مقدمة:

تعني الحوكمة بناء القدرة، وهي تشكّل ناحية بحثية مهمّة في الدراسات المتعدّدة الاختصاصات، إذْ تشمل علوم الاقتصاد والإدارة والدبلوماسية والسياسة والاجتماع. يمكن تقسيم الحوكمة إلى فئات مختلفة، منها حوكمة الشركات‏[1]؛ وحوكمة الدول‏[2]، والحوكمة الإقليمية، والحوكمة العالمية. ولأنّ العلاقة بين الشؤون المحلّية والشؤون الخارجية باتت وثيقة العُرى منذ القرن الحادي والعشرين، ازدادت صعوبة التمييز بين حدود أنواع الحوكمة الأربعة الآنفة الذكر. وهناك رابط مهمّ بين تحديث الحوكمة الوطنية الصينية ومشاركة الصين في الحوكمة الإقليمية والعالمية في العصر الجديد.

تهدف الحوكمة العالمية إلى حلّ القضايا العالمية العامّة. ويعتمد المنطق الخفيّ للحوكمة العالمية على تقديم القوى العظمى «سلعاً» عامّة في صورة نظام أمني، واقتصادي، واجتماعي للدول الضعيفة، علماً بأنّ الدول ذات الحوكمة الضعيفة هي مصدر لـ «المشكلات» في العادة، أي أنّها تهديد أو تحدّ للمجتمع الدولي. تتألّف الحوكمة العالمية في سياق العلاقات الدولية من أفكار المجتمع الدولية وآلياته وسلوكه في حلّ القضايا المشتركة، أي أنّها «نوع جديد من القواعد والآليات والطرق والأنشطة لإدارة الشؤون العالمية بموجب توجيهات النظرية العامّة للبشر والمصالح المشتركة، ومن خلال حوار وتشاور وتعاون متكافئ، وبذل جهود مشتركة لمواجهة التحدّيات العالمية المتمثّلة بتعدّد الجهات الفاعلة»‏[3].

تتناقض الحوكمة العالمية بشكل صارخ مع المنافسة الجيوسياسية التقليدية. وهي مختلفة عن منطق ميزان القوى والمنطق الجيوسياسي الذي يميّز «لعبة المجموع الصفري»، ولها الخصال التالية: الأولى، أنّ هدفها حلّ القضايا الدولية الساخنة وتلافي تفاقم النزاعات الدولية، وهو ما يصبّ في المصلحة المشتركة لجميع أعضاء المجتمع الدولي. والثانية، أنّ الجهات الفاعلة الرئيسة الضالعة في القضايا الإقليمية الساخنة متنوّعة، منها دول ذات سيادة، ومنظّمات دولية، ومنظّمات إقليمية، ومنظّمات غير حكومية، وجهات سياسية أخرى. مثال ذلك، مع اندلاع الثورات في الشرق الأوسط، غدت العشائر المتنوّعة، والطوائف الدينية، والأحزاب السياسية والمجموعات الاجتماعية جهاتٍ فاعلة جديدة في الحوكمة العالمية أيضاً، وهذا يشمل الفصائل الكردية المسلّحة، والتنظيمات الشيعية‏[4]، التي تشكّل جبهة موحَّدة في مواجهة تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش). وقد شكّلت هذه الجهات الفاعلة، في سياق حلّ القضايا الإقليمية والدولية الساخنة، هيكلية «مسطَّحة حلّت محلّ تركيبة القوى «الهرمية» تبدأ بالقمّة وتنتهي بالقاعدة لدول ذات سيادة وُجدت في عالم السياسة الدولية منذ آلاف السنين. والثالثة، أنّ الجهات الفاعلة الدولية تكوّن غالباً أعرافاً ومبادئ معيّنة في عملية حلّ المشكلات، لتصبح هذه الأعراف والمبادئ مدوّنة السلوك في عملية حلّ النزاع‏[5]. والرابعة، أنّ جميع المشاركين في الحوكمة العالمية أصحاب مصلحة، وهم يناقشون طواعية ويحلّون المشكلات المتّصلة بالقضايا الدولية الساخنة من خلال التشاور.

