ملخص:

تتساءل هذه الدراسة عن الأسباب الحقيقية التي حالت دون تحقيق أهداف إصلاح المنظومة الصحية في الجزائر. وعليه تهدف إلى معرفة السياسات والبرامج الصحية التي طبقتها الجزائر منذ الاستقلال إلى فترة ما قبل الإصلاح وبعده، بقصد تشخيص الوضع وإبراز جوانب الإصلاح، وإمكانية إدارج المستجدات التي تعرفها المنظومة الصحية في مشروع الإصلاح داخليًا وخارجيًا، إضافة إلى تسليط الضوء على أهم الاختلالات والعراقيل التي تقف أمام عملية الإصلاح، مع عرض أولويات السياسة الصحية من خلال الإصلاحات المسطرة بداية من عام 2022.

تمثّلت نتائج الدراسة أساسًا في مشكلة التنسيق بين النظام الوطني للصحة وفروعه من جهة، وبين المنظومة الصحية كقطاع اجتماعي وباقي القطاعات الأخرى. لذا يتطلب الأمر ضمان الانسجام بين الصحة العامة والسياسات العمومية الأخرى من خلال دمج كل الأنشطة القطاعية ذات الصلة ضمن الإستراتيجية العامة للوزارة.

مقدمة:

رسمت الجزائر في بداية الألفية الثالثة خريطة صحية وطنية تهدف إلى تقليص الفوارق بين المناطق ومراعاة الخصوصيات المحلية، ومعالجة الاختلال في التنظيم والتنسيق. وكان الهدف من هذا البرنامج الحكومي تهيئة الموارد البشرية من خلال التكوين الأساسي والمتواصل، وتحسين جودة الخدمات الصحية. فقد عملت الحكومة على تطبيق سياسة جديدة تهدف إلى دعم الأدوية الضرورية وتقوية تجهيزات المستشفيات الجهوية لتخفيف الضغط على المراكز الاستشفائية الجامعية.

كما تم اعتماد تنظيم صحي جديد في شهر مايو 2007 يقوم على فصل الاستشفاء عن العلاج والفحص، وهي نوع من اللامركزية هدفها تسهيل الوصول إلى العلاج وتقريب المستشفى أو المؤسسة الصحية من المواطن وتخفيف الضغط على المستشفيات. وبهذا تمّ استبدال القطاعات الصحية بمؤسستين هما: المؤسسة العمومية الاستشفائية، والمؤسسة العمومية للصحة الجوارية التي تشمل العيادات المتعددة الخدمات وقاعات العلاج.

علاوة على ذلك، تمّ فتح مناصب مالية لتوظيف كافة الممارسين العامين والمتخصصين وشبة الطبيين بغرض تحسين نسبة التأطير والتكفل بالهياكل الجديدة المرتقب تسليمها. ومنذ كانون الثاني 2008 تمّ تطبيق النظام الصحي الجديد والقوانين الخاصة بالمؤسسات الاستشفائية وهو نظام يسعى إلى ترقية العلاج القاعدي النوعي.

وعلى العموم، فإن مشروع إصلاح النظام الصحي في الجزائر شمل العديد من الملفات، ومن ورائها العديد من الأهداف؛ ففي عام 2002 بدأت ملامح التغيير والإصلاح، وكانت البداية في تغيير إسم الوزارة ليصبح “وزارة الصحة والسكان وإصلاح المستشفيات” بعدما كان “وزارة الصحة والسكان”. وقد شمل مشروع الإصلاح العديد من الملفات لعلّ أهمها ملف الحاجيات الصحية وطلب العلاج، وملف الهياكل الاستشفائية، وملف الموارد البشرية، وملف الموارد المادية، وملف التمويل، وملف اشتراك القطاعات.  بينما تتمثل أهداف مشروع الإصلاح والتي تسعى الوزارة لتحقيقها فيما يلي:

  • الاستفادة من مجانية العلاج والعدالة الاجتماعية
  • حماية الصحة وترقيتها
  • المحافظة على القطاع العمومي وتحسين مردوديته
  • ضمان الموارد المالية اللازمة لحسن سير المؤسسات الصحية
  • إعادة التأكيد على الالتزامات التعاقدية لكل المتدخلين

هذه الإصلاحات في الحقيقة تمخضت عن الإصلاحات الشاملة التي أمر بها رئيس الجمهورية الراحل عبد العزيز بوتفليقة عام 2000 والقاضية بإصلاح هياكل ومهام الدولة؛ وبعد مرور عقدين من الإعلان عن هذه الإصلاحات لجأت الجزائر إلى المبادرة بإصلاحات جديدة ورسم خريطة صحية جديدة وذلك بداية من عام 2022 والتي سميت مجازًا بسنة الإصلاحات الصحية. ولذلك تساءلنا عن مصير الإصلاحات السابقة والأهداف المسطرة، علمًا أن الشروع في إصلاحات جديدة يوحي بفشل الإصلاحات السابقة.

أهمية الدراسة:

تبرز أهمية الدراسة في موضوعها، فالصحة شغلت بال الأفراد والحكومات ولا تزال، كونها من بين أهم المؤشرات الاجتماعية والاقتصادية للمجتمعات؛ لذا استدعت الضرورة البحث والتقصي في مختلف البرامج والسياسيات التي سطرتها الجزائر من خلال تحديد الأهداف التي تسعى لتحقيقها، وكذا دراسة وتحليل مختلف الإصلاحات والخرائط الصحية التي أنجزتها ولماذا تلجأ المنظومة الصحية دوريًا إلى تحيين وتقويم الإصلاحات بعد تقييمها، وهنا تكمن أهمية هذه الورقة البحثية.

أهداف الدراسة:

نسعى من وراء هذه الدراسة إلى تحقيق الأهداف العلمية والعملية التالية:

  • التعرّف إلى السياسات والبرامج الصحية التي طبقتها الجزائر منذ الاستقلال حتى فترة ما قبل الإصلاح وبعده، بغية تشخيص الوضع القائم وإبراز أهم الجوانب التي شملها إصلاح المنظومة الصحية
  • الإنجازات التي حققتها هذه المنظومة من خلال تطبيقها مختلف المخططات التنموية، لتوفير الصحة للجميع
  • الصعوبات التي تقف أمام تحقيق أهداف المنظومة الصحية في ظل الإكراهات الراهنة: التطور التكنولوجي، الانتقال الوبائي، والطلب المتزايد على العلاج نتيجة النمو الديمغرافي والوعي الصحي
  • تقديم بعض الحلول والتصوّرات لتصحيح الاختلالات وتذليل الصعوبات خاصة ما تعلق منها بالجانب التنسيقي بين القطاع الصحي وفروعه وبينه وبين القطاعات الأخرى.

إشكالية الدراسة:

بعد حوالي 20 سنة من إصلاحات المنظومة الصحية، تبقى الأهداف المنجزة والمحققة بعيدة عن تلك المسطرة والمنتظرة بناء على المؤشرات الصحية، وعليه نتساءل عن السبب أو الخلل الذي حال دون تحقيق الأهداف المرجوة، وعليه نطرح الإشكالية التالية:

ما هي الأسباب الحقيقية التي حالت دون تحقيق أهداف مشروع إصلاح النظام الصحي في الجزائر على الرغم من توفر الإرادة السياسية؟

فرضيات الدراسة:

الفرضيات العلمية التي يمكن صياغتها تتمثل في ما يلي:

  • توفر الإرادة السياسية وحدها غير كافٍ لتحقيق أهداف المنظومة الصحية في الجزائر
  • جاءت الإصلاحات الصحية ضمن نظرة شمولية من خلال رؤية إستراتيجية شاملة لإصلاح هياكل ومهام الدولة الجزائرية
  • إعادة صياغة إصلاحات جديدة ورسم خريطة صحية جديدة دلالة واضحة على إخفاق الإصلاحات السابقة 

منهج الدراسة:

نستعين في هذه الورقة البحثية بالعديد من المناهج العلمية، من خلال الوصف والتحليل الإحصائي والمقارنة الأفقية والعمودية والمرجعية، بالإضافة إلى بعض المداخل والمقاربات النظرية بهدف الإلمام بالموضوع وحصر أسباب الإخفاق.

هندسة الدراسة:

للإجابة عن السؤال الجوهري المعبَّر عنه في الإشكالية، وبهدف المعالجة العلمية لهذا الموضوع وإثبات أو نفي صحة الفرضيات العلمية، تمّ تقسيم الدراسة وفق المحاور الآتية:

أولًا: تطور النظام الصحي (السياسة الصحية) في الجزائر قبل الإصلاحات ونتائجها

ثانيًا: مشروع إصلاح النظام الصحي في الجزائر وأهدافه

ثالثًا: تقييم نتائج الإصلاح والبدائل والحلول الممكنة

أولًا: تطور السياسة الصحية في الجزائر قبل الإصلاحات ونتائجها

1- تحليل المبـادئ الأساسية للسياسـة الصحيـة في الجزائـر من عام 1962 حتى عام 2002:

ارتكز النظام الصحي الجزائري بعد الاستقلال عام 1962 على مبادئ أساسية رسمت السياسية الصحية لتلك الفترة وما تلاها؛ لذا ارتأينا معالجة هذا المحور وفق العديد من المحطات الزمنية التي أخذت الطابع السياسي تارةً، والطابع الاجتماعي والاقتصادي والوبائي تارةً أخرى. وتمّ الاهتداء الى هذا التقسيم لمعرفة الفاعلين الحقيقيين في رسم السياسية الصحية في الجزائر وما إذا تمّ ذلك وفق دراسة علمية تأخذ بعين الاعتبار العناصر الأساسية المعروفة في رسم السياسية الصحية أم أن الأمر يتعلق بقرارات سياسية أو نتيجة لظروف اجتماعية واقتصادية داخلية وخارجية.

أ- السياسـة الصحيـة في الجــزائر (1962 – 1979):

بعد خروجها من براثن الاستعمار الاستيطاني الفرنسي عام 1962، وجدت الجزائر نفسها في ظلّ حالة صحية متردية ومتدهورة، فلم تكن البلاد تحوي إلا على 1319طبيبًا منهم حوالي 300 جزائريًا فقط، وهو ما يعادل طبيب واحد لكل 8000 مواطن تقريبًا؛ و264 صيدليًا، أي صيدلي واحد لكل 52323 نسمة. أما أطباء الأسنان فكانوا حوالي 151 طبيبًا، أي طبيب أسنان واحد لكل70688 نسمة.

تمثلت هذه السياسة في المكافحة المكثفة للأمراض الوبائية وتعميم العلاج الوقائي، كالتلقيح ونظافة المحيط وحماية الأمومة والطفولة والنظافة المدرسية وطب العمـل، وهو ما شمله البرنامج المسطر لعام 1962. (حاروش، 2009)

ما ميّز هذه المرحلة التاريخية هو مضاعفة قاعات العلاج، وإنشاء العيادات المتعددة الخدمات ابتداءً من عام 1974، كما صدر عام 1969مرسومًا يقضي بإلزامية اللقاحات ومجانيتها، وإنشاء المراكز الخاصة بمكافحة مرض السل ليصبح علاجه مجانيًا ونفس الشيء بالنسبة لمرض الشلل، وسوء التغذية. (وزارةالصحة ، 1990)

ولقد كان قرار مجانية الطب الذي أقرّه الرئيس الراحل هواري بومدين عام 1974 خطوة أولى في طريق إعطاء فعالية أكثر للقطاع الصحي وتوحيد نظامه ككل، ووضع برامج صحية لها ارتباط وثيق بالمشكلات الاجتماعية والاقتصادية للأفراد كون الصحة حق من حقوق المواطن، كما ينص عليه دستور 1976. (الدستور ، 1976).

ومنذ عام 1975، شرع فريق عمل متعدد الاختصاصات في إعداد برنامج صحي لتطبيقه في المخطط الرباعي الثاني، ووضع بعض الأهداف التي تسعى المنظومة الصحية لتحقيقها، وهي كالآتي:

  • مركز صحي لكل 6 إلى 7 آلاف نسمة
  • عيادة متعددة الخدمات لكل 15 إلى 25 ألف نسمة
  • مستشفى في كل دائرة
  • مستشفى في كل ولاية
  • عيادة للولادة ريفية وحضرية
  • السكنات الوظيفية
  • مخبر طبي في كل ولاية
  • دراسة برنامج تحسين الإعلام الطبي
  • دراسة صناعة الأدوية وتوزيعها

تميّز النظام الصحي في نهاية هذه المرحلة (عام 1979) إلى حد ما بلامركزية حقيقية للعلاج، وإيصال واسع للعلاج للمواطن، من خلال تدعيم القطاع الصحي في كل من الدائرة، والولاية، والوقاية من الأمراض بالمناطق الريفية مع التكفل بحق الاستشفاء. وحتى يقوم القطاع الصحي من خلال المستشفى بالمهام المنوطة به، تمّ اقتراح ما يسمى بالقطاعات الصحية الفرعية والتي تعد العيادة المتعددة الخدمات المقر التقني الإداري لها.

أما بشأن المؤشرات الصحية فنلاحظ ما يلي:

  • نسبة الوفيات الإجمالي 12.75 من الألف
  • نسبة الولادات الإجمالي 43.53 من الألف
  • نسبة وفيات الأطفال 107.5 من الألف
  • متوسط الأمل في الحياة حدد بــ 56 سنة

نلتمس فعلًا في هذه المرحلة التطور الكبير الذي عرفه النظام الصحي وذلك من خلال تزايد عدد الأطباء الجزائريين، عكس المراحل السابقة. وهذا نتيجة للإصلاحات التي حصلت في مجال العلوم الطبية والتي أعطت ثمارها، ونفس الملاحظة بالنسبة للسلك الشبه الطبي الذي عرف بدوره تطورًا ملحوظًا، إذ تضاعف العدد خلال خمس سنوات، أي في الفترة الممتدة من عام 1974 إلى عام 1979.

ب- السياسـة الصحيـة في الجـزائـر (1979 – 1990):

تمّ الاهتداء إلى وضع خريطة صحية من طرف وزارة الصحة عام 1981، وكانت تهدف إلى إزالة الفوارق الجهوية وكذلك الفوارق بين المدن والمناطق الريفية، وذلك باتباع مقاييس علمية، كما تهدف الخريطة الصحية إلى تحسين التغطية الصحية على المستوى الوطني، من خلال التوزيع العادل للمنشآت الصحية والموارد البشرية العاملة بالسلك الطبي والسلك الشبه الطبي، وهذا لضمان التنمية الاجتماعية والاقتصادية، وتم الاتفاق على تحقيق الأهداف التالية:

  • طبيب لكل 1200 نسمة
  • جراح أسنان لكل 5000 نسمة
  • صيدلي لكل 6000 نسمة
  • ممرض لكل 300 نسمة

أما من حيث الهياكل فقد تم الاتفاق على تحقيق ما يلي:

  • عيادة متعددة الخدمات لكل 30000 نسمة
  • مركز صحي لكل 5000 نسمة
  • قاعة علاج لكل 2000 نسمة

ولتجسيد هذه الأهداف، من الناحية الهيكلية على الأقل، تم إنشاء هياكل صحية جديدة عام 1986 (مرسوم تنفيديى 86ــــ25، 1986) وهي المراكز الاستشفائية الجامعية. ومن الناحية التشريعية، فقد صدر دستور 1989 والذي حدد الخيار الإيديولوجي للجزائر والانتقال من نظام الحزب الواحد الى التعددية الحزبية أو من الاقتصاد الموجه الى اقتصاد السوق، ونتج عن ذلك تغيير نظرة الدولة للرعاية الصحية من الناحية الدستورية على الأقل (إذا تغير الأصل فيتغير الفرع بالضرورة). إذ ينص الدستور الجديد 1989 في مادته 51 على ما يلي: الرعاية الصحية حق للمواطنين، تتكفل الدولة بالوقاية من الأمراض الوبائية والمعدية ومكافحتها، هذا يعني أن تكفل الدولة من الآن فصاعدًا يتركز على الجانب الوقائي وهذا عكس ما نص عليه دستور 1976. (حاروش، 2012)

 ج- السياسـة الصحيـة في الجـزائـر (1991 -2002)

بناء على دستور 1989، ووفقًا لما جاء فيه حول الصحة، فقد تمت الإشارة في قانون المالية لعام 1993 أنه بداية من هذه السنة تتولى الدولة التكفل بالوقاية والبحث الطبي وبالمعوزين أما باقي العلاجات فتكون وفق نظام تعاقدي بين المؤسسات الاستشفائية وهيئات الضمان الاجتماعي. هذا النظام أو النهج التعاقدي- الذي يشرع في عملية التجريب ابتداءً من عام 1997، للوصول بعد الدراسة إلى النتائج النهائية التي سوف تطبق بحلول سنة 2000، لكن الدراسة لم تتوصل إلى غايتها ولا يطبق الى اليوم. كما عرفت هذه المرحلة إعادة تنظيم المؤسسات الصحية من حيث التنظيم والتسيير وذلك عام 1997، وكذا صدور منشور وزاري عام 1995متعلق بمساهمة المرضى في تسديد نفقات الإيواء والإطعام في الوسط الاستشفائي (قرار  وزاري، 1995) لتغطية العجز المالي الذي تعيش فيه المنظومة الصحية.

وفي هذا الإطار جاءت الجلسات الوطنية التي انعقدت في أيار 1998 والتي تم فيها وضع «ميثاق الصحة» كإشارة إلى ضرورة تكيف المنظومة الصحية مع التحولات الاقتصادية والاجتماعية العميقة التي تعرفها البلاد، كما تم تعديل قانون الصحة بإدراج النشاط التكميلي لفائدة الاستشفائيين الجامعيين والمختصين في الصحة العمومية.

ما يعاب على هذا التعديل، بخصوص النشاط التكميلي، كونه غير قانوني وغير دستوري، لأنه أقر بازدواجية الوظيفة والجمع بين وظيفتين والعمل في الوظيفة العمومية والخاصة وهي كلها مخالفات يعاقب عليها القانون. لكن الوضع الذي كانت تعيشه البلاد والخوف من هجرة الكوادر الطبية الجامعية أو اللجوء الى القطاع الخاص أدى الى قبول هذا التعديل، كما أن عواقب هذا التعديل أضرت كثيرًا بالقطاع الصحي العمومي والذي لا يزال يعاني منها إلى اليوم نتيجة عدم القدرة على مراقبة هؤلاء الأطباء أو محاسبتهم.

عرفت مرحلة التسعينيات بداية الخوصصة في القطاع الصحي وظهور بالتالي العديد من العيادات الخاصة، وبالمقابل تم إنشاء بعض الهياكل الداعمة لنشاط وزارة الصحة على غرار المخبر الوطني لمراقبة المنتجات الصيدلانية، والصيدلية المركزية للمستشفيات عام 1994، والوكالة الوطنية للدم عام 1995، والوكالة الوطنية للتوثيق الصحي، والمركز الوطني لليقظة الصيدلانية ويقظة العتاد. كما عرفت هذه المرحلة تطور عدد الهياكل القاعدية وكذا عدد المستخدمين.

وأظهر التشخيص الذي تم إعداده عام 1999 أن نظام الصحة المعمول به قد بلغ حدّه، وكان يعاني من بعض الاختلالات الهيكلية والتنظيمية التي كانت تحدّ من أدائه. وفي إطار هذا المفهوم، عمد قطاع الصحة إلى انتهاج سياسة إصلاح المستشفيات، ابتداءً من عام 2002، الهادفة إلى دفع منظومة الصحة الوطنية نحو العصرنة، وذلك بتحسين أداءها المتعلق بالتسيير والتكفل الكامل بالمرضى تماشيًا مع هذا التشخيص ووفقا لأمر الرئيس الخاص بإصلاح هياكل ومهام الدولة.

ثانيًا: مشروع إصلاح النظام الصحي في الجزائر وأهدافه

1- أمر رئيس الجمهورية الراحل عبد العزيز بوتفليقة عام 2000 بتشكيل لجنة تقوم بإعداد تقرير حول إصلاح هياكل ومهام الدولة. وفي تموز عام 2001 قدمت هذه اللجنة تقريرًا مفصلًا، تمّ إعداده في تسعة أشهر، تناول المحاور الكبرى لإصلاح هياكل ومهام الدولة، انبثقت عنها ست ورشات كبرى لإصلاح هياكل ومهام الدولة وهي كما يلي:

الورشة الأولى: تتعلق بالإدارات المركزية

الورشة الثانية: تعمل على إعادة تشكيل إدارة الإقليم وتجسيد اللامركزية

الورشة الثالثة: متعلقة بالمؤسسات العمومية وبالأجهزة التي تسير المرفق العام (في هذه الورشة تندرج إصلاح المنظومة الصحية من خلال مؤسسة المستشفى)

الورشة الرابعة: تختص بإعادة تعريف وظائف الاستشارة والضبط والمراقبة

الورشة الخامسة: إعداد سياسة جديدة لتثمين المورد البشري

الورشة السادسة: تعمل هذه الورشة على التأسيس لمجال مشاركة المجتمع المدني وتحسين العلاقة بين الإدارة والمواطن. فما هي المحاور الكبرى لإصلاح المنظومة الصحية في الجزائر من خلال المؤسسة العمومية للصحة؟

بناء على الدراسة التقييمية للجنة إصلاح هياكل الدولة ومهامها وظائفها (مرسوم رئاسي 372/2000، 2000)، في شقها الخاص بالمؤسسات العمومية (الورشة الثالثة)، تم تشخيص وتقييم الوضعية العامة للمؤسسات العمومية الصحية وبرمجت لها إصلاحات حسب الرؤية التي صاغتها اللجنة، ففي ما تكمن نتائج التقييم العام للمؤسسات العمومية للصحة؟

تتمثل نتائج التقييم أو التشخيص في تلك الاختلالات الموجودة والتي أخذت الأبعاد التنظيمية والقانونية والمالية والمادية والبشرية ويمكن إيجازها في ما يلي:

  • عدم تماشي نشاطات المؤسسات العمومية مع احتياجات المواطنين
  • غياب الإطار القانوني المتجانس المحدد لقواعد إنشاء وتنظيم وتسيير هذه المؤسسات
  • كما تتصف العلاقات بين المؤسسات العمومية ومصالح الدولة بالتدخل الكثيف من حيث ممارسة السلطة السلمية
  • بالإضافة الى غياب قنوات الإعلام والاتصال وعدم وجود تسيير جواري

وبناء على هذا التقييم تم اقتراح إصلاحات تخص المؤسسات العمومية للصحة كونها الهيكل الذي ينفذ السياسات العامة ويحقق أهداف المنظومة الصحية، وهذه الاقتراحات هي:

  • تكييف الإطار القانوني بناء على الاحتياجات الجديدة للمواطن
  • تزويد المؤسسات بقواعد الكفاءة والفعالية في التسيير
  • إعادة تنظيم العلاقة بين المؤسسات العمومية والسلطات التابعة لها
  • إدخال أنماط جديدة لتسيير الخدمة العمومية منافسة لتلك المعتمدة في القطاع الخاص.

وفي عام 2002 بدأت ملامح التغيير والإصلاح، وكانت البداية في تغيير اسم الوزارة ليصبح “وزارة الصحة والسكان وإصلاح المستشفيات” بعدما كانت “وزارة الصحة والسكان”، وقد شمل مشروع الإصلاح العديد من الملفات لعل أهمها ما يلي:

  1. ملف الحاجيات الصحية وطلب العلاج
  2. ملف الهياكل الاستشفائية
  3. ملف الموارد البشرية
  4. ملف الموارد المادية
  5. ملف التمويل
  6. ملف اشتراك القطاعات.

وقبل تفصيل مضمون هذه الملفات نشير أنه ورد في التقرير التمهيدي للمجلس الوطني لإصلاح المستشفيات مجموعة من الأهداف، والتي يسعى الإصلاح الى تحقيقها وهي كما يلي:

2- أهداف مشروع الإصلاح:

  • الاستفادة من مجانية العلاج والعدالة الاجتماعية والإنصاف والتضامن الوطني
  • الالتزام المؤقت لصالح الوقاية وتطوير علاج الصحة القاعدية
  • المحافظة على القطاع العمومي وتحسين مردوديته، مع إدماج القطاع الخاص في المنظومة الصحية الوطنية
  • تحسين مؤشرات الصحة العامة
  • إحصاء عروض العلاج والاستشفاء وتكييفها مع الحاجات الصحية للمواطن
  • ضمان الموارد المالية اللازمة للسير الحسن للمؤسسات الصحية
  • التأكيد على الحقوق والواجبات للمستعملين منها حماية المرضى على وجه الخصوص
  • إعادة التأكيد على الالتزامات التعاقدية لكل المتدخلين في صحة المواطن
  • توفير الإمكانيات الضرورية لمحترفي الصحة

وهناك هدفين أساسين وهما: التحكم في نظام المعلومات، وتحسين جودة الخدمات. (وزراة الصحة، تقرير تمهيدي، 2003)

أما فيما يخص ملف الإصلاح، فقد تطرق المجلس إلى ست ملفات كما ذكرنا آنفًا، نفصلها في ما يلي.

3- ملفات الإصلاح:

أ- ملف الحاجات الصحية وطلب العلاج: تمحور هذا الملف حول دراسة كيفيات التنسيق بين النظام الوطني للصحة ومنظومته الاستشفائية الفرعي، وهذا بغية تفادي عزل إصلاح المؤسسات الاستشفائية عن إطارها الاجتماعي والوبائي والمالي والتنظيمي.

ب- ملف الهياكل الاستشفائية: السعي إلى تحقيق الأهداف التالية:

  • تعزيز رقابة الدولة على مؤسسات العلاج العمومية والخاصة
  • الحرص على التنظيم المحكم للمؤسسات الحكومية والخاصة على حد سواء
  • إدراج فكرة التكامل بين القطاع العمومي والخاص
  • مشاركة المواطن في تنظيم العلاج مع أخذ حقوقه وواجباته بعين الاعتبار
  • المساهمة الفعالة للمريض ولجمعيات المرضى في توزيع شبكة العلاج وجودة أدائها
  • وضع دعامة إعلامية تعتبر الركيزة الأساسية لنجاح أي عمل إصلاحي

ج- ملف الموارد البشرية: وتطرق الى دراسة أحوالهم الشخصية وظروف عملهم وعلاواتهم وأجورهم وترقيتهم وتكوينهم في المسار المهني.

د – ملف الموارد المادية: ارتكز هذا الملف على ضرورة إدماج الوسائل المادية الضرورية لتنظيم العلاج الذي استدعى توازنًا بين الوسائل ومستوى النشاط.

ه – ملف التمويل: اهتم هذا الملف بتوسيع موارد وطرق التمويل للمستشفيات مع مراعاة إعادة النظر في التنظيم من ناحية التسيير المالي وحوكمته.

و – ملف اشتراك القطاعات: ترتبط نشاطات وزارة الصحة والسكان وإصلاح المستشفيات بالعديد من الوزارات والقطاعات الأخرى مثل وزارة المالية والعمل والحماية الاجتماعية والضمان الاجتماعي والأسرة والتضامن الوطني والتعليم العالي والتكوين المهني والجماعات المحلية والبيئة والصناعة والفلاحة والموارد المائية وغيرها؛ وعليه دعت الضرورة إلى ضمان الانسجام بين الصحة العامة والسياسات العمومية الأخرى، من خلال دمج كل الأنشطة القطاعية ذات الصلة بالصحة ضمن الإستراتيجية العامة للوزارة

تنفيذًا لملف الإصلاح. وسعيًا لتحقيق أهدافها، شرعت الوزارة في اعتماد تنظيم صحي جديد في شهر أيار2007، يقوم على فصل الاستشفاء عن العلاج والفحص، وهي نوع من اللامركزية هدفها تسهيل الوصول إلى العلاج وتقريب المستشفى أو المؤسسة الصحية من المواطن وتخفيف الضغط على المستشفيات، حيث تم استبدال القطاعات الصحية بمؤسستين هما: المؤسسة العمومية الاستشفائية، والمؤسسة العمومية للصحة الجوارية التي تشمل العيادات المتعددة الخدمات وقاعات العلاج. فما هي نتائج الإصلاح في مراحله الأولى مقارنة بالنتائج المسطرة؟

4 – نتائج النظام الصحي في ظلّ الإصلاح:

أـ المؤشرات الصحية:

إذا كانت التغطية الطبية تقارب المتوسط العالمي على المستوى الكلي، فعلى المستوى الجزئي هناك تفاوت كبير بين الولايات والجهات، مما يترجم سوء توزيع الأطباء وعدم التحكم في التوازن الجهوي:

جدول يمثل تطور المؤشرات الصحية من 1970 إلى 2009 بناء على الإحصائيات والمعطيات السابقة

التغطية الصحية/السنوات19701980199020002005200720082009
عدد الأسرة لـ ـ1000نسمة2,92,32,221,161,931,941,951,96
عدد السكان بالنسبة لكل طبيب عام75622193188711779698307861490
عدد السكان بالنسبة لكل طبيب مختص  308034642240208119802052
عدد السكان بالنسبة لكل صيدلي  1172562735389437140524341
عدد السكان بالنسبة لكل جراح اسنان5219211038347637613646319220253269
الأمل في الحياة عند الولادة52,657,467,372,574,675,776,176
نسبة النمو الديمغرافي3,373,212,491,481,691,861,91 
نسبة الوفيات الشاملة لكل 1000 نسمة16,4510,906,034,594,474,384,32 
نسبة وفيات الأمهات لكل 100000 نسمة500230215117,499,588,986,9481,4
نسبة وفيات الأطفال لكل 1000 نسمة14284,757,836,929,726,225,824,8

هذه المؤشرات تبرز بعض التحسن في الحالة الصحية بصفة عامة، خاصة ما تعلق بنسبة وفيات الأطفال والأمهات ومتوسط الأمل في الحياة، ولكنها لا تزال بعيدة عن المستوى المطلوب مقارنة بالإمكانيات المادية والمالية والبشرية التي سخرت لقطاع الصحة.

ابتداءً من عام 2013، قامت وزارة الصحة بعملية مسح دقيقة شملت كل المؤسسات الاستشفائية والمرافق الصحية عبر أرجاء الوطن بهدف حصر كل الاختلالات والنقائص التي يعاني منها قطاع الصحة والتي لطالما كانت مصدر إزعاج وعدم رضا المواطنين والسلطات العمومية والعاملين في الصحة على حد سواء، رغم الإمكانيات المادية الهائلة التي وضعتها الدولة تحت تصرف قطاع الصحة. (بيان لوزير الصحة أمام البرلمان، 2015)

كما تم اعتماد خريطة طريق شملت إعادة تنظيم “الحالات الطارئة” وتكوين وتثمين الموارد البشرية ومكافحة داء السرطان، وحل مشكلة ندرة المواد الصيدلانية واعتماد إستراتيجية تنظيمية لتوفير اللقاحات والأمصال من طرف معهد باستور، إضافة إلى إحداث إطار تشريعي وتنظيمي جديد يتماشى والتحولات الاجتماعية والاقتصادية التي تعرفها الجزائر. (حاروش، 2017)

ب- قانون الصحة 18- 11:

تماشيا مع سيرورة الإصلاحات تم إصدار قانون الصحة رقم 18- 11 عام 2018، يتضمن الأحكام والمبادئ الأساسية التي تهدف إلى تجـسيد حـقـوق وواجبات المواطنين مع احـترام كـرامة وحـرية المواطن في مجال الصحة، حيث تعمل الدولة على ضمان تجسيد الحق في الصحة كحق أساسي للإنسان على كل المستويات عبر انتشار القـطاع العمومي لتغطية كامل التراب الوطني. وبالمقابل تضمن الدولة مجانية العلاج، وتضمن الحصول عـليه لكل المواطنين عبر كامل التراب الوطني. أما مصادر تمويــــل المنظومة الصحـيــــــة فيكون من خلال مساهمة الدولة بالتركيز على مجال الوقاية، التكوين، البحث الطبي، والتكفل الصحي بالمعوزين والأشخاص الذين هم في وضع صعب، والضمان الاجتماعي، حيث تتكـفل هــيئاته بالتغطية المالية لمصاريف العلاج المقــدم للمؤمن لهم اجتماعـيًا وذوي حقـوقهم من طرف المؤسسات العمومية للصحة على أساس تعاقـــدي مع الـوزارة المكلــفة بالصحة. وتساهم الجماعات المحلية في تمويل الصحة في إطار برامج الاستثمار وبرامج الوقاية وحـفـظ الصحة والتـربية من أجل الصحة، وتساهم المؤسسات الاقـتصادية في تمويل الصحة في مجال طب العمل وتـرقية الصحة. والتــأمينات الاقـتصادية تـشارك بدورها في تمويل الصحة من خلال تعـويض مـصاريف التكـفـل الطبي خاصة تـلك المتعلقة بالأضـرار الجسدية ومنتجات الصحة الأخرى، مع إمكانية مساهمة المستـفيـديـن من العلاج في تمويل الصحة ضمن احتـرام أحكام القـانون.

5- المؤشرات الصحية لعام 2017

أ- في القطاع العام: العدد الإجمالي للمستشفيات في الجزائر 307 مستشفى، وهي: المراكز الاستشفائية الجامعية وعددها 16، والمؤسسات الاستشفائية المتخصصة وعددها 77، والمؤسسات العمومية الاستشفائية وعددها 205، والمؤسسات الاستشفائية وعددها بمجموع 67650 سرير، ما يمثل حوالي 1.63 سرير لكل ألف نسمة، وهي نسبة قليلة مقارنة بالمتوسط العالمي الذي يقارب سريرين لكل ألف نسمة. (Statistiques sanitaires , 2017)

ب- في القطاع الخاص: يشمل القطاع الصحي الخاص في الجزائر العديد من الهياكل الطبية ولكن دون تسميتها بالمستشفيات الخاصة، بالرغم من وجود بعض العيادات الطبية والجراحية التي تقوم بالاستشفاء. والأكثر من هذا، نجد أن صندوق الضمان الاجتماعي متعاقد مع بعض العيادات الطبية الجراحية المتخصصة مثلًا في جراحة القلب، حيث يوجّه المرضى المؤمنين اجتماعيًا، في حالة إصابتهم ببعض الأمراض القلبية، إلى هذه العيادات، ويتم التكفل بهم على حساب صندوق الضمان الاجتماعي. فكيف نسمي هذه العيادة بالتسمية الصحيحة؟ أليست هي مستشفيات بأتم معنى الكلمة؟!

  • عدد العيادات الطبية: 35
  • عدد العيادات الطبية الجراحية :261
  • عدد عيادات التشخيص: 38
  • عدد مراكز تصفية الدم: 158، متعاقدة مع صندوق الضمان الاجتماعي وتحتوي على 1847 كلية اصطناعية. (Statistiques sanitaires , 2017)
  • عدد المجمعات الطبية: 821
  • عدد عيادات Cabinet القطاع الخاص المتخصصة: 8795
  • عدد عيادات القطاع الخاص العامة: 7803
  • عدد عيادات الأسنان: 6952
  • عدد الصيدليات: 10516

6- الموارد البشرية (2017):

بلغ التعداد البشري في القطاع الصحي العمومي والشبه عمومي عند 31 ديسمبر 2017 عدد 246221 عاملًا يتوزعون على الأسلاك التالية:

أ- السلك الطبي في القطاع العام والشبه عمومي

عدد الأطباء: 52002

عدد أطباء الأسنان: 6928

عدد الصيادلة: 1596

ب- السلك الطبي في القطاع الخاص: ويشمل 39509 يتوزعون كما يلي

عدد الأطباء الأخصائيين: 13054

عدد الأطباء العاميين: 8557

عدد أطباء الأسنان: 7335

عدد الصيادلة: 10541

ج- السلك شبه الطبي:

المجموع الإجمالي للسك شبه الطبي في القطاعين العام وشبه العمومي يساوي:

الممرضون الحاصلون على شهادة دولة: 86694

الممرضون المؤهلون: 3267

المساعدون في التمريض: 37662

د- عدد العمال الإداريين وعمال الخدمات:

السلك الإداري: 26263

السلك التقني: 7405

عمال الخدمات: 33886

آخرون: 1475

المجموع العام يساوي: 69029

تشير المؤشرات والمعايير العالمية إلى بعض التناسب مثل عدد العمال الإجمالي، وعدد الأسرة، والمتعارف علية عالميا أنه كل سرير واحد يقابله ثلاثة أفراد، فهل الأمر كذلك في الجزائر؟

إن المجموع الكلي للعمال في القطاع الصحي العمومي والشبه العمومي في كل الأسلاك من أطباء وأطباء أسنان وصيادلة وممرضين وعمال الإدارات والمصالح يساوي 246221، مقابل 67650 سرير. وبمقارنة بسيطة نجد النسبة أكبر من ثلاثة أفراد للسرير الواحد (3.63 فردًا مقابل سرير واحد)، أي حوالي 43000 فرد خارج الحاجة، وهي بالتأكيد الفئات العمالية غير المختصة وأغلبهم من عمال الخدمات، لأن النسب الخاصة بالأطباء والممرضين مقبولة وتتوافق مع المعايير العالمية.

تشير الأرقام الخاصة بالوقاية من الأمراض المعدية كالحصبة والشلل والكزاز أن النسبة بحدود 95% وهي مقبولة عالميًا، إذ أن الجزائر تمكنت من القضاء على شلل الأطفال بحيث لم يتم اكتشاف أية حالة في السنوات الأخيرة.

7- مؤشرات الرعاية الصحية للمواطنين بين سنتي 2019-2023:

أشار تقرير المجلس الوطني الاقتصادي والاجتماعي والبيئي حول التنمية الاجتماعية والبشرية في الجزائر إلى تحسن ملحوظ في مؤشرات الرعاية الصحية للمواطنين بين سنتي 2019-2023 منها:

  • متوسط العمر المتوقع عند الولادة بلغ 77,2 سنة في 2022، ما سيسمح للجزائر بأن تصنف من بين البلدان ذات التنمية البشرية المرتفعة
  • معدل الوفيات لدى الأطفال أقل من سنة واحدة بلغ17,7 لكل 1000 ولادة حية في 2022
  • معدل وفيات الأطفال أقل من خمس سنوات بلغ 19,8 لكل 1000 ولادة حية
  • عدد الأطباء الممارسين في القطاع العمومي سنة 2022: 58945
  • عدد الأطباء الممارسين في القطاع الخاص سنة 2022: 49477
  • عدد الأطباء المتخصصين في القطاع العمومي سنة 2022: 21501
  • عدد الأطباء المتخصصين في القطاع الخاص سنة 2022: 18218

أ- التغطية الطبية سنة 2022:

  • طبيب متخصص لكل 1150 نسمة
  • طبيب عام لكل 1181 نسمة

ب- الهياكل الصحية:

  • عدد المؤسسات الاستشفائية العمومية: 235
  • عدد المؤسسات الاستشفائية المتخصصة: 91
  • المراكز الاستشفائية الجامعية: 16
  • العيادات الطبية الجراحية (الاستشفائية) في القطاع الخاص: 300

هناك تحسن في التغطية الطبية من سنة لأخرى مع تنامي وزيادة الهياكل الصحية خاصة في القطاع الخاص. وما يعاب على المنظومة الصحية الجزائرية هو عدم وجود التكامل والانسجام بين القطاعين العام والخاص، وكأننا في بلد بنظامين صحيين، بالرغم من التوصيات المقدمة في العديد من المحطات. والسبب الثاني الذي يحد من فعالية المنظومة الصحية بشقيها العام والخاص هو الجانب المالي والتعويض مقابل العلاج خاصة في القطاع الخاص لعدم وجود نظام تأمينات خاصة، فالمؤمن اجتماعيًا يدفع اشتراكات لصندوق الضمان الاجتماعي وهي إجبارية، وعندما يتحول الى العلاج في القطاع الخاص لعدم قدرة القطاع العام على توفير علاجه، يدفع مقابل العلاج عند الخواص ولا يمكن له التعويض!

ثالثًا: تقييم نتائج الإصلاح والبدائل والحلول الممكنة

شهد النظام الصحي في الجزائر في السنوات الأخيرة “تقدما ملموسا”، خاصة في مجال الوقاية من الأمراض المعدية الخطيرة ومكافحتها، وهو ما ذكرناه خلال هذه الدراسة كون السياسات الصحية بعد الاستقلال ركزت على الوقاية وأغلب البرامج والاستراتيجيات كانت موجهة للوقاية من الأمراض المعدية ومكافحتها من خلال حملات التلقيح والتوعية والنظافة والتزود بالمياه الصالحة للشرب والصرف الصحي وغيرها؛ وهو ما مكّن الجزائر من الحصول على ثلاث شهادات صادرة عن منظمة الصحة العالمية، تقديراً لجهودها في هذا المجال. وتتمثل هذه الشهادات في شهادة استئصال شلل الأطفال عام 2016، والكزاز لدى النساء الحوامل والأطفال حديثي الولادة عام 2018، والملاريا عام 2019. وتواصل الجزائر جهودها في هذا الاتجاه بهدف الحصول على شهادة أخرى “للقضاء على الحصبة والحصبة الألمانية والتراخوما”، وتحقيق أهداف الأمم المتحدة للألفية (2000-2015) في هذا المجال.  (https://www.aps.dz/sante)

لكن هذه النتائج المحققة لا يمكن اعتبارها الشجرة التي تغطي الغابة، فبعد مرور أكثر من عقدين من الزمن على عملية الإصلاح التي طالت المنظومة الصحية والتي كانت ضمن إصلاح هياكل ومهام الدولة، وبالرغم من بعض التحسن في مخرجات النظام، إلا أن النتائج المحققة لا تعكس الإمكانيات المسخرة ولم تبلغ بذلك الأهداف المسطرة، وحتى نؤكد هذا الكلام نقدم في هذا المحور بعض المؤشرات التي توحي بأن السلطات العمومية في الجزائر وفي أعلى هرم السلطة غير راضية بما حققه الإصلاح والخريطة الصحية؛ وهي بذلك تتجه نحو رسم خريطة صحية أخرى وإصلاح الإصلاح لعل وعسى أن يتجاوز هذه المرة خيبة وقصور الإصلاح الأول وأن يستفيد مصممو السياسة الصحية من الهفوات السابقة.

يمكن اعتبار  عام 2022 عام الإصلاحات الصحية في الجزائر وهو ما يقودنا إلى تأكيد طرحنا السابق والمتعلق بإصلاح الإصلاح الصادر بداية الألفية الثالثة؛ فبعد تلاشي فيروس كورونا وعودة الحياة الطبيعية، شهدت سنة 2022 انفراجًا في الأزمة الصحية، واستئناف القطاع الصحي لنشاطاته العادية، حيث عقد في شهر كانون الثاني من عام  2022 ملتقى وطني بالجزائر حول تجديد المنظومة الصحية، وقد التزم الرئيس الجزائري بتنفيذ توصيات هذا الملتقي، باعتبار أن القطاع غرق في مشاكل عديدة أساسها سوء التسيير، كما جاء على لسان الرئيس تبّون.  ونلمس هنا توفر الإرادة السياسية لتحسين الوضع الصحي، وقد أوصى المؤتمرون بضرورة عصرنة قطاع الصحة عن طريق “الرقمنة” ورفع جودة الخدمات والتكوين والارتقاء بالتسيير والمواد الصيدلانية، ويعد تجسيد هذه التوصيات ميدانيًا التحدي الأكبر.

يكاد يتفق الكل بأن المنظومة الصحية الجزائرية لا تلبي احتياجات المنتسبين إليها من أطباء وعمال، ولا متطلبات السكان في الخدمات الملائمة، كون القطاع يعاني من مشاكل مستعجلة وأخرى هيكلية تتعلق بالجوانب القانونية والتنظيمية تحول دون التقدم نحو الأمام؛ فالمشاكل المستعجلة تتمثل في إيجاد حلول لظروف العمل غير الملائمة وإعادة النظرة في سياسة الأجور المنفرة وغير المحفزة للأطباء، ما يدفعهم للهجرة، حيث نجح ما يقارب 1200 طبيب جزائري عام 2022 في مسابقة معادلة الشهادة، مما أتاح لهم الانتقال للعمل في المستشفيات الفرنسية. وعليه فإن الآثار السلبية لظاهرة هجرة الأطباء تتمثل في حرمان الجزائر من الاستفادة من خبرات ومؤهلات هذه الكفاءات في مجال التنمية الصحية ومنها التنمية الاقتصادية والاجتماعية. فالمكاسب التي ستجنيها الدول المتقدمة الجاذبة هي نفسها وبصورة عكسية تمثل الخسائر التي تمنى بها الجزائر الدولة الطاردة.

شهد عام 2022 كذلك انطلاقة حقيقية للاستثمار الوطني في مجالات على قدر من الأهمية، فكان الموعد مع ميلاد مصانع وشركات جزائرية كبيرة في مجال إنتاج الأدوية المضادة للسرطان، وإعادة بعث أخرى ظلّت متوقفة عن النشاط لسنوات، كما تم التمهيد لانطلاق إنتاج وطني في مجال لقاح الأطفال والأنسولين بإعادة مكانة مجمع “صيدال” العمومي. (خلاص، 2023)

كما شكّل الإعلان عن مشروع المستشفى الجزائري القطري الألماني أحد أكبر الانجازات المعلن عنها خلال عام 2022، فقد أكّد الرئيس تبون أن الهدف من إنشاء هذا الصرح الطبي هو التكفل بمعظم الحالات المرضية والعمليات الجراحية، خاصة المستعصية منها، التي كانت تتطلب التحويل إلى الخارج. ومن المنتظر أن يوفّر هذا المستشفى، الذي يستوفي المعايير الدولية في مجال الهندسة الاستشفائية و”المناجمنت” أي الإدارة، 400 سرير. وكذا إعادة تفعيل الشراكة بين الجزائر وكوبا في مجال الصحة بعد أن عرفت نوعًا من التأخر بسبب الوضعية الصحية الناجمة عن تفشي جائحة كوفيد-19 عبر العالم.

من الناحية المالية كشف وزير الصحة أن قطاعه استفاد، في إطار مشروع قانون المالية لسنة 2023، من غلاف مالي يفوق 61 مليار دج، أي بزيادة تقدر ب 14% مقارنة بالسنة الماضية، خصص لإنجاز مشاريع جديدة وإعادة تقييم أخرى حيز التنفيذ. وأكد الوزير أنه يتم حاليًا دراسة ورقة طريق تهدف إلى النهوض بالقطاع، سيما ما يتعلق بتوفير خدمات صحية تضمن تكفلًا نوعيًا بالمواطن وكذا تأهيل العنصر البشري.

من الناحية التنظيمية والتشريعية صدر في العدد 72 من الجريدة الرسمية المؤرخة في 31 تشرين الأول عام 2022 المرسوم التنفيذي رقم 22-373 المؤرخ في 27/10/2022، الذي يحدد كيفيات إعداد الخريطة الصحية وتقييمها وتحيينها. وبناء عليه، أعلنت وزارة الصحة عن تبني القطاع آليات جديدة في التسيير والتخطيط والتي تدخل في إطار عصرنة وتحديث المرافق العمومية. فاعتماد الخريطة الصحية حسب الوزارة يعود الى العوامل التالية: تبني التخطيط الصحي كآلية لتطوير المنظومة الصحية في مختلف المجالات؛ احترام الخطوط التوجيهية المنبثقة من المخطط الوطني لتهيئة الإقليم؛ وتقليص الفوارق الجهوية في التغطية الصحية؛ والعقلنة والتحكم في استعمال النفقات العمومية؛ والتكيف مع الانتقالات الوبائية والديمغرافية والبيئية.

وتعدّ الخريطة الصحية، على الصعيد الوطني والجهوي والولائي، حسب مقاييس تأخذ بعين الاعتبار، على الخصوص ما يأتي: التقسيم الصحي؛ الحوض السكاني وآفاقه في التطور خلال السنوات العشر التالية، انطلاقًا من آخر إحصاء عام للسكان؛ الاحتياجات الصحية للسكان؛ الخـصائص الديموغرافية والوبائية والجغرافية والاجتماعية الاقتصادية والبيئية والمناخية؛ توجيهات المخطط الوطني لتهـيئة الإقليم.

يمكن اعتبار هذه الخريطة الصحية، وثيقة مرجعية لرسم السياسة الصحية، وقد رأينا أن الجزائر عمدت الى العديد من الخرائط الصحية عبر المراحل التي عرفتها المنظومة الصحية، وهذا الأمر مقبول نتيجة التحولات والتغيرات الاجتماعية والوبائية والديمغرافية والاقتصادية والبيئية التي تطرأ على المجتمع، لأن ما كان مناسبًا بالأمس لم يعد كذلك اليوم ولن يكون مناسبًا غدًا، فتحيين ومواءمة الخريطة الصحية أمر ايجابي كلما دعت الضرورة لذلك. لكن ما يعاب على المنظومة الصحية في الجزائر وخرائطها أنها لا تطبق ولا تنفذ مضمون الخريطة الأولى وتلجأ إلى صياغة خريطة ثانية وهكذا.. وفي النهاية نجد أنفسنا في حلقة مفرغة وبدون مخرج مع ضياع الوقت والجهد والمال.

على الرغم من الإصلاحات والجلسات والخرائط التي عرفها عام 2022 لإصلاح المنظومة الصحية في الجزائر، إلا أن هناك مشاريع وورشات أخرى لم يتم إدراجها ولا التفكير فيها وهي ما نقدمها كحلول وبدائل في هذه الورقة، ولكن قبل ذلك ارتأينا التنويه بالهيئات التي أنشأتها الجزائر خاصة بعد تفشي فيروس كورونا المستجد، ونقصد بها الوكالة الوطنية للأمن الصحي.

لعل أهم هيئة أنشأتها الجزائر لمواجهة الأزمات الصحية والأوبئة وتحقيق الأمن الصحي لأفراد المجتمع هي الوكالة الوطنية للأمن الصحي (المـــرسوم الرئاسي رقم 20–158 ، 2020)، حيث أنشئت في شهر حزيران 2020، وأوكلت لها صلاحيات وأدوار في مجال الأمن الصحي، وفي مجال إصلاح المنظومة الوطنية للصحة. وتتمثل هذه الأدوار عمومًا في إعداد تقرير سنوي وتقارير خاصة كلما اقتضت الحاجة ورفعها الى رئيس الجمهورية لإعلامه بالحالة الصحية للسكان، والمؤشرات المتعلقة بالمخاطر الصحية الرئيسية التي يمكن أن تتعرض لها البلاد. زيادة على ذلك، وظيفة المستشار العلمي لرئيس الجــمــهورية في مجــال الأمــن الصـحي واستراتيجيات إصلاح المنظومة الوطنية للصحة والبرامج الوطنية للصحة العمومية، كما تقوم الوكالة بالتنسيق مع وزارة الصحة بتنظيم ملتقيات علمية حول الأمن الصحي.

1-  حلول وبدائل إصلاح المنظومة الصحية في الجزائر:

أ- رسم سياسة صحية فعالة:

إن تشخيص الداء يعد أساسيًا في عملية التقويم والعلاج، ومن هنا يجب دراسة المشكلات الآتية:

  • مشكلات تخص النظام الصحي في حد ذاته، أي مكونات النظام ونعتبرها مشكلات داخلية
  • مشكلات تخص البيئة التي يعيش فيها النظام، وتتمثل في مختلف العلاقات، سواء كانت مباشرة أو غير مباشرة مع مكونات المحيط
  • مشكلات تخص رسم السياسة الصحية وتحديد الاستراتيجيات البعيدة المدى، بغض النظر عن تغير البرامج السياسية والحكومات المتباينة

فالمشكلات الداخلية تتمثل في عدم وجود ارتباط بين الأطر الفنية أو التقنية المتمثلة في السلك الطبي والشبه الطبي، والطاقم الإداري من خلال ضعف تسيير المؤسسات الصحية. حيث يتصف الطاقم الإداري بالضعف في التسيير الإداري وذلك لعدم وجود تكوين مختص في تسيير الوحدات الصحية، بالرغم من البرامج التكوينية التي بادرت بها المدرسة الوطنية “للمناجمنت” والإدارة الصحية، كدورات التكوين المتواصل (المرسوم التنفيذي رقم 96-92 -1996) في الإدارة العامة، وإدارة الموارد البشرية، وتسيير المصالح الاقتصادية، والمحاسبة التحليلية، وتكوين ما بعد التدرج المتخصص في إدارة أعمال المنظمات الصحية المتوقف حاليًا؛ بالإضافة إلى التكوين المتخصص للمتصرفين الرئيسيين للمصالح الصحية. فما يعاب على هذا التكوين الأخير، والذي عوض التكوين المتخصص الذي كانت تقوم به المدرسة الوطنية للإدارة، كون المدرسة ليس لديها أساتذة دائمين وتعتمد في عملية التكوين على التعاقد والتعاون مع بعض الأساتذة، وهم نوعان: أساتذة جامعيين يقدمون دروس نظرية أكاديمية وفق منهجية علمية ويفتقرون للخبرة المهنية في مجال الإدارة الصحية، ونوع آخر من الأساتذة ليس لديهم تكوين أكاديمي ولكنهم يتمتعون بخبرة مهنية في مجال الإدارة الصحية. ومنه نلاحظ نوع من الاختلال والنقص وبالتالي مخرجات التكوين لا ينتظر منها التغيير المرغوب، علمًا أن مسار التكوين وصل حاليًا إلى الدفعة الحادية عشر ومدة التكوين سنتين بين النظري والتربصات الميدانية، إضافًة على ذلك فالمدرسة تابعة لوزارة الصحة وليس لها صبغة جامعية.

أما بشأن المشكلات الخارجية فيمكن ضبطها في عدم التوازن في توزيع المراكز الصحية وهذا بحكم ضعف التخطيط العلمي، مع غياب التوزيع العادل والعقلاني للأطباء خاصة في المناطق النائية المحرومة، وعدم تماشي البرامج التعليمية في مجال تكوين الأطباء مع السياسة الصحية، بحيث نلاحظ أن المحور الأساسي فيها هو الوقاية، لكن تكوين الأطباء يقصد به العلاج وليس الوقاية. زيادًة على هذا، بروز المشكلات التمويلية التي أثقلت كاهل الدولة وكيفية تسديدها، بل إن ترشيد النفقات الصحية يجب أن يمر كذلك على الطبيب، وبالتالي تكوينهم في هذا المجال، ومشكلة صيانة العتاد وبقاء التبعية للغير، لغياب تكنولوجية محلية ملائمة، وعدم وجود تنسيق وتكامل بين وزارة الصحة والهيئات الأخرى المعنـية بالشـؤون الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والدينية.. لأن مشكلة الصحة ليست مشكلة وزارة الصحة فقط، بل تهم المجتمع برمته.

ب- آليات تحقيق التنمية الصحية:

التنمية الصحية هي أساس بناء المجتمعات واستقرارها الاجتماعي والاقتصادي، وبالتالي فهي جزء لا يتجزأ من التنمية الاجتماعية والاقتصادية، ولئن كانت الصحة غاية من غايات التنمية، فإن التنمية نفسها تتوقف على الصحة، وهل يمكن تصور مجتمع قوي في اقتصاده هزيل، سقيم في مجتمعه؟! ولطالما حثت منظمة الصحة العالمية الدول للمضي قدمًا نحو تحقيق التنمية الصحية؛ لذا فالعمل على مضاعفة الهياكل الصحية من خلال المشاريع والبرامج التي هي قيد الإنجاز، وترميم وتأهيل تلك القائمة لتتماشى مع متطلبات المجتمع الصحية وتطلعاته، وفتح الاستثمار في المجال الصحي والاستشفائي أمام القطاع الخاص المحلي والأجنبي من شأنه تحقيق الهدف، مع الـتأكيد على العناصر التالية:

  • التوزيع العادل والمتوازن للأطباء
  • تدعيم التأطير للتكفل بالانتقال الوبائي الذي يعرفه المجتمع الجزائري
  • تنفيذ الخارطة الصحية الجديدة قصد ترشيد التغطية الصحية
  • إصلاح منظومة تسيير وترقية الأدوية الجنسية ومحاربة الأدوية المزيفة
  • تفعيل القطاع الصحي الخاص وجعله مكملًا للقطاع العمومي
  • تمويل البحث العلمي في المجال الصحي خاصة ما تعلق بالمواضيع الصحية الإستراتيجية
  • تكوين قيادة إدارية قادرة على مسايرة أنظمة وأساليب إدارة المستشفيات وفق الرؤية الحديثة القائمة على الجودة والتميز

ج- تطبيق برامج جودة الخدمات الصحية وسلامتها:

لا يمكن للجزائر أن تبقى بعيدة عن تطبيق أساليب الإدارة الحديثة ممثلة في إدارة الجودة الشاملة في مؤسساتها الصحية، فبعدما حققت الكم، آن الأوان للالتفات الى نوعية هذه الخدمات، وعليه فالاشتراك الطوعي والواعي لكل مسؤولي المرافق الصحية في برامج الجودة والتميز وكذا البحث عن معايير اعتماد المستشفيات والمرافق الصحية الجزائرية أصبح أكثر من ضرورة. مع الإشارة إلى أن العديد من المستشفيات، خاصة المراكز الاستشفائية الجامعية، قديمة جدًا، ويعود بناءها إلى العهد الاستعماري، وأغلبها لم يصمم كمستشفى بل كانت عبارة عن ثكنات عسكرية ثم حوّلت الى مستشفيات ولا تزال إلى يومنا هذا. وللأمانة لا يمكن لهذه المستشفيات تطبيق برامج الجودة والاعتمادية فيها لأنها صممت قبل ظهور معايير ومقاييس الجودة وبرامجها، وبالتالي فمن الناحية المادية فهي لا تستجيب لهذه المعايير، لذا يجب توجيه وتطبيق برامج الجودة في المستشفيات التي تتوفر فيها المعايير أو بناء مستشفيات جديدة تتماشي معها.

اندمجت العديد من المستشفيات في الدول العربية في مجال الجودة والاعتمادية وحققت نتائج باهرة، لذا فالجزائر مضطرة ومجبرة على الانخراط في هذا المسعى في اختيار برامج الجودة التي تتلاءم مع البيئة الجزائرية، والبداية تكون كما يلي:

  • وضع الإستراتيجية الممكنة لتحسين وتأمين نوعية الخدمة وسلامتها
  • وضع الجودة المناسبة وسلامتها كهدف أساسي للاستراتيجيات الوطنية في تطبيق الرعاية الصحية
  • وضع معايير الأداء لضمان الجودة في المرافق الصحية
  • توزيع الإمكانيات المتوفرة، المادية والمالية والبشرية بشكل عادل
  • تصميم وسائل جيدة للإدارة والتقويم والإشراف
  • البدء في تطبيق أبعاد الجودة في بعض المناطق ثم تعمم
  • من الضروري إنشاء مجلس وإدارة للجودة في القطاع الصحي في كافة مستوياته
  • عقد الندوات وحلقات الدراسة وجلسات للمناقشة
  • إيجاد الطرق والمعايير لقياس الجودة مع إشراك الجميع
  • وضع أنشطة التدريب للمعلمين في مدارس الصحة والمعاهد ومدراء المؤسسات الصحية
  • القيادة الكفؤة والالتزام الفاعل المستمر عنصران مهمان لا يستغني عنهما أي نشاط من أنشطة الجودة في القطاع الصحي، بل لا معنى لبرنامج الجودة بدونهما

د- الإصلاح التشريعي:

تمّ إصدار الدستور الجديد عام 2020 وجاءت المادة المتعلقة بالصحة كما يلي:

تسهر الدولة على تمكين المواطن من:

  • الحصول على ماء الشرب، وتعمل على المحافظة عليه للأجيال القادمة
  • الرعاية الصحية، لاسيما للأشخاص المعوزين، والوقاية من الأمراض المعدية والوبائية ومكافحتها
  • الحصول على سكن، لاسيما للفئات المحرومة

لا بد من ضرورة التأكيد على الإصلاح التشريعي من خلال الدستور ووضع مادة صريحة وواضحة تبين دور الدولة ومختلف الفاعلين الذين يشاركون في تقديم الرعاية الصحية وطبيعتها وتمويلها؛ فالحق في الصحة يجب أن يقترن بكيفيات التجسيد والحصول عليه، والفصل في مجانية العلاج من عدمه دستوريًا وليس قانونيًا، مع تحديد شكل النظام الصحي بإدماج القطاع العام والقطاع الخاص والشبه عمومي، حيث يتم التكامل بينهم، وتكون اليد الطويلة للدولة من حيث التوجيه والتنظيم والمراقبة، مع الإشارة لفتح المجال أمام الخواص فيما يتعلق بالتأمين الصحي وإزالة احتكار صندوق الضمان الاجتماعي للتأمينات الصحية، لأنه لا يعقل وجود قطاع خاص ضخم من حيث الموارد البشرية والهياكل الصحية ولا توجد تأمينات خاصة تصاحبه. هذه مفارقة عجيبة لا تحدث إلا في الجزائر، وهي شبيهة بالنشاط التكميلي الذي يسمح للأخصائيين الطبيين العمل في بعض الأوقات عند الخواص وهم في نفس الوقت يعملون في القطاع العمومي، وهو عمل تمييزي يفضل فئة من العمال على فئات أخرى علمًا أن الدستور يمنع التمييز بين العمال والجمع بين وظيفتين، وفي الأخير وضع الأسس القانونية والتنظيمية للانتقال إلى الأساليب الإدارية الحديثة على شاكلة إدارة الجودة الشاملة واعتماد المستشفيات العمومية والخاصة بنص دستوري صريح، يخلصنا من الأساليب الإدارية التقليدية الممارسة حاليًا في مستشفياتنا..

خاتمة:

مرت المنظومة الصحية في الجزائر بالعديد من المحطات عرفت فيها نجاحات وانتكاسات، وتخللها برامج وسياسات ومخططات وخرائط وإصلاحات، وكان الهدف من وراء ذلك في كل مرة تجسيد الحق في الصحة وضمانه من خلال نشر وتوسيع الهياكل الصحية عبر ربوع الوطن وتوزيع العاملين في الصحة توزيعًا عادلًا وتوفير الإمكانيات المالية والمادية لتحقيق الحق في الصحة.

من بين النتائج التي تُحسب للمنظومة الصحية في الجزائر القضاء على بعض الأمراض المعدية والتي كانت سببًا مباشرة في ارتفاع نسبة الوفيات عند الأطفال، وتحقق ذلك من خلال البرامج الوقائية التي سطرتها الجزائر منذ الاستقلال إلى يومنا هذا. وقد ترجمت هذه النتائج بحصول الجزائر على شهادات من قِبل منظمة الصحة العالمية كاعتراف لها بهذا المجهود.

لكن، وبالنظر للإمكانيات المادية والبشرية والمالية التي سخرتها الجزائر عبر المراحل التي مرت بها المنظومة الصحية، ومقارنة بالنتائج المحققة فإن هذه الأخيرة لا تعكس الإمكانيات المسخرة ويعود ذلك لعدد من الأسباب، لعل أبرزها الجوانب التنظيمية والإدارية والهيكلية والمالية والتشريعية والبشرية. وقد عمدت الجزائر في كل مرة إلى وضع خريطة صحية قصد تجاوز إخفاقات المرحلة السابقة والقيام بإصلاحات لعل وعسى تحقق الأهداف المسطرة، لكل في كل مرة تجد المنظومة الصحية نفسها في مرحلة الصفر أو مرحلة الانطلاقة. وعلى هذا الأساس يمكن اعتبار الإصلاحات الصحية في الجزائر في كل مرة بإصلاح الإصلاح، وهي النتائج الجوهرية التي تم الوصول إليها والتي تتوافق مع الدراسات السابقة التي تمت الإشارة إليها في مقدمة هذه الورقة.

توصيات الدراسة:

  • الاهتمام بالعوامل الاجتماعية والاقتصادية والثقافية التي تؤثر على الصحة والرفاهية العامة، بالإضافة إلى ضرورة تعزيز الوعي الصحي وتشجيع الأفراد على المحافظة على صحتهم العامة
  • ضرورة الاهتمام بالمورد البشري من حيث تكوينه وتأهيله والاستثمار فيه، وهو ما تؤكد عليه منظمة الصحة العالمية ضمن إستراتيجيتها للموارد البشرية الصحية الممتدة الى آفاق عام 2030

·       إدارة الجودة الشاملة في مجال الرعاية الصحية أمر أساسي واستراتيجي كونها تجعل من الممكن تقليل مخاطر العدوى الاستشفائية وتقليل التكاليف غير الضرورية

  • تعد الحوافز المادية كالأجور والرواتب أحد أسباب هجرة الأطباء، لذا من الضروري إعادة النظر في سلم الرواتب الحالي، مع توفير بيئة مناسبة للعمل تتوفر على المعدات والأجهزة الحديثة والأدوية وغيرها
  • اعتماد وتعميم نظام التعاقد بين المؤسسات الصحية العمومية والخاصة والضمان الاجتماعي
  • تفعيل تطبيقات “الرقمنة” بالمؤسسة الصحية كونها ضرورة وحتمية لمتطلبات التغير الاجتماعي، وكنموذج يحدد مستويات الأداء الوظيفي والذي ينعكس بصورة مباشرة على جودة الخدمات الصحية
  • تعزيز الشبكات الاتصالية الداخلية والخارجية لكسب الوقت والفعالية وتسيير الخدمات الصحية والنفقات ومختلف نشاطات التنظيم.

كتب ذات صلة:

الصحة العامة في الوطن العربي

الفرص الضائعة مع عبد العزيز بوتفليقة

المصادر:

نور الدين حاروش: كلية العلوم السياسية والعلاقات الدولية- جامعة الجزائر 3.

قائمة المراجع:

باللغة العربية:

  1. حاروش، نورالدين، الإدارة الصحية، دراسة مقارنة بين النظام الصحي الجزائري والأردني، (الجزائر: دار الأمة للنشر والتوزيع.)، 2017
  2. حاروش، نورالدين، الإدارة الصحية وفق متطلبات الجودة الشاملة، (عمان،دار الثقافة للنشر والتوزيع)، 2012,
  3. حاروش، نورالدين، إدارة المستشفيات العمومية الجزائرية، ط1، (الجزائر، دار كتامة للكتاب)، 2009
  4. الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية، وزارة الصحة و السكان، إصلاح النظام الوطني للصحة، تقرير عن المؤتمرات والحلقات الدراسية، (الجزائر: ديسمبر 1990.)
  5. ج ج د ش، الأمر رقم 73-65 المؤرخ في 28/12/1973 م المتعلق بإنشاء الطب المجاني في القطاعات الصحية، الجريدة الرسمية، العدد 1، الصادرة بتاريخ 1جانفي 1974م
  6. ج ج د ش، جبهة التحرير الوطني، الدستور 1976
  7. ج ج د ش، المرسوم التنفيذي رقم86-25 مؤرخ في 2 جمادى الثانية 1406هـ، الموافق لـ11/02/1986م المتضمن القانون الأساسي النموذجي للمراكز الإستشفائية الجامعية، الجريدة الرسمية، العدد 6، الصادرة بتاريخ 3جمادى الثانية 1406هـ، الموافق لـ 12 فيفري 1986.
  8. ج ج د ش، وزارة الصحة والسكان، المنشور الوزاري رقم1 المؤرخ في 08 أفريل 1995م، المتضمن مساهمة المرضى في نفقات الإطعام والإيواء داخل المستشفى.
  9. ج ج د ش، المرسوم الرئاسي رقم 2000 ـ 372 المؤرخ في 22 نوفمبر 2000، يتضمن إحداث لجنة إصلاح هياكل ومهام الدولة، الجريدة الرسمية: العدد 71  الصادرة يوم 26/11/2000
  10. ج ج د ش، وزارة الصحة والسكان وإصلاح المستشفيات، المجلس الوطني لإصلاح المستشفيات، تقرير تمهيدي للمجلس الوطني لإصلاح المستشفيات الأولويات والأنشطة المستعجلة، الجزائر يوم 17 جانفي 2003.
  11. ج ج د ش، وزارة الصحة والسكان: المجلس الوطني لإصلاح المستشفيات، تقرير تمهيدي للمجلس الوطني لإصلاح المستشفيات، الأولويات والأنشطة المستعجلة، الجزائر 17جانفي 2003
  12. ج ج د ش ، تحديات ورهانات السياسة الصحية في الجزائر، بيان لوزير الصحة أمام البرلمان، 2015
  13. ج ج د ش، الديوان الوطني للإحصائيات،حوصلة إحصائيات، 1962 ـ 2020، الفصل 5.
  14. ج ج د ش، المرسوم التنفيذي رقم 22-373 المؤرخ في 27/10/2022 الذي يحدد كيفيات إعداد الخريطة الصحية وتقييمها وتحيينها، الجريدة الرسمية: العدد 72، الصدارة يوم 31/10/2022.
  15. ج ج د ش، قانون رقم10/02 مؤرخ في 16 رجب 1431 هـ الموافق لــ29 يونيو 2010، يتضمن المصادقة على المخطط الوطني لتهيئة الإقليم، الجريدة الرسمية: العدد 61، الصادرة يوم 21 اكتوبر 2010.
  16. ج ج د ش ، المـــرسوم الرئاسي رقم 20–158المؤرخ في  21شوال عام  1441 الموافق 13 جويلية سنة 2020 ، يتضمن إنشاء الوكالة الوطنية للأمن الصحي، 2022.
  17. ج ج د ش ، المرسوم التنفيذي رقم 96-92 المؤرخ في 14 شوال 1416هـ الموافق لـ 03 مارس 1996، المتعلق بتكوين الموظفين وتحسين مستواهم وتجديد معلوماتهم. الجريدة الرسمية، العدد 16، الصادرة بتاريخ 17 شوال 1416ه الموافق ل 6 مارس 1996م،
  18. ذهبية صيفي، السياسة الصحية في الجزائر وتجربة الإصلاح: دراسة ميدانية بالمؤسسة الاستشفائية والمؤسسة العمومية للصحة الجوارية لزرالدة، أطروحة دكتوراه، جامعة الجزائر2، كلية العلوم الاجتماعية، قسم علم الاجتماع والديمغرافيا، 2017/2018
  19. كريمة خلاص، 2022 عام الإصلاحات الصحية في الجزائر، الرقمنة والعصرنة والنظام التعاقدي أهم التحدّيات، https://www.echoroukonline.com/2022 تاريخ الاطلاع الثلاثاء, 06 جوان 2023

باللغة الفرنسية:

  1. R A D P, Décret n° 69-96 du 08 juillet 1969 relatif au traitement obligatoire et gratuit de la tuberculose, journal officiel, n° 59, du 11 juillet 1969
  2. R A D P, Ministère de la santé, séminaire sur le développement d’un système de santé, 1985
  3. HENNI Mustapha, la question de l’habitat en Algérie , Aspects économiques, Magister en sciences économiques, Université d’Alger:   Institut    des     sciences économiques, 1982..
  4. R A D P, Ministère de la santé, Direction de la planification, Statistiques sanitaires, Année 1998, Aout 1999.
  5. O .M.S, Rapport sur la santé dans le monde 1999, pour un réel changement, Genève :1999
  6. R A D P , Ministère de la Santé de la population et de la Réforme hospitalière, Direction des études et de la planification, Statistique sanitaire, 2014 .
  7. R A D P , Ministère de la Santé de la population et de la Réforme hospitalière, Direction des études et de la planification, Statistique sanitaire, 2017 .

المواقع الإلكترونية

https://www.albankaldawli.org/ar/news/feature

https://ar.knoema.com/atlas

https://www.thearabhospital.co


مركز دراسات الوحدة العربية

فكرة تأسيس مركز للدراسات من جانب نخبة واسعة من المثقفين العرب في سبعينيات القرن الماضي كمشروع فكري وبحثي متخصص في قضايا الوحدة العربية

مقالات الكاتب
مركز دراسات الوحدة العربية
بدعمكم نستمر

إدعم مركز دراسات الوحدة العربية

ينتظر المركز من أصدقائه وقرائه ومحبِّيه في هذه المرحلة الوقوف إلى جانبه من خلال طلب منشوراته وتسديد ثمنها بالعملة الصعبة نقداً، أو حتى تقديم بعض التبرعات النقدية لتعزيز قدرته على الصمود والاستمرار في مسيرته العلمية والبحثية المستقلة والموضوعية والملتزمة بقضايا الأرض والإنسان في مختلف أرجاء الوطن العربي.

إدعم المركز