على الرغم من أن العنصرية عمومًا والإسلاموفوبيا خصوصًا هما من الظواهر التي غالبًا ما يقلّل من شأنها في فرنسا، فقد أصبحتا في السنوات الأخيرة موضع دراسات ومناقشات وتعبئة سياسية. أما العنصرية ضد الفلسطينيين، فما تزال ظاهرة ومفهومًا شبه مجهولَين، مع أن من شأنها أن تتيح لنا فهمًا أفضل لمواقف الدولة الفرنسية وعدد كبير من وسائل الإعلام والشخصيات تجاه الإبادة الجماعية في فلسطين.

إن هذه العنصرية التي تستهدف الفلسطينيين أفرادًا وشعبًا، وفلسطين كقضية سياسية، تسيطر على الخطابات الإعلامية والسياسية في فرنسا منذ ما يقرب من عامين. إلا أن هذه العنصرية، التي لم تكن بهذه الدرجة من العنف في الماضي، ليست بالجديدة. ويعرف ذلك تمامًا كلُ الذين ينحدرون من أصول فلسطينية ويشعرون به في أجسادهم وفي حياتهم اليومية كما في تنقّلاتهم واتصالاتهم: أن تعرّف نفسك كفلسطيني أو فلسطينية ليس أبدًا بالأمر البسيط؛ فهو لا يعني احتمال التعرّض للصور النمطية وأوجه التمييز التي تستهدف العرب والمسلمين فحسب، بل يعني أيضًا احتمال الاصطدام بآراء سياسية تتصدى لهويتك وشرعية انتمائك إلى أرض أجدادك.

يجب التأكيد أولًا أن العنصرية ضد الفلسطينيين تندرجُ ضمن العنصرية ضد العرب وضد المسلمين (الإسلاموفوبيا)، وكلاهما متجذر في فرنسا. لكن العنصرية ضد العرب لا تميّز بين البلدان العربية المختلفة، وبذلك من غير الممكن أن يخضع الفلسطينيون للصور التمثيلية والتمييزية نفسها التي تصيب الأشخاص من أصل مغاربي وعددهم أكبر كثيرًا في فرنسا. كما أن وجود الأقليات المسيحية الفلسطينية لا يكاد يُذكر. لهذا السبب يدخل الفلسطينيون جميعهم في خانة الإسلام ويمكن أن يتعرّضوا للنزاعات العنصرية نفسها التي تصيب المسلمين. ومن الواضح أن أيديولوجية الإسلاموفوبيا والحرب الدولية على «الإرهاب» التي سادت خلال سنوات طويلة، قد تغلغلت في الأذهان وجعلت الخطابات المعادية للفلسطينيين تحظى بقبول أكبر، مسوّغة بذلك للكثيرين حرب الإبادة في غزة. غير أن الفلسطينيين يواجهون أيضًا عنفًا عنصريًا تستحق دراسة رهاناته السياسية وأشكاله الخاصة تحليلًا مستقلًا.

1 -في التقاطع بين الاستشراق والعنصرية
ضد العرب والإسلاموفوبيا

تاريخيًا، تعود العنصرية ضد الفلسطينيين إلى إرث الاستشراق كما يصفه إدوارد سعيد الذي رافق الاستعمار الأوروبي للشعوب من شمال أفريقيا إلى الهند حتى أواخر القرن التاسع عشر. فقد استعارت الأيديولوجيا الصهيونية الصور النمطية الاستشراقية لإقناع الأوروبيين بمنح اليهود دولة على أرض فلسطين. وصُوِّر بذلك الوجود الفلسطيني أنه يقتصر على بعض القبائل البدوية الرّحالة، وفلاحين جاهلين غير قادرين على تطوير البلاد، وأعيان جشعين مستعدين لبيع أراضيهم لمن يدفع أكثر. يضاف إلى ذلك الفكرة التي أشيعت على نطاق واسع بأن الفلسطينيين لم يعرفوا يومًا كيف يدافعون عن قضيتهم أو يوصلون صوتهم؛ وهو أمرٌ يساهم في نفي التاريخ الفلسطيني وسرديته حتى يومنا هذا[1].