الحوكمة في الشرق الأوسط مسألة بحثية متعدّدة التخصّصات وتشمل علوم الاجتماع والاقتصاد والإدارة والقانون والدبلوماسية والسياسة، وهي مرتبطة أيضاً بمجتمعات الشرق الأوسط واقتصاداته وإثنياته وسياساته وعلاقاته الدولية. ومع أنّ الصين تمتلك خبرة عملية واسعة في المشاركة في حوكمة الشرق الأوسط، فلا يزال هناك شحّ في الدراسات التي أجراها مفكّرون صينيون وعالميون حول الحوكمة الصينية الإقليمية في المنطقة. تركّز الدراسات النظرية والتجريبية الحالية على ممارسة الحوكمة من جانب الولايات المتّحدة وأوروبا ودول غربية أخرى. في بالمقابل، هناك القليل جداً من دراسات الحالة المتّصلة بمشاركة القوى الصاعدة في حوكمة الشرق الأوسط. إضافة إلى ذلك، تلقى مشاركةُ الصين في الشرق الأوسط تفسيرات منحازة. يمكن تقسيم المؤلّفات الحالية ذات الصلة إلى المدارس الخمس التالية:

تعتمد المدرسة الأولى في الأساس على مفهوم ونظرية الحوكمة العالمية. وتركّز هذه الدراسات على تعريف الحوكمة الإقليمية وأنواعها وأسبابها وآلياتها وأدائها، مستخدمة في العادة طرقاً بحثيّة نوعية وكمّية. وتركّز المدرسة الثانية على نظرية المشاركة الصينية وتطبيقها في الشؤون الدولية، مثل تغيّر المناخ، وإعادة الهيكلة المالية، ومنع الانتشار النووي، والصحّة العالمية وبعض الميادين الأخرى، لكنّها أقلّ اهتماماً بمشاركة الصين في حوكمة الشرق الأوسط خصوصاً‏[6]. وتحلّل المدرسةُ الثالثة ممارساتِ المنظّمات الدولية والإقليمية والمنظّمات غير الحكومية في الحوكمة العالمية والإقليمية، مثل الأمم المتّحدة، وجامعة الدول العربية، والاتّحاد الأفريقي والشركات المتعدّدة الجنسيات، من خلال مقاربة تاريخية ودراسات حالة في العادة. وتُعنى المدرسة الرابعة أساساً بالقوى الخارجية ومشاركة دول الشرق الأوسط في القضايا الساخنة ومقارباتها الخاصّة في حلّ مشكلات الشرق الأوسط في العصر الجديد‏[7]. وتكرَّس المدرسة الخامسة لمشاركة الصين في الوساطات السياسية، وعمليات حفظ السلام، وحلّ النزاعات وحملة مكافحة القرصنة في الشرق الأوسط.

الخلاصة أنّ أنواع البحوث الحالية المتّصلة بالجانب النظري ودراسات الحالة المتّصلة بالقوى العظمى المشاركة في حوكمة الشرق الأوسط مبنيّة على وجهات نظر ثلاث: الأولى وجهة النظر الدبلوماسية، وهي تشمل النظرية العامّة للحوكمة من منظور إدارة الأزمة، وحلّ النزاع، والدفاع الوقائي في الشرق الأوسط؛ والثانية وجهة نظر عملية حيال العلاقة بين الصين والشرق الأوسط، وهي بمنزلة تحليل مقارِن للحوكمة الإقليمية للوحدات المختلفة هناك، وهذا يشمل الأمم المتّحدة، وجامعة الدول العربية، والاتّحاد الأفريقي، ومجلس التعاون الخليجي، والمنظّمات غير الحكومية، والولايات المتّحدة، وروسيا، والاتّحاد الأوروبي، واليابان، وقطر، ومصر، والجزائر، والسعودية، وتركيا. يُظهر هذا التحليل دوافع الجهات الفاعلة تلك وآلياتها وطريقة توزيعها للموارد، ووضعها لأجنداتها، وتكتيكاتها الخاصّة في المشاركة في حوكمة الشرق الأوسط؛ وتركّز وجهة النظر الثالثة على الأدوات والأهداف والآليات الرئيسة (الثنائية والمتعدّدة الأطراف) التي تستخدمها الدبلوماسية الصينية في الشرق الأوسط.

تتميّز النتائج البحثية التي تقدّم ذكرها بتنوّع الطرق البحثية وحداثتها، وبمنظورها البحثي المبتكر، لكنّها لا تخلو من عيوب أيضاً. يركّز جلّ الدراسات الراهنة على معاينة أنماط وتجارب الدول الغربية والدول ذات السيادة، مثل قطر والجزائر، والمنظّمات الدولية، مثل الأمم المتّحدة وجامعة الدول العربية والاتّحاد الأفريقي، لكنّها تتجاهل حوكمة الصين في السنين الأخيرة بشكل سافر، ونخصّ بالذكر ندرة التحليلات الأكاديمية لممارسات الصين ومشاركتها في حوكمة الشرق الأوسط. لذلك، تسعى هذه المقالة لاستكشاف أسباب وآليات وسمات المشاركة الصينية في حوكمة الشرق الأوسط من منظور متعدّد الاختصاصات، على أمل سدّ النقص في البحوث الأكاديمية في هذا المجال.

شهد القرن الحادي والعشرون مشاركة صينية في نواحٍ كثيرة لحلّ النزاعات في الشرق الأوسط، بدءاً بالإدارة الأمنية التقليدية وانتهاءً بالحوكمة السياسية والاجتماعية. لكنّ عملية بناء قاعدة البيانات لا تزال في مرحلتها الابتدائية. أخيراً، لا تشدّد النتائج البحثية الراهنة بالقدر الكافي على المجتمعات وعلى الفوارق بين الصين والقوى الغربية في ممارسة الحوكمة في الشرق الأوسط، وهذا يتيح المجال لمزيد من البحث. وسنستخدم في هذه المقالة النزاعاتِ في المنطقة كمثال لتحليل أنواع وآليات وأساليب ومضامين مشاركة الصين في الحوكمة العالمية.

أولاً: أنواع النزاعات في الشرق الأوسط والردّ الصيني

تتميّز النزاعات الإقليمية بعدم إمكان التكهّن بها، والعوامل المجهولة التي تكتنفها، وامتداداتها، والدمار الناتج منها والحاجة إلى اتخاذ إجراءات عاجلة حيالها، وهذا أمر يترك آثاراً واسعة المدى في النظام الدولي والاستقرار الإقليمي. والمهمّة الجليلة التي تقع على كواهل الجهات الفاعلة الرئيسة في العالم، على صعيد الحوكمة العالمية، هي حلّ النزاعات الدولية، وهذا يقع في فئة إدارة الأزمات الدولية. تعرّف هذه المقالةُ الحوكمةَ العالمية بأنّها «السلوك، والآلية، والفكرة لحلّ مشكلات ناجمة عن قضايا إقليمية ساخنة».

الشرق الأوسط ساحة مهمّة في حوكمة النزاعات الإقليمية. ويصف بيتر فالنشتاين غربَ آسيا وشمال أفريقيا بـ «تركيبة من نزاعات إقليمية»، ويشدّد على أنّ النزاعات الإقليمية المحصورة محلّياً ستصبح نقاط وصل وتأثير متبادل بين دول الشرق الأوسط‏[8]. وبناء على مواضيع مختلفة، يمكن تقسيم نزاعات الشرق الأوسط على وجه التقريب إلى أربعة أنواع: يشمل الأوّل النزاعات بين دول الشرق الأوسط ودول أجنبية، كمسألة البرنامج النووي الإيراني (الولايات المتّحدة وإيران هما الطرفان الرئيسان الضالعان في هذا النزاع)؛ والأزمة السورية (الدول الغربية، والدول الخليجية، وتركيا ونظام الأسد هم بؤرة النزاع)؛ ويشمل النوع الثاني النزاعات المتّصلة بالحدود، والنزاعات الطائفية والإثنية، مثل الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، وقضية الصحراء الغربية (المغرب وجبهة بوليساريو والجزائر هي الجهات الضالعة في النزاع)؛ والنزاعات بين السودان ودولة جنوب السودان (نزاعات حدودية بين الدولتين)؛ والنزاع اليمني (حركة أنصار الله المسلّحة والسنّة في اليمن، والسعودية وإيران). ويشمل النوع الثالث النزاعات الداخلية بين مختلف الطوائف، والجماعات الإثنية، والعشائر ضمن دولة ذات سيادة، كمسألة دارفور في السودان، والنزاعات الأهلية في أفغانستان منذ سنة 2014، والنزاعات الطائفية في لبنان (حزب الله الشيعي، والطائفة السنّية، والطائفة المارونية)؛ والحرب الأهلية الليبية (نزاعات بين فصائل دينية وعلمانية). ويشمل النوع الرابع النزاعات عبر الوطنية، مثل الصراع بين المجتمع الدولي وتنظيم «الدولة الإسلامية» (وهو صراع يشمل سورية والعراق واليمن وأفغانستان وليبيا والسعودية والولايات المتّحدة والمملكة المتّحدة وفرنسا)‏[9]، والحرب التي يشنّها المجتمع الدولي على تنظيم القاعدة وفروعه (وتشمل أفغانستان والصومال واليمن والجزائر). ومع تطوير الصين قوّة شاملة وتوسّع مصالحها في الشرق الأوسط، غدا انتهاج سياسة النأي بالنفس وعدم التدخّل صعباً على الصين، وقدرة الصين ورغبتها في المشاركة في حلّ نزاعات الشرق الأوسط مجرّد مثال على ذلك (الجدول الرقم (7 – 1)).

استُثنيت الصين من المجتمع الدولي طوال الحقبة الممتدّة بين عامي 1949 و1971، بل إنّها اعتُبرت «تهديداً» ودولة «مشاكