يعبّر عن مشاعر عدم ثقة الجمهور بالأحزاب، فالأمريكيون لا يشعرون بالارتياح تجاه ممارسة زعماء المنظمات الحزبية سلطة كبيرة على حكومتهم.
4 – ضعف الالتزام الحزبيّ لدى الكثير من الأمريكيين، فالولاءات المحلية للنواب ليست قائمة دائمًا على أسس حزبية، بل تقوم إلى حدّ بعيد على أسس شخصية، فضلًا عن وجود شريحة مهمّة من الناخبين الذين يعدّون أنفسهم مستقلين، حيث أصبحت الانتخابات الأمريكية تتمحور أساسًا حول المرّشح لا الحزب، ومن ثمّ فإنّ تقاسم سيطرة الحزبين على الفرعين التنفيذيّ والتشريعيّ للحكومة بات أمرًا شائعًا في الحكومة القومية وحكومات الولايات الخمسين.
5 – غياب الأيديولوجيا الواضحة، فالأحزاب الأمريكية لا ترتكز على أيّ قاعدة أيديولوجية أو اجتماعية، وهي تحتوي على عناصر وعقائد متنافرة تمامًا، وتركّز اهتمامها في الأساس على الفوز في الانتخابات الأولية التي لها أهمية أعظم من أهمية الاقتراع الفعلي، فبرغم كون الولايات المتحدة دولة صناعية، إلاّ أنها تفتقر إلى أيّ حزب اشتراكيّ أو حزب عمالي. وبما أنّ الأحزاب هي انعكاس لواقع اجتماعيّ معين، إلاّ إنّ كلا الحزبين يسعى إلى تحقيق أهدافه بمعزل عن الطبقة الاجتماعية والصراع الطبقيّ حيث (لا يوجد حزب طبقات في أمريكا). فضلًا عن تبنيها مواقف وسطية وإظهارها مستويات عالية من المرونة السياسية، فهي لا تفترض انضباطية عالية في التصويت (كما في بريطانيا) من قبل نواب الحزب، فكل عضو برلماني له الحقّ في التصويت من دون الرجوع إلى حزبه، الأمر الذي مكّن الجمهوريين والديمقراطيين من إجازة وجود تنوع كبير في داخل صفوفهم، كما ساهم أيضًا في تعزيز قدرتهم على استيعاب الأحزاب الثلاثة وحركات الاحتجاج لدى حدوثها.
6 – إنّ صنع القرارات الحكومية لا تقرره السياسة الداخلية للحزب، لأنّ الأحزاب لا يمكن حسبانها أحزابًا حاكمة، فالرئيس يظهر في أغلب الأحيان غير مرتبط بالأمور الحزبية عندما يعين مساعديه في الوظائف الحكومية.
لم يحدّد الدستور الأمريكي لعام 1787 في نصّه الأوّلي عدد مرات جواز انتخاب الرئيس، إلّا أنّ «جورج واشنطن»، برفضه انتخابه مرّة ثانية عدّ بمثابة سابقة لا يجوز انتهاكها، ولكنْ خالف روزفلت، هذه القاعدة إذ أعيد انتخابه ثلاث مرات متتالية، حتى أُجري التعديل الثّاني والعشرون على الدستور سنة 1951 حرم بموجبه انتخاب الرئيس أكثر من مرّتين. حيث يتمتع الرئيس الأمريكيّ بثلاث وظائف قانونية كبرى: تشريعية، تنفيذية، وقضائية[27].
فقد تطوّر عمل المجمّع الانتخابي منذ التصديق على الدستور، وكان أهمّ تغيير جذري طرأ عليه ذلك الذي تلا تطوّر الأحزاب كتنظيمات للحملات الانتخابية، ونتيجة لذلك كان المتسابقون الأوائل يخوضون الانتخابات كقوائم مثنى مثنى، فيكون أحدهما هو المتسابق الرئاسي واﻵخر المتسابق على منصب نائب الرئيس. لكنّ نظام المجمّع الانتخابي لم يسمح بمثل هذه الثنائيات، وأسفر عن عدم حصول أيّ متسابق على أغلبيّة في سنة 1800، ولحلّ هذه المشكلة، نصّ التعديل الثّاني عشر للدستور الذي أقرّ في عام 1804 على أن يصوّت أعضاء المجمّع الانتخابي للرئيس ونائب الرئيس على نحو منفصل[28].
استعرض ألكسندر هاملتون في الورقة الفدرالية الرقم 68 ما يعتقد أنّه المزايا الرئيسة للمجمع الانتخابي. يأتي الناخبون مباشرةً من الشعب، وهم وحدهم، لهذا الغرض فقط، ولهذه العهدة فقط، أدّى ذلك إلى تجنب هيئة تشريعية يديرها حزب أو هيئة دائمة يمكن أنّ تتأثّر بالمصالح الأجنبية قبل كلّ انتخابات. وقد أوضح هاملتون أنّ الانتخابات ستجري بين جميع الولايات، لذلك لا يمكن للفساد في أيّ ولاية أنّ يدنّس «الكيان الشعبي العظيم» في اختيارهم. كان الاختيار يجب أنّ يتم من قبل أغلبية المجمع الانتخابي، حيث يحكم الأغلبية أمر بالغ الأهميّة لمبادئ الحكومة الجمهورية. جادل هاملتون بأنّ الناخبين المجتمعين في عواصم الولايات كانوا قادرين على الحصول على معلومات غير متاحة لعامة الناس. جادل هاملتون أيضًا بأنّه نظرًا إلى عدم وجود نائب فدرالي يمكن أنّ يكون ناخبًا، فلن يكون أيّ من الناخبين مدينًا بالفضل لأيّ مرشح رئاسي[29].
ومن المواضيع المهمّة، هو أن يتم اتخاذ القرار بطريقة سلسة، بحيث يتمّ تجنب الاضطرابات التي قد تحصل، بسبب اتساع نطاق شموله وتعدّد الأماكن في التوقيت الزمني نفسه. الأمر الذي يسمح لصانعي القرار التحرّك دون الخوف من التهديد والترهيب، وفي حال عدم نجاح العملية المذكورة من خلال المجمع الانتخابي، يتم اختيار الرئيس من بين أفضل خمسة مرشحين من قبل مجلس النواب الأمريكي. لذلك، يجب التأكد من نوعية وكفاءة الشخص الذي سيتولى منصبًا رفيعًا في الدولة، لأنّه سيقبع على رأس الولايات الأمريكية مجتمعةً.
تمرّ الانتخابات الأمريكية في مداها الزمني بأربع مراحل، الانتخابات التمهيدية والمؤتمرات القومية التي يحدّد فيها المرشح لسباق الرئاسة، ينطلق المرشح بعدها في حملته الانتخابية إلى أن يصل ليوم الاقتراع. حيث ينتخب الرئيسَ ونائبَ الرئيس أعضاءُ الهيئة الانتخابية (538 صوتًا، 270 صوتًا للفوز).
تمثّل ثاني تغيير كبير في اتباع الولايات طريقة «الفائز يحصل على كلّ شيء» في تخصيص مندوبي المجمّع الانتخابي المختارين في تلك الولاية. يترك الدستور للولايات طريقة اختيار المندوبين. وبحلول سنة 1836، وعلى نحو يعكس الإصلاحات الديمقراطية، كانت الولايات كافة تجري انتخابات شعبية للمندوبين في اقتراع على مستوى الولاية لا حسب الدائرة الانتخابية.
ونظرًا إلى قوّة الأحزاب السياسية، أفضى هذا النّظام بشكل طبيعي تمامًا إلى انتخابات بنظام «الفائز يحصل على كلّ شيء» لدوافع نفعيّة. أفضى هذا النّظام بصورة طبيعية تمامًا إلى انتخابات بنظام «الفائز يحصل على كلّ شيء» لدوافع نفعيّة. تستخدم هذه الخصيصة («الفائز يحصل على كلّ شيء») الأكثر جدلًا من خصائص نظام المجمع الانتخابي في ثمان وأربعين من الولايات الخمسين وفي مقاطعة كولومبيا.
وقد مُنح مواطنو مقاطعة كولومبيا حقّ التصويت لاختيار الرئيس بموجب التعديل الثالث والعشرين للدستور الذي أقرّ في عام 1961، ونصّ على أنّ يكون لمقاطعة كولومبيا عدد من المندوبين يماثل ما للولاية الأقلّ من حيث عدد السكّان من مندوبين؛ أي ثلاثة. ويترتب على هذا التخصيص للمندوبين أنّ يحظى المواطنون في الولايات الأقلّ عددًا بتمثيل زائد قليلًا في المجمّع الانتخابي، حتى وإنّ كان العدد المطلق لمندوبيهم منخفضًا[30].
كان تأثير أيباك في انتخابات عام 2022 واضحًا، بخاصة جهودها لهزيمة الديمقراطيين التقدميين. كانت من بين أكبر 20 مانحًا في الانتخابات، مع تبرعات مالية ضخمة. تتغنى أيباك على موقعها بأنّها دعمت 365 مرشّحًا ديمقراطيًّا وجمهوريًّا مؤيّدا لإسرائيل في عام 2022، بأكثر من 17 مليون دولار، كدعم مباشر.
بحسب موقعها، 98 في المئة من المرشحين المدعومين من أيباك فازوا في الانتخابات العامة، بينما ساهمت اللجنة في هزيمة 13 مرشحًا. مثلًا، أُطيح بممثل ميشيغان السابق، آندي ليفين، من مقعده في مجلس النواب عام 2022، بعدما أنفقت أيباك 4 ملايين دولار ضده. وكان ليفين واحدًا من الديمقراطيين الذين استهدفتهم اللجنة بسبب انتقاداتهم لإسرائيل[31].
يمثّل الديمقراطيون التقدميون أهمّ خصوم أيباك داخل الحزب الديمقراطي، لذلك غالبًا ما دأبت على دعم مرشحين آخرين من الحزب نفسه أو من الحزب الجمهوريّ، بمبالغ مالية كبيرة، وذلك لإبقاء تأثيرها داخل الكونغرس كبيرًا وغير مهدّد لمصالحها.
ثانيًا: أيباك وصنع الساسة الأمريكيين
بعد اجتياح الكيان الغاصب لأرض غزّة الفلسطينية، كان ما تلا ذلك هو أكبر إبادة جماعية ضدّ الفلسطينيين في العصر الحديث، في ظلّ الدعم اللامحدود من الغرب والولايات المتحدة، وبخاصة أنّ التصور الشائع لدينا في الوطن العربي هو أنّ إسرائيل تقود الولايات المتحدة الأمريكية، انطلاقًا من نفوذ أيباك في الداخل الأمريكي، واللوبيات الصهيونية في كل من بريطانيا وفرنسا وألمانيا. وإذا نظرنا إلى التاريخ، وبخاصّة وعد بلفور، سنجد أنّ مشروع الصهيونية وإنشاء الدولة الموعودة على الأراضي الفلسطينية كان ما قبل وعد بلفور، إلا أنّ وعد بلفور أسس للخطوات العملية لإنشاء هذا الكيان، حيث أصبح اليابسة المتقدّمة للعالم الغربي الليبرالي، في وجه العالم الإسلامي بخاصة، والشرق بعامة.
يقول إميل دوركهايم بأنّ وظيفة الدين الأساسيّة هي تعزيز وحدة المجتمع وعصبيته[32]. لكن من ناحية أخرى، ومنذ المؤتمر الصهيوني الأوّل وحتى اليوم تمّ تأجيج الحروب الدينية والطائفية، واستمالت اليهود العرب من البلدان العربية بالترغيب والترهيب، واستُخدِمت وسائل مختلفة للتأثير في السياسة الدولية، وخصوصًا سياسة الولايات المتحدة موضوع هذه الدراسة، والحقيقة هي أنّه وفقًا لعالم الاجتماع ماكس فيبر فإن الربط بين الدين والسلوك اليوميّ الهادف ذي المضمون الاقتصادي هو ما يسبب الورع الديني عن أن: «يمنع فلاّحًا في جنوب أوروبا من أنّ يبصق على تمثال قديس لم يستجبْ لمطالب كان قدّ تقدّم بها إليه»[33].
ربما كان بروكس أدامز (Brooks Adams)، شقيق هنري أدامز، أقرب من أيّ أمريكي في زمانه إلى التنبؤ في ضرب من الكشف الفكريّ بما سيحمله المستقبل إلينا، على أنّه حتى بروكس أدامز وإن كان سباقًا على معاصريه لم يستوعب سوى قدرٍ من هذا المستقبل. فلقد رأى ما يعتور إنكلترا من ضعف متزايد – «شذوذ وضعها الاقتصادي المتفاقم على حد تعبيره، وازدياد اعتمادها على الولايات المتحدة استراتيجيًا. ثمّ إنّه استشعر ما للتمييز بين القوّة البحريّة والقوّة القاريّة من الأهميّة. ثمّ إنّه استشعر على نحو غامض الخطر في قيام تواطؤ سياسيّ بين روسيا وألمانيا والصين[34].
بالرغم من الحرب الأهليّة الأمريكية، وبالرغم من الحرب مع إسبانيا، كانت الولايات المتحدة الأمريكية تحاول أنّ تجابه سياسات التوسّع لممالك ودول القارة العجوز، خصوصًا في الصين من خلال ما يعرف بسياسة الباب المفتوح. وهذا دليل على تأثير أيباك في ما بعد في السياسة الخارجية الأمريكية، وفي الداخل من خلال عملية صنع الرؤساء. حيث «كانت سياسة الباب المفتوح في الصين فكرةً أمريكية، قصد بها أنْ تعارض نهج الأمم الأخرى في تقسيم البلاد إلى مناطق نفوذ في ما بينها.. إنّ دعوة الباب المفتوح لواحدةٌ من الأحداث الباهرة في تاريخ الدبلوماسية الأمريكية، وإنّها مثال لدافع خير تعضده الحيوية والذكاء في خوض المفاوضات. فما كان ثمّة رجل دولة أو أمّة ممن سلّم بسياسة «هاي» ليقبل بها. فقد كان الأمر أشبه بأن يطلب المرء من كلّ رجل صادق أنّ يقف – فسوف ترى الكاذبين مضطرين لاستباق غيرهم بالوقوف. ولقد استشفّة هاي خبيئة أولئك على أوضح ما يكون عليه الاستشفاف، وكان إدراكه للطبيعة الإنسانية أقوى ملكاته»[35].
يعرّف جورج مادلسكي، السياسة الخارجية على أنّها: نظام الأنشطة الذي تطوره المجتمعات لتغيير سلوكيات الدول الأخرى ولأقلمة أنشطتها طبقيًّا للبيئة الدولية، وفي هذا الإطار نعرّف نمطين أساسيين من الأنشطة: المدخلات والمخرجات[36].
ثمّة ظاهرة في حقبة الاستعمار الأوروبي ومن ثمّ في حقبة النفوذ والهيمنة الأمريكية؛ هي تعاون الكثير من «أهل الحلّ والعقد» في البلدان العربيّة المحتلّة أو المستعمرة مع سلطات الاحتلال، الأمر الذي أعاق نضال حركات التحرير وأطال حكم الأجانب. أكثر من ذلك، تعاونت شرائح كثيرة من أهل السلطة، قبل نيل بلدانها الاستقلال وبعده، مع الأجانب، دولًا وشركات وأفرادًا، على نحو بالغ السعة والإيجابية إلى درجة اضطر معها بعض المؤرخين إلى نعت هؤلاء بأنّهم وكلاء للأجانب وليس شركاء لهم[37].
بينما نبعت فكرة الدولة اليهودية من المبدأ الصهيوني الذي يقضي بالابتعاد عن العالم غير اليهودي. لكنّ حرب حزيران/يونيو عام 1967، وللمفارقة، سهّلت عمليّة اندماج اليهود الأميركيين في بلدهم. وقف اليهود هذه المرّة في الصفوف الأماميّة في إسرائيل عن أميركا، وحتى عن الحضارة الغربيّة، ضدّ الشموليّة السوفياتية والقوى الرجعيّة المشابهة لها. لكنّ إسرائيل كانت تمثّل قبل حرب حزيران عبئًا على اليهود الأمريكيين بسبب الولاء المزدوج، إلّا أنّها أصبحت تمثّل نعمةً في نظرهم وترتبط بالولاء المطلق، لأنّ اليهود الإسرائيليين حاربوا وماتوا من أجل حماية المصالح القوميّة الأمريكية[38].
بينما تعريف كل من ريشتارد شنايدر (Richard Snyder)، وإدغار فرنيس (Edgar Ferniss)، السياسة الخارجية بأنّها: منهج العمل أو مجموعة من القواعد أو كلاهما تم اختياره للتعامل مع مشكلةٍ أو واقعةٍ معيّنة حدثت فعلًا أو تحدث حاليًّا أو يتوقع حدوثها في المستقبل[39].
يعود مصطلح اللوبي إلى إنكلترا في القرن الثامن عشر، عندما بدأ الرجال بالتسكّع في ردهات مسارح لندن بهدف لقاء الساسة الأقوياء الذين يحضرون لمشاهدة المسرح[40].
