مقدمة

شهد العالم قيام تكتلات اقتصادية إقليمية، سواء بصيغتها التقليدية خلال الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين، أو بصيغتها الجديدة التي شهدها النصف الثاني من الثمانينيات من القرن نفسه. ويعود إنشاء هذه التكتلات إلى مجموعة من العوامل التي تدفع دولة ما، أو مجموعة من الدول، إلى تكوين تكتل اقتصادي أو الانضمام إلى تكتل اقتصادي قائم بالفعل قصد تحقيق أهداف اقتصادية وتنموية تعود بالنفع على كل البلدان المشتركة بالتكتل الاقتصادي نفسه.

وقد أخذت الدعوة إلى التكامل الاقتصادي تتوسع وتزداد أهميتها في أواخر القرن العشرين وبداية القرن الحادي والعشرين، فازداد عدد الدول التي اعتمدت سياسة التكامل الاقتصادي في العالم، سواء كانت هذه الدول متقدمة أو دولًا نامية كالبلدان العربية.

وليس هناك من شك في أنّ تحقيق التكامل الاقتصادي العربي تواجهه عقبات وتحديات عديدة منها ما هو دولي، ومنها ما هو إقليمي مثل مشروع الشرق الأوسط الجديد ومشروع الشرق الأوسط الكبير ثم المشروع الأورمتوسطي، إضافة الى التحديات البينية العربية سواء منها التحديات السياسية والاقتصادية، وكذا التحديات التنموية والبنيوية العربية، وهو ما سوف نتناوله في هذه المقالة الاكاديمية.

أولًا: مسار التكامل الاقتصادي العربي

1 – مراحل مسار التكامل الاقتصادي العربي

أصبح التكامل الاقتصادي العربي من الموضوعات القديمة والمتجددة في الأدبيات الاقتصادية، بحيث شهدت المنطقة العربية سلسلة من المحاولات المتعاقبة من أجل إقامة تكامل اقتصادي فيما بينها انطلاقًا من الأعوام التي أعقبت تأسيس الجامعة العربية حتى الآن، ولم يتوقف الحديث ولم تنقطع محاولات إقامة تكامل عربي قوي يحفظ مصالح أعضائه ويعزز قدراتهم التنموية ويمنحهم موقفًا تفاوضيًا أقوى في المحافل الدولية.

ويمكن تقسيم وتلخيص تجربة التكامل الاقتصادي إلى المراحل التالية:

– المرحلة الأولى: بعد الحرب العالمية الثانية حتى نهاية الستينيات: كان تاريخ البدء في مسيرة التكامل الاقتصادي العربي هو تاريخ إنشاء الجامعة العربية في 23 آذار/مارس 1945 الذي تمثّل بخلق الأجهزة الاقتصادية الفنية لإرساء قواعد التعاون الاقتصادي[2].

اشتمل التعاون الاقتصادي العربي خلال حقبة الخمسينيات على إبرام عدد من الاتفاقيات الجماعية التفضيلية، وإقامة المجالس الوزارية واللجان الدائمة والتي أنشئت لتحقيق الأغراض الاقتصادية التي نص عليها ميثاق الجامعة ومحاولات بناء التكامل الاقتصادي، وكان من أهم اتفاقيات التعاون الاقتصادي المشترك ما يلي[3]:

اتفاقية تسهيل التبادل التجاري وتنظيم تجارة الترانزيت بين دول الجامعة العربية التي أقرها مجلس الجامعة في أيلول/سبتمبر 1953.

اتفاقية إنشاء مجلس الوحدة الاقتصادية العربية في عام 1957.

إنشاء السوق العربية المشتركة عام 1964 التي كانت محصورة في أربع دول عربية هي الأردن، ومصر، والعراق، وسورية.

تمثل هذه الاتفاقيات أول مدخل للتعامل التجاري التفضيلي كأساس للتعاون الاقتصادي، إلا أن قرار إنشاء السوق العربية المشتركة واجهته الكثير من المعوقات التي كانت تعبر عن واقع حال البلدان العربية حديثة الاستقلال، كاختلاف السياسات الاقتصادية الوطنية، واتباع سياسات جمركية وحمائية معوقة للتجارة البينية، إضافة إلى المشاكل الاقتصادية الهيكلية المتمثلة بالتفاوت في مستويات التنمية الاقتصادية ومعدلات النمو، واختلاف النظم السياسية وغياب الالتزام السياسي.

المرحلة الثانية: حقبة السبعينيات والثمانينيات: دخل التعاون الاقتصادي العربي المشترك مطلع السبعينيات مرحلة جديدة من مراحل تطوره بفعل مجموعة من العوامل السياسية والاقتصادية التي حدثت خلال تلك الحقبة من أبرزها تعديل أسعار النفط العالمية عام 1974 [4]، وبدأ التفكير خلال هذه المرحلة بوضع استراتيجية للعمل الاقتصادي العربي المشترك والتنمية الاقتصادية العربية.

لقد كان الشعور بعدم تحقيق تقدم ملموس على صعيد التكامل الاقتصادي العربي بعد أكثر من ثلاثة عقود على انطلاق مسيرة العمل الاقتصادي العربي المشترك حافزًا قويًا لتكريس القمة الحادية عشرة المنعقدة في عمان 1980 للشؤون الاقتصادية حيث صودق على عدد من الوثائق المهمة هي وثيقة استراتيجية العمل الاقتصادي العربي؛ ميثاق العمل الاقتصادي الوطني وعقد التنمية العربية المشتركة؛ الاتفاقية الموحدة لاستثمار الأموال العربية في البلدان العربية؛ إنشاء المؤسسة العربية لضمان الاستثمار ضد المخاطر السياسية.

ونظرًا إلى عدم تطور المبادلات التجارية البينية بين الدول المنخرطة في التكامل وعدم إنجاز أية خطوات حقيقية في الواقع الملموس لبناء مستوى من مستويات التكامل الاقتصادي الإقليمي دفع البلدان العربية إلى إبرام اتفاقية تيسير وتنمية التبادل التجاري عام 1981 التي دخلت حيز التنفيذ اعتمادًا من أواخر عام 1982، وهي عبارة عن إعلان نيات للتفاوض حول القيود المفروضة على التجارة العربية سواء للتجارة في السلع المصنعة ونصف المصنعة، وإعفاء السلع الزراعية كلية من الرسوم الجمركية وفقًا لما سبق الاتفاق عليه في إطار اتفاقية الترانزيت عام 1953 [5].

كما شهدت الثمانينيات ظهور المجالس التعاونية الثلاثة ويتعلق الأمر بما يأتي:

مجلس التعاون الخليجي في أيار/مايو 1981 بين 6 بلدان عربية هي؛ الإمارات، والبحرين، وعمان، وقطر، والكويت، والسعودية، وهو مجلس مغلق.

مجلس التعاون العربي في شباط/فبراير 1989 بين الأردن والعراق ومصر واليمن وهو مفتوح العضوية.

اتحاد المغرب العربي في سنة 1989 بغية تشجيع المشاريع المشتركة وإقامة سوق موحدة بين كل من الجزائر، تونس، المغرب، ليبيا، موريتانيا، وهو مجلس مغلق العضوية.

في ظل العقبات التي سادت حقبة السبعينيات والثمانينيات لم تصل البلدان العربية بالعمل الاقتصادي العربي المشترك إلى المستويات التكاملية المطلوبة. وقد كان أبرز هذه العقبات ضعف التزام الكثير من البلدان العربية بالاتفاقيات المعقودة في إطار جامعة الدول العربية، والقرارات المتحدة من جانب مؤسسات العمل الاقتصادي العربي المشترك أدت إلى عدم زيادة التبادل التجاري بين بلدان السوق العربية المشتركة ولا بين مجموع البلدان العربية.