يتبيّن كذلك أن العنصرية ضد الفلسطينيين مركزية في بناء عنصرية ضد العرب أكثر حداثة، إذ تقدّم الفلسطيني بصورة سلبية راسخة[2]. وقد أظهر جاك شاهين في أبحاثه الوثائقية أن صورة العرب في السينما الهوليوودية تتبع تطور سياسات الحكومات الأمريكية، فتتغيّر صورة «الإرهابي» تبعًا لطبيعة الصراعات، فيكون تارة ليبيًا أو عراقيًا أو صوماليًا أو إيرانيًا. وفي المقابل يُصَوّر دائمًا الفلسطيني منذ الستينيات كشخص عنيف ومتطرف وإرهابي، علمًا أنه يوصف أصلًا بأنه معادٍ للسامية ويُربط في الخيال الجماعي بالنازية[3]. أما في فرنسا فيحيل مصطلح «العرب» في أغلب الحالات إلى المغربيين المنحدرين من هجرة عمّالية تبعت حقبة الاستعمار، ويُنظر إليهم أيضًا «كمجموعات خطيرة». يتأثر الفلسطينيون في فرنسا بمناخ الارتياب العام الذي يصيب العرب والمسلمين مضافًا إليه ما يتعرضون له من تمييز مرتبط بهويتهم الخاصة وانتشار تصوّرات متخيّلة نابعة من الواقع الجيوسياسي[4].

ومنذ 11 أيلول/سبتمبر 2001، أدى تطور الإسلاموفوبيا العالمية إلى إدراج الفلسطينيين في خطاب الإرهاب الإسلامي الدولي فأصبحت مقاومتهم تشكّل تعبيرًا عن تطرف ديني يلجأ إلى العنف ومعادٍ للغرب، وفاقد بذلك لشرعيته. أتاح هذا النموذج للقادة الإسرائيليين وكثير من وسائل الإعلام الفرنسية مقارنة 7 أكتوبر 2023 بهجمات 11 سبتمبر أو الهجوم على قاعة باتاكلان في فرنسا عام 2015. فإذا كان الأمر يتعلق بالإرهاب الإسلامي، يصبح القتال صراعًا بين «الخير» و«الشر»، وبين «البرابرة» و«المتحضرين»، وتفرض هذه الرؤية العنصرية نفسها للتقليل من مكانة بعض المجموعات والنضالات التي تقودها[5]. إن إدراج العنصرية ضد الفلسطينيين ضمن الإسلاموفوبيا العالمية، التي تغذيها الدعاية الموالية لإسرائيل[6]، قد سمح بإذابة قضية استعمارية ملموسة في حرب حضارات متخيّلة، يقوم بموجبها متدينون متطرفون (أي الفلسطينيون)، يتبنون العنف ومعادون للسامية، بمهاجمة ديمقراطية غربية (أي إسرائيل) متفوقة بطبيعتها.

2 – العنصرية ضد سكان البلاد الأصليين

تنتمي العنصرية ضد الفلسطينيين، على وجه الخصوص، إلى نمط من العنصرية الاستعمارية التي تتيح إنكار مجرد وجود شعوب أصلية على أراضٍ معينة. وكانت العنصرية جزءًا لا يتجزأ من المشروع الصهيوني منذ نشأته، ولا سيّما ما يتعلق بأسطورة «أرض بلا شعب لشعب بلا أرض»[7]. ويترافق إخفاء وجود الشعب الفلسطيني مع إنكار تاريخي لنكبة عام 1948 التي بقي ذكرها محرّمًا حتى بعد توثيق المؤرخين الإسرائيليين أنفسهم للتخطيط للتطهير العرقي[8]. وبيّن إدوارد سعيد، عام 1979، كم كان من الصعب التحدّث عن فلسطين، لأن «إسرائيل نفسها، وكذلك من يدعمها، حاولت محو الفلسطيني بالكلمات والأفعال […]. إن وجودنا يمثّل بحد ذاته اتهامًا لإسرائيل على ما فعلته بنا»[9].

ونشرت جمعية المحامين الكنديين العرب (ACLA)، عام 2022، تعريفًا دقيقًا للعنصرية ضد الفلسطينيين تبرز فيه قضية الشعوب الأصلية. وهي تؤكد أن مفهوم العنصرية ضد الفلسطينيين يُستخدم على نحوٍ متزايد داخل الأوساط الفلسطينية وبين حلفائهم، وتذكر الأشكال المختلفة التي يمكن أن يتّخذه:

  • إنكار النكبة.
  • تبرير العنف ضد الفلسطينيين.
  • عدم الاعتراف بالفلسطينيين كشعب أصلي له هوية وانتماء وحقوق جماعية على فلسطين المحتلة والتاريخية.
  • مسح الحقوق الإنسانية والكرامة المتساوية للفلسطينيين.
  • استبعاد وجهات النظر الفلسطينية والفلسطينيين وحلفائهم أو الضغط على البعض من أجل تجاهل وجهات النظر الفلسطينية والفلسطينيين وحلفائهم.
  • التشهير بالفلسطينيين وحلفائهم باتهامهم أنهم في الأساس معادون للسامية أو متعاطفون مع الإرهاب أو معارضون للقيم الديمقراطية[10].

تجدر الإشارة إلى أن مفهوم «العنصرية ضد الفلسطينيين» ينتشر على ما يبدو على نحوٍ أوسع في أمريكا الشمالية، وبخاصة بسبب الوعي المتزايد بالقمع المستمر لسكان الأرض الأصليين؛ ففي كندا مثلًا، يُسَلّط الضوء على الروابط المهمة بين الاستعمارين الكندي والإسرائيلي (كون الدوليتين من الدول الاستعمارية الاستيطانية) فضلًا عن التضامن مع الأقليات المختلفة والشعوب الأصلية في نضالاتها المناهضة للعنصرية[11]. كما تصف الكاتبة إميلي نيكولا، في مقالة لها في صحيفة كندية، العنصرية ضد الفلسطينيين بأنها شكل من أشكال العنصرية ضد السكان الأصليين، مشيرة إلى أن فئةً من الناس تجد نفسها بلا دولة لأن هناك دولة أقيمت «فوق» أرض أجدادها التاريخية، «ويجد بذلك مصطلح السكان الأصليين جزءًا كبيرًا من معناه في التقاطع بين واقع الأقدمية وسلب الملكية»[12].

كما نستطيع في فرنسا أيضًا فهم طبيعة العنصرية ضد الفلسطينيين بوصفها عنصرية ضد السكان الأصليين وهي واقع في تاريخ الاستعمار الفرنسي[13]. فخلال حرب الأيام الستة عام 1967 مثلًا، «دفع نوع من العنصرية الاستعمارية أنصار الجزائر الفرنسية على دعم الدولة العبرية»[14]. وربما كان بذلك التعاطف مع «إسرائيل» – مشوبًا بعداء للعرب – نوع من أنواع الانتقام المقنّع من إنهاء الاستعمار. وتؤكد اليوم الكثير من شهادات أحفاد السكان المستعمَرين الموجودين في فرنسا أن مصير غزة يلقى صدى عميقًا في تاريخهم الخاص[15]. علاوة على ذلك، فإن قلب التهمة على الفلسطينيين وعَدَّهم يمثلون تهديدًا لسلامة الإسرائيليين، هو عنصر أساسي من العنصرية الاستعمارية. فأي شكوى حقيقية أو مفترضة ضد المستعمرين (الذين تتماهى معهم أكثرية الناس في فرنسا)، تُعد أشد خطورة من المعاناة التي يعيشها من يواجهون الاستعمار منذ 77 عامًا. إن التفوق العرقي كان دائمًا ولا يزال محورًا مركزيًا في الأيديولوجيات الاستعمارية[16].

3 – العنصرية ضد الفلسطينيين ومعاداة السامية

ثمّة خصوصية أخرى تكمن في أن العنصرية ضد الفلسطينيين تشكلّت دائمًا كصورة معكوسة لمعاداة السامية. وتقوم الكاتبتان الكنديتان ياسمين أبو لبن «الفلسطينية الأصل» وأبيغيل باكان «اليهودية الأصل»، بوصف خصوصية مفهوم العنصرية ضد الفلسطينيين بأنه «واقع يتم كتمانه ولا يُذكر اسمه»، لأنه يصطدم بسردية دولة إسرائيل المرتكزة على معاداة السامية. ويبدو أن هناك فجوة لا يمكن ردمها بين صهيونية دولة إسرائيل التي تعرّف نفسها كملاذ لليهود المنفيين في كل أقطار العالم والهاربين من معاداة السامية، والصهيونية في نظر ضحاياها الفلسطينيين الذين يعانون الاحتلال ومصادرة الأرض والعنصرية التي تمارسها هذه الدولة الاستعمارية. ولم يستطع أبدًا المجتمع الدولي تناول العنصرية التي يعانيها الفلسطينيون بسبب رفض الولايات المتحدة وإسرائيل وحلفائها المشاركة في المؤتمرات المناهضة للعنصرية كلما كان الأمر يتعلق بإسرائيل[17]. أما محاولة «التحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست» (IHRA) بفرض تعريفه لمعاداة السامية على مستوى المؤسسات، فتندرج ضمن المنطق نفسه. ويتضمن هذا التعريف عدة أمثلة يُعد فيها انتقاد دولة «إسرائيل» بأنه معاداة للسامية. وعلى الرغم من الاحتجاجات الكثيرة التي أبدتها عدة منظمات، تم تبني قرار مستوحى من هذا التعريف في مجلس النواب الفرنسي عام 2019، وفي مجلس الشيوخ عام 2021‏[18]. ومع أن هذا القرار غير ملزم قانونيًا، إلا أنه جزء من الاتجاه العام الذي يسعى إلى جعل أي انتقاد لـ«إسرائيل» مثيرًا للشبهات.

ثمة أيضًا نتيجتان خطيرتان للاتهامات بمعاداة السامية عندما تكون بلا أساس: أولاهما أنها تشوّه النضال الضروري ضد معاداة السامية الحقيقية، وثانيتهما أنها تغذي العنصرية ضد الفلسطينيين. «فالخلط بين الانتقاد المشروع للسياسات الإسرائيلية ومعاداة السامية يجعل من الصعب على الجمهور التعرّف إلى معاداة السامية الحقيقية، الأمر الذي يعرّض اليهود عمدًا للخطر»[19]. إن هذا الانزلاق الخطير هو بالفعل في صميم مخاوف الجماعات اليهودية المناهضة للاستعمار الوريثة لتاريخ طويل من معارضة الصهيونية في أمريكا الشمالية كما في فرنسا، والتي لا تتوقف عن التحذير من مخاطر استغلال قضية معاداة السامية[20].

علاوة على ذلك، وكما تظهر الدراسات التي تتناول العنصرية ضد الفلسطينيين، تبرز الاتهامات بمعاداة السامية من بين أولى المعايير التي تستخدم لوصم الفلسطينيين، ولا سيَّما في المحتويات الواردة على شبكة الانترنت[21]. ويرى البعض أن مجرد الخلط بين الصهيونية ومعاداة السامية هو بحد ذاته «معادٍ للفلسطينيين»، ذلك أن الرواية الإسرائيلية روّجت للفكرة القائلة بأن «الذي يرفض مطالب اليهود بامتلاك دولة خاصة بهم في فلسطين، أي صهيونية الدولة، يُعَد معاديًا للسامية»[22]. إن بناء صورة الفلسطيني بوصفه تهديدًا يتعلق بمعاداة السامية وتهديدًا إرهابيًا هو في صميم العنصرية ضد الفلسطينيين، إذ لا يكتفي بنزع الشرعية عن أي مقاومة للاحتلال، بل يقلّل أيضًا من قيمة حياة الفلسطينيين مقارنة بحياة الإسرائيليين. ونرى هذه الهرمية العرقية تبرز بشكل أوضح منذ 7 أكتوبر 2023.

4 – عنصرية سياسية معدية

تقوم أغلبية الدراسات الميدانية حول العنصرية ضد الفلسطينيين بتحليل أثر هذه العنصرية على أي شخص يدافع عن القضية الفلسطينية. فهذه العنصرية تستهدف أولًا الفلسطينيين أنفسهم، لكنها «تفيض» على الآخرين[23] كما لو أنها «تلوّث» حلفاء القضية.

في فرنسا، لا يوجد أدنى شك حول ما يتعرض له الفلسطينيون الذين يعبّرون علنًا عن آرائهم من خطابات مهينة، وعنف، وترهيب، ومضايقات، كما نراه في المثال الأبرز للنائبة الأوروبية عن فرنسا ريما حسن – النائبة الوحيدة من أصل فلسطيني والعضو في حزب فرنسا الأبية[24]. لكن آلية «الشيطنة» هذه وتشويه السمعة يصيبان أيضًا المسلمين أو المنتمين إلى أعراق من غير البيض عندما يتكلمون على فلسطين. كما يواجه المناصرون الآخرون للقضية الفلسطينية في فرنسا أشكالًا كثيرة من الترهيب. فالحديث عن فلسطين كان دائمًا محفوفًا بالمخاطر ويكلّف ثمنًا باهظًا، ولا تُحصى أعداد المثقفين والنشطاء الذين اتّهموا بمعاداة السامية أو تعرّضوا لردود انتقامية بمجرد حديثهم عن فلسطين. وينطبق الأمر نفسه على أكبر حزب يساري «فرنسا الأبية» الذي يهاجَم من كل جانب بسبب مواقفه من فلسطين. وخلال الأشهر الأخيرة، لم يقتصر الأمر على الاتهامات بمعاداة السامية من جانب وسائل الإعلام والأوساط السياسية، بل استُخدمت أيضًا الترسانة القانونية القمعية من خلال التهمة بجرم «تمجيد الإرهاب» التي استهدفت عددًا كبيرًا من الأشخاص[25]. وحتى في حال إسقاط تلك الإجراءات القانونية، فإن مثل هذه الاتهامات تتيح نزع الشرعية عن أي شخص يدافع عن القضية الفلسطينية وترهيبه. وتكمن خصوصية العنصرية ضد الفلسطينيين التي تستخدم للدفاع عن إسرائيل في أنها تدمغ بالخزي والعار كل الذين تستهدفهم بوسمهم بمعاداة السامية مضافًا إليها التواطؤ مع الإرهاب.

وكان الباحث بول ب. بريسيادو قد كشف في نهاية تشرين الأول/أكتوبر 2023، عبر نص جلي، عن رؤيته القاتمة للمستقبل، هذا الانحراف القمعي وأدرجه في سياق أوسع قائلًا إنه «كان من الصعب حتى الآن التنبؤ بأن الفاشية الجديدة في الغرب ستضفي الشرعية على تحوّلها السلطوي الخاص عبر استخدامها تهمة معاداة السامية لتجريم أي موقفٍ معارض يكون مناهضًا للحرب وللاستعمار، بما في ذلك، لكن ليس حصريًا، دعم الشعب الفلسطيني». ويرى الكاتب في استغلال مكافحة معاداة السامية «قناعًا من أكثر الأقنعة خبثًا يستخدم لتغطية فاشية جديدة ليس فقط في إسرائيل بل في أوروبا أيضًا وفي الولايات المتحدة»[26].

الخلاصة

لطالما كان للعنصرية عبر التاريخ وظيفة محددة، فقد استندت أوروبا إلى حجج بيولوجية واهية تبرّر دونية بعض «الأعراق»، وقامت بغزو العالم، وارتكبت المجازر، واستولت على الأراضي واستعبدت سكانها. كما أتاحت لها هذه العنصرية تسويغ استعباد ملايين الأفارقة والاتجار بهم بأرقام غير مسبوقة في التاريخ. وفي منتصف القرن العشرين، تحوّلت العنصرية البيولوجية في جزء منها إلى عنصرية ثقافية تضع جماعات معيَّنة في مرتبة دونية بسبب عاداتها أو تقاليدها أو نمط حياتها. ولمّا كان إنشاء إسرائيل هو نتاج الاستعمار الأوروبي واستعمار أمريكا الشمالية، المعتمدين على الأيديولوجية القومية والعنصرية نفسها، أصبح مصيرها ذات أهمية كبرى للغرب. ومثلما تمسّكت فرنسا على نحوٍ يائس بالجزائر مرتكبة أسوأ الفظائع الاستعمارية، فهي لا تريد التخلي عن إسرائيل ذلك أن التماهي معها قوي للغاية.

إنّ العنصرية ضد الفلسطينيين، التي تندرج ضمن العنصرية ضد العرب والإسلاموفوبيا، لها خصوصية تكمن في بعدها الاستعماري المعادي لسكان البلد الأصليين وفي ما تحمله من اتّهامات بمعاداة السامية والإرهاب. كما تتميّز بطابعها العدائي الذي يقود إلى تجريم كل من يدافع عن القضية الفلسطينية. بهذا، إضافة إلى تبرير استمرار الاحتلال والفصل العنصري الإسرائيلي، تسوّغ العنصرية ضد الفلسطينيين تجريم وإسكات الأصوات الفلسطينية وكذلك الأصوات المتضامنة مع نضال الشعب الفلسطيني من أجل التحرّر من نير الاستعمار. وفي فرنسا كما في أقطار أخرى، تحمل هذه العنصرية وظيفة إضافية هي تبرير محاولة اجتثاث شعب بأكمله على مرأى ومسمع الجميع، والتقليل من خطورة هذه المحاولة وإنكار وجودها.

كتب ذات صلة:

في جينالوجيا الآخر: المسلم وتمثلاته في الاستشراق والأنثروبولوجيا والسوسيولوجيا

نقد الثقافة الغربية: في الإستشراق والمركزية الأوروبية

النقد الثقافي: الإشكالات والمضمرات وتأثيرها في الثقافة العربية

المصادر:

نُشرت هذه المقالة في مجلة المستقبل العربي العدد 562 في كانون الأول/ ديسمبر 2025.

هدى عسل: باحثة في علم الاجتماع والتاريخ.

حقوق الصورة محفوظة لوكالة فرانس برس.

[1] Lori Allen, «Subaltern Critique and the History of Palestine,» in: Didier Fassin and Bernard E. Harcourt, eds., A Time for Critique (New York: Columbia University Press, 2019).

[2] Rachad Antonius, «Un racisme «respectable»,» dans: Jean Renaud [et al.], dirs., Les Relations ethniques en question (Montréal: Presses de l’Université de Montréal (PUM), 2018)

[3] Jack G. Shaheen, Reel Bad Arabs: How Hollywood Vilifies a People (New York: Olive Branch Press, 2001), (revu en 2012). Voir le documentaire qui en est tiré de Sut Jhally (2006) <https://www.youtube.com/watch?v=TPxak6lFd-I>.

[4] Tareq Arar, «La Palestine et les Palestiniens en France et en Grande-Bretagne. Une analyse géopolitique,» (Thèse de doctorat, Université Paris VIII, 2010), et Ellie Mevel, «Porter la cause et être soi: Le devoir identitaire de la diaspora palestinienne en France,» (Thèse de sociologie, Université de Normandie, 2018).

[5]    Alain Gresh, Palestine, un peuple qui ne veut pas mourir (Paris: Les liens qui libèrent, 2024).

[6] Rabab Ibrahim Abdulhadi, «The Islamophobia Industry and Israel Lobby Industries: Overlapping Interconnection, anti-Racist Policy recommendations,» (Carter Center, Atlanta, GA, USA, mai 2018); Hatem Bazian, «The Islamophobia Industry and the Demonization of Palestine,» American Quarterly, vol. 67, no. 4 (December 2015), and Jasmin Zine, «The Canadian Islamophobia: Mapping Islamophobia’s Ecosystem in the Great White North,» (Islamophobia Studies Center (Berkeley), 2022).

[7] Michel Warschawski, «État, nation et nationalisme: Actualité du sionisme,» L’Homme et la société, no. 114 (1994), et Fayez A. Sayegh, «Zionist Colonialism in Palestine (1965),» Settler Colonial Studies, vol. 2, no. 1 (2012), pp. 206-225.

[8] Dominique Vidal, avec Joseph Algazy, Le Pêché originel d’Israël. L›expulsion des Palestiniens revisitée par les «nouveaux historiens» israéliens (Paris: L’Atelier, 1998), et Nurit Peled-Elhanan, Palestine in Israeli School Books: Ideology and Propaganda in Education (London: I. B. Tauris, 2012).

[9] Edward W. Said, La Question de Palestine, traduit par Jean-Claude Pons (Paris: Editions Actes Sud-Sindbad, 2010), p. 13.

[10] Dania Majid, «Anti-Palestinian Racism: Naming, Framing and Manifestations,» (Arab-Canadian Lawyers Association (ACLA), avril 2022). Définition souvent reprise, notamment par le Anti-Palestinian Racism Research Group (APRRG): <https://antipalestinianracism.org>; «Anti-Palestinian Racism Survey Preliminary Report,» (IUAPR’s Anti-Palestinian Racism Research Group, avril 2024), <https://medium.com/@aprresearchgroup>.

[11] Houda Asal, «La Défense de la cause palestinienne sous surveillance. Entre profilage politique et racial au Canada (1945-1980),» dans: P. Dufour et F. Dupuis Deri, dirs., Profilages policiers (Montréal: PUM, 2022); Majid, «Anti-Palestinian Racism: Naming, Framing and Manifestations»; and «Racisme anti-Palestinien au Canada: Rapport 2022 de CJPMO,» (décembre 2023).