1 – وجود أيباك وتأثيرها في الحياة الأمريكية
اللوبي الصهيوني كلمة إنكليزية تعني الرواق أو الردهة الأمامية في فندق، وتكون عادة قبالة مكتب الاستقبال وأطلقت هذه الكلمة على الردهة الكبرى (الصالة الكبرى) في مجلس العموم البريطاني وعلى الردهة الكبرى في مجلس الشيوخ الأمريكي، وهذه الردهة يستطيع أعضاء المجلس مقابلة الأفراد فيها، وفيها يتمّ تبادل اﻵراء والمصالح المشتركة وعقد الصفقات وإدارة المناورات والمشاورات[41].
يعد البعض أيباك بأنّها: «ما هي إلا ذلك العدد الذي لا يحصى من الجماعات والجمعيات (…) والشركات التي بدفاعها عن المصالح المشتركة لأعضائها تجهد بكلّ ما أوتيت من وسائل مباشرة أو غير مباشرة للتأثير في التصرّف الحكوميّ والتشريعيّ، ولتوجيه الرأي العام[42]. لكي تعدّ أيّة جماعة على أنّها جماعة ضاغطة، يجب أنّ تهدف إلى مصلحة مشتركة، وأنّ تتخذ الجماعة من الضغط على السلطة السياسية وسيلة إلى تحقيق تلك المصلحة[43].
في خطاب للسيناتور برني ساندرز، انتقد بشدة تأثير أيباك في السياسة الأميركية، وقال إنّه بمجرّد أن يتناول أي شخص حقوق الفلسطينيين أو ينتقد الجرائم الإسرائيلية، يصبح هدفًا للمنظّمة. وأشار إلى أن أيباك أنفقت ملايين الدولارات في ميشيغان لدعم المرشّحين الذين يتوافقون مع سياستها، بخاصة في ما يتعلق بإسرائيل. ورأى ساندرز ذلك تقويضًا للديمقراطية[44].
أ – نشأة اللوبيات وتطورها في السياسة الأمريكية
على غرار مجموعات المصالح الخاصّة الأخرى، لا يمكن تحديد اللوبي الصهيوني بدقّة، ويبقى هناك دومًا أشخاص ومنظمات على خطّ الحدود يصعب تصنيف موقعهم، لذلك فإنّ اللوبي الصهيوني الأمريكي ليس منظّمة مركزية تراتبية ذات عضوية محددة، فلا توجد بطاقات عضوية أو شعائر، وهو – أي اللوبي الصهيوني – ذو جوهر مؤلف من منظمات غايتها المعلنة تشجيع الإدارة الأمريكية والجمهور الأمريكيّ على توفير المساعدة المادّيّة للكيان الصهيوني[45].
إنّ جماعات الضغط الأكثر تأثيرًا في الولايات المتحدة الأمريكية، هي اللوبي الأمريكي الإسرائيلي واللوبي الأمريكي اليوناني، واللوبي الأرمني الأمريكي، إضافةً إلى لوبي الشركات الأمريكية.
لإظهار حجم قوّة وتأثير الشركات الأمريكية، نوضح ذلك من خلال طرح الاقتصادي الأمريكي كينيث جالبرايث، الذي أراد تقريب الصورة لغير العارفين بقوّة هذه الشركات فجسدها باﻵتي[46]:
1 – إنّ مبيعات خمس شركات أمريكية هي: جنرال موتورز، ووال مارث، وأكسون موبيل، وفورد، وديملر كرايسل، تتجاوز الناتج القومي لـ 182 دولة في العالم.
2 – إنّ دخل شركة إكسون للنفط يفوق دخلها دخل دول منظمة مجموعة الدول العربية المصدرة للنفط (الأوبك)، مجتمعة.
شركة جنرال موتورز أكبر من الدنمارك، وشركة بكتيل للمقاولات أكبر من إسبانيا.
اللوبي الصهيوني (أيباك)، هو تحالف متنوّع من الأفراد والجماعات التي تسعى للتأثير في السياسة الخارجية للولايات المتحدة لدعم سياسات محدّدة للصهيونية، وبالتحديد لمشروع إنشاء كيان على الأراضي الفلسطينية. ويتكون اللوبي من جماعات علمانية ودينية ويهودية أمريكية. أبرز مجموعات الضغط الصهوينية هي لجنة الشؤون العامة الأمريكية – الإسرائيلية (أيباك)، لكنّ هناك جماعات أخرى تعمل للـتأثير في السياسة العامة الأمريكية بطرق متنوعة، مثل قطاع التعليم، والرد على الانتقادات الموجّهة لإسرائيل، وصياغة سياسات موائمة لمشروعها.
من المعروف أنّ اللوبي الإسرائيلي نجح في تشجيع المشرعين الأمريكيين لدعم السياسات الإسرائيلية. في عام 2006، 60 بالمئة من تبرعات الحزب الديمقراطي و25 بالمئة من تبرعات الحزب الجمهوري من تمويلات يهودية. وفقًا لتقديرات واشنطن بوست، المرشحون الديمقراطيون للرئاسة يعتمدون على المصادر اليهودية التي تصل إلى 60 بالمئة من الأموال التي جمعت من مصادر خاصّة[47].
يقوم أعضاء اللوبي النفطي الأمريكيّ بتمويل الكثير من الحملات الانتخابية لصالح المرشحين من الحزبين في مختلف المستويات[48].
ب – مسار تأثير اللوبي
هناك جدل كبير حول دور أيباك في الانتخابات الرئاسية لعام 2024 بين كل من المرشح الديمقراطي (الرئيس الحالي بايدن) والرئيس السابق ترامب، والذي قد خسر أمام بايدن في الانتخابات الرئاسية لعام 2020. وفي انتخابات 2024 هناك تأثير في ولاية ميشيغان والتحديات التي تفرضها في ظلّ وجود كتلة تصويتيّة عربية ومسلمة ضخمة. ومع اقتراب انتخابات تشرين الثاني/نوفمبر 2024، من المتوقع أنّ تقوم أيباك بدور مهمّ في تقديم تبرعات كبيرة لحملات المرشحين المؤيدين لإسرائيل من أجل الضغط على السياسات الأمريكية المتعلقة بإسرائيل، وبالتالي استهداف الديمقراطيين التقدميين الذين ينتقدون دعم إسرائيل المستمر.
إنّ الأيام الأولى لظهور اللجنة الإسرائيلية – الأمريكية للشؤون العامة لا تنفصل عن سيرة «كنن»، الذي أسس هذه اللجنة بعد انضمامه إلى المجلس الصهيوني الأمريكي عام 1951، وفي عام 1959 تغيّر اسم هذا اللوبي وتمّ تأليف اللجنة التنفيذية التي تضمّ اليوم رؤساء ثمانِ وثلاثين منظمةً يهوديةً تدّعي أنّ عضويتها الكاملة تبلغ أربعة ملايين ونصف المليون نسمة[49].
يقول أستاذ التاريخ بجامعة كمبريدج، هربرت بترفيلد (Herbert Butterfild)، في إحدى مقالاته ما نصّه: «إنّ هناك وراء الصراعات البشريّة الكبرى مأزقًا إنسانيًّا رهيبًا يقع في القلب من الرواية.. وآية ذلك أنّكم تجدون معاصري الحدث إمّا يقصرون عن تبيّن المأزق (الذي أدّى إلى الصراع) وإمّا يُعرِضون عن الإقرار بجديته، حتّى إنّنا لا ندرك أمره إلاّ بعد أنّ يطوى ويأتينا خبره بالدرس والتحليل. وهذا يتمّ فقط من خلال تقدّم علم التاريخ في موضوع محدّد يجعل الرجال على بيّنة من وجود عقدة حقيقية تتجاوز مقدرة المرء على حلّها»[50].
تحولت أيباك من منظمة صغيرة تشغل في خمسينيّات القرن الماضي مقرًّا متواضعًا في العاصمة الأمريكية واشنطن، لتصبح منظّمةً يدخل في عضويتها حاليًّا أكثر من 100 ألف شخص.
وتصف جريدة النيويورك تايمز أيباك»بأنها أهم المنظمات التي تؤثر في العلاقات الأمريكية – الإسرائيلية وأنها تحولت من التركيز على الضغط على السلطة التشريعية، الكونغرس، إلى التأثير في قرارات الإدارة الأمريكية خصوصًا خلال عهدة رئاسة جورج بوش الابن .