المرحلة الثالثة: منذ التسعينيات حتى الوقت الراهن: أمام التطورات الاقتصادية التي حدثت في العقد الأخير من القرن العشرين من بروز العولمة الاقتصادية وإنشاء منظمة التجارة العالمية وتنامي التكتلات الاقتصادية، قد فرضت على الوطن العربي خيارين لا ثالث لهما؛ إما التكتل لخلق قوة عربية فاعلة في مواجهة التحديات المختلفة التي أفرزتها وتفرزها هذه التطورات، وإما قبول التهميش لجهة فقدان السيطرة على القرار الوطني الاقتصادي والسياسي فيما لو بقيت البلدان العربية تتعامل انفراديًا مع العالم الخارجي.

ولمواجهة انعكاسات تلك التطورات على التجارة العربية، فإن الدعوة إلى إقامة منطقة تجارة حرة عربية كبرى قد حظيت باهتمام كبير على مختلف الصعد الرسمية، وخلال مؤتمر القمة العربية الذي انعقد في عمان في 21، 22 حزيران/يونيو 1996 كلف المؤتمر المجلس الاقتصادي والاجتماعي للدول العربية باتخاذ ما يلزم من إجراءات نحو الإسراع في إقامة منطقة التجارة الحرة وفقًا لبرنامج أعمال وجدول زمني، وهكذا جاء قرار إنشاء المجلس الاقتصادي والاجتماعي في دورة انعقاده التاسع والخمسين (17، 19 شباط/فبراير 1997) بالموافقة على إعلان منطقة التجارة الحرة العربية[6].

2 – عوائق إخفاق التكامل الاقتصادي العربي‏

يتفق الخبراء والمختصون والدارسون العرب على تحديد جملة من العوائق والعقبات، أدت إلى فشل التكامل الاقتصادي العربي[7]، أهمها:‏

أ – العوائق التاريخية

عمل الاستعمار على تفكيك الوطن العربي وتجزئته إلى مجموعة من الكيانات المتفاوتة من حيث الحجم والطاقات المادية والبشرية (الطبيعية)، وبالتالي نتج منها بعض الآثار السلبية في التكامل وهي[8]:

(1) الخوف من فقدان السيادة: تخشى الكثير من البلدان العربية أن يؤدي التعاون في مجالات معينة إلى ذوبان بعضها في إطار البعض الآخر وبالتالي فقدان شخصيتها في خريطة المجتمع الدولي، وبالتالي ضعف أو انعدام حريتها في التصرف، ولهذا تعمل جاهدة لحماية هذا الاستقلال بالتبعية للغرب.

(2) الخوف على الثروة: تعتقد البلدان العربية الغنية بأن أي عمل عربي مشترك سيؤدي إلى إنفاق أموالها لصالح الدول الفقيرة وبالتالي ستؤثر في مداخيلها وتحسين أوضاع شعوبها ومنه على الاستقرار السياسي للبلد.

(3) عدم توافر الإرادة السياسية اللازمة للعمل الاقتصادي العربي المشترك: وتتجلى مظاهر غياب الإرادة فيما يلي[9]:

– عادة ما تقوم البلدان العربية بإبرام اتفاقيات فيما بينها ولا تلتزم بتنفيذها، وإذا التزمت فلا تدخل مجال التطبيق إلا بعد فترة طويلة من الزمن، كون دخول الاتفاقيات حيز التنفيذ يتوقف على المصادقة عليها من جانب عدد معين من الدول الموقعة عليها.

– إصرار البلدان العربية عند إعداد ومناقشة مشروع الاتفاقيات والقرارات، ناهيك بعدم الالتزام بالاشتراكات المالية للدول الأعضاء.

– تغلب النظرة الآنية للتكاليف على الرؤية الأبعد للمزايا والمنافع والمصالح الوطنية، وحجة السيادة الوطنية وتفضيل العلاقات العربية الثنائية على العلاقات المتعددة الأطراف.

– تأثر مسيرة التكامل العربي بالمشروعات الإقليمية التي تروّجها المؤسسات الدولية كالمشروع الشرق الأوسطية بديلًا من النظام الإقليمي العربي.

ب – العوائق الاقتصادية‏

– إن آثار التبعية العربية للاقتصاد العالمي لم تقتصر على إعاقة نمو وتطور أنماط الإنتاج التقليدية، بما تشتمل عليه من قوى إنتاجية وعلاقات إنتاج، بل كرست إضافة إلى ذلك واقعًا اجتماعيًا –  اقتصاديًا شديد التعقيد، يمكن تسميته التكوين الاقتصادي – الاجتماعي المشوَّه أو متعدد الأنماط، الذي يضم كل التكوينات الاقتصادية المعروفة في التاريخ. ويتسم هذا الاقتصاد غير المتوازن بانعدام التجانس بين البنى المنتمية إلى مراحل اقتصادية مختلفة. ونشير في هذا المجال إلى أن البنى الاجتماعية – الاقتصادية للبلدان العربية هي حاصل جمعي وعشوائي لأنماط اقتصادية مختلفة، مع عدم تمتع أي من هذه الأنماط القائمة بالسيطرة على الأسلوب الإنتاجي. وما دامت هذه التركيبة الانتقالية/التعايشية هي المسيطرة على الاقتصاد، تبقى البنية الاجتماعية/الاقتصادية انتقالية أيضًا. وبالتالي يظل الطابع الأساسي للاقتصادات العربية طابعًا انتقاليًا كذلك. وهو أمر يتطلب إحداث تغيير سريع وجوهري في الهياكل الاجتماعية – الاقتصادية متعددة الأنماط والتي تمثل عائقًا موضوعيًا كبيرًا أمام التطور المطلوب[10].

– محاولة الاقتباس الآلي والتقليد الشكلي لتجارب التكتلات الاقتصادية الأخرى في العالم (من حيث الهياكل الإدارية وحيثيات القرارات وليس من حيث التطبيق طبعًا)، كتجربة السوق الأوروبية المشتركة، من دون النظر إلى الإمكانات الفعلية لواقع البلدان العربية ومدى ملاءمة تلك التجارب للظروف التاريخية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية. وعلى هذا النحو سعى كل قطر عربي – حتى الأقطار الصغرى – في إقامة وحدات صناعة حديد، حيث إن هذه الصناعة قد أصبحت رمز الاستقلال الاقتصادي نظرًا الدور التاريخي الذي أدته في أوروبا. والأمر على هذا النحو في الصناعة النووية والصناعة البتروكيميائية على سبيل المثال.‏

– غياب التصور الشامل، الذي يحدد الأهداف والوسائل والبرامج الزمنية للتنفيذ بصورة واضحة، وهو ما أدى إلى عجز الفنيين والخبراء عن تقديم توصيات محددة وملزمة للأطراف كافة، كما انعكس هذا الغموض في عدم وضوح الأهداف المرحلية.‏

– غياب التنسيق التجاري والإنتاجي بين هذه الأقطار لتصريف منتجاتها في الأسواق العالمية،

واندفاعها في الوقت عينه لتحصل من البلدان الغربية واليابان على التجهيزات ذاتها والتقانة ذاتها والسلع والمواد الكمالية والاستهلاكية ذاتها.‏

– التشابه والتماثل في الهياكل الاقتصادية والقاعدة الإنتاجية بين البلدان العربية وكذا التشابه النسبي في منظومة السلع القابلة للتصدير، الأمر الذي جعل الاقتصادات العربية في حالة تنافس وليس في حالة تكامل[11].

– تباين السياسات الاقتصادية بين البلدان العربية، والاعتماد الكبير عدد من هذه الدول على التعريفة الجمركية كمورد مالي إضافة إلى تعدد أسعار الصرف والقيود على التمويل الخارجي وضعف الهياكل الإنتاجية فيها، وغياب أو نقص مرافق النقل والاتصالات وارتفاع تكاليفها، فضلًا عن غياب قاعدة للمعلومات المتعلقة بالتجارة والاستثمار[12].

– عراقيل مرتبطة باستقطاب أو جلب الاستثمارات العربية، فرغم الجهود الكبيرة المبذولة من طرف البلدان العربية لتحسين مناخ الاستثمار فيها، وتوفير الظروف المواتية لجلب الاستثمارات للمنطقة العربية فإن العملية الاستثمارية في هذه الدول واجهت وما زالت تواجه العديد من المشاكل والعراقيل التي تحد من حركة استقطاب الأموال العربية للاستثمار في المنطقة[13]، وتتمثل أهم هذه العراقيل بما يلي[14]:

بطء وتعقيد الأجهزة الإدارية وكذا القوانين المفروضة غير الملائمة للانسياب.

حركات التهريب الناشئة عن القلق السياسي وعدم اطمئنان المستثمر العربي ونقص ثقته بسبب تدخل أجهزة الحكم في تغيير التشريعات وتعديلها باستمرار.

تردد رجال الأعمال العرب في الاستثمار في المنطقة العربية، ويرجع ذلك أساسًا إلى عدم اليقين التي تتصف به السوق العربية، وزيادة الشعور لهؤلاء بأن الاستثمار في هذه الدول غير مجزٍ.

عدم وضوح مواقف بعض البلدان العربية من الاستثمار الوافد ودوره في تنفيذ السياسة الاقتصادية للبلد. إضافة إلى القيود المفروضة على حركة رؤوس الأموال وتحويل عائدات الاستثمار.

– غياب الجزاءات التي يمكن اتخاذها ضد الأقطار الأعضاء التي تنتهك القرارات المشتركة، والتي لا تفي بالتزاماتها الناتجة من اتفاقية الوحدة الاقتصادية العربية واتفاقية السوق العربية المشتركة، وهو ما يزيد من حجم العوائق الاقتصادية على طريق التكامل المطلوب.‏

– غلبة الاتفاقيات الثنائية وضعف فاعلية الاتفاقيات متعددة الأطراف، الأمر الذي يزيد من حجم الصعوبات التي تواجه الجهد العربي المشترك.‏

– تكاثر المؤسسات المالية والنقدية العربية مع نقص في التنسيق بين الأقطار العربية في الميدان المالي. يضاف إلى ذلك حدة التناقضات القائمة بين مصارف التوظيفات العربية أو الصناديق العربية ذات الأنشطة المالية والمصرفية في البلدان الغربية، وبين الحاجة الماسة والمتزايدة للتمويل والإعانات ضمن الأقطار العربية.

– عدم الاستقرار الاقتصادي في عدد كبير من الأقطار العربية بسبب الاضطرابات والتضارب في التوجهات الاقتصادية والسياسات الاستثمارية، وافتقارها إلى قوانين موحدة أو منسقة لتنظيم الاستثمارات، أو بسبب الغموض العام في نصوص القوانين وفي تفسيراتها.‏

– إن الدراسات المتابعة لتوجهات الاستثمار الخاص الوافد إلى بعض الأقطار العربية، تشير إلى أن الخيار الأول عند القطاع الخاص هو الاستثمار في العقار، بما في ذلك بناء العمارات التجارية وتأجيرها، وشراء أراض وإعدادها للبناء ثم عرضها للبيع، في أجواء مشحونة بالمضاربات… وغيرها. وقد تركَّزت مثل هذه الاستثمارات في أقطار معينة بالذات، مثل لبنان ومصر والمغرب. والمجال الآخر الذي تميل رؤوس الأموال الخاصة إلى الاستثمار فيه، كخيار ثانٍ، هو قطاع وثيق الارتباط بالقطاع العقاري، وهو النشاط السياحي، بما في ذلك إنشاء فنادق ومطاعم وأندية الترفيه. وإن تفضيل أصحاب الرساميل لهذه الأنواع من التوظيفات لرؤوس أموالهم، هو أمر مفهوم، ذلك أنها لا تتطلب معارف علمية ولا مهارات، ولا إعداد أكاديمي طويل، ولا هي عرضة لمخاطر الخسارة الكبيرة، بل تدرّ في معظم الأحوال الاعتيادية أرباحًا مضمونة إلى حد كبير.‏

– حالات التضخم التي تسبب تدهورًا مستمرًا في قيمة العملة الوطنية واضطرابات كبيرة في أسعار الصرف، إضافة إلى الارتباط النقدي بدوائر النقد العالمي ومناطقه الشهيرة كالدولار والإسترليني والفرنك الفرنسي. ولقد تعززت هذه التبعيات النقدية بصورة عميقة ومتينة مع تزايد الطلب العالمي على النفط العربي، والخفض الفعلي للدولار الأمريكي، الذي ترتبط به عائدات النفط العربي الضخمة، وهو ما يوقع خسائر كبيرة في القدرات الحقيقية للأموال العربية النفطية.‏

– من عوائق الاستثمارات المالية العربية (في الوطن العربي) وجود تعددية في الأجهزة المشرفة على عمليات الاستثمار، أو افتقار تلك الأجهزة إلى دليل واضح لتنفيذ الإجراءات المتعلقة بالترخيص للاستثمارات العربية الوافدة.

– إذا كان القطاع الخاص يعاني التأثيرات السلبية لكل هذه العوائق، فإن المشروعات المشتركة تكابد هي الأخرى مجموعة من المشكلات الخاصة بها، رغم كونها مشروعات أُنشئت بموجب اتفاقيات بين الدول، ووقعها مسؤولون وأصحاب قرار[15].‏

ج – العوائق السياسية

يواجه التكامل الاقتصادي العربي مقاومة خارجية عنيفة كون نجاح محاولة العمل العربي المشترك يعني محاولة جادة للتخلص من التبعية الاقتصادية والنقدية، ومحاولة لاسترجاع الاستثمارات المالية في الخارج المهيمَن عليها من قبل مؤسسات النقد والمال العالمية والبنوك الأجنبية. وهذا ما يخدم إلى حد كبير المؤسسات المالية الأجنبية من الأرباح الطائلة التي تجنيها من الاستثمارات (التوظيفات) العربية الكبيرة فيها. فهذه المعطيات تمثل عوائق خارجية مهمة أمام استعادة رؤوس الأموال العربية واستثمارها عربيًا[16].

إضافة إلى ما تقدم فإنه من المعيقات السياسية التي تقف عائقًا أمام التكامل العربي ما يلي:

– اختلاف الأنظمة السياسية وأشكال نظم الحكم فيها. وما ينجز عن ذلك من تباين في الأولويات الاجتماعية والتنموية الاقتصادية، وبالتالي عدم وضوح الأهداف السياسية وعدم استقرارها إضافة إلى حداثة الحصول على الاستقلال آنذاك ورغبة النخب الحاكمة الاستمتاع بالاستقلال الحديث وزيادة النزعة القطرية بين البلدان العربية، وزيادة الاهتمام بالمشاكل القطرية على حساب العمل القومي وبروز مفاهيم ضيقة للسيادة الوطنية والحلية[17].

– انعكاسات الخلافات السياسية على العلاقات الاقتصادية بين البلدان العربية.

– الآثار السياسية المترتبة على ظهور النفط في عدد من البلدان العربية وبالتالي بروز دول غنية وأخرى فقيرة.

– الضغوط الخارجية المتمثلة بسياسات الدول الكبرى تجاه المنطقة العربية ونشاط الشركات المتعددة الجنسيات، إضافة إلى الدور القيادي الذي تؤديه إسرائيل في المنطقة العربية بإيعاز ودعم من الولايات المتحدة الأمريكية[18].

– مشكل الازدواجية بين مجلس الوحدة الاقتصادية العربية والمجلس الاقتصادي والاجتماعي؛ فبعد قيام مجلس الوحدة الاقتصادية سنة 1964 إلى جانب المجلس الاقتصادي العربي، أصبح هناك جهازان أو هيئتان يقودان العمل العربي المشترك، وبالتالي ظهرت ازدواجية في المهام وتشابه في الاختصاصات ولا سيما في متابعة قضايا التكامل الاقتصادي وتنفيذ أهداف اتفاقية الوحدة الاقتصادية، وعلى حد تعبير الباحث العربي محمد لبيب شقير «أن هذه الازدواجية والتنازع كانت من أخطر الظواهر السلبية التي اتسم بها العمل الاقتصادي العربي المشترك»[19].

فكل العوامل السالفة الذكر حالت دون المحاولات المتتالية في إطار جامعة الدول العربية لتحقيق نتائج ملموسة على مستوى التكامل العربي، فضلًا عن عدم توافر الرغبة الحقيقية لدى الدول المشاركة في تجسيد العمل العربي المشترك، حيث اقتصر الأمر فقط على مجرد إصدار مراسيم ومواثيق وقرارات اتسمت بالصعوبة في التنفيذ على أرض الواقع.

ثانيًا: تحديات إقليمية: مشاريع أوسطية ومتوسطية:

1 – مشاريع أوسطية

أ – مشروع الشرق الأوسط الجديد

لعل أخطر ما يواجه الوطن العربي ليس فقط الحؤول دون تكامله السياسي والاقتصادي وإنما تلكم المحاولات التي تسعى لطمس الهوية العربية وفرض مفهوم إقليمي الهدف الأساسي منه غرس الكيان الصهيوني في الجسد العربي، والتطبيع معه.

تعددت الصيغ التي جرى بها طرح هذا المفهوم الدخيل. ويعدّ مؤتمر مدريد الذي عقد سنة 1991 بمثابة عملية انطلاق لترسيم «خريطة جديدة لمنطقة الشرق الأوسط». في مؤتمر مدريد سنة 1991 طرحت فكرة السوق الشرق الأوسطية أيضًا بمبادرة إسرائيلية وأمريكية مع الجماعة الأوربية والبنك الدولي. ويعد شيمون بيريز رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق من أشهر الداعين إلى هذه الفكرة. فقد ركز عليها في خطابه الذي ألقاه في المؤتمر السنوي لحزبه (حزب العمل) في أيلول/سبتمبر1991 وتحدث عن التكامل بين ثلاثة عناصر متوافرة في الشرق الأوسط وهي: وفرة موارد المياه التركية، وسعة السوق الاستهلاكية المصرية ومقدرة التكنولوجيا الإسرائيلية، وخلص إلى أن اتحاد هذه العوامل الثلاثة ممولة بفوائض نفط الخليج العربي، تستطيع أن تحقق لإسرائيل ما تريد، ويجعلها جزءًا من المشروع الاقتصادي الشرق الأوسطي الجديد، فيتعزز عندئذ أمنها ويتحقق رخاؤها، ثم عاد فوسع الفكرة عام 1993 من خلال كتابه الشرق الأوسط الجديد الذي ترجم إلى اللغة العربية أكثر من مرة في عمان بالأردن.

ب – مشروع الشرق الأوسط الكبير

مشروع الشرق الأوسط الكبير دعا إليه المسؤولون في إدارة الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش من طريق اللجنة الأمريكية للأمن القومي في القرن الحادي والعشرين، وهي لجنة استشارية فدرالية، تعرف باسم لجنة «هارت – رودمان» التي أُلفت تحت إشراف وزير الدفاع وحظيت برعاية مباشرة من الرئيس الأمريكي والكونغرس، بحيث انتهت من وضع تقرير كبير في شباط/فبراير 2001 بعنوان «البيئة الأمنية الكونية الجديدة في الربع الأول من القرن الحادي والعشرين». وقد تضمن التقرير عددًا من الدراسات والأبحاث عن المناطق المختلفة في العالم ومن بينها ما يسميه التقرير – الوثيقة «الشرق الأوسط الكبير»[20].

قد يكون من المناسب الإشارة إلى أن التقرير يُعّرف منطقة الشرق الأوسط الكبير بأنها «تلك المنطقة التي تضم كلًا من الوطن العربي، إسرائيل، تركيا، آسيا الوسطى، القوقاز، ومنطقة شبه القارة الهندية». وتمثل هذه المنطقة، كما جاء في التقرير «أكبر مستودع للطاقة في العالم». كما «أنها ساحة نزاع بين عدة قوى طموحة تسعى لفرض الهيمنة على المنطقة». «للولايات المتحدة حلفاء فاعلون في هذه المنطقة، كما أن لها مصالح ذات أهمية، إلى جانب ذلك فان المنطقة تشهد تطورًا واسع النطاق لأسلحة الدمار الشامل. ولم يكن من قبيل المصادفة، أن شهدت هذه المنطقة حربًا كبيرة للولايات المتحدة وذلك في سنة 1991. كما أنها المنطقة الوحيدة في العالم التي تتجه الولايات المتحدة إليها لتوسيع نطاق انتشارها العسكري وذلك منذ نهاية الحرب الباردة»[21].

2 – المشروع الأورومتوسطي

عرفت المنطقة الأورو متوسطية اتفاقيات تعاون عديدة طوال عدة عقود من الزمن، كان أبرزها: مع تركيا في عام 1963، ومالطا في عام 1972، وقبرص 1973، والحوار العربي – الأوروبي في عام 1973. وعلى مستوى التعاون الأوروبي – العربي، الذي يعود إلى سنة 1969 وذلك من خلال اتفاقية التعاون المبرمة مع كل من تونس المغرب، بحيث فتحت السوق الأوروبية إمكانية دخول المواد والمنتوجات المصنعة أو نصف مصنعة لهذين البلدين دون فرض رسوم جمركية، أو برسوم جمركية مخفضة بالنسبة إلى السلع الزراعية، غير أن ضعف القاعدة الصناعية في هذين البلدين أفقدهما هذه المزايا، وتم إبرام اتفاقيات التعاون سنة 1976 مع أربع دول عربية وهي الأردن، وسورية، ولبنان، ومصر. ولم تبدأ فكرة الشراكة الأورومتوسطية بالتبلور إلا في عام 1992 عندما أصدرت دول الاتحاد الأوروبي، تحت تأثير فرنسا وإيطاليا وإسبانيا، وثيقة سميت «السياسة المتوسطية المتجددة» على لسان المفوض الأوروبي مانويل مارين التي «شملت جوانب عديدة للتعاون المالي ودعم الإصلاحات البنيوية لدول جنوب البحر الأبيض المتوسط والبدء بسياسة انفتاح وإصلاح اقتصاديين»[22].

ثم تلا هذا الوثيقة/البيان اجتماع المجلس الوزاري الأوروبي الذي انعقد سنة 1994 في اليونان وقدمت فيه اللجنة الأوروبية ورقة عمل بيّنت فيها المبادئ الأساسية لصياغة سياسة أورومتوسطية، وقد تم إقرار هذه الورقة في القمة الأوروبية التي انعقدت في ألمانيا خلال السنة نفسها، والتي وضعت أسسًا عامة لسياسة أوروبية متوسطية تمت صياغتها لاحقًا في وثيقة/إعلان مؤتمر برشلونة، يومي 27 – 28 تشرين الثاني/نوفمبر 1995 في برشلونة بمشاركة 27 دولة ثلاثة دول منها ليست متوسطية وهي ألمانيا بريطانيا والسويد.

أ – الرؤية المتوسطية

إن الاهتمام الأوروبي بمنطقة حوض البحر المتوسط اهتمام قديم انطلق من مسوغات حضرية، لأن حوض المتوسط كان مهدًا لحضارات كبرى مختلفة وكان غرض رواد الفكر الأوروبي الحديث السعي إلى رفع شأن الحضارة اليونانية – الرومانية حيث ظهرت أطروحة المتوسط كفضاء جغرافي وتاريخي وحضاري واقتصادي وكعالم متميز في منتصف القرن العشرين. وكان هناك من المفكرين العرب من تناول فكرة التوجه المتوسطي ولكن في إطار كتلة عربية جماعية وليست كدول منفردة.

لقد عادت فكرة المتوسطية مجددًا إلى صدارة الاهتمام الدولي بعد أن كانت درجة الاهتمام بها قد تراجعت خلال العقود الأخيرة بسبب أحداث طغت على الساحتين الإقليمية والدولية، وتتسع فكرة المتوسطية لجميع الدول المطلة على البحر الأبيض المتوسط، وبخاصة البلدان العربية التي تطل على شواطئه الجنوبية إلى جانب الدول الأوروبية التي تطل على شواطئه الشمالية.

تتطلع أوروبا من خلال طرح فكرة المتوسطية ومحاولة تحقيقها إلى هدف استراتيجي يتجسد في تنظيم العلاقة المتوسطية في شكل منظمة على غرار منظمة الأمن والتعاون في أوروبا رغم أنها راودت الأوروبيين منذ زمن إلا أنها تأجلت بسبب حربَي الخليج الأولى والثانية وكذلك سيطرة الولايات المتحدة الأمريكية على الأمور في الشرق الأوسط، فإن مؤتمر برشلونة قد أخرجها إلى حيز الوجود بهدف إيجاد تجمع إقليمي منافس تؤدي فيه أوروبا الدور المحرك والرئيسي وبخاصة في ظل التصور الأوروبي الذي تبلور في التسعينيات يرتكز على مبدأ أن استقرار أوروبا مرتبط باستقرار جنوب المتوسط.

وقد اكتست قضية الأمن في منطقة حوض المتوسط أهمية محورية حيث يمثل الهاجس الرئيسي للتوجهات الأوروبية نحو الجنوب في إطار العلاقات بين الشمال والجنوب[23].

ب – انعكاسات الشراكة الأورومتوسطية على التكامل الاقتصادي العربي

إنّ للشراكة الأورومتوسطية انعكاسات متعددة على الوحدة العربية، من أهمها:

1 – تم تقسيم العرب في علاقتهم مع أوروبا إلى ثلاثة أقسام: دول متوسطية انخرطت في الشراكة عام 1995، ودول مجلس التعاون الخليجي التي عقدت اتفاقية التعاون المشترك مع الاتحاد الأوروبي في العام 1988 وتحاول تطوير التعاون إلى شراكة، ودول خارج السياقين السابقين.

2 – إنّ مشروع الشراكة الأورومتوسطية يقوم على أساس نفي وجود الهوية العربية الموحدة، وفي المقابل يعد الجانب الأوروبي نفسه طرفًا واحدًا متكاملًا بالرغم من وجود دول فيه غير متوسطية. فهو لم يراعِ ترابط المصالح السياسية والتاريخية والأمنية والاستراتيجية والاقتصادية بين البلدان العربية، وبينها جميعًا وبين الدول الأوروبية. وقد غاب عن بعض الأوروبيين أنّ المفهوم الاستراتيجي للمتوسطية يشمل العالم الأورومتوسطي من هلسنكي إلى مسقط، وأنّ هذا العالم له مصالح مشتركة وما يحدث في جزء منه يؤثر في باقي الأجزاء. كما أنّ في هذا التوجه نوعًا من التوازن في العلاقات الأوروبية – العربية، يضمن عدم تجزئة النظام الإقليمي العربي.

3 – يحاول الجانب الأوروبي تكريس مركزيته حيال الوطن العربي، ففي الوقت الذي يُمثل الاتحاد الأوروبي في مشروع الشراكة بمؤسساته العليا، أي المفوضية الأوروبية العليا، فإنه لا يتعامل مع جامعة الدول العربية كمؤسسة جامعة للعرب، إذ تحضر كطرف مراقب.

4 – إنّ الاتحاد الأوروبي يتعامل مع البلدان العربية غير المتوسطية من زاوية مختلفة للتعامل مع الدول المتوسطية، فهو يركز مع الدول المتوسطية على إقامة منظومة اجتماعية – اقتصادية – سياسية – ثقافية – فكرية، بينما يركز مع البلدان العربية الخليجية على الأولويات الاقتصادية والتجارية التي تتعلق بالنفط والاستثمارات والمشاريع والأسواق.

5 – ينطوي المشروع على خطر تخصيص اقتصاد الدول المتوسطية غير الأوروبية للمنتجات أو القطاعات الاقتصادية التي تحتاجها أوروبا (السياحة وشؤون الصيد والفواكه)، إضافة إلى خطر نقل أضرار تلوث البيئة إلى دول جنوب وشرق البحر المتوسط.

وعلى الجانب الآخر، ينبغي القول إنّ البلدان العربية تفتقر إلى سياسة موحدة حيال أوروبا، ففي الوقت الذي ترى فيه البلدان العربية المغاربية فوائد اقتصادية كبيرة لمشروع الشراكة ترى البلدان العربية المشرقية أنّ الشراكة مع أوروبا يجب ألّا تكون في إطار المقاربات الاقتصادية ومشاريع التنمية فقط، بل يجب أن تكون من خلال دور أوروبي فاعل في التسوية العربية – الإسرائيلية، في حين تخشى البلدان العربية الخليجية من سياسة أوروبية مغايرة للقيم والسلوكيات الثقافية والاجتماعية التي تمثّل مجتمعة الهوية الحضارية لشخصية منطقة الخليج.

ثالثًا: التحديات البينية العربية

1 – التحديات السياسية والاقتصادية

أ – التحديات السياسية

في تحليل أكاديمي لسميحة فوزي[24] عن الدوافع السياسية التي تقف وراء انخفاض مستوى التعاون العربي – بما فيه التجارة البينية – حددت ثلاثة عناصر: أولها، عدم رغبة القادة السياسيين في تحقيق مزيد من التعاون الاقتصادي، نتيجة لعدم شعورهم بأن هذا الاتجاه يدعم أوضاعهم السيادية؛ ثانيها، عدم التمكن من إنشاء الأطر المؤسسية الإقليمية الكُفؤة التي تحقق ذلك. والحقيقة هي أن هذه الأطر موجودة من الناحية الشكلية، إلا أن الأهم من ذلك هو تفعيلها، لكن هذه الفعالية تظل منخفضة جدًا في المؤسسات والتنظيمات بين البلدان العربية. ثالثها، عدم قبول القادة السياسيين طواعية التنازل عن جزء من السيادة القطرية في سبيل قيام أحد الأعضاء بدور القيادة التي تعطي دفعه قوية لمزيد من التجارة البينية بين البلدان العربية، مثل ما حدث من فرنسا وألمانيا في حالة الاتحاد الأوروبي.

ويرى إسكريبانو[25] أن سبب عدم التحقق من المكاسب الاقتصادية للتعاون الإقليمي قد يعود إلى عدم وصول معظم القادة العرب إلى مواقعهم من طريق الانتخابات الحرة الديمقراطية، وقد يصدق ذلك بالنسبة إلى عدد من البلدان العربية. إلا أننا لا نعتقد أن الاختيار الديمقراطي للقيادة شرط ضروري أو كافٍ لضمان زيادة التجارة البينية بين البلدان العربية، حيث يمكن توافر الإرادة السياسية للتعاون الإقليمي البناء في ظل اختيار غير ديمقراطي للقيادة السياسية.

وقد ذهب كلّ من أجراوال وفوجارتي[26] إلى أن نجاح التعاون الإقليمي يعتمد على قوة التزام الأطراف المنخرطة فيه بفوائد هذا التعاون، الذي يميز هويتها، وعلى قوة الترتيبات المؤسسية التي تتم في إطار هذا التعاون. كما أن تنمية التجارة البينية والصيغ الأخرى من التكامل الاقتصادي يتطلب تنمية الثقة المتبادلة بين القيادات السياسية والتعلم من تجارب الآخرين.

إذن، إن غياب الإرادة السياسية اللازمة كان هو العامل المباشر الأساسي، الذي أدى إلى تواضع ومحدودية النتائج التي حققها العمل الاقتصادي العربي المشترك (اللازم للتكامل) منذ بدايته في ظل الجامعة وقت إنشائها في عام 1945 حتى الآن، وإلى عدم تحقيق هذا العمل للأهداف المقصودة منه، التي نصت عليها وتضمنتها اتفاقاته ومواثيقه العديدة، والذي حد من فاعليته وعرقل تطويره.‏

ب – التحديات الاقتصادية‏

أولًا، إن آثار التبعية العربية للاقتصاد العالمي لم تقتصر على إعاقة نمو وتطور أنماط الإنتاج التقليدية، بما تشتمل عليه من قوى إنتاجية وعلاقات إنتاج، «بل كرست إضافة إلى ذلك واقعًا اجتماعيًا- اقتصاديًا شديد التعقيد، يمكن تسميته التكوين الاقتصادي – الاجتماعي متعدد الأنماط، الذي يضم كل التكوينات الاقتصادية المعروفة في التاريخ. ويتسم هذا الاقتصاد غير المتوازن بانعدام التجانس بين البنى المنتمية إلى مراحل اقتصادية مختلفة. ونشير في هذا المجال إلى أن البنى الاجتماعية – الاقتصادية للبلدان العربية هي حاصل جمعي وعشوائي لأنماط اقتصادية مختلفة، مع عدم تمتع أي من هذه الأنماط القائمة بالسيطرة على الأسلوب الإنتاجي. وما دامت التركيبة الانتقالية/التعايشية هي المسيطرة على الاقتصاد، تبقى البنية الاجتماعية الاقتصادية انتقالية أيضًا. وبالتالي يظل الطابع الأساسي للاقتصادات العربية طابعًا انتقاليًا كذلك. وهو أمر يتطلب إحداث تغيير سريع وجوهري في الهياكل الاجتماعية – الاقتصادية متعددة الأنماط والتي تمثكل عائقًا موضوعيًا كبيرًا أمام التطور المطلوب»[27].‏

وقد أشار إلى هذه المسألة المهمة التقرير الصادر عن الأمانة العامة لمجلس التعاون لدول الخليج العربية بقوله: «إن دول المجلس بالمقارنة بالدول النامية، تعتبر دولًا غنية بسيولتها النسبية، فقيرة بهياكلها الاقتصادية والاجتماعية، ولذلك فهي تواجه تحديًا كبيرًا وصعبًا إلى جانب التحديات الأخرى من حيث إن مصدر سيولتها النقدية غير متجدد وعليها أن تحدث تطورًا سريعًا في البنية السياسية والاقتصادية والاجتماعية قبل نضوب مصدرها التمويلي الوحيد وهو النفط»[28].‏

كل ذلك يعني «أن تشويه التطور السياسي والاجتماعي والاقتصادي للأقطار العربية، بفعل الهيمنة الغربية السافرة في الماضي، خلق اقتصادات عربية متشابهة في تبعيتها، ومتشابهة في وظائفها، ولكنها متنافرة وغير متكاملة فيما بينها»[29].

ثانيًا، محاولة الاقتباس الآلي والتقليد الشكلي لتجارب التكتلات الاقتصادية الأخرى في العالم (من حيث الهياكل الإدارية وحيثيات القرارات وليس من حيث التطبيق طبعًا)، كتجربة السوق الأوروبية المشتركة، من دون النظر إلى الإمكانات الفعلية لواقع البلدان العربية ومدى ملاءمة تلك التجارب لظروف التاريخية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية. وعلى هذا النحو سعى كل قطر عربي – حتى الأقطار الصغرى – إلى إقامة وحدات صناعة حديد، حيث إن هذه الصناعة قد أصبحت رمز الاستقلال الاقتصادي باعتبار الدور التاريخي الذي أدّته في أوروبا. والأمر على هذا النحو في الصناعة النووية والصناعة البتروكيميائية على سبيل المثال.‏

ثالثًا، غياب التصور الشامل، الذي يحدد الأهداف والوسائل والبرامج الزمنية للتنفيذ بصورة واضحة، وهو ما أدى إلى عجز الفنيين والخبراء عن تقديم توصيات محددة وملزمة للأطراف كافة، كما انعكس هذا الغموض في عدم وضوح الأهداف المرحلية.‏

رابعًا، غياب التنسيق التجاري والإنتاجي بين هذه الأقطار لتصريف منتجاتها في الأسواق العالمية، واندفاعها في الوقت عينه لتحصل من البلدان الغربية واليابان على التجهيزات ذاتها والتقانة ذاتها والسلع والمواد الكمالية والاستهلاكية ذاتها.‏

خامسًا، لقد أرجأت بعض الأقطار العربية تطبيق ست عشرة مادة من قرارات مجلس الوحدة الاقتصادية العربية الرامية إلى تقليص التعرفات الجمركية وإزالتها وإلى تحرير المبادلات، وذلك حماية لمواردها.

سادسًا، غياب الجزاءات التي يمكن اتخاذها ضد الأقطار الأعضاء التي تنتهك القرارات المشتركة، والتي لا تفي بالتزاماتها الناتجة من اتفاقية الوحدة الاقتصادية العربية واتفاقية السوق العربية المشتركة، وهذا يزيد من حجم العوائق الاقتصادية على طريق التكامل المطلوب.‏

سابعًا، غلبة الاتفاقيات الثنائية وضعف فاعلية الاتفاقيات متعددة الأطراف، الأمر الذي يزيد من حجم الصعوبات التي تواجه الجهد العربي المشترك.‏

ثامنًا، تكاثر المؤسسات المالية والنقدية العربية مع نقص في التنسيق بين الأقطار العربية في الميدان المالي. يضاف إلى ذلك حدة التناقضات القائمة بين مصارف التوظيفات العربية أو الصناديق العربية ذات الأنشطة المالية والبنكية في البلدان الغربية، وبين الحاجة الماسة والمتزايدة للتمويل والإعانات ضمن الأقطار العربية.‏

تاسعًا، تصطدم الاستثمارات العربية داخل الوطن العربي، بعوائق ناشئة عن البنى الاقتصادية المجزأة والمفتتة من جهة، وبجملة من المصاعب الملازمة للهياكل الأساسية والتداخلات الروتينية والقرارات الاعتباطية وآليات العمل البدائية في الدول المضيفة من جهة أخرى. إضافة إلى حالة الطرق ورداءة وسائط النقل والتخزين وأجهزة الاتصالات والموانئ والمطارات وتجهيزات الطاقة والمياه وضعف الخدمات الفورية، مع محدودية آفاق السوق المحلية، بسبب انخفاض مستويات الدخل الفردي (في أغلب البلدان العربية)، أو بسبب سوء توزيعه بين المواطنين، أو لقلة السكان أصلًا في البلد المضيف للاستثمارات المالية. يضاف إلى ذلك كله غياب الأسواق المالية، التي تسهل عمليات الاكتتاب أو تقوم بتسييل الأوراق النقدية عند الحاجة.‏

عاشرًا، عدم الاستقرار الاقتصادي في عدد كبير من الأقطار العربية بسبب الاضطرابات والتضارب في التوجهات الاقتصادية والسياسات الاستثمارية، وافتقارها إلى قوانين موحدة أو منسقة لتنظيم الاستثمارات، أو بسبب الغموض العام في نصوص القوانين وفي تفسيراتها.‏

2 – التحديات التنموية والبنيوية العربية‏

أ  التحديات التنموية

(1) انخفاض مستوى التنمية: تتصف جميع البلدان العربية بأنها دول نامية. صحيح أن بعضها (مثل الإمارات والسعودية) ارتفع فيها متوسط نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي ارتفاعًا كبيرًا، وصحيح أن البعض الآخر يمتلك قطاعًا صناعيًا متطورًا أو قطاعات أخرى حديثة، إلّا أن السمة العامة للبلدان العربية هي أن اقتصاداتها ما زالت نامية، بل إن كثيرًا من الدول المصنفة «الأقل تقدمًا والأشد فقرًا» – بحسب تقارير البنك الدولي– هي دول عربية. ومن ناحية أخرى، فإن التجارة البينية العربية منخفضة جدا حيث تعادل نحو 10 بالمئة فقط من إجمالي تجارة العرب الدولية، ناهيكم بانخفاض درجة التكامل الاقتصادي العربي.

لا يرجع هذا الوضع إلى تشابه الهياكل الإنتاجية وعدم تنوع الإنتاج، كما تنص على ذلك النظرية الاستاتيكية للتكامل الاقتصادي، حيث ثبت إمكان تحقيق هذا من منظور دينامي، وإنما يرجع – في جزء منه – إلى انخفاض درجة النشاط الاقتصادي، وتخلف العديد من اقتصادات البلدان العربية، وهذا الانخفاض مع هذا التخلف يؤديان إلى انتشار سلوكيات التوجه إلى الداخل، والتوجس خيفة من عدم عدالة توزيع المكاسب الاقتصادية المتوقع تولدها من نمو التجارة البينية والتكامل الاقتصادي.

مع الارتقاء إلى درجة أعلى في سلم التنمية، تصبح الدولة، بصفة عامة – عربية كانت أو غير عربية – أكثر استعدادًا لمزيد من التعاون مع العالم الخارجي، سواء في مجال التجارة البينية أو في تكامل الأنشطة الاقتصادية الأخرى.

لذلك يجب أن تعمل النظم العربية المختلفة على الإسراع بعملية التنمية الاقتصادية في داخل كل منها، التي تتطلب بصورة عامة، تطبيق قواعد الحكامة الرشيدة ومن بينها المساءلة العامة على المستويات كافة، وإشراك جميع فئات الشعب في مجالات العمل والتنمية مع تمتعها بثمار التنمية من دون استبعاد، ثم تأتى بعد ذلك السياسات الاقتصادية السليمة، والسلوكيات والمؤسسات المواتية، ومحاربة الفساد مع وضع الحوافز السليمة للحسابات الاقتصادية الرشيدة والتعاون البناء.

(2) ضعف انخراط القطاع الخاص: إن المستفيد النهائي من التكامل الاقتصادي العربي وثماره هو المواطن العربي. إلّا أن التوجه نحو التكامل الاقتصادي العربي قد اعتمد بصورة أساسية على الجهود الحكومية. وربما كان سبب ذلك الفلسفة الإنمائية التي اعتمدت في الماضي على القطاع العام وتهميش القطاع الخاص. أما التوجه في السنوات القليلة الماضية، هو اعتماد الإدارة الاقتصادية في معظم البلدان العربية على القطاع الخاص وقوى السوق. ومن ثم يصبح من الضروري إشراك القطاع الخاص بصورة مؤسسية فاعلة في الجهود الرامية إلى تحقيق مزيد من التكامل الاقتصادي العربي. ومن الناحية الأخرى، يجب أن تسهم مؤسسات القطاع الخاص في هذا الاتجاه، وأن تكون مجموعات ضاغطة لها صوت مسموع لتحقيق هذا الهدف الذي فيه مصلحة الجميع.

ب – التحديات البنيوية والتنظيمية

(1) عدم تفعيل المؤسسات والاتفاقيات: لا يكفي أن توقع البلدان العربية اتفاقيات إنشاء مؤسسات أو ترتيبات تجارية معينة، ولكن من الضروري أن تكون هذه المؤسسات والمنشآت فعّالة في أداء عملها، وأن يكون لديها الإمكانات لذلك، مع وجود آليات لوضع القرارات موضع التنفيذ.

(2) عدم الاهتمام بالتتابع والبرمجة الزمنية: إن سهولة تطبيق اتفاقيات التجارة بين البلدان العربية يتطلب وضع برامج زمنية لخطوات محددة، ويجب أن يكون تتابع هذه الخطوات منطقيًا وسليمًا. غير أنه في كثير من الحالات، فإن البلدان العربية توقع اتفاقيات، وتعتمد إنشاء مؤسسات من دون أن تهتم بوضع برامج زمنية للتنفيذ، مع عدم تحديد المسؤولية عن ذلك، من دون توفير الإمكانات الضرورية لوضع هذه الاتفاقيات والمؤسسات موضع التنفيذ، ومن ثم لا تتناسب الإنجازات مع ما ورد في الاتفاقيات.

(3) العقبات التقْنية: تقف بعض الاشتراطات التقنيّة – في حالات ليست قليلة – حائلًا دون نمو التجارة البينية للدول. وقد ذكر التقرير السنوي للتجارة البينية بين الدول الإسلامية الصادر في عام 2006 عدة عقبات تقنية ولوجستية تواجه التجارة البينية الإسلامية – تنطبق على حالة البلدان العربية – أهمها:

– مشاكل الوصول إلى الأسواق المتعلقة بالتعرفة الجمركية وأشباهها، والعوائق غير التعريفية (مثل التقييد الكمي للواردات، والمواصفات الفنية).

– مشاكل متعلقة بالبنية الأساسية، والنقل البرى والبحري، والخدمات المعاونة الميسرة للتجارة الدولية.

– عدم مطابقة المواصفات والمقاييس للمستويات المتعارف عليها.

– نقص المعلومات عن الأسواق والفرص التجارية.

– تعقد الإجراءات الإدارية في البلدان المختلفة.

– قلة المعلومات المؤهلة لتزاوج الشركات والأعمال، وعدم ملاءمة الترويج للمنتجات بين الدول الإسلامية.

–  قلة خبرات العاملين في مجالات التجارة الدولية.

– عدم ملاءمة الأدوات التمويلية اللازمة لتنمية التجارة البينية بين الدول الإسلامية مثل ترتيبات الإقراض وضمانات القروض، والتأمين على التجارة، وارتفاع تكلفة تمويل الصادرات وقلة توافره، ونقص حصيلة العملات الأجنبية في بعض الدول الإسلامية التي تعاني عجز موازين مدفوعاتها.

(4) كثرة عدد البلدان العربية: يبلغ عدد البلدان العربية نحو 22 دولة، وهو عدد كبير نسبيًا، ولكل دولة منها ظروف خاصة، وهذا يصعب الوصول إلى ترتيبات عامة موحدة. أما في حالة الاتحاد الأوروبي، فإنه بدأ كسوق مشتركة بين ست دول فقط، وهو ما سهل الوصول إلى إجماع في الرأي في ظل توافر الإرادة السياسية على التعاون الوثيق. لذلك يقترح بعض الباحثين العرب أن البلدان العربية ينبغي أن تقوم باتفاقيات إقليمية فرعية تسهل التعاون والتجارة بين أعضائها، على أمل أن يتم التنسيق والتكامل بينها في إطار أوسع وأكبر، وهذا ما تم بين دول مجلس التعاون الخليجي. وقد يكون من الملائم تكوين تكتلات اقتصادية عربية فرعية بين عدد من البلدان العربية الأخرى حتى يسهل التكامل الشامل بين عدد أقل من التكتلات الاقتصادية فيما بعد.

خاتمة

لعل أخطر ما يواجه الوطن العربي، ليس الحؤول دون تكامله السياسي والاقتصادي فقط وإنما تلك المحاولات التي تسعى لطمس الهوية العربية وفرض مفهوم إقليمي الهدف الأساسي منه غرس الكيان الصهيوني في الجسد العربي، والتطبيع معه، وذلك من خلال مشاريع شرق أوسطية ومتوسطية بدءًا بمشروع الشرق الأوسط الجديد الذي جاء به شيمون بيريز، ثم مشروع الشرق الأوسط الكبير الذي دعا إليه المسؤولون في إدارة الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش من طريق اللجنة الأمريكية للأمن القومي التي انتهت إلى وضع تقرير كبير في 2001 بعنوان «البيئة الأمنية الكونية الجديدة في الربع الأول من القرن الحادي والعشرين». وقد تضمن التقرير عددًا من الدراسات والأبحاث عن المناطق المختلفة في العالم ومن بينها مشروع الشرق الأوسط الكبير.

كما تمت الدعوة أوروبيًا إلى مشروع الشراكة الأورومتوسطية يقوم على أساس نفي وجود الهوية العربية الموحدة، بل أكثر من ذلك، فإن هذه الشراكة تدفع إلى التطبيع الاقتصادي والسياسي والثقافي مع إسرائيل، كما أن هذا المشروع غير متكافئ بين الطرف الأوروبي والعربي فالجانب الأوروبي يُعد نفسه طرفًا واحدًا متكاملًا بالرغم من وجود دول فيه غير متوسطية. بينما يكون حضور جامعة الدول العربية كمراقب. إضافة إلى أن الدول الأوروبية تتعامل في الواقع مع البلدان العربية بصورة منفردة أي كل دولة على حدة.

كما تم ذكر التحديات البينية التي تواجه التكامل الاقتصادي العربي التي تشمل التحديات السياسية والاقتصادية والتحديات التنموية والبنيوية العربية مثل انخفاض مستوى التنمية وضعف انخراط القطاع الخاص، وعدم تفعيل المؤسسات والاتفاقيات، وعدم الاهتمام بالتتابع والبرمجة الزمنية، إضافة إلى كثرة عدد البلدان العربية.

ويظل التساؤل الأكثر إلحاحًا إلى متى سيظل العرب يخططون لاستراتيجيات للنهضة العربية والتنمية العربية المشتركة وتظل مجرد حبر على ورق؟ وأهم هذه الاستراتيجيات، استراتيجية مجلس الوحدة الاقتصادية العربية (2000-2020) التي أقرها مجلس الوحدة الاقتصادية العربية في اجتماعه الثالث والسبعين المنعقد فى بغداد 7/6/2001، التي تناولت محاور مهمة نذكر منها: استكمال منطقة التجارة الحرة العربية؛ إقامة اتحاد جمركي عربي؛ إقامة منطقة استثمارية عربية؛ برنامج تحرير الاستثمار؛ تطوير الأسواق المالية العربية والربط بينها؛ إقامة منطقة تكنولوجية عربية؛ تحقيق الترابط مع مراحل التكامل النقدي؛ إقامة منطقة مواطنة عربية.

في زمن العولمة الاقتصادية، وتحدياتها المختلفة، تزداد أهمية التكتلات الاقتصادية، والاندماجات الإقليمية، إذًا، فلا مكان للاقتصادات الصغيرة والمنفردة أمام هذه التحديات الدولية، وبالتالي أصبح التعاون والتكامل الإقليمي السمة الغالبة التي تحكم العلاقات الدولية والإقليمية في الوقت الراهن.

وبالرغم من أن هناك وفرة في النصوص القانونية والاتفاقيات العربية المشتركة المتعلقة بالعمل العربي المشترك في مسار تطور التكامل الاقتصادي العربي، لكن هذه النصوص والاتفاقيات تظل حبيسة القمم والملتقيات العربية – العربية ولا يتم تفعيلها بالملموس على أرض الواقع وبالتالي لا تتحقق الأهداف المتوخاة منها.

فالوطن العربي لا تنقصه الإرادات القيادية القطرية والفردية وإنما تنقصه الإرادة السياسية العربية المشتركة وذلك بضرورة إعادة النظر بجدية في مسار التكامل الاقتصادي العربي والوقوف بشجاعة عند التعثرات التي اعترت هذا المسار مع الاستفادة من التجارب الإقليمية الأخرى في مجال التكامل الاقتصادي وخصوصًا التجربة الإقليمية الأقرب إلى المنطقة العربية وهي تجربة الاتحاد الأوروبي مع التأمل العميق في كيفية انتقال الاتحاد الأوروبي منذ بداياته الأولى من مرحلة إلى أخرى وصولًا إلى تكتل إقليمي قوي وناجح.

انطلاقًا من هذه النتائج التي توصلنا إليها نود أن نقدم التوصيات التالية:

–  أن تتم الزيادة في التبادل التجاري البيني العربي لكي يتجاوز سقف 10 بالمئة حاليًا، إذ من غير المعقول أن يكون العرب يدعون إلى تكامل اقتصادي عربي بينما نسبة تبادلهم التجاري العربي- العربي يقل عن نسبة التبادل التجاري بين البلدان العربية منفردة وبين الدول الأخرى أو التكتلات الإقليمية الأخرى.

– اتخاذ إجراءات سريعة مسطرية وإدارية وجمركية على مستوى كل البلدان العربية لتسهيل وتشجيع واستقطاب الاستثمارات العربية.

– خلق اتحاد اقتصادي عربي على غرار الاتحاد الأوروبي، يكون هدفه اقتصاديًا فيشجع دعم التكامل الاقتصادي العربي لتحقيق السوق العربية المشتركة.

– تأسيس اتحاد أوروبي عربي يضم جميع البلدان العربية كطرف في هذا الاتحاد، وجميع الدول الأوروبية كطرف آخر، ويكون هدفه الأساسي هو التعاون الاقتصادي والتبادل التجاري ونقل التكنولوجيا بين البلدان العربية جميعها والاتحاد الأوروبي.

وأخيرًا، أود أن اختم بكلمة أخيرة، وهي أنه قد آن الأوان للعرب أن يتفاهموا سياسيًا ويتعاونوا تنمويًا ويعتمدوا على ذاتهم عسكريًا ويبدعوا تكنولوجيًا ويحققوا تكاملًا اقتصاديًا.

كتب ذات صلة

التنمية العربية الممنوعة: ديناميات التراكم بحروب الهيمنة