[12]   Émilie Nicolas, «Racisme anti-palestinien,» Le Devoir (9 mai 2024).

[13] Joseph Massad, «Algeria, Israel and the Last European Settler Colony in the Arab World,» Middle East Eye (19 July 2022), and Hamza Hamouchene, «De l’Algérie à la Palestine, la fausse équivalence entre le colonisé et le colonisateur,» Contretemps (9 novembre 2023), et Sbeih Sbeih, « Sur la condition coloniale en Palestine », Contretemps (24 juillet 2024).

[14] Yvan Gastaut, «La Guerre des Six jours et la question du racisme en France,» Cahiers de la Méditerranée, vol. 71 (2005).

[15] Sophie Boutière-Damahi, «À Marseille, Gaza fait écho à l’histoire du racisme anti-arabe,» Orient XXI (12 février 2024).

[16] Ali Rebas, «Le droit de se défendre ou comment faire accepter un génocide,» Orient XXI (1 juillet 2024), and Nasser Abourahme, «In Tune With Their Time,» Radical Philosophy, no. 216, (Summer 2024), pp. 13–20.

[17] Yasmeen Abu-Laban and Abigail B. Bakan: «Anti-Palestinian Racism: Analyzing the Unnamed and Suppressed Reality,» (21 September 2021), <https://pomeps.org/anti-palestinian-racism-analyzing-the-unnamed-and-suppressed-reality>, and «Anti-Palestinian Racism and Racial Gaslighting,» The Political Quarterly, vol. 93, no. 3 (July-September 2022).

[18] «Le Sénat adopte une résolution pour lutter contre toutes les formes de l’antisémitisme,» Public Sénat (5 octobre 2021).

[19] Soumission conjointe de Canadiens pour la justice et la paix au Moyen-Orient (CJPMO), de l’Association des juristes canadiens arabes (AJCA), de Voix juives indépendantes Canada (VJI) et du Conseil canadien des affaires publiques musulmanes (CCAPM), «Lutte contre le racisme anti-palestinien et l’antisémitisme,» (mai 2024), <https://fr-cjpme.nationbuilder.com/anti_racism_strategy_recommendations_2024>.

[20]   Pour la France, voir les écrits de l’Union juive française pour la Paix, Tsedek ou Kessem.

[21]   «Racisme anti-Palestinien au Canada: Rapport 2022 de CJPMO,» (décembre 2023).

[22] Jeremiah Haber, «Fight anti-Palestinianism as we would anti-Semitism,» +972 Magazine (6 April 2016).

[23]   Abu-Laban and Bakan, «Anti-Palestinian Racism and Racial Gaslighting».

[24] Julien Deroni, «Israël-Palestine, le 7 octobre et après,» (février 2024), Acrimed, en ligne; «Acharnement médiatique contre Rima Hassan,» (31 mai 2024), <https://www.acrimed.org/Acharnement-mediatique-contre-Rima-Hassan-video>.

[25] Meriem Laribi, «Apologie du terrorisme. Les pères fouettards des tribunaux jouent à faire peur,» Orient XXI (9 mai 2024), et «Contre l’escalade répressive, pour la solidarité avec la Palestine, faisons front maintenant!,» Contretemps (24 avril 2024).

[26]   Paul B. Preciado, «Si nous ne sommes pas capables,» Libération (28 octobre 2023).


مركز دراسات الوحدة العربية

فكرة تأسيس مركز للدراسات من جانب نخبة واسعة من المثقفين العرب في سبعينيات القرن الماضي كمشروع فكري وبحثي متخصص في قضايا الوحدة العربية

مقالات الكاتب
مركز دراسات الوحدة العربية
بدعمكم نستمر

إدعم مركز دراسات الوحدة العربية

ينتظر المركز من أصدقائه وقرائه ومحبِّيه في هذه المرحلة الوقوف إلى جانبه من خلال طلب منشوراته وتسديد ثمنها بالعملة الصعبة نقداً، أو حتى تقديم بعض التبرعات النقدية لتعزيز قدرته على الصمود والاستمرار في مسيرته العلمية والبحثية المستقلة والموضوعية والملتزمة بقضايا الأرض والإنسان في مختلف أرجاء الوطن العربي.

إدعم المركز