مقدمة

يمثل العنف أحد أهم الأبعاد والأفكار السياسية التي ثار حولها الجدل والنقاش والنقد في الفكر السياسي اليهودي المعاصر. ولعل العنف من أكثر الأفكار نقدًا وجدلًا لما له من آثار سياسية واجتماعية واقتصادية. ولأن الأيديولوجيا الصهيونية ذات طبيعة عنفية، ويمثل العنف الحلقة المركزية في منظومتها الفكرية، كان الفكر السياسي اليهودي بشقَّيه العلماني والديني يستحضر المخزون الأخلاقي لليهودية في نقد عنف الصهيونية. كما أن الصهيونية تستحضر التراث اليهودي، بما فيه الدين، لبناء منظومة فقهية ترتكز على العنف، هذا هو مكمن النقد الذي أثاره، ويثيره، الفكر السياسي اليهودي المعاصر. وبناءً على ذلك تطرح التساؤلات الاتية:

1 – هل تعرَّض العنف للنقد الفكري والمنهجي من الفكر السياسي اليهودي المعاصر؟

2 – ما العلاقة الجدلية التي تربط اليهودية بوصفها ديانة بالعنف؟

3 – هل تنطوي الديانة اليهودية على عناصر تبرر للعنف؟

4 – كيف نظّر المفكرون اليهود لنقد العنف؟

وعليه، تنطلق فرضية الدراسة من فكرة مفادها أن فكرة العنف تعرضت للنقد الفكري المنهجي من المفكرين اليهود المعاصرين، ويتمخض عن هذا النقد جدلية العلاقة بين العنف واليهودية، التي تنطوي على رؤيتين: واحدة ترى أن اليهودية تؤسس للعنف وتبرر له، والثانية تنفي أصل وجود العنف في اليهودية، وهذه الرؤية ترتكز على الجانب المقاصدي الأخلاقي لليهودية. كما نقد المفكرون اليهود مرتكزات وأسس العنف في الفكر الصهيوني.

للتحقق من صحة الفرضية اعتمد البحث المنهج التحليلي للوصول إلى تحليل فكري معاصر للعنف في الفكر السياسي اليهودي المعاصر، فضلًا عن المنهج المقارن الذي استُعمل في مقارنة الأفكار السياسية التي ناقشت فكرة العنف.

أولًا نقد أصل العنف في الفكر السياسي اليهودي المعاصر

لعل نقد الأصل الفكري للعنف يحظى باهتمام يهودي بالغ، ويمثل المرتكز الأساسي الذي ينطلق منه الفكر السياسي اليهودي المعاصر في نقده للعنف في الفكر الصهيوني. على هذا الأساس سنناقش في هذا المبحث نقد أصل العنف، وجدلية اليهودية والعنف.

1 – نقد أصل فكرة العنف

ينطوي نقد العنف في الفكر السياسي اليهودي المعاصر على رفض العنف والتشكيك في ما يأتي به من نتائج على الجماعة اليهودية وحاضرها ومستقبلها، فها هو سلافوي جيجك، وفي إطار نقده للعنف، يرى أن اليهود من سيدفع، في النهاية، ثمن الأفكار والسياسات الأصولية العرقية المتطرفة، التي ستدفع اليهود – الذين أزعمُ أنهم أكثر المجموعات إبداعًا وإنتاجًا فكريًّا في العالم – نحو التحوّل إلى مجرد مجموعة عرقية أخرى لا تتوقُ إلا إلى أيديولوجيا الدم والأرض الخاصة بها (الصهيونية)‏[1]. ويرى جاك دَريدا أن مفهوم العنف ينتمي إلى النظام الرمزي لكل من القانون والسياسة والأخلاق (وكل أشكالها أو ممارستها أو السعي إلى امتلاكها على الأقل)، ولا يمكن نقد العنف إلا في هذه الحدود‏[2]. أي أن دريدا يخرج العنف الصهيوني من رمزيته اليهودية. وتحاول حنة أرنت – كما دَريدا – أن تنقل السلوك الإرهابي واستعمال العنف من المستوى الفردي إلى المستوى الاجتماعي، لأن غاية الإرهاب والعنف ونتائجه هي ذات معان اجتماعية بحتة؛ وهي تعتقد أن الإرهاب من حيث كونه تحقيقًا لقانون حركة لا تكمن غايتها القصوى في رفاه البشر ولا في صالح رجل فردٍ إنما في إنتاج جنس بشري في ذاته، من شأنه أن يلغي الفرد لمصلحة النوع فيضحي بـ «الأجزاء» في سبيل مصلحة الكل‏[3]. بهذا المعنى تلصق أرنت العنف بالفكر القومي الضيق وتبرئ الدين اليهودي من التأسيس للعنف. تجادل أرنت في كتابها عن العنف، بأن منحى العنف الموجه ضد الأعراق أو الصراع بين الأعراق يتميز بوصفه عنفًا غير عقلاني، وهو نتيجة مباشرة للعنصرية؛ إنه أكثر أنواع العنف دمارًا وقتًلا‏[4]. يشاطر جاك دَريدا رؤية أرنت ويعتقد أن العنف في الفكر اليهودي – وتحديدًا الفكر الصهيوني المعاصر – متأصل في أسطورة النقاء العرقي اليهودي‏[5].

كما يجادل نعوم تشومسكي في أن فكرة تأسيس دولة يهودية ليست إلا ظاهرة شاذة وغريبة، لأنها لم تحدث في مكان آخر من العالم، كما أن تأسيسها ارتكز على الصهيونية والعنف‏[6]. فلا انفكاك بين العنف والصهيونية، وأن المشروع الصهيوني المعاصر، كما يرى إيلان بابيه، يهدف في الدرجة الأساس إلى تفكيك الوجود الفلسطيني من طريق العنف أو غيره، وتفكيك الشعب الفلسطيني إلى مجموعات يتم التعامل مع كل جزء منها على وفق سياسة إسرائيلية مختلفة‏[7].

يعود تشومسكي ليؤكد أن إرهاب الدولة استراتيجية عملت عليها الصهيونية في تحقيق أهدافها، إذ لا يمكن الصهيونية تحقيق أهدافها من دون إرهاب أو عنف‏[8]. وتتساءل جوديث بتلر تساؤلًا ينطوي على نقد العنف في بنية الفكر اليهودي المعاصر: ماذا ستكون «إسرائيل» من دون ممارسة القهر والعنف تجاه الفلسطينيين، نحن نطرح سؤالًا يؤكد أنه لا مجال للتفكير في «إسرائيل» كما نعرفها من دون ذلك العنف، من دون ذلك العنف والقهر شيء آخر غير «إسرائيل» سيظهر، لكن هل يمكن التفكير في ذلك، أيًّا كان، فهو ليس تدمير الشعب اليهودي بل الأحرى تفكيك بنية السيادة اليهودية والتفوق الديمغرافي اليهودي‏[9].

يرى ياكوف رابكن أن مصدر العنف الذي يهدد الأرض المقدسة هو وجود الدولة اليهودية، يؤيد الحاخام أبراهام لايتنر (حاخام وليامسبورغ) هذه الفرضية بقوله: «إن «إسرائيل» تولد العنف باستمرار بوجودها بالذات، وأنه لمن الأسهل أن نجيء بالمسيح من أن يحل السلام بين العرب والدولة الصهيونية»‏[10].

يقول ريتشارد لاندز في معرض نقده للعنف في الفكر الصهيوني: «إن «إسرائيل» والصهيونية هما الشر المطلق دون مقارنة… إن الوحشية الإسرائيلية الحالية ليست سوى شر من أجل الشر. القصاص الذي لا يعرف الرحمة. «إسرائيل» هي قيامة جماعية مدمرة لشمشون التوراتي. إنه تمثيل معاصر للرجل الذي يقتل النساء والأطفال وكبار السن»‏[11]. يجرّد ريتشارد لاندز العنف الصهيوني من مبرراته الأخلاقية، ويعتقد بضرورة النظر إلى انحدار «إسرائيل» الأخلاقي في استعمال العنف من دون أي إشارة إلى الظروف التي أدت إلى استعمال العنف، كما ينبغي ألّا يُنظر إلى ما يفعله العرب أو الفلسطينيون لأنه ليس له تأثير في الحكم على السلوك العنفي لـ«إسرائيل» من جهة، ولأن الفلسطينيين هم ضحية العنف الإسرائيلي من جهة أخرى‏[12]. تجادل جوديث بتلر أن نقد العنف مرتبط مباشرة بنقد الدولة وينطلق من الأسس نفسها المرتبطة بعنف الدولة التي تسيطر عليها السياسات المتعلقة بتمايز الأقلية الأشكنازية والفهم السردي للأمة على حساب الأصول الثقافية لليهود السفارديين والمزراحيين. تخلق هذه السياسات مستويات متباينة من المواطنة؛ وما يتعلق بها من حقوق وحريات‏[13]. تعتقد حنة أرنت أن الجسم السياسي وقوانينه ومؤسساته، أنما هي مجرد بنى فوقية، وتعبير غير مباشر عن شتى القوى الخفية التي تمارس العنف. إننا نرى أن بتلر، مثل أرنت تستعمل المخزون الأخلاقي لليهودية في نقد كل ما أنتجه العقل السياسي الصهيوني وبخاصة ارتكازه على العنف.

تبدي حنة أرنت في كتابها عن العنف نقدها فكرة والتر بنيامين، على أساس أن آراءه لا تعي أهمية القانون في إلزام المجتمع كله، وهي تؤكد أنه لم يفهم أن إنشاء الدولة، يمكن ويجب عليه أن يكون بداية غير قسرية. بهذا المعنى فالدولة غير عنفية في أصولها‏[14]. أفاد والتر بنيامين من المصادر اليهودية وغير اليهودية في تقديم نقده العنف القانوني – نوع العنف الذي تلتزمه الدول من خلال بِناها القانونية تحديدًا – ويبين لنا هذا الرأي عدم إمكان التعامل مع القانون بوصفه بديلًا من العنف، لكن هذا يثير أيضًا مسألة أنه كيف يصبح ممكنًا رفض الأشكال غير الناقدة لطاعة الأنظمة الحكومية الظالمة. يميِّز والتر بنيامين نوعين من عنف القانون، أو العنف المتعلق بالقانون، أولهما العنف المؤسِّس وهو منشئ القانون ومشرّعه، وثانيهما العنف الحافظ، وهو الذي يضمن للقانون استمراريته وقابليته للتطبيق فيحفظهما ويثبتهما. والعنف المؤسس من جهة سمي عنفًا أسطوريًا، ويبدو بحسب وجهة نظر دَريدا العنف الإغريقي، وعنف هدام للقانون. من جهة ثانية سمي عنفًا إلهيًا والمقصود به العنف اليهودي بحسب ما يعتقده دريدا‏[15]. هذا العنف يؤسس بنصوص التوراة والتلمود من جهة، والاعتقاد اليهودي بإلهه القومي الخاص للجماعة اليهودية من جهة أخرى. على هذا الأساس سنناقش جدلية اليهودية والعنف في النقطة الآتية.

2 – جدلية اليهودية والعنف

الدين اليهودي عصب العنصرية اليهودية كما يعبر المفكر المصري حسن ظاظا، ولكن هذا الاستنتاج فيه نوع من مجانبة الحقيقة، فالدين بوجه عام قابل للتفسير والتأويل والتوظيف، ويبدو أن إشكالية التأويل والتفسير في الدين أبدية، ولا تمثل عقبة في تطور ذلك الدين، بل يمكن أن تحافظ على عناصره الرئيسة من النفاذ إلى العصر الحالي، من طريق النقد والتأويل، ولكن تبقى إشكالية التوظيف، الإشكالية التي تمسخ الدين وتحوله إلى أيديولوجيا غير قابلة للنقد، ويصبح كل شأن دنيوي مطلق له سمة التعالي. يجادل روبرت إيسن بوجود قراءتين متناقضتين للعنف: تؤكد القراءة الأولى أن نصوص الديانة اليهودية تعزز السلام، وترفض العنف، لأن العنف اختيار إلهي لا بشري، وهذا ما تذهب إليه اليهودية الحاخامية (وهذا ما سيتم بحثه في مبحث نقد السلام)، في حين تؤكد القراءة الثانية، التي تمثلها القراءات الصهيونية بكل تشكيلاتها المعاصرة العلمانية والدينية للنصوص الدينية اليهودية، أن هذه النصوص تعزز العنف وتبرره‏[16]. بمعنى أنه لا يوجد قراءة صهيونية للسلام ترتكز على النصوص الدينية التقليدية لليهودية، وهذا يعني أن السلام الصهيوني يرتكز على رؤية سياسية أمنية بحتة.

علاوة على ذلك، يعتقد إيسن أن القبالاه (الصوفية اليهودية) لا تعترف بالآخر، وغير متسامحة تجاه غير اليهود، وتشجع بصورة غير مباشرة على العنف ضدهم‏[17]. من بين الكثير من النصوص المثيرة للاهتمام في الزوهار، فإن أكثرها صلة بالعنف اليهودي هو التمييز بين اليهودي وغير اليهودي. يعامل التقليد الزوهاري اليهودي على أنه مقدس من دون قيد أو شرط، ولا يمكن إنكاره، في حين أن غير اليهودي (الأممي) فهو ذو مكانة أخلاقية منخفضة. بغضّ النظر عن سلوكه، اليهودي من النور الإلهي في حين الأممي نجس ووحشي وفاسد وشرير. هذا التجريد لغير اليهود من إنسانيتهم يجعلهم أهدافًا محتملة للعنف اليهودي‏[18].

يرى روبرت إيسن أنه لا ينبغي أن نركز كثيرًا على الدين اليهودي كمصدر للميول الصهيونية العنيفة. ولعل أفضل تفسير لهذه الميول هو أن الصهاينة استوعبوا التفكير القومي والإمبريالي من بيئتهم الأوروبية‏[19]. ومع تخلي الصهيونية الدينية عن العلمانية يبقى الدين اليهودي المصدر الرئيس للعنف. العنف اليهودي مزدوج ومركب، وهو ناتج من طبيعة اليهودية بوصفها ديانة وقومية في آن واحد، فثمة عنف يهودي علماني يرتبط بالقومية اليهودية (أي الصهيونية)، وآخر عنف يهودي ديني يرتبط بظهور الصهيونية الجديدة (الصهيونية الدينية القومية)، وهذا أخطر وأشرس من العنف العلماني‏[20]. في حين تعتقد آنيتا شابيرا أن الصهيونية تتكون من ثابتتين متناقضتين: إنها حركة ليبرالية قومية وحركة استعمارية أوروبية لبلد في الشرق الأوسط، واللجوء إلى العنف لا بد منه من أجل الحفاظ على هذه الثوابت‏[21]. يجادل ياكوف رابكن في أن العنف في الفكر الصهيوني يتجسد في أيديولوجيا القوميين الدينيين، وهذا ينبع من التقليد اليهودي الاحترابي، ويرتكب هؤلاء انتهاكًا خطيرًا بوجه خاص: امتهان الاسم الإلهي، وبالتالي لا يمكن أن نستخلص إلا أن اليهودية هي التي ترسخ هذا العنف وتبرره‏[22]. كما أن اليهودية ألهمت العنف لا في الصهيونية الدينية فقط، ولكن في الصهيونية العلمانية أيضًا. لم يكن من الممكن تصور الصهيونية العلمانية من دون اليهودية، ويمكن تفسير ميول الصهيونية العنيفة إلى حد كبير من خلال استيعابها القيم اليهودية‏[23].

يزخر التوراة والتلمود بالمفاهيم العنفية، فاللجوء إلى العنف ليس غريبًا عن التوراة والتلمود إطلاقًا، وينقل سفر التثنية وعدد من أسفار الأنبياء (مثلًا سفر هوشع أو سفر القضاة) صورًا عنيفة كثيرة‏[24]. كما أن قتل الأغيار (الغوييم) يرتبط بقدسية الأرض الموعودة، فرفع الدنس من هذه الأرض لا يتم إلا بالمحافظة على النقاء اليهودي وطرد وقتل الآخر لتحقيق حلم الدولة الكبرى بوصفها وعدًا إلهيًّا‏[25]. كما لا يوجد ثمة شك بين الباحثين التوراتيين في أن العهد القديم يحتوي على بعض النصوص المشحونة وغير الأخلاقية كما يعبِّر جلعاد عتسمون، بعضها يصل إلى حد الدعوة إلى ارتكاب إبادة جماعية. ويستشهد عتسمون بما توصل إليه عالم اللاهوت المسيحي ريموند شواغر الذي بحث فكرة العنف في العهد القديم ويرى أن هذا العهد يحتوي على ستمئة نص تضم عنفًا صريحًا، إلى جانب ألف آية تصويرية للجزاءات العقابية العنيفة، علاوة على مئة فقرة يعطي رب «إسرائيل» فيها أوامر صريحة لليهود بقتل الآخرين، فالعنف أحد أكثر الأنشطة التي يشار إليها مرارًا وتكرارًا في التوراة‏[26]. ويمكن أن نستدل ببعض ما جاء في التوراة من نصوص تحض على العنف، «فَالآنَ اذْهَبْ وَاضرِبْ عَمَالِيقَ، وَحَرِّمُوا كُلَّ مَا لَهُ وَلاَ تَعْفُ عَنْهُمْ بَلِ اقْتُلْ رَجُلًا وَامْرَأَةً، طِفْلًا وَرَضِيعًا، بَقَرًا وَغَنَمًا، جَمَلًا وَحِمَارًا»‏[27]، ولعل الأكثر قسوة يأمر الإله اليهود بقتل: «اَلشَّيْخَ وَالشَّابَّ وَالْعَذْرَاءَ وَالطِّفْلَ وَالنِّسَاءَ، اقْتُلُوا لِلْهَلاَكِ»‏[28]، بل إن إله اليهود (يهوه) يأمر بحرق الأغيار ومدنهم بلا تردد «وَأَحْرَقُوا جَمِيعَ مُدُنِهِمْ بِمَسَاكِنِهِمْ، وَجَمِيعَ حُصُونِهِمْ بِالنَّارِ»‏[29]. ويعِدُ الإلهُ كل من يتخلف عن القتل معلون «مَلْعُونٌ مَنْ يَعْمَلُ عَمَلَ الرَّبِّ بِرِخَاءٍ، وَمَلْعُونٌ مَنْ يَمْنَعُ سَيْفَهُ عَنِ الدَّمِ»‏[30]. ويأمر إله اليهود بإبادة كل الأغيار واستملاك مدنهم «وأمَّا مُدُنُ هؤلاءِ الأُمَمِ الّتي يُعطيها لكُمُ الرّبُّ إلهُكُم مُلْكا، فلا تُبقوا أحدًا مِنها حيًّا بل تُحَلِّلونَ إبادَتَهُم»‏[31].

في حين يزخر التلمود، الذي يؤكد الباحثون أنه له السمو على التوراة عند اليهودي، بالنصوص التي تحض على القتل، ومن هذه النصوص «من العدل أن يَقتل اليهودي بيده كل كافر، لأن من يسفك دم الكافر كمن يقدم قربانًا إلى الله، وأن من يقتل مسيحيًا أو أجنبيًا أو وثنيًا يكافأ بالخلود في الفردوس، أما من يقتل يهوديًا فكأنه قتل الناس أجمعين ومن تسبب بخلاص يهودي فكأنه تسبب بخلاص الدنيا بأسرها»‏[32]. كما يحث التلمود على قتل الصالح والمميز من غير الإسرائيليين ومحرم على اليهودي أن ينقذ حياة أحد من بقية الأمم من الهلاك أو يقوم بإخراجه من حفرة يقع فيها لأنه يكون قد حفظ حياة أحد الوثنيين‏[33]. ويبرر التلمود لليهود القيام بالقتل «على اليهودي أن يقتل من يتمكن من قتله فإن لم يفعل ذلك يكون مخالفًا للشرع»‏[34].

يجادل جدعون آران أن استعمال العنف والقوة المفرطة مرتبط بتحقيق السيادة اليهودية على أرض «إسرائيل»، ولا يقتصر الحق في استعمال العنف على الدولة وجيشها، بل إن المجتمع اليهودي والفرد اليهودي له الحق في استعمال العنف لتحقيق ذلك‏[35]. وهذا العنف المرتبط بتحقيق السيادة اليهودية على الأرض ملزم دينيًا عند الكثير من اليهود وبخاصة الأصولية الصهيونية‏[36]. يرى ياكوف رابكن أن التقليد الذي يمجد الحرب والعنف يجعل من التبعية لله عاملًا حاسمًا للانتصارات العسكرية، وهو ما تشير التوراة إليه. كما أن أي هزيمة أو إخفاق عسكري يأتي كعقاب إلهي‏[37]. بمعنى آخر، تؤسس التوراة لفكرة الحرب المقدسة.

لا شك أن التراث اليهودي مليء بالنصوص والقصص والأحداث العنيفة، ولا يبرئ جياني فاتيمو هذا التراث من كونه السبب في العنف وسيطرته على العقل اليهودي، من طريق تفنيده فكرة غنى التراث اليهودي وعمقه. يقول فاتيمو: «إن غنى التراث اليهودي وعمقه الجديرين جدًا بالثناء بحد ذاتهما ليسا سوى هراء فاسد كثيرًا ما يجب على المرء اليهودي التخلص منه كي يتجنب إراقة الدماء»‏[38]. تخالف جوديث بتلر هذه الرؤية بتأكيدها أن المصادر اليهودية والتراث اليهودي يوفران ركيزة نقدية لعنف الدولة والقهر الاستعماري للسكان الفلسطينيين والترحيل والطرد، وهذا النقد ممكن بالارتكاز على المصادر اليهودية والتراث من جهة، وهو ملزم خلقيًا لكل يهودي في الكشف عنه من جهة أخرى‏[39].

توجه جوديث بتلر نقدها إلى طبيعة العنف في الفكر السياسي الصهيوني، وترى أن ثمة صراعًا على ما يجري فعله باسم الشعب اليهودي، نظرًا إلى أن «إسرائيل» تتصرف باسم الشعب اليهودي، وتعطي نفسها دور الممثل الشرعي للشعب اليهودي، وهذا سبب إضافي لاسترداد ذلك التراث وتلك الأخلاقية لمصلحة سياسة تعلي العدالة الاجتماعية والسياسية على النزعة القومية التي تعتمد أساسًا على العنف العسكري لإدامة وجودها‏[40].

يشاطر روبرت إيسن رؤية بتلر ويؤكد أن الصهيونية تمثل إحياء الاتجاهات العنيفة في اليهودية، وخصوصًا بعد ظهور «إسرائيل» وما رافقها من صعود الصهيونية الدينية، التي يعود استعمال العنف لديها إلى الاعتقاد بمقدمات لاهوتية مثل عقيدة الاختيار، وأن الله وعد اليهود بأرض «إسرائيل»، وأن الحقبة المسيحانية تقترب، وأن غير اليهود أشرار‏[41]. كما يعتقد روبرت إيسن أن الصهيونية العلمانية لا تلتزم بالمعنى الحرفي لهذه المقدمات، لكنها ترجمتها إلى مُثُل قومية ألهمت العنف أيضًا. ووفقًا للقراءة الثانية، فإن عنف الصهيونية كان مستوحًى من عوامل لا علاقة لها باليهودية، مثل القومية العلمانية، والمخاوف الافتراضية من العرب، ويأس اليهود الذين اعتقدوا أن الصهيونية تمثل الفرصة الوحيدة. لكي يبقى اليهود في قيد الحياة‏[42]. ومع وجود تقاليد يهودية إلزامية تعارض عنف الدولة وأنماط الطرد والتطويق الاستعماريين، ووجود نصوص دينية في التوراة والتلمود تشدِّد على العنف وضرورته، يجادل في هذا الشأن جدعون آران الذي يرى أن الإرهاب الصهيوني هو ذو طبيعة دينية جاء كرد فعل على هيمنة الأفكار الديمقراطية الليبرالية والعلمانية في المجتمع اليهودي‏[43]. كما أن نقد إيمانويل ليفيناس لبنية العنف في الفكر اليهودي المعاصر مثّل في حد ذاته محاولة عميقة ومهمة لنقد العنف المنظم الذي تمارسه «إسرائيل» بمبررات الدفاع عن النفس، إذ يرى ليفيناس أنه ليس هناك تبرير للقتل باسم حفظ النفس، ويستشهد بالمجلس التلمودي القائل «إذا علمت بقدوم شخص ما لقتلك فعليك أن تنهض باكرًا وتستعد للقتل أولًا»‏[44]. تنقد «جماعة ناطوري كارتا» العنف، وترى أن اليهودية تبغض سفك الدماء، بل تنادي بتحاشي ذلك بأي ثمن، وهي تؤكد أن العقيدة اليهودية تحض اليهودي على عدم المشاركة في السلطة الدنيوية، وعلى رفض حمل السلاح، فعلى اليهود أن يتركوا مثل هذه الأمور للدولة التي يعيشون في كنفها‏[45]. كما تبدو مواقف اليهود الحريديم قريبة من موقف معسكر السلام الإسرائيلي في نقد العنف في الفكر الصهيوني، فحركة «ناطوري كارتا» تؤكد «أن الصهيونية لم تكن فقط انحرافًا هرطقيًا عن اليهودية، كانت أيضًا عمياء ببشاعة إزاء المواطنين الأصليين في الأرض المقدسة»‏[46].

خلاصة القول، ينطوي النقد اليهودي للعنف بوصفه معطًى صهيونيًّا على رفض مبرراته وأصله وابتعاده من أسس العقيدة الدينية اليهودية الصحيحة، وتعارضه مع أسسها. وعلى الرغم من وجود نصوص كثيرة تبرر العنف في اليهودية، في التوراة والتلمود، ارتكز النقد اليهودي للعنف الصهيوني على قراءة أحادية تنفي أسس العنف في الديانة اليهودية.

ثانيًا: نقد مرتكزات العنف في
الفكر السياسي اليهودي المعاصر

سيطرت على العقل اليهودي المعاصر حادثة الهولوكوست، والإبادة المفترضة لليهود من الأغيار كونهم معادين للسامية. وعلى هذين المرتكزين تأسس مرتكزان آخران هما الحرب المقدسة والاحتلال والاستعمار، وهذه الاستمرارية في تجديد الخطاب اليهودي المعاصر حول الهولوكوست ومعاداة السامية ينتج منها عنف منظم وهمجي في آن واحد لإبادة العدو المفترض (الفلسطينيين والعرب). ولا شك في أن هذه الأفكار التي ساقتها الأيديولوجيا الصهيونية تعرضت للنقد والنقاش الفكري اليهودي، وعليه سنبحث في هذ المبحث النقد اليهودي لمرتكزات العنف الصهيوني.

1 – معاداة السامية والعنف: أو الصهيونية ومعاداة السامية

تمثل معاداة السامية الأساس الذي يُبنى عليه العنف الصهيوني، في هذا الشأن يؤكد أبراهام ملستر أن الصهيونية ومعاداة السامية تكمل إحداهما الأخرى على نحو بديع، وليس من المنطق تصويرهما على أنهما أيديولوجيتان متعارضتان‏[47]. يجادل ياكوف رابكن في أن الصهيونية لم تكن متراصة إطلاقًا، وقد عكست معاداة السامية هذا التعقيد إلى حدٍّ كبير؛ فقد جذبت الصهيونية انتباه الكثير من الكتاب والمفكرين اليهود بتركيبتها من عدة اتجاهات، وبتمزقها نتيجة الجدالات الأيديولوجية اللاذعة. لكن كثرة المقاربات التي نجدها في قلب التفكير اليهودي المناهض للصهيونية لا تترجم بتطور معاداة السامية‏[48].

تناقش جوديث بتلر فكرة الصهيونية بوصفها إحدى صور النازية مع اختلاف البنى الفكرية التي تأسست عليها كل من الصهيونية السياسية والنازية، وترى أن الفكرة ليست في عدم التصديق أن الصهيونية تشبه النازية أو أنها تكرار غير واع لها مع الفلسطينيين بدلًا من اليهود. هذه المقاربات لا تأخذ في الحسبان الاختلاف الكبير بين تلك الأنماط من القهر والطرد والتعامل مع الموت التي تسم الاشتراكية القومية (النازية) أو تسم الصهيونية السياسية‏[49].

ويرى أبراهام ملستر أن أساس الأيديولوجيا الصهيونية هو الشوفينية والعنصرية والكولونيالية التوسعية، ويوجه نقده لعنف الدولة في قمع الشعب الفلسطيني، ويتساءل هل انتقاد قمع اليهود لشعب آخر هو بالفعل عداء للسامية؟ يجيب ملستر: لقد سبق لكارل ماركس وهو ابن عائلة يهودية وحفيد حاخام أن قال «إن الشعب الذي يقمع شعبًا آخر، لا يمكن أن يكون هو نفسه حرًا»، لذا ينبغي التذكير بمقتل ستة ملايين يهودي في الهولوكوست، وهو ما يحملنا على تحمُّل مسؤولية خاصة، إنها المسؤولية في رفض كل القمع والعنصرية والتمييز‏[50].

يشرح إيلان هاليفي مفهوم السامية الجديد الذي يتهم الإسلام عمومًا والمسلمين خصوصًا بمعاداة السامية (معاداة اليهود)، لا المعاداة المسيحية لليهود، أو المعاداة الإثنية العضوية للحركات القومية الأوروبية التي ارتكز عليها مفهوم السامية القديم‏[51]. وفقًا لهاليفي يولِّد مفهوم معاداة السامية الجديد العنف اليهودي تجاه الآخر وبخاصة المسلمون. وفي إطار النقد اليهودي للصهيونية ترى جوديث بتلر أن نقد العنف الإسرائيلي بصراحة وعلى منبر عام؛ لا يُعَدُّ معاديًا للسامية أو معاديًا لليهودية، ويمثل مثل هذا النقد مطلبًا أخلاقيًا إلزاميًا من داخل الأطر اليهودية‏[52].

خلاصة القول، يمكن الجزم إن معاداة السامية تمثل أحد المرتكزات المهمة التي تقوم عليها الصهيونية في إطار استعمالها العنف تجاه الآخر، كما أنها تولِّد العنف باستمرار، وعلى الرغم من أن بداية فكرة معاداة السامية كانت لتوصيف العنف الأوروبي أو المسيحي تجاه اليهود، فإن الفهم المعاصر ينطوي على دلالة على المعاداة العربية والإسلامية لليهود، وهو ما كوّن أداة صهيونية في قمع حقوق الآخرين وسلبها واستعمال العنف ضدهم.

2 – الهولوكوست والعنف: نقد استمرارية حالة
الهولوكوست في العقل الصهيوني

تعيش في العقل الصهيوني المعاصر حالة من الخوف المسبق بوصفه نتيجة مباشرة عن الهولوكوست، وأن إبادة اليهود على نحوٍ جماعي حاضرة في الذهنية اليهودية المعاصرة. في هذا الشأن، يرى الأديب اليهودي دايفيد غروسمات أن الشعب اليهودي هو شعب مريض جدًا، وأن قسمًا جوهريًا من تعريفه الذاتي الداخلي، كما لو كان جزءًا من حاجته، يتمثل بالشعور بالهلاك الوشيك‏[53]، وأدركت «إسرائيل» أن ما يوحِّد يهودها ليس سوى زرع الإحساس بالخطر الدائم في أعماقهم‏[54]. هذه الحالة من الخوف، والشعور بالخطر المستمر جعلا العقل الصهيوني يرفض الآخر من جهة، والإقدام على إبادة الآخرين بوصفهم أعداء مفترضين من جهة أخرى.

يؤكد جلعاد عتسمون أن الصهيونية تعمل وفقًا لمنطق الهولوكوست المضاد بحق السكان الأصليين (الفلسطينيين)، فهي موجودة لترحيل مجمل يهود الشتات إلى صهيون على حساب الشعب الفلسطيني وحقوقه وحرياته الأساسية‏[55]. ينطوي هذا الهولوكوست المضاد، كما تعتقد جوديث بتلر، على التدمير الجماعي وقتل السكان الأصليين وتهجيرهم، وهذا لا ينجم عن حقيقة اعتقاد بعضهم أن في وسع الصهيونية اختيار الذين سيسكنون الأرض فحسب، بل لأن قابلية التعرُّض للتدمير من طرف الآخرين تميِّز أنماط التبعية المتبادلة السياسية والاجتماعية كلها، وتمثّل مطلبًا على الصعد السياسية كلها‏[56]. ويجادل أ. لياكوس، في معرض نقده العنف في الفكر اليهودي، أن هذا العنف هو نتيجة مباشرة للهولوكوست، وحتى لا يحصل هولوكوست آخر لليهود، يمارس اليهود العنف ضد الآخر الذي يمثل العدو المفترض‏[57]. أو على حد تعبير حنة أرنت: «أن الذي تعرَّض للعنف يحلم بالعنف، وأن المضطَهد إنما يحلم بأن يجلس ولو ليوم واحد مكان ذلك الذي اضطهده»‏[58]. وعلى المستوى الواقعي، تتمظهر عدة وقائع تبرهن ذلك؛ فمقابل الشتات اليهودي كان الشتات الفلسطيني، ومقابل الهولوكوست هولوكوست مضاد تجاه الفلسطينيين، ومن اللافت للنظر أن مثل هذا الربط نلمسه عند جلعاد عتسمون الذي يرى أن اليهودية يحتمل أن تكون هجينًا غريبًا، قد تكون أيديولوجيا – ديانة – حالة ذهنية، وقد لا تكون أيًا من هذه أيضًا‏[59]، أو قد تكون كلها مجتمعة، واليهودية كدين عنده قد ماتت قبل 200 عام، ويبقى شيء من اليهودية يتمثل بالأيديولوجيا، أما بوصفها حالة فهي مرتبطة بصورة مباشرة أو غير مباشرة بـ«عقدة الاضطهاد» التي يمارسها الغير تجاه اليهود والتي تتمظهر في حادثة الهولوكوست‏[60]. يبرهن ذلك أبراهام ملستر، الذي يرى أن بعض اليهود يعتقدون، نتيجة عقد الاضطهاد الناجمة عن الهولوكوست، بمنح اليهود الحق في تجاوز القوانين القائمة والأخلاق العالمية‏[61]. تظهر هذه العقدة في رؤية العقل اليهودي للآخر الذي يريد قتله أو اضطهاده، وهو ما رسخ في العقل اليهودي العنف المقابل الذي يمارَس من طريق السيطرة على قوانين ومؤسسات الجسم السياسي، بمعنى التمكُّن من السلطة والسيطرة عليها. ينقل مايكل ماردر نصًّا لجاك دريدا يناقش فيه العنف بوصفه معطى سياسيًّا، وأن الشر اللغوي كلي؛ لا حد له، قبل أي شيء لأنه سياسي بالكامل. ويستتبع قائلًا: «إن الشر ينبع من حقيقة أن الصهاينة… لا يفهمون جوهر اللغة»‏[62].

يجادل أبراهام بورغ في كتابه المحرقة انتهت، طبيعة العنف في الفكر اليهودي المعاصر التي عملت الصهيونية على مأسسته، وأصبح من العناصر المميِّزة لها، وفي إطار نقده العنف يستدعي بورغ الهولوكوست، ويرى أن في «إسرائيل» تُحبك المحرقة بدرجات متفاوتة في جميع مناقشات «إسرائيل» السياسية تقريبًا. على خلاف غيرها من حوادث الماضي، فالمحرقة لا ترتد إلى الوراء، بل تتقدم طوال الوقت. إنها ماضٍ حاضر، مصان ومراقب، ومسموع وممثل، لوجهة نظره شقان: من جهة أن بسبب المحرقة أصبحت «إسرائيل» صوت الموتى، تنطق باسم هؤلاء الذين قضوا أكثر من نطقها باسم هؤلاء الذين ما زالوا في قيد الحياة. ومن جهة أخرى، أن الرجوع اليومي إلى المحرقة يسوغ الحرب والعنف المقدس، ويبقي «إسرائيل» في موقف الضحية والدفاع المستمر‏[63]. وقد التفت إلى هذه الفكرة جلعاد عتسمون ووضحها بشيء من التفصيل تحت عنوان «ديانة الهولوكوست». وهو يؤكد أن الوجود اليهودي يخضع لحالة الخوف المسبق، وهي حالة مبنية على مشهد متخيَّل قائم في مستقبل افتراضي أو خيالي، بمعنى آخر هي حدث لم يقع أبدًا‏[64]، وهي نتيجة مباشرة لحالة الهولوكوست الكامنة في العقل اليهودي.

أكد سيمون راويدوفيتش أن «العالم لديه الكثير من الصور لـ«إسرائيل»، لكن «إسرائيل» لديها صورة واحدة فقط لنفسها: صورة شعب ينتهي، إلى الأبد على وشك التوقف عن الوجود»، وهذا الخوف البدائي من الموت الجماعي هو القوة الدافعة إلى ممارسة العنف‏[65].

يؤكد مارسيلو سفيرسكي أنه لا يمكن قبول فكرة أن المحرقة تقدم مبررات للصهيونية لما فعلته بحق الفلسطينيين، كما يمكننا أن نطالب اليهود بحق ربط الهولوكوست بمظالم الصهيونيين نحو الفلسطينيين، نقد وربط النقد لنفاقه وشرخه المنطق الأخلاقي‏[66]. كما يرفض جاك دريدا أيضًا العنف الموجَّه إلى اليهود (أنموذج المحرقة – الهولوكوست)، ويعتقد أنه السبب المباشر الذي أدى إلى تكوّن «إسرائيل»، ويرفض العنف اليهودي الموجَّه إلى الفلسطينيين (الهولوكوست المضاد). كما يعتقد دريدا أن تكوين الدولة اليهودية لم ينته بعد، فهو حدث مستمر من طريق العنف‏[67]. خلاصة القول، تمثل المحرقة أحد المرتكزات والمبررات التي تقوم عليها الأيديولوجيا الصهيونية في استعمالها العنف ضد الآخر، وتنطوي على استمرارية وتجدُّد مع كل حادثة عرضية يتعرض لها اليهود في أية بقعة من العالم، واستعملت كسلاح ذي حدين؛ في رفض العنف الموجه إلى اليهود من جهة، واستعمال العنف تجاه الآخر العدو المفترض الذي يريد اضطهاد اليهود من جهة أخرى.

3 – نقد الحرب المقدسة: أو الصهيونية وتقديس العنف

ترتبط فكرة الحرب في الفكر السياسي اليهودي المعاصر بتحقيق الدولة الكبرى (إسرائيل الكبرى)، وهذا التفكير العملي في الحرب والمواجهة بديل للسلام والتطبيع. وبذلك تكون الحرب مقدمة إلى التمهيد لظهور الماشيح، وهو ما يجعل أي حرب في نظر الأصولية الصهيونية حربًا مقدسة وضرورية. تجلت هذه الفكرة وترسخت بعد حرب الأيام الستة، التي أرسلت من وجهة نظر الأصولية الصهيونية تطمينات للجماعة اليهودية أن الله ما يزال على عهده للشعب المختار بتحقيق حلم الدولة الكبرى (الأرض الموعودة)‏[68]. يقول دايفيد بن غوريون: «إنني لست على استعداد للتنازل، حتى ولو جزء واحد بالمئة من أهداف الصهيونية من أجل السلام»‏[69]. وجزء من أهداف الصهيونية يتمثل بتحقيق «إسرائيل» الكبرى على الأراضي الفلسطينية التاريخية التي تأتي عبر استعمال العنف. يعتقد يوسي ميلمان أن الأرض شيء مقدس بالنسبة إلى الأيديولوجيا الصهيونية، ويجب أن تُنتزع بالقوة والعنف، فهي رمز وجود الجماعة اليهودية وحياتها، ولا يمكن التخلي أو التنازل عنها‏[70].

يقول باروخ كيمرلنغ، إن العقل الإسرائيلي المعاصر ذا النزعة اليمينة المتطرفة، تسيطر عليه فكرة الحرب المقدسة، والنظرة المقدسة إلى القوة، والحديث الفظ المقدَّس لها، التي ارتكزت عليها كل الحروب ونبعت منها‏[71]. يشاطر كلايف جونز رؤية كيمرلنغ في نقد العنف: ويرى أن الصهيونية الدينية تؤمن بأن العنف من ناحية شديدة الواقعية، عملية تطهير؛ عملية مقدسة حررت الشعب اليهودي من اضطهاد المنفى وعبوديته وقد اعتقدت بوعي أسلوب يتجاوز التاريخ اليهودي، ويطبق تعبير «العماليق» في وصف أعداء اليهود بوجه عام (وعلى الفلسطينيين بوجه خاص) في الماضي والحاضر والمستقبل. ووجب على اليهود، إذا أرادوا تقديس اسم الله، أن يدمروا العماليق، وبذلك يدخل اليهود العصر الحقيقي لعودة المسيح‏[72].

يقترح إسحق غينزبرغ في كتابه ملكوت إسرائيل، صيغة منظمة للعنف الصهيوني ويقول في هذا الشأن: «لن يكون ممكنًا إنشاء ملكوت القدسية طالما لا نعرف كيف نكون أشرارًا حقًا حيال الآخر الذي يستحق ذلك، وينبغي طرد أي غريب غير يهودي من حدودنا بالقوة»‏[73]. كما أن حدود الدولة ليست مرسومة جغرافيًا، ولكنها مرسومة أيديولوجيًا في مشروع توسعي استعماري يعتمد المراحل المتدرجة، ويتخذ من الحرب المقدسة وسيلة استراتيجية لإنجاز مشروع الدولة‏[74]. وأي دولة وأي حدود، تلك الحدود المرسومة في التوراة والمطبوعة في الصفحة الأولى للعقل الصهيوني، وتلك الدولة المسماة «إسرائيل» الكبرى والتي سيتم إنجازها من طريق الحرب المقدسة؛ ولا علاقة للمخلِّص في إنجازها.

العقل الصهيوني لا يمكنه التخلي عن فكرة الحرب، لأنها تمثل آلية لضمان استمرار «إسرائيل»، والتعتيم على أي أزمة سياسية داخلية من طريق افتعال أزمة خارجية تدفعها إلى شن الحرب‏[75]. كما أن الحرب في العقل الصهيوني هي نتيجة عدم استقرار جغرافية «إسرائيل» السياسية، التي تتمثل بالمسافات القصيرة بين الحدود وما يسمى عاصمة الدولة (القدس)، الأمر الذي عزز النزعة التوسعية ويزيد من احتمال شن الحروب من جانب «إسرائيل» على البلدان العربية المجاورة من أجل زيادة المسافة الفاصلة بين الحدود والعاصمة‏[76]. كما واجه الفكر الصهيوني المعاصر إشكالية جدية في إطار التوفيق بين حتمية الحرب التي تغذيها الأفكار الصهيونية وتقدسها التوراة والتقاليد اليهودية الصوفية نتيجة تصاعد المد القومي اليميني المتطرف، وبين ضرورة السلام التي تقتضيها الظروف الدولية والإقليمية من جهة أخرى‏[77].

الحرب في العقل الصهيوني المعاصر، ومع تحول الصهيونية العلمانية إلى الصهيونية الدينية، هي حرب مقدسة يتمازج فيها الماضي والحاضر والمستقبل الخاص بالجماعة اليهودية، وينتج من هذا الطرح السلوك العنفي اليهودي تجاه الآخر المُبرر دينيًا لاستكمال القدسية المنقوصة لأرض «إسرائيل» من طريق إزالة المدنسات الجوهرية لهذه الأرض، التي تتمثل بقتل الأغيار وتهجيرهم. وإذا كان نقد والتر بنيامين ارتكز على العقل اليهودي المولِّد للعنف القانوني، فإن التمازج الحاصل بين الصهيونية الدينية واليهودية القومية، وسيطرتها على السلطة والحكم في «إسرائيل» يجعل العنف مبررًا من الناحية الدينية والقانونية، وعندئذ تصبح الحرب مقدسة.

4 – نقد الاحتلال والاستعمار: العنف
واستكمال إسرائيل الكبرى

يحتل نقد الاحتلال والاستعمار مكانة كبيرة في النقد اليهودي للصهيونية وطبيعتها العنيفة، وترفض الأفكار اليهودية الناقدة للصهيونية مبررات الأخيرة ونقدها، وبطبيعة الحال يؤكد أوري أفنيري أن الاحتلال والعنف في الفكر الصهيوني يمثلان استمرارًا للمشروع الصهيوني ومرحلة مميزة في تاريخه، للوصول إلى الهدف الرئيس هو تمامية أرض «إسرائيل»‏[78]، وأن دينامية الاحتلال لا يمكن فهمها خارج السياق التاريخي للاستعمار الصهيوني لفلسطين‏[79]. يرى نعوم تشومسكي أن المشروع الصهيوني هو مشروع استعماري استيطاني لفلسطين، ولا يزال محكومًا بالرؤية نفسها، التي تنبثق منها النظرة إلى السكان الأصليين على أنهم عقبة لنجاح هذا المشروع واكتماله بإعلان «إسرائيل» الكبرى الكاملة على أنقاض فلسطين الكاملة. ويقول تشومسكي في هذا الشأن: «أعتقد أن الجانب من الصهيونية ما زال كامنًا في قلب الصهيونية منذ قيام الدولة حتى الآن. طورت الدولة قدرتها على الاستعمار؛ لكن ذلك لا يغير رؤيتها باستعمار فلسطين»‏[80]. ويعتقد تشومسكي أن السبب في عدم انتهاء التوجه الاستعماري – الاستيطاني للصهيونية في لحظة معينة من التاريخ هو طمع اليهود المستوطنين‏[81]. ويضيف تشومسكي، في معرض نقده العنف في الفكر اليهودي، أن الصهيونية استعمارية تتبع المنهج البراغماتي في خلق التغيير على أرض الواقع من طريق العنف، وأصبح هذا المنهج قويًا ومقبولًا عالميًا بفعل الدعم الأمريكي العسكري والاقتصادي والدبلوماسي‏[82]. يؤكد ياكوف رابكن، في معرض نقده العنف اليهودي أيضًا، أن العنف اليهودي في بداية القرن الحادي والعشرين، لم يعد يقتصر على الجيش والمؤسسات الرسمية، بل صار جزءًا من الحياة اليومية للمستوطنين اليهود الذين يمثل القوميون – الدينيون نواتهم الأيديولوجية، ويدلل على ذلك بحادثة اغتيال إسحق رابين‏[83]. يؤكد جان سيلبي، بدوره، أن رؤية ما بعد الصهيونية في نقد الاستعمار والاحتلال وإقامة نظام سياسي يضمن حق المواطنة والمساوة بين المواطنين غير قابل للتحقق، وأن «إسرائيل» الليبرالية التي ترفض الاستعمار والاحتلال وفق منظور ما بعد الصهيونية تبدو بعيدة كل البعد من أي وقت مضى‏[84]. خلاصة القول، إن فكرة الاحتلال والاستعمار في العقل الصهيوني تحتل أولوية قصوى لما لهما من آثار سياسية تتمثل بالمحافظة على السيادة الإسرائيلية وتوسيع الإقليم الإسرائيلي لتحقيق فكرة «إسرائيل» الكبرى، ولا يمكن الصهيونية أن تتخلى عن هذه الفكرة.

خاتمة

ختامًا لهذه الدراسة، نصل إلى نتيجة تفيد أن العنف من الركائز المؤسسة للأيديولوجيا الصهيونية ومرتكز بقائها مهيمنة ومسيطرة على الواقع اليهودي المعاصر. وقد أخذ هذا المرتكز القسط الأكبر من النقد الفكري السياسي اليهودي المعاصر، كما أن العنف مبرَّرٌ دينيًّا ومقدسٌ في نظر الأصولية الصهيونية الدينية، وهو جزء من استراتيجية تحقيق السيادة الكاملة على أرض فلسطين التاريخية، ومبرَّر سياسيًا وأمنيًا في رأي الصهيونية العلمانية، وهو يمثل مرتكزًا رئيسيًا في الفكر الصهيوني، وأن وجود منظومة فقهية دينية لتبرير استعمال العنف، يؤشر إلى استحالة تحقيق السلام الحقيقي، واستمرار الحرب واستعمال العنف لتحقيق أهداف الصهيونية بالسيطرة والسيادة على كامل الأرض الفلسطينية التاريخية بما فيها الضفة الغربية وقطاع غزة، وإعلان «إسرائيل» الكبرى. كما يتمثل العدو القريب في الاستراتيجية الصهيونية بالمقاومة الفلسطينية، وكل أشكال المقاومة حتى وإن كانت بعيدة من الناحية المكانية، وهذه المقاومة لا تُردع بحسب العقل الصهيوني إلا بالعنف والحرب. أما العدو البعيد فيتمثَّل بالعرب والمسلمين بوجه عام، وهذا العدو من الممكن إلغاء العداء الضمني لـ«إسرائيل» لديه من طريق عقد اتفاقيات السلام وتطبيع العلاقات. أخيرًا، ينطوي جزء من النقد اليهودي للعنف بوصفه منجَزًا صهيونيًّا على رفض مبرراته ومنطلقاته وابتعاده من العقيدة الدينية اليهودية الصحيحة، بل يتعارض مع أسسها. وعلى الرغم من وجود نصوص كثيرة تبرر العنف في اليهودية، سواء في التوراة أو التلمود، فإن النقد اليهودي للعنف الصهيوني ارتكز على قراءة أحادية تمثلت بنفي أسس العنف في الديانة اليهودية. ولأن العنف لا يمكن فصله عن الصهيونية، تبقى فكرة السلام في العقل الصهيوني والنقد اليهودي لها تحتاج إلى نقاش وبحث وتقصٍّ في بحث منفصل.

كتب ذات صلة:

دور السلطان عبد الحميد الثاني في السيطرة الصهيونية على فلسطين؟

المناهضة اليهودية للصهيونية

تفضلوا بالضغط على الرابط لتحميل هذا الكتاب: 

عبد الوهاب المسيري وتفكيك الصهيونية 1938-2008

المصادر:

نُشرت هذه الدراسة في مجلة المستقبل العربي العدد 557 في تموز/يوليو 2025.

أحمد عدنان الميالي: كلية العلوم السياسية، جامعة بغداد.

حسين عدنان هادي: كلية القانون، جامعة بغداد.

[1] Slavoj Žižek, «Whither Zionism? In Order to Resolve the Israeli-Palestinian Conflict: We Should Not Dwell in Ancient Past We Should Forget it,» In the Setimes, 2 March 2015, <https://inthesetimes.com/article/slavoj-zizek-zionism>.

[2] جاك دريدا، قوة القانون: الأساس الروحي للسلطة، ترجمة محمد الشقيق (اللاذقية: دار الحوار للنشر والتوزيع، 2019)، ص 103.

[3] حنة أرندت، في العنف، ترجمة إبراهيم العريس، ط 2 (بيروت: دار الساقي، 2015)، ص 252.

[4] المصدر نفسه، ص 69.

[5] Steven Shakespeare, «Thinking about «Fire»: Derrida and Judaism,» Literature and Theology, vol. 12, no. 3 (September 1998), p. 248.

[6] نعوم تشومسكي وإيلان بابيه، عن فلسطين، ترجمة عادل سالم الشهاب، ط 3 (الرياض: منشورات جدل، 2024)، ص 64.

[7] المصدر نفسه، ص 96.

[8] Noam Chomsky, Joel Wainwright and Oded Nir, ««There Are Always Grounds for Seeking a World That Is More Free and More Just: An Interview with Noam Chomsky on Israel, Palestine, and Zionism,» Rethinking Marxism: A Journal of Economics, Culture and Society, vol. 30, no. 3 (2018), p. 359.

[9] جوديث بتلر، مفترق طرق: اليهودية ونقد الصهيونية، ترجمة نور الحريري (بيروت: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2017)، ص 332.

[10] ياكوف م. رابكن، المناهضة اليهودية للصهيونية، ترجمة دعد قناب عائدة (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 2006)، ص 185.

[11] Richard Landes, «Proud to be Ashamed to be a Jew: On Jewish Self-Criticism and Its Pathologies,» ISGAP Working Paper Series (Institute for the Study of Global Antisemitism and Policy), no. 9 (April 2015), p. 4.

[12]  Ibid., p. 17.

[13] بتلر، مفترق طرق: اليهودية ونقد الصهيونية، ص 119 – 120.

[14] أرندت، في العنف، ص 78.

[15] دريدا، قوة القانون: الأساس الروحي للسلطة، ص 103.

[16] Robert Eisen, The Peace and Violence of Judaism: From the Bible to Modern Zionism (New York: Oxford University Press, 2011), p. 163.

[17]  Ibid., p. 142.

[18] Mark Juergensmeyer, Margo Kitts, and Michael Jerryson, eds., The Oxford Handbook of Religion and Violence (New York: Oxford University Press, 2015), p. 91.

[19]  Eisen, Ibid., p. 190.

[20]  Juergensmeyer, Kitts, and Jerryson, eds., Ibid., p. 79.

[21] رابكن، المناهضة اليهودية للصهيونية، ص 161.

[22] المصدر نفسه، ص 183.

[23]  Eisen, The Peace and Violence of Judaism: From the Bible to Modern Zionism, p. 157.

[24] رابكن، المصدر نفسه، ص 139.

[25] حسام گصاي، الأصولية اليهودية والأصولية الصهيونية: جدلية الدين اليهودي والدين العبري (بيروت: منتدى المعارف، 2022)، ص 189.

[26] جلعاد عتسمون، من التائه: دراسة في سياسة الهوية اليهودية، ترجمة حزامة حبايب (بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 2012)، ص 181.

[27] الكتاب المقدس، «سفر صموئيل الأول،» الأصحاح 15، الآية 3.

[28] المصدر نفسه، «سفر حزقيال،» الأصحاح 9، الآية 6.

[29] المصدر نفسه، «سفر العدد،» الأصحاح 31، الآية 10.

[30] المصدر نفسه، «سفر إرميا،» الأصحاح 48، الآية 10.

[31] المصدر نفسه، «سفر التثنية،» الأصحاح 20، الآيات 16 – 17.

[32] عمر أمين مصالحة، التلمود المرجعية اليهودية للتشريعات الاجتماعية (عمّان: دار الجليل، 2006)، ص 115.

[33] علي خليل، اليهودية بين النظرية والتطبيق: مقتطفات من التلمود والتوراة (دمشق: اتحاد الكتاب العرب، 1997)، ص 42.

[34] ظفر الإسلام خان، التلمود تأريخه وتعاليمه، ط 2 (بيروت: دار النفائس للطباعة والنشر والتوزيع، 1972)، ص 35.

