مقدمة

شهدت العقود الأخيرة تحوّلًا جوهريًا في نهج المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، تمثّل بانتقال حركة حماس من وحدات مقاومة شعبية متفرقة إلى قوة عسكرية منظمة تمتلك بنى هيكلية وأنماط تكتيكية أشبه بالجيش وقدرات قتالية متقدمة نسبيًّا. واكتمل هذا التحوّل باستعداد غير مسبوق تمثّل بعملية «طوفان الأقصى» فجر يوم 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، حيث تمكنت وحدات كتائب القسّام – الذراع العسكرية لحماس – من اختراق الحدود والاشتباك المباشر مع قوات الجيش الإسرائيلي واجتياح مواقع عسكرية وأهداف متعددة داخل الأراضي المحتلة. مثّل نجاح هذه العملية – وما أعقبها من مواجهة دفاعية طويلة في غزة – دليلًا واضحًا على حجم التطور الذي أصاب البنية العسكرية لحماس واستراتيجياتها القتالية.

لكن كيف نجحت حماس في بناء جيشها وقواها العسكرية على مدى عقدين، على نحوٍ مكّنها من تنفيذ عملية واسعة بحجم «طوفان الأقصى» والصمود أمام جيش نظامي متفوّق تقنيًا؟ ينبثق من هذا السؤال الرئيس عدة تساؤلات فرعية، من بينها: ما هي استراتيجية حماس التراكمية في بناء القوة؟ وما هي مكوّنات البنية القتالية التي شيّدتها (من أفراد ووحدات وتدريب وتسليح واستخبارات وغيرها)؟ وكيف ساهمت المنظومة الدفاعية (وبخاصة شبكة الأنفاق) في تعزيز قدرة حماس على الصمود ومنع إعادة احتلال غزة؟ وأخيرًا، ما هي ملامح التخطيط والهجوم في عملية «طوفان الأقصى» التي عكست هذه التراكمات؟

تأتي أهمية هذه الدراسة من كونها تسلط الضوء على تجربة فريدة لحركة مقاومة استطاعت، رغم الحصار والفارق النوعي الكبير في القوة مع عدوها الإسرائيلي، أن تبني ترسانة قتالية فعّالة وتفرض معادلات ردع جديدة. إن فهم منهجية حماس في بناء قوتها يقدم رؤية أعمق لطبيعة الصراع غير المتكافئ في فلسطين، ويمكّن الباحثين وصنّاع القرار من تقييم تداعيات هذه التطورات على استقرار المنطقة ومستقبل الصراع. كما أن توثيق التطور التاريخي لقدرات حماس العسكرية يساهم في الأدبيات المتعلقة بدراسة تحوّل الحركات المسلحة إلى تكوينات شبه نظامية قادرة على خوض مواجهات مفتوحة.

تعتمد الدراسة منهج التحليل التاريخي الوصفي والتحليلي، بعرض المراحل والمحطات المفصلية في بناء حماس قدراتها القتالية منذ انتفاضة الأقصى (2000) حتى معركة طوفان الأقصى (2023). جُمعت المعلومات من مقابلات خاصة أجراها الباحث مع قادة سياسيين وعسكريين، ومذكرات قادة المقاومة السياسيين والعسكريين وشهاداتهم، والبيانات الرسمية والإعلامية الصادرة عن كتائب القسّام وحركة حماس، إلى جانب مصادر إسرائيلية ودولية تناولت قدرات حماس. وقد تم توثيق المعلومات بما يشمل تصريحات القادة (كإسماعيل هنية، ويحيى السنوار، وأبو عبيدة) المنشورة، والتقارير والاستقصاءات الصحافية، وبعض الأدبيات الأكاديمية ذات الصلة ببناء حركات المقاومة لقوتها.

لفهم تجربة حماس في بناء قوتها، تسترشد الدراسة بعدة أطر نظرية: أولًا، نظرية الحرب لدى كلاوزفيتز التي تفرق بين قوة الدفاع وقوة الهجوم؛ حيث رأى كلاوزفيتز أن الدفاع هو الشكل الأقوى للحرب لكنه ينتظر الفرصة للتحول المباغت إلى الهجوم. تحاجج الدراسة بأن حماس ابتكرت نموذجًا مغايرًا يمزج بين الدفاع والهجوم على نحو تكاملي، فلم تكتفِ ببناء قوة دفاعية حصينة وإنما سعت أيضًا إلى تطوير قدرة هجومية مباغتة لتحقيق «لحظة التعرض الأعظم» التي تحدّث عنها كلاوزفيتز. ثانيًا، نظرية الخداع الاستراتيجي المستمدة من أفكار صن تزو (Sun Tzu) في كتابه فن الحرب، التي تؤكد أن «الحرب خدعة» وضرورة إظهار العجز عند القدرة، والتظاهر بالبعد عند القرب. وقد اتبعت حماس منهجية خداع طويلة الأمد أربكت التقييم الإسرائيلي وجعلته يستبعد احتمالية الهجوم الشامل. ثالثًا، مفاهيم حرب العصابات وتحوّل حركات المقاومة إلى جيوش؛ حيث تنطلق من فرضية أن الحركات ذات الأهداف السياسية الطموحة (كحماس) ستسعى لبناء قدرات تقليدية شبه نظامية تمكنها من السيطرة على الأرض، وذلك انسجامًا مع أطروحات في أدبيات العلاقات الدولية حول «المساعدة الذاتية» التي تفرض على الفاعل غير الدولتي الاعتماد على إمكانياته الذاتية لتعزيز أمنه وتحقيق أهدافه. يندرج تطور حماس في هذا السياق، إذ أدركت الحركة محدودية الدعم الخارجي المنتظم فاستثمرت في بناء ذاتي للصناعة العسكرية والصواريخ والأسلحة بمختلف أنواعها. أخيرًا، تستفيد الدراسة من دروس تجارب تاريخية مشابهة، مثل تجربة الأنفاق الفيتنامية خلال حرب فيتنام، كمثال على استغلال العامل الجغرافي وتقنيات حرب الأنفاق لمعادلة فارق القوة.

لقراءة الورقة كاملة يمكنكم اقتناء العدد 559 (ورقي او الكتروني) عبر هذا الرابط:

مجلة المستقبل العربي العدد 559 أيلول/سبتمبر 2025

المصادر:

نُشرت هذه الدراسة في مجلة المستقبل العربي العدد 559 في أيلول/سبتمبر 2025.

سعيد زياد: باحث في الشأن السياسي والاستراتيجي.


مركز دراسات الوحدة العربية

فكرة تأسيس مركز للدراسات من جانب نخبة واسعة من المثقفين العرب في سبعينيات القرن الماضي كمشروع فكري وبحثي متخصص في قضايا الوحدة العربية

مقالات الكاتب
مركز دراسات الوحدة العربية
بدعمكم نستمر

إدعم مركز دراسات الوحدة العربية

ينتظر المركز من أصدقائه وقرائه ومحبِّيه في هذه المرحلة الوقوف إلى جانبه من خلال طلب منشوراته وتسديد ثمنها بالعملة الصعبة نقداً، أو حتى تقديم بعض التبرعات النقدية لتعزيز قدرته على الصمود والاستمرار في مسيرته العلمية والبحثية المستقلة والموضوعية والملتزمة بقضايا الأرض والإنسان في مختلف أرجاء الوطن العربي.

إدعم المركز