وتعدد أيباك إنجازاتها خلال السنوات الماضية بأنها شملت تمرير أكثر من 10 تشريعات في الكونغرس لإدانة إيران وفرض عقوبات عليها على مدى السنوات الخمس عشرة الماضية.
وشملت إنجازاتها أيضًا تمرير تشريع في الكونغرس يفرض على الإدارة الأمريكية مراجعة أي صفقات تسلح تبرم مع الحكومات العربية لضمان استمرار تفوق القدرة العسكرية الإسرائيلية في منطقة الشرق الأوسط[51].
يحافظ اللوبي على اتصالاته اليومية بأفراد الإدارة، وبالشيوخ والنواب، وخصوصًا من كانوا أعضاءً في لجان الشؤون الخارجية والقوات المسلّحة والميزانية. وهكذا، فإنّ شخصيات ومجموعات يهودية حصلت على (350) اجتماعًا. مع موزفين من مختلف المستويات في البيت الأبيض في وزارتي الخارجية والدفاع، بين آذار/مارس 1981 ونيسان/أبريل 1983، أيّ بمعدّل اجتماعين كل يومين[52].
حتّى أصبح المسؤولون الأمريكيون يعتمدون على أيباك في استقاء معلومات عن الشرق الأوسط، حيث عبّر ذات مرّة السيناتور فرنك تشرش (Frank Church)، بالقول: «من دواعي اطمئناني أن أعرف أنّني كلّما احتجتُ إلى معلومات بشأن الشرق الأوسط أستطيع الاعتماد على أيباك لتقدّم لي معونةً مهنيةً موثوقًا فيها»[53].
وقد عمدت أيباك إلى نشر سلسلةٍ من الدراسات التي تمجّد منزلة إسرائيل في الاستراتيجية الأميركية والخدمات التي تستطيع تأديتها لواشنطن، وتشدّد على عدم استقرار الأنظمة العربية الموالية لأمريكا، وعبث التعاون الاستراتيجي معها. ويكمل اللوبي مجهوده الهادف إلى ترقية صورة إسرائيل بتنظيم زياراتٍ لأعضاء الكونغرس ومعاونيهم إلى الدولة اليهودية[54].
والتعبئة التي يقوم بها اللوبي لا تقوم دائمًا على الضغط، ولا التعبير عن عدم الموافقة، بل ربما كان موضوعها المكافأة الانتخابية للمواقف التي تعدّها الجماعة الضاغطة مواتية[55].
مثال على تكلفة الانتخابات الرئاسية الأمريكية، فقد كلّفت انتخابات 2020 (15 مليار دولار) للمرشحين، وانتخابات الكونغرس أكثر بعشرة مليارات نظرًا إلى استثنائية هذه الانتخابات بين رئيس في السلطة (ترامب)، ومرشّح للرئاسة (جو بايدن)، بينما في هذه الانتخابات (2024)، هي بين رئيسين سابق ترامب ورئيس حاليّ جو بايدن، وهناك شراسة بينهما، وخصوصًا أنّ ترامب يريد أنّ يعود إلى السلطة، وبالتالي الفوز على بايدن، من أجل إعادة الاعتبار له ولمناصريه الذين اجتاحوا مبنى الكابيتول، واللاعب الخفيّ في هذه العملية الانتخابية هي أيباك.
تؤدي الأيباك دورًا مهمًّا ورئيسيًّا في الانتخابات، لأنّ المال الذي يملكه الصهاينة، هو أساس أيّ انتخابات رئاسية أمريكية. فمحطّة CNN، أهمّ محطّة تلفزيونية في الولايات المتحدة وفي العالم مملوكة لليهود، وأيضًا محطّة فوكس نيوز، مملوكة لليهود. وأغنى عائلة في العالم هي عائلة روتشلد اليهودية، وتعمل لمصلحة العدو الإسرائيليّ.
بحسب تحقيق للـ Intercept، «قدمت أيباك تبرعاتٍ بقيمة نحو 95,000 دولار للنائب مايك جونسون، من لويزيانا، في تشرين الثاني/نوفمبر 2023… كانت مجموعة الضغط هذه المؤيدة لإسرائيل أكبر المتبرعين لجونسون في عام 2023، إذ سكبت الأموال في حملته الانتخابية بعد قيادته مرور حزمة مساعدات بقيمة 14 مليار دولار لإسرائيل.
قدمت اللجنة السياسية لأيباك مجموع تبرعات بقيمة 104,000 دولار، لجونسون العام الماضي، وكانت أغلبية الدفعات بعد بدء حرب غزة، وبعد انتخاب جونسون كرئيس لمجلس النواب في أواخر تشرين الأول/أكتوبر. وهذا يزيد أربع مراتٍ تقريبًا على نحو 25,000 دولار التي قدمتها المجموعة لحملته الانتخابية النيابية السابقة، عندما كانت أيضًا أكبر متبرّع له، كما أفاد تحقيق Intercept المذكور سابقًا [56].
2 – تأثير اللوبيات في الداخل الأمريكي
في ظلّ الإبادة الجماعيّة في غزّة الفلسطينية، تجسّدُ إسرائيل بالنسبة إلى المفكرين من اليهود الأمريكيين قضية الحقيقة السامية والعدالة، وطريقة الحياة الأمريكية، وهي القيم التي يتمكنون اﻵن من تأكيد تعلّقهم الفريد بها بسبب رابطة الدم. تحوّل الانضمام إلى النادي الصهيونيّ خطوة مهنية حكيمة بالنسبة إلى قادة المجتمع اليهوديّ الذين يتمكنون من أداء دور الوسطاء ما بين الولايات المتحدة وحليفتها الاستراتيجية[57]. أمّا الخطر الوجوديّ المزعوم، والمحدق بإسرائيل، فقد أفاد كذريعة لليهود من ذوي الطموح السياسيّ للدعوة إلى تعزيز القوّة العسكريّة الأميركيّة، والتي يفترض أنّ بقاء إسرائيل يعتمد عليها[58].
بعض الصهاينة الأمريكيين مثل مارتن بيرتز (Martin Bertez) وموتيمر زوكرمان (Mortimer Zuckerman)، يستخدمون مواقعهم في الإعلام لتقديم وجهات نظرهم حول إسرائيل والشرق الأوسط على الرغم من أنّ هناك بعض المالكين والناشرين والمحررين وكاتبي المقالات والمراسلين في وسائل الإعلام الرئيسية ليست لديهم مشاعر خاصّة حيال ذلك الكيان الصهيوني، وربما يشعرون بالرضا في انتقاد سياساته، وكذلك في انتقاد العلاقة بين الولايات المتحدة الأمريكية وبينه، بل هناك أشخاص نافذون قد يكونون مؤيدين أقوياء لذلك الكيان، لكنّهم مع ذلك يرحبون بخطابٍ أكثر انفتاحًا حول هذا البلد[59].
أ – تأثير أيباك داخل الأحزاب
تستجيب أيباك في الحملات الانتخابية بأن تزيد من تبرعاتها لمرشحي الحزب الديمقراطيّ الذين سيتنافسون مع مرشحي الحزب الذين ينتقدون إسرائيل. وقبل انتخابات الكونغرس عام 2022، شكّلت أيباك منظمات جديدة لتوجيه الأموال إلى الحملات السياسية كما يقضي القانون الأميركيّ. تدعى إحداها «أيباك باك» والأخرى «مشروع الديمقراطية المتحدة» وهي لجنة عمل سياسية عليا يمكنها قانونًا منح مبلغ غير محدود من المال للمرشح[60].
كان «مشروع الديمقراطية المتحدة» أكبر مصدر لتمويل الحملات الانتخابية في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطيّ لعام 2022. وتعمل منظمات تمويل الحملات الانتخابية المؤيدة لإسرائيل على تخويف بعض مرشحي الحزب الديمقراطي. ومثال ذلك السيناتور جون فيترمان الذي تفاوَضَ على موقفه من الصراع الإسرائيليّ – الفلسطينيَ، مع لجنة عمل سياسية أخرى مؤيدة لإسرائيل تعمل مع أيباك، في أثناء ترشحه لعضوية مجلس الشيوخ عام 2022.
وقد أرضى تعديل فيترمان لموقفه فامتنعوا عن مساعدة خصمه في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي في أيار/مايو 2022. كما هزم فيترمان لاحقًا مرشح الحزب الجمهوريّ في انتخابات تشرين الثاني/نوفمبر 2022، وهو الآن أحد أكبر مؤيدي إسرائيل في مجلس الشيوخ[61].
يطلب ائتلاف من الجماعات التقدمية من الرئيس الأمريكي، جو بايدن، ومسؤولين آخرين في الحزب الديمقراطيّ عدم قبول تأييد أو مساهمات من جماعة مؤيدة لإسرائيل أو اللوبيات التابعة لها.
ويضم ائتلاف «رفض أيباك» مجموعة الديمقراطيين للعدالة في الكونغرس ومجموعة الاشتراكيين الديمقراطيين في أمريكا، وهو موجه ضد لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية والجماعات التابعة لها. وقد أنفقت أيباك بالفعل ملايين الدولارات في الدورة الانتخابية الأمريكية لعام 2024.
وترافقُ حملة «رفض أيباك» حركة منظمة بشكل متزايد داخل الحزب الديمقراطي احتجاجًا على دعم بايدن لإسرائيل، في العدوان على قطاع غزة[62].
ومن أمثلة تأثير أيباك في القانون الذي سنّه مجلس النواب الأمريكي (ذو الأغلبية الجمهورية)، حيث قالت صحيفة ميدل إيست مونيتر البريطانية إنّ موافقة مجلس النواب الأميركي الثلاثاء الماضي على قرار يساوي بين معاداة الصهيونية ومعاداة السامية، خطوة من شأنها زيادة التقييد على حرية التعبير. وذكرت الصحيفة أنّ القرار يعترف بالحقائق التاريخية حول المحرقة واضطهاد اليهود، لكنه أغفل أي ذكر للفلسطينيين ومطالباتهم التاريخية في المنطقة، معلنًا أنّ الشعب اليهوديّ «موطنه أرض إسرائيل»، أي فلسطين. ونقلت الصحيفة أن النائب جمال بومان من نيويورك الذي صوت لمصلحة القرار برغم تشكيكه في إمكانية تكرار مثل هذه القرارات، تساءل عمّا إذا كان أحدٌ سيكتب قرارًا عن حقّ الفلسطينيين بالوجود[63].
ب – حريّة الرأي والتعبير
يقول مارتن لوثر كينغ (Martin Luther King) «سوف يسجل التاريخ أنّ أعظم مأساة في هذا الزمن لم تكن الأصوات المزعجة للأشرار، بل الصمت المطبق للأخيار».
في الوقت الذي يدعم فيه العالم الغربي الديمقراطيّة وخصوصًا الولايات المتحدة الأمريكية في دول العالم الثالث التي تكون مناهضة لسياساتها ونفوذها، زاد الجدال حول موضوع الحقوق والحريات وخطورته على النّظام الليبراليّ في الغرب أمام ما تشهده الجامعات الأمريكية والغربية من حريّة رأي وتعبير في احتجاجات وتظاهرات داعمةٍ لوقف الحرب الإسرائيلية على قطاع غزّة، وإيقاف الإبادة الجماعية بحقّ الفلسطينيين.
ولا بدّ لنا من ذكر قول الرئيس الأمريكي تيودور روزفلت حيث افتتح القرن الحادي والعشرين بقوله عن أربعة قرون من الإبادة الجماعية: «لو كنّا تركنا للهنود الحمر أراضي الصيد الخاصّة بهم، لوضعنا قارتنا تحت تصرّف همج قذرين متوحشين، لذا لم يبق أمامنا خيار غير إبادتهم»، والجدير ذكره أنّ «روزفلت قد نال جائزة نوبل للسلام في عام 1906 [64].
برزت في وقتنا على نحو كبير خطورة هذه الحريّة في عالمٍ متقدّم بعيد عنّا، في تلك الديمقراطيات الهزيلة، التي تضرب أيّ شيء في سبيل تحقيق مشاريعها ومصالحها، حتى لو كانت هذه الحقوق والحريات منصوصًا عليها في الشرعية الدولية لحقوق الإنسان، وفي النصوص الدستورية.
نصّت المادة 19 من الإعلان العالميّ لحقوق الإنسان لعام 1948 على الحقّ في حريّة الرأي والتعبير والتي تشمل البحث عن واستقبال المعلومات وإرسال معلومات وأفكار عبر أيّ وسيط وبغضّ النّظر عن الحدود. وأيضًا المادة 19 من العهد الدوليّ الخاص بالحقوق المدنيّة والسياسية على أنّه:
1 – لكلّ إنسان حقّ في اعتناق آراء من دون مضايقة؛
2 – ولكلّ إنسان حقّ في حريّة التعبير، ويشمل هذا الحقّ حريته في التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى اﻵخرين من دون أي اعتبار للحدود سواء على شكلٍ مكتوب أو مطبوع أو في قالبٍ فنّي أو بأيّة وسيلة أخرى يختارها؛
3 – وتتبّع ممارسة الحقوق المنصوص عليها في الفقرة (2) من هذه المادة يفرض واجبات ومسؤوليات خاصّة، وعلى ذلك يجوز إخضاعها لبعض القيود، ولكنْ شريطة أنّ تكون محدودة بنصّ القانون أو تكون ضرورية. (أ – احترام حقوق اﻵخرين أو سمعتهم؛ ب – لحماية الأمن القومي أو النّظام العام؛ ج – أو الصّحة أو اﻵداب العامّة). وهناك الكثير من المواثيق الإقليمية التي نصّت على الحقّ في حريّة الرأي والتعبير.
كانت مجرّد مقارنة الاحتلال الإسرائيلي بالتمييز العنصري الذّي كان سائدًا في جنوب أفريقيا، تتسبّب بشجب كبير. فقد لقي ذكر التمييز العنصري في عنوان الكتاب الذي ألّفه جيمي كارتر، فلسطين السلام وليس التمييز العنصري، جملة عدائية [65].
هذا الحقّ مُعترف به في التعديل الأول لدستور الولايات المتحدة، الذي تمّ إقراره في 15 كانون الأول/ديسمبر 1791، والذي يضمن أنه «لا يجوز للكونغرَس إصدار أي قانون يتعلق بإقامة دين أو يَحظر ممارسته بحرية؛ أو يقيّد حُرية التعبير أو حرية الصحافة؛ أو حَقّ الشعب في التجَمُّع السِلميّ وتقديم التماسٍ إلى الحكومة من أجل إنصاف المظالم». وفي حينها، كان الهدف الرئيس للتعديل الذي تمّ التشديد عليه من قبل توماس جيفرسون [الرئيس الثالث للولايات المتحدة]، هو بناء «جدار بين الكنيسة والدولة». وبمرور الوقت، أصبحت حرية الإعلام والتعبير مُكوِّنًا أساسيًّا للأنظمة الديمقراطية، لأنها تعكس مدى انفتاح النظام السياسيّ وسماحه بمراقبة أدائه واستعداده للخضوع للمساءَلة[66].
ولا يفوتنا أنّ نوضح بمناسبة تقييد حريّة الرأي والتعبير، فإنّهم لا يتوانون في الكونغرس الأمريكي عن خوض أيّ موضوع يعدّ مناهضًا للصهيونية العالمية، وذلك للوصول إلى سنّ وإصدار قوانين تهدّد هذه الحريّة سواء في الجامعات أمْ على وسائل التواصل الاجتماعيّ.
(1) ثورة الطلاب في الجامعات الأمريكية لإيقاف الإبادة الجماعية في غزّة: في عام 2006، ثارت زوبعة إعلامية بعد أن قام استاذان جامعيان أمريكيان هما ستيفن والت من جامعة هارفارد وجون ميرشيمر من جامعة شيكاغو، بنشر دراسة زعما فيها أن أيباك دفعت السياسة الخارجية الأمريكية أكثر فأكثر إلى تبني سياسات مؤيدة لإسرائيل، ولكنها لا تخدم المصالح القومية الأمريكية[67].
في 18 أبريل/نيسان 2024؛ بدأ الطلاب الذين رفضوا الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة اعتصامًا في حرم جامعة كولومبيا في نيويورك، مطالبين الجامعة بوقف التعاون الأكاديميّ مع الجامعات الإسرائيلية، وسحب الاستثمارات في الشركات التي تدعم الاحتلال في الأراضي الفلسطينية.
وتزايدَ الغضب مع تدخل قوات الشرطة واعتقال عشرات من الطلاب، مع انتشار التظاهرات وامتدادها إلى عشرات الجامعات في جميع أنحاء البلاد، بما في ذلك جامعات رائدة مثل هارفارد، وجامعة جورج واشنطن، ونيويورك، وييل، وجامعة نورث كارولينا، ومعهد ماساشوستس للتكنولوجيا.
