مقدمة

شهدت منطقة الشرق الأوسط خلال العقود الأخيرة تحولاتٍ جذريةً ومتسارعةً أعادت النظر في مفاهيم القوة والنظام والسيادة في الإقليم، غير أن الأحداث التي تلت السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، بعد عملية طوفان الأقصى، قد أضفت على هذه التحوُّلات بعدًا جديدًا ومنعطفًا حاسمًا في مسار إعادة تشكيل الخريطة الجيوسياسية للمنطقة. فهذا الحدث الذي جاء بعد سنين من الاستقطاب السياسي والتراجع الاستراتيجي وتغيُّر موازين القوى، أعاد فتح ملف مشروع الشرق الأوسط الجديد، ليثير جدلًا جديدًا حول معناه وحدوده وحقيقة من يمسك بخيوط صوغه.

إن مفهوم «الشرق الأوسط الجديد» ليس وليد الظروف الراهنة، بل هو مفهومٌ تطور تدريجًا في أطرٍ نظريةٍ واستراتيجيةٍ غربيةٍ، وخصوصًا بعد سقوط الاتحاد السوفياتي وتفكك النظام الدولي الثنائي القطبية، فقد جاء المصطلح أول مرةٍ في الخطاب السياسي الأمريكي ليعبر عن رؤيةٍ جيوستراتيجيةٍ تستهدف إعادة تنظيم الفضاء الإقليمي بما يضمن دورًا رئيسًا للقوى الغربية وحلفائها في تكوين مسار التحوُّلات السياسية والاقتصادية في المنطقة[1]، غير أن طوفان الأقصى جاء ليكسر كثيرًا من المسلمات التي بُنيت عليها سياسات الإقليم والنظام الدولي؛ فقد أظهر الحدث مجددًا أن العامل المحلي والقضية الفلسطينية ما زالا يملكان قدرةً تفوق التقدير الغربي في توجيه مسار الأحداث. وبذلك أعيد صوغ مفهوم «إعادة التشكيل» بمعناه الأعمق: أي تشكيل النظام والمعنى والسيادة في آنٍ واحدٍ.

تنطلق هذه الدراسة النقدية من السؤال الجوهري الآتي: هل يمكن الحديث عن «شرقٍ أوسطٍ جديدٍ» كمشروعٍ سياسيٍ فوقيٍّ يُفرض من الخارج، أم أنه تحولٌ بنيويٌ نابعٌ من الداخل؟

يمثل هذا السؤال محور الإشكالية المعرفية والمنهجية التي تنبني عليها الدراسة. واذ نتامل مسارات التغير الإقليمي، نلمس تعارضًا بيِّنًا بين خطاب ما يسمى «الديمقراطية والإصلاح» والممارسات الفعلية التي تتخذ صورة صراعاتٍ وحروبٍ وتدخلاتٍ عسكريةٍ. ولفهم هذه الإشكالية، يتوزع البحث على مسارين متلازمين: الأول نظريٌ يهدف إلى تفكيك البنية المفاهيمية لمصطلح «الشرق الأوسط الجديد»، والكشف عن أصوله الفكرية في أدبيات العلاقات الدولية ونظريات النظام الإقليمي. أما الثاني فيتخذ مسارًا تطبيقيًا يرصد تجليات المفهوم في السياسات والتحالفات والصراعات التي شهدتها بلدان المنطقة، مع رصد دور القوى الدولية كالولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا والصين في صوغة هذا المشهد.

تنبني المنهجية المعتمدة على مقاربةٍ نقديةٍ تركيبيةٍ توظف منهج تحليل الخطاب السياسي ومنهج التحليل النظامي والمقارنة التاريخية، وهو ما يساعد على بناء قراءةٍ شاملةٍ تركز على الفارق بين ما يقال في الخطاب وما ينفذ في الواقع. وفي هذا الإطار، تسلط الدراسة الضوء على الكيفية التي تتداخل فيها الإرادة الدولية والفاعل المحلي، وكيف أصبحت المنطقة مجالًا لإعادة تعريف النظام العالمي بنسبٍ متغيرةٍ.

تكمن أهمية هذه الدراسة في أنها تقدم قراءةً نقديةً ومتعددة الأبعاد، تساهم في تفكيك خطاب «الشرق الأوسط الجديد» وتكشف آليات تشريعه وتنفيذه، وتسهم في فهم موازين القوى والتحوُّلات البنيوية التي تشهدها المنطقة اليوم. فهي ليست مجرد دراسةٍ تصف الواقع، بل هي محاولةٌ لفهم آليات صنع المعنى والقوة والنظام في فضاءٍ جيوسياسيٍّ يتغير بسرعةٍ ويعاد رسم معالمه، وخصوصًا بعد طوفان الأقصى، الذي أعاد تعريف مفاهيم المقاومة والسيادة والحدود والمعنى.

لقراءة الورقة كاملة يمكنكم اقتناء العدد 562 (ورقي او الكتروني) عبر هذا الرابط:

مجلة المستقبل العربي العدد 562 كانون الأول/ديسمبر 2025

المصادر:

نُشرت هذه الدراسة في مجلة المستقبل العربي العدد 562 في كانون الأول/ديسمبر 2025.

النوري الشعري: إعلامي وباحث متخصص في الحضارة – تونس.

الصورة من BBC NEWS عربي

[1] أحمد عبد الرزاق شكارة، «الفكر الاستراتيجي الأمريكي والشرق الأوسط في النظام الدولي الجديد،» المستقبل العربي، السنة 16، العدد 170 (نيسان/أبريل 1993)، ص 32 – 57.

 

 


مركز دراسات الوحدة العربية

فكرة تأسيس مركز للدراسات من جانب نخبة واسعة من المثقفين العرب في سبعينيات القرن الماضي كمشروع فكري وبحثي متخصص في قضايا الوحدة العربية

مقالات الكاتب
مركز دراسات الوحدة العربية
بدعمكم نستمر

إدعم مركز دراسات الوحدة العربية

ينتظر المركز من أصدقائه وقرائه ومحبِّيه في هذه المرحلة الوقوف إلى جانبه من خلال طلب منشوراته وتسديد ثمنها بالعملة الصعبة نقداً، أو حتى تقديم بعض التبرعات النقدية لتعزيز قدرته على الصمود والاستمرار في مسيرته العلمية والبحثية المستقلة والموضوعية والملتزمة بقضايا الأرض والإنسان في مختلف أرجاء الوطن العربي.

إدعم المركز