[35] Gideon Aran and Ron Hassner, «Religious Violence in Judaism: Past and Present,» Terrorism and Political Violence, vol. 25, no. 3 (2013), p. 393.

[36]  Ibid., p. 393.

[37] رابكن، المناهضة اليهودية للصهيونية، ص 139.

[38] جياني فاتيمو، «كيف تصبح مناهضاً للصهيونية،» ترجمة روبرت ت. فالغنتي، في: مجموعة مؤلفين، تفكيك الصهيونية: نقد ميتافيزيقيا سياسية، تحرير جياني فاتيمو ومايكل ماردر؛ ترجمة عدنان حسن (الدوحة: منتدى العلاقات العربية والدولية، 2015)، ص 55.

[39] بتلر، مفترق طرق: اليهودية ونقد الصهيونية، ص 11.

[40] جوديث بتلر، «هل اليهودية هي الصهيونية؟: أو أرندت ونقد الدولة القومية،» في: مجموعة مؤلفين، تفكيك الصهيونية: نقد ميتافيزيقيا سياسية، ص 61.

[41]  Eisen, The Peace and Violence of Judaism: From the Bible to Modern Zionism, p. 163.

[42]  Ibid., p. 163.

[43]  Aran and Hassner, «Religious Violence in Judaism: Past and Present,» p. 361.

[44] بتلر، مفترق طرق: اليهودية ونقد الصهيونية، ص 97.

[45] عبير سهام العبيدي، «الفكر السياسي لجماعة ناطوري كارتا،» مجلة الدراسات الفلسطينية، العدد 15 (حزيران/يونيو 2012)، ص 228.

[46] رابكن، المناهضة اليهودية للصهيونية، ص 169.

[47] أبراهام ملستر، صنع معاداة السامية أو تحريم نقد إسرائيل، ترجمة سميرة خضر (بيروت: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2022)، ص 86.

[48] رابكن، المناهضة اليهودية للصهيونية، ص 304.

[49] بتلر، مفترق طرق: اليهودية ونقد الصهيونية، ص 55.

[50] ملستر، صنع معاداة السامية أو تحريم نقد إسرائيل، ص 108.

[51] إيلان هاليفي، رهاب الإسلام ورهاب اليهودية: الصورة في المرآة، ترجمة سناء الصاروط (الدوحة؛ بيروت: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2017)، ص 96.

[52] بتلر، «هل اليهودية هي الصهيونية؟: أو أرندت ونقد الدولة القومية،» ص 117.

[53] أوري بن اليعازر، حروب إسرائيل الجديدة، ترجمة سعد عياش (رام الله: المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية، 2017)، ص110.

[54] مجدي حماد، السلام الإسرائيلي: استراتيجية الهيمنة (بيروت: مركز باحث للدراسات، 2011)، ج 1، ص 153.

[55] عتسمون، من التائه: دراسة في سياسة الهوية اليهودية، ص 197.

[56] بتلر، مفترق طرق: اليهودية ونقد الصهيونية، ص 271 و275.

[57] أ. لياكوس، «مثلث المشكلة اليهودية،» مدارات غربية، العدد 5 (كانون الثاني/يناير – شباط/فبراير 2005)، ص 52.

[58] أرندت، في العنف، ص 21.

[59] عتسمون، من التائه: دراسة في سياسة الهوية اليهودية، ص 215.

[60] المصدر نفسه، ص 214.

[61] ملستر، صنع معاداة السامية أو تحريم نقد إسرائيل، ص 106.

[62] مايكل ماردر، «المجاز المرسل الصهيوني،» في: مجموعة مؤلفين، تفكيك الصهيونية: نقد ميتافيزيقيا سياسية، ص 265.

[63] بتلر، مفترق طرق: اليهودية ونقد الصهيونية، ص 307.

[64] عتسمون، من التائه: دراسة في سياسة الهوية اليهودية، ص 225.

[65] Gilad Hirschberger, Tom Pyszczynski and Tsachi Ein-Dor, «An Ever-dying People: The Existential Underpinnings of Israelis’ Perceptions of War and Conflict,» Les Cahiers Internationaux de Psychologie Sociale, vol. 3, no. 87 (2010), p. 423.

[66] مارسيلو سفيرسكي، ما بعد إسرائيل نحو تحول ثقافي، ترجمة سمير عزت؛ مراجعة وتدقيق حسام موصللي (ميلانو: منشورات المتوسط، 2016)، ص 24.

[67] «An Interview with Professor Jacques Derrida,» Interviewer Michal Ben-Naftali; Translated from French by Moshe Ron, Ecole des Hautes Etudes en Sciences Sociales (8 January 1998), p. 27.

[68] إيمانويل هيمان، الأصولية اليهودية، ترجمة سعد الطويل؛ مراجعة جمال أحمد الرفاعي (القاهرة: الهيئة العامة المصرية الكتاب، 1998)، ص 181.

[69] شبتاي تبيت، بن غوريون والعرب، ترجمة غازي السعدي (عمّان: دار الجليل للنشر، 1987)، ص 280.

[70] يوسي ميلمان، الإسرائيليون الجدد: مشهد تفصيلي لمجتمع متغير، ترجمة مالك فاضل البديري (عمّان: الأهلية للنشر والتوزيع، 1993)، ص 56.

[71] باروخ كيمرلنغ، «السلام القائم على القوة،» مجلة الدراسات الفلسطينية، السنة 4، العدد 16 (خريف 1993)، ص 131.

[72] كلايف جونز، «اللاهوت الإيديولوجي لليمين الإسرائيلي،» مدارات غربية، العدد 5 (كانون الثاني/يناير – شباط/فبراير 2005)، ص 63.

[73] أبراهام بورغ، لننتصر لهتلر، ترجمة بلال ظاهر وسليم سلامة؛ مراجعة وتقديم أنطوان شلحت (رام الله: المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية، 2010)، ص 286.

[74] عقل صلاح وكميل أبو حنيش، إسرائيل دولة بلا هوية (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 2021)، ص 97.

[75] جوني منصور وفادي النحاس، المؤسسة العسكرية في إسرائيل: تاريخ، واقع استراتيجيات وتحولات (رام الله: المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية، 2009)، ص 433 و447.

[76] صلاح وأبو حنيش، المصدر نفسه، ص 97.

[77] عبير سهام مهدي، التعصب في الفـكـر الصهيوني المعاصر (عمّان: دار الجنان للنشر والتوزيع، 2012)، ص 162.

[78] Yoav Peled and Horit Herman Peled, «Post-Post-Zionism,» New Left Review, no. 67 (January-February 2011), p. 101.

[79]  Ibid., p. 101.

[80] تشومسكي وبابيه، عن فلسطين، ص 66.

[81] المصدر نفسه، ص 66.

[82] المصدر نفسه، ص 198.

[83] رابكن، المناهضة اليهودية للصهيونية، ص 183.

[84] Jan Selby, «Post-Zionist Perspectives on Contemporary Israel,» New Political Economy, vol. 10, no. 1 (March 2005), p. 116.


مركز دراسات الوحدة العربية

فكرة تأسيس مركز للدراسات من جانب نخبة واسعة من المثقفين العرب في سبعينيات القرن الماضي كمشروع فكري وبحثي متخصص في قضايا الوحدة العربية

مقالات الكاتب
مركز دراسات الوحدة العربية
بدعمكم نستمر

إدعم مركز دراسات الوحدة العربية

ينتظر المركز من أصدقائه وقرائه ومحبِّيه في هذه المرحلة الوقوف إلى جانبه من خلال طلب منشوراته وتسديد ثمنها بالعملة الصعبة نقداً، أو حتى تقديم بعض التبرعات النقدية لتعزيز قدرته على الصمود والاستمرار في مسيرته العلمية والبحثية المستقلة والموضوعية والملتزمة بقضايا الأرض والإنسان في مختلف أرجاء الوطن العربي.

إدعم المركز