ولاحقًا، اتسع الحراكُ الطلابيّ غير المسبوق في دعم فلسطين بالولايات المتحدة إلى جامعات أخرى في دول مثل فرنسا وبريطانيا وألمانيا وكندا وأستراليا التي شهدت جميعها تظاهراتٍ داعمةً لتلك التي شهدتها الجامعاتُ الأمريكية، ومطالباتٍ بوقف الحرب على غزة ومقاطعة الشركات التي تزوّد إسرائيل بالأسلحة[68].
(2) وسائل التواصل الاجتماعي ركيزة الديمقراطية الحديثة: أدى الأمر المؤقت للقاضي الفدرالي في الدعوى التي رفعها محامو ولايتي لويزيانا وميسوري ضدّ إدارة بايدن إلى نقاش جديد حول حرية التعبير. يزعم المدعون العامّون أن البيت الأبيض يحاول قمع الأصوات المحافظة من خلال التعاون مع المديرين التنفيذيين لمنصّات التواصل الاجتماعيّ. وحقّق أصحاب الشكوى، الذين رأوا أنّ هذا انتهاك لحرية التعبير المكفولة في الدستور الأمريكي، انتصارًا أوليًّا بالأمر الزجريّ الذي أصدره القاضي. بعد القرار النهائي والاستئناف، من المرجح أن تصل القضية إلى المحكمة العليا. هذه العملية هي نذيرٌ بأن النقاش حول وسائل التواصل الاجتماعي وحرية التعبير سيزدادُ تأجيجًا في المدة المقبلة[69].
تستند القضية إلى الحجة القائلة بأنّ إدارة بايدن حجبت بصورة منهجيّة آراء الجماعات المحافظة من خلال تلقينها على منصات التواصل الاجتماعي، ومن ثم انتهكت حريةَ التعبير. أشار القاضي الذي عيّنه ترامب إلى أنه سيحكم ضدّ إدارة بايدن بأمر قضائي يأمر مسؤولي البيت الأبيض بقطع العلاقات مع منصات التواصل الاجتماعيّ، مع بعض الاستثناءات. ومع ذلك، فإن حقيقة أنّ القرار يرسم إطارًا عامًّا وأنّ حدود الاستثناءات غير واضحة تشير إلى أن القضية ستذهب إلى المحكمة العليا[70].
ولم تعد شركاتٌ مثل فيسبوك وغوغل وأمازون وآبل تبحث فقط عن مهارات التكنولوجيا والتطوير في موظفيها الجدد، كما لم يعد الأمر يقتصر على جذب أفضل المبرمجين وأذكى المهندسين، بل توسعت هذه الشركات العملاقة وتنافست على جذب مديري العلاقات الحكومية أو خبراء سنّ التشريعات والقوانين ممّن لهم علاقات متينة مع عدد من لجان مجلسي النواب والشيوخ.
وأسست هذه الشركات، وغيرها، مكاتب ضخمة في واشنطن، كما وظّفت العشرات والمئات ممن لديهم خبرات حكومية سابقة بهدف تنفيذ ما يتطلبه الضغط «اللوبينغ»، مستهدفةً أعضاء الكونغرس ومسؤولي الوزارات والوكالات الحكومية المعنية [71].
ولقد انقضى ما يقرب من سنتين على ما أظهرته تسريبات سنودن من أنّ مراقبة حكومة الولايات المتحدة للاتصالات العالمية على شبكة الإنترنت قد خرجت عن السيطرة. ويتعين إقرار نظام جديد شفاف يكفل الحماية حقًّا، حتى يتمكن الناس من أن يشعروا بالثقة مجدَّدًا بأنّ حقهم مصان في أن يعيشوا أحرارًا من تطفل الحكومة على حياتهم الخاصة».
ولا يعالج «قانون الحرية للولايات المتحدة الأمريكية» مسألة المراقبة العالمية، بما في ذلك ضرورة حماية خصوصية من لا يحملون جنسية الولايات المتحدة من المراقبة والرصد الجماعي. وتدعو منظمة العفو الدولية الحكومات إلى فرض حظر على جميع أشكال المراقبة العشوائية الجماعية للاتصالات[72].
بينما في المقلب الآخر، تهدف الولايات المتحدة الأمريكية إلى حجب تطبيق «تيك توك» لأسباب جمة ومنها وفقًا لما يدّعيه المسؤولون الأمريكون من أنّه ينتهك خصوصية الأمريكيين ويهدد الأمن القوميّ الأمريكي.
قالت لورين آرمستيد، نائبة مدير برنامج التكنولوجيا في منظمة العفو الدولية، تعقيبًا على قرار الحكومة الأمريكية بفرض حظر على مستوى البلاد على منصة تيك توك إذا لم تبع بايت دانس (ByteDance)، الشركة الأم، عمليات التطبيق في الولايات المتحدة الأمريكية في غضون 270 يومًا:
«فإنَّ قرار حكومة الولايات المتحدة الأمريكية بفرض حظر تامّ على منصة تيك توك يخفق في معالجة ما تتعرض له حقوق الإنسان من مخاطر وأضرار مرتبطة بنماذج الأعمال القائمة على المراقبة لشركات التكنولوجيا الأخرى، بما في ذلك ميتا وغوغل. كما يقيّد حظر تيك توك بشكل غير متناسب حق الأشخاص في حرية التعبير، الذي يشمل حرية البحث عن المعلومات وتلقيها ونقلها [73].
وعلى الرغم من حظر تيك توك، منح المشرعون الأمريكيون ميتا وغوغل ضوءًا أخضر يسمح لهما بمواصلة حصاد بياناتنا وإساءة استخدام حقوق الخصوصية الخاصة بنا. بدلًا من فرض حظر تعسفي، يجب على السلطات الأمريكية معالجة المشاكل الكامنة وراء نماذج الأعمال القائمة على المراقبة من خلال إدخال لوائح تحكم جميع منصات التكنولوجيا لحماية حقوقنا الإنسانية بشكل فعلي في العصر الرقمي.
باتت مخاطر جمع البيانات الجماعية وخوارزميات وسائل التواصل الاجتماعي معروفة جيدًا، مثل تضخيم الكراهية على منصات ميتا وتأثير المحتوى الضارّ على الصحة العقلية للشباب. وتعدّ أفضل طريقة لضمان الأمان على هذه المنصات هي أن تنظم الدول قطاع شركات التكنولوجيا العملاقة على نحو مُجدٍ. لهذا السبب، تدعو منظمة العفو الدولية إلى فرض حظر على الإعلانات الموجهة وتدعو تيك توك على وجه التحديد إلى التوقف عن إضفاء الطابع الشخصي المفرط على صفحة «فور يو» (For You) بشكل تلقائي[74].
لكنّ حرية التعبير أصبحت مُهدَّدة بشدة في الآونة الأخيرة. فمن ناحية، يتزايد عدد الحُكّام المُستبدّين في جميع أنحاء العالم، ومعهم الملاحقات القضائية لوسائل الإعلام المُستقلة والناشطين الاجتماعيين. ومن ناحية أخرى، يفرض الحجم والتأثير المُتزايد لشركات التكنولوجيا الكبرى تحديات جديدة للأنظمة الديمقراطية القائمة. وقد تَجَسَّد مزيج هذين التحديَيْن – القادة ذوي الميول الاستبدادية ووسائل الإعلام الحديثة – كُلّية من قِبَل الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب.
لكن قرار موقعي تويتر وفيسبوك للتواصل الاجتماعيّ إغلاق حساب ترامب تَرَكَ أيضًا أسئلة مُهمة دون إجابات. مثلًا: «هل ينبغي أن تكون الشركات الخاصة مسؤولةً عن التَحَكُّم في الخطاب غير المقبول؟ ما هو الحَد الفاصل بين خطاب الكراهية وحُرّية التعبير؟ وهل تؤدي الشركات الإعلامية إلى تآكل حرية الصحافة التَعَدُّدية والمُستقلة [75]؟
خاتمة
تعبّر السياسة العامة عن التوجّه العامّ لوحدةٍ دوليةٍ ما في المجالين الداخليّ والخارجيّ. وتخضع السياسة العامة لأيّة دولة لعدد من المؤثرات الداخلية والخارجية، والتي على أساسها تصاغ السياسات العامة الوطنية.
وعلى غرار بقية دول العالم، تخضع عملية صياغة وصنع القرار في الولايات المتحدة الأمريكية لعدد من المؤثرات الرسمية وغير الرسمية. وتتمثّل المؤثراتُ الرسميةُ في الفصل بين السلطات في الولايات الأمريكية (السلطة التشريعية ممثًلةً بالكونغرس، والسلطة التنفيذية ممثلة بالرئيس، والسلطة القضائية ممثّلةً بالمحاكم القضائية)، وكذلك الجهات الفاعلة غير الرسمية (الأحزاب السياسية، وجماعات الضغط، والرأي العامّ، ووسائل الإعلام… إلخ)، والتي تعمل جميعها معًا من أجل صوغ السياسة العامة.
هذا يعني أنّ ما يحكم مصير الانتخابات الأمريكية هو المال أوّلًا، والإعلام ثانيًا، وما يجمع الاثنين هو اللوبي الصهيونيّ الذي يملك المال، ويسيطر على أهمّ وسائل الإعلام.
تعدّ جماعات الضغط من أبرز الجهات الفاعلة غير الرسمية التي تقوم بصوغ وتشكيل السياسة العامة في الولايات المتحدة الأمريكية من خلال التأثير والضغط على صانعي السياسات العامة لتحقيق مصالحهم.
كما أنّهم يعدّون من أهمّ هذه الجهات الفاعلة غير الرسمية بسبب قدرتهم على التأثير في الجهات الرسمية وغير الرسمية، حيث يمكنهم التأثير على نحو بعيد في الرأي العام ووسائل الإعلام وتوجيهها وفق مصالحهم الخاصّة. كما يمكن لجماعات الضغط أن تؤثّر في الأحزاب السياسية التي تسعى للوصول إلى السلطة، لأنّها على نقيض جماعات الضغط التي تتأثّر بالأحزاب السياسية، تستطيع التأثير في الأحزاب السياسية التي تسعى للوصول إلى السلطة.
إنّ ادّعاء الديمقراطية العريقة بأنّ الشعب الأمريكي يمارس حقّه هو ادعاء فارغ ولا معنى له، لأنّ تأثير المال والإعلام على مسار الانتخابات، بطبيعة الحال يؤثّر بصورة غير مباشرة في الناخب الأمريكي. عندما يتمّ الحديث عن البرامج الرئاسية، مثلًا ترامب يتحدّث عن أهدافه في حال فوزه بالانتخابات الرئاسية، إلغاء الإجهاض ومكافحة قوانين المثليّة، والاقتصاد … إلاّ أنّ ما يجمعه مع الرئيس جو بايدن، هو التأييد المطلق لإسرائيل.
تُعَدُّ لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية (أيباك) من أبرز جماعات الضغط في الولايات المتحدة، وتؤدّي دورًا رئيسًا في توجيه السياسة العامة الأمريكية بما يتماشى مع المصالح الإسرائيلية. حيث تعدّ منذ نشوئها، اللوبي الأكثر ضغطًا في الولايات المتحدة الأمريكية، والأكثر تأثيرًا، الأمر الذي يسهم في سهولة تحقيق أهدافها، من خلال العلاقات التي تقوم بتوطيدها مع أعضاء الكونغرس، ومع السلطة التنفيذية التي تعني في نظام الولايات المتحدة الأمريكية كنظام رئاسي الرئيس. مع وجود سيطرة على وسائل الإعلام والنفوذ على أهمّ الكتاب والاعلاميين العالميين. وتمخّض البحث عن عدّة نتائج:
1 – الأيباك هي مجموعة من مجموعات الضغط الأقوى في أميركا وتمارس تأثيرًا كبيرًا في الانتخابات وفي كل من الكونغرس والرئيس.
2 – الأيباك تدافع عن السياسات المؤيدة لإسرائيل لدى السلطتين التنفيذية والتشريعية.
3 – تبيّنَ دور هذه المجموعة من خلال الموقف الأمريكي الداعم لإسرائيل في حرب غزّة بصورة مطلقة.
4 – سيطرة المال والإعلام على الانتخابات، ما يعكس أهميّة التمويل في رفع نسبة فوز المرشّح.
كتب ذات صلة:
البعد الديني في السياسة الأمريكية تجاه الصراع العربي – الصهيوني (جذور الحركة الإنجيلية الأصولية)
المصادر:
نُشرت هذه الدراسة في المجلة العربية للعلوم السياسية العدد 10 سنة 2024.
للحصول على النسخة الورقية أو الالكترونية من العدد تفضلوا بالضغط عى الرابط:
المجلة العربية للعلوم السياسية العدد 10 سنة 2024
محمد مشيك: أستاذ مساعد في القانون العام، وكاتب وباحث سياسي.
عادل خليفة: بروفسور متخصص في القانون الدولي.
[1] إبراهيم عبد العزيز شيحا، الوجيز في النّظم السياسية والقانون الدستوري (بيروت: الدار الجامعية، [د. ت.])، ص 14.
[2] عبد الغني بسيوني عبد الله، النظم السياسية والقانون الدستوري (الإسكندرية: منشأة المعارف، 1997)، ص 168.
[3] Zeev Maoz, Defending the Holy Land: A Critical Analysis of Israel’s Security and Foreign Policy (Ann Arbor, MI: University of Michigan Press, 2006), pp. 252 – 388.
[4] أدمون رباط، الوسيط في القانون الدستوري: النظرية القانونية في الدولة وحكمها، ط 2 (بيروت: دار العلم للملايين، 1971)، ج 2، ص 419.
[5] المصدر نفسه، ص 420.
[6] إل سانجي مايسل، الانتخابات والأحزاب السياسية الأمريكية: مقدّمة قصيرة جدًا، ترجمة خالد غريب علي؛ مراجعة محمد فتحي خضر (القاهرة: مؤسسة هنداوي، 2013)، ص 40.
[7] أحمد سعيفان، قاموس مصطلحات سياسية والدستورية والدولية (بيروت: مكتبة لبنان ناشرون، 2004)، ص 53.
[8] مايسل، المصدر نفسه، ص 28.
[9] المصدر نفسه، ص 29 – 30.
[10] علي بقشيش وحنان يعقوب، «النظام الانتخابي الأمريكي وآثاره السياسية،» مجلة القانون الدستوري والمؤسسات السياسية، السنة 2، العدد 4 (كانون الأول/ديسمبر 2018)، ص 103.
[11] مايسل، المصدر نفسه، ص 22.
[12] «Debates in the Federal Convention of 1787: May 29,» Avalon Project, Retried 4 September 2011.
[13] شادي عبد السلام، الوَيْلات المتحدة الأمريكية ([د. م.: د. ن.]، 2007)، ص 13.
[14] شيحا، الوجيز في النّظم السياسية والقانون الدستوري، ص 263.
[15] «Debates in the Federal Convention of 1787: September 6,» Avalon, Project, Retrieved 13 April 2011.
[16] James Madison, Notes of Debates in the Federal Convention of 1787 (New York: The Norton Library, 1966), p. 294.
[17] John J. Patrik, Richard M. Pious and Donald A. Ritchie, The Oxford Guide to the United States Government (New York: Oxford University Press, 2001), p. 208.
[18] «Debates in the Federal Convention of 1787: May 29,» Avalon Project, Retried 4 September 2011.
[19] Jimmy Carter Letter to Congress, Jimmy Carter, «Election Reform Message to the Congress,» Online by Gerhard Peters anf Jhon T. Woolley, The American Presidency Project.
[20] سليم كاطع علي، «خصائص النظام الحزبي في الولايات المتحدة الأمريكية،» المركز الديمقراطي العربي، 21 نيسان/أبريل 2018، <https://democraticac.de/?p=53756> (تاريخ الزيارة 15 آذار/مارس 2024).
[21] Gideon Rose, «Neoclassical Realism and Theories of Foreign Policy,» World Politics, vol. 51, no. 1 (October 1998), p. 95.
[22] مايسل، الانتخابات والأحزاب السياسية الأمريكية: مقدّمة قصيرة جدًا، ص 30.
[23] والت ستيفن وجون ميرشايمر، اللوبي الإسرائيلي والسياسة الخارجية الأمريكية (بيروت: شركة المطبوعات للتوزيع والنشر، 2007)، ص 95.
[24] علي، «خصائص النظام الحزبي في الولايات المتحدة الأمريكية».
[25] المصدر نفسه.
[26] بقشيش ويعقوب، «النظام الانتخابي الأمريكي وآثاره السياسية،» ص 101.
[27] محمد المجذوب، القانون الدستوري والنّظام السياسي، ط 4 (بيروت: منشورات الحلبي القانونية، 2002)، ص 202.
[28] مايسل، الانتخابات والأحزاب السياسية الأمريكية: مقدّمة قصيرة جدًا، ص 24.
[29] Hamilton, «The Federalist Papers: No. 68,» The Avalon Project, Yale Law School, <https://avalon.law.yale.edu/18th_century/fed68.asp> (viewed 10 November 2016).
[30] مايسل، المصدر نفسه، ص 24 – 25.
[31] هلا نهاد نصر الدين، ««أيباك» في الانتخابات الرئاسية: هل يقوّض اللوبي الإسرائيلي الديمقراطية الأميركية،» موقع Daraj، 6 آذار/مارس 2024، <https://daraj.media/117628> (تاريخ الزيارة 18 نيسان/أبريل 2024).
[32] Emile Durkheim, The Elementary Forms of the Religions Life (New York: Free Press Paperbacks, 1965), pp. 236 – 245 and 462 – 472.
[33] Max Weber, The Sociology of Religion (London: Methen and Co., 1966), pp. 1 – 2.
[34] جورج ف. كنان، الدبلوماسية الأمريكية، ترجمة عبد الإله الملاّح؛ مراجعة وتقديم عبد الكريم ناصيف (دمشق: دار دمشق، 1988)، ص 22.
[35] المصدر نفسه، ص 42.
[36] George Modelski, A Theory of Foreign Policy (New York: Praeger, 1962), pp. 6 – 7.
[37] Philip S. Khoury, Urban Notables and Arab Nationalism: The Politics of Damascus, 1860 – 1920 (Cambridge, MA: Cambridge University Press, 1983), p. 23.
[38] نورمان فنكلستاين، التمادي في المعرفة: لماذا تشارف العلاقة الحميمة بين اليهود الأمريكيين وإسرائيل على نهايتها؟ (بيروت: شركة المطبوعات للتوزيع والنشر، 2014)، ص 84.
[39] Edgar Furniss and R. Snyder, As Introduction to American Foreign Policy (New York: Rinehart, 1995), p. 6.
[40] محمد المنشاوي، «جماعات اللوبي في «كيه ستريت».. هكذا تباع الديمقراطية،» مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية، <https://rawabetcenter.com/archives/124402> (تاريخ الزيارة 25 نيسان/أبريل 2024).
[41] Gunnar Gunnarsson, Norstedts uppslagsbok lllustrerad Encyklopedi (Stokholm: P. A. Norstedt and Soners, 1942), p. 966.
[42] أحمد سرحال، القانون الدستوري والأنظمة السياسية (بيروت: دار الحداثة، 1980)، ص 101 – 102.
[43] يحيى أحمد الكعكي، مقدمة في علم السياسية (بيروت: دار النهضة العربية، 1983)، ص 242.
[44] نصر الدين، ««أيباك» في الانتخابات الرئاسية: هل يقوّض اللوبي الإسرائيلي الديمقراطية الأميركية».
[45] جون، ج. ميرشايمر وستيفن والت، اللوبي الإسرائيلي والشاشة الخارجية الأمريكية، ترجمة أنطوان باسيل؛ تدقيق فؤاد زعيتر (بيروت: شركة المطبوعات للتوزيع والنشر، 2009)، ص 174.
[46] محمد حسنين هيكل، الإمبراطورية الأمريكية والإغارة على العراق، ط 3 (القاهرة: دار الشروق، 2003)، ص 273 – 274.
[47] John J. Mearsheimer and Stephen Walt, The Israel Lobby and U.S. Foreign Policy (London: Review of Books, 2007), p. 163.
[48] هيكل، المصدر نفسه، ص 274.
[49] لي أوبرين، المنظمات اليهودية الأمريكية ونشاطاتها فيدعم إسرائيل، ترجمة جماعة من بإشراف محمد زايد (بيروت: مؤسسة الدراسات الفلسطينية، 1986)، ص 182.
[50] كنان، الدبلوماسية الأمريكية، ص 103.
[51] ««أيباك» أهم جماعات الضغط السياسية الأمريكية المدافعة عن إسرائيل،» BBC عربي، 22 آذار/مارس 2010، <https://rebrand.ly/n442vh3> (تاريخ الزيارة 1 أيار/مايو 2024).
[52] Lee O’Brien, American Jewish: Organisation and Israel (Washington DC: Institute for Palestine Studies, 1986), p. 156.
[53] Ibid., pp. 167 and 170.
[54] Ibid., p. 167.
[55] Ibid., p. 182.
[56] نصر الدين، ««أيباك» في الانتخابات الرئاسية: هل يقوّض اللوبي الإسرائيلي الديمقراطية الأميريكة».
[57] فنكلستاين، التمادي في المعرفة: لماذا تشارف العلاقة الحميمة بين اليهود الأمريكيين وإسرائيل على نهايتها؟، ص 86.
[58] Murray Friedman, The Neoconservative Revolution: Jewish Intellectuals and the Shaping of Public Policy (Cambridge, MACambridge University Press, 2006), p. 148; Mark Gerson, The Neoconservative Vision: From the Cold War to the Culture Wars (Seattle, WA: Madison Books, 1997), p. 165, and Jacob Heilbrunn, They Knew They Were Right: The Rise of the Neocons (Palatine, IL: Anchor Books, 2009), pp. 134 – 135.
[59] ميرشايمر ووالت، اللوبي الإسرائيلي والشاشة الخارجية الأمريكية، ص 254.
[60] روبرت فورد، ««إيباك» وحلفاؤها في مواجهة اليسار في أمريكا،» المجلّة، 31 كانون الثاني/يناير 2021، <https://www.majalla.com/node/309606> (تاريخ الزيارة 23 نيسان/أبريل 2024).
[61] المصدر نفسه.
[62] «رفض أموال الأيباك.. حراك في الحزب الديمقراطي لرفض اللوبي الإسرائيلي،» موقع إلترا صوت، 12 آذار/مارس 2024، <https://rebrand.ly/vtxd5q8> (تاريخ الزيارة 10 أيار/مايو 2024).
[63] «قرار مجلس النواب الأمريكي يساوي بين معاداة الصهيونية والسامية،» موقع الجزيرة نت، 1 كانون الأول/ديسمبر 2023، <https://rebrand.ly/zomavad> (تاريخ الزيارة 4 أيار/مايو 2024).
[64] عبد السلام، الوَيْلات المتحدة الأمريكية، ص 24.
[65] فنكلستاين، التمادي في المعرفة: لماذا تشارف العلاقة الحميمة بين اليهود الأمريكيين وإسرائيل على نهايتها؟، ص 176.
[66] يانينا ويلب، «حريّة التعبير تواجه اختبارًا عسيرًا على مستوى العالم،» موقع سويس إنفو، 29 نيسان/أبريل 2021، <https://rebrand.ly/gomd5tj> (تاريخ الزيارة 2 أيار/مايو 2024).
[67] ««أيباك» أهم جماعات الضغط السياسية الأمريكية المدافعة عن إسرائيل،» مرجع سابق.
[68] «احتجاجات الجامعات الأمريكية تتواصل واعتقال مئات الطلاب،» الجزيرة نت، 28 نيسان/أبريل 2024، <https://rebrand.ly/f7xae5a> (تاريخ الزيارة 6 تشرين الأول/أكتوبر 2024).
[69] قدير أوستن، «وسائل التواصل الاجتماعي وحريّة التعبير في السياسة الأمريكية،» موقع ترك برس، بتاريخ 10 تموز/يوليو 2023، <https://www.turkpress.co/node/98348> (تاريخ الزيارة 30 نيسان/أبريل 2024).
[70] المصدر نفسه.
[71] المنشاوي، «جماعات اللوبي في «كيه ستريت».. هكذا تباع الديمقراطية،» مصدر سابق.
[72] تقرير لمنظّمة العفو الدولية، منشور على موقعها الإلكتروني بتاريخ 13 أيار/مايو 2015، <https://www.amnesty.org/ar/latest/news> (تاريخ الزيارة 1 أيار/مايو 2024).
[73] المصدر نفسه.
[74] تقرير لمنظّمة العفو الدولية، منشور على موقعها الإلكتروني بتاريخ 24 أيار/مايو 2024.
[75] ويلب، «حريّة التعبير تواجه اختبارًا عسيرًا على مستوى العالم،» مصدر سابق.
مركز دراسات الوحدة العربية
فكرة تأسيس مركز للدراسات من جانب نخبة واسعة من المثقفين العرب في سبعينيات القرن الماضي كمشروع فكري وبحثي متخصص في قضايا الوحدة العربية
بدعمكم نستمر
إدعم مركز دراسات الوحدة العربية
ينتظر المركز من أصدقائه وقرائه ومحبِّيه في هذه المرحلة الوقوف إلى جانبه من خلال طلب منشوراته وتسديد ثمنها بالعملة الصعبة نقداً، أو حتى تقديم بعض التبرعات النقدية لتعزيز قدرته على الصمود والاستمرار في مسيرته العلمية والبحثية المستقلة والموضوعية والملتزمة بقضايا الأرض والإنسان في مختلف أرجاء الوطن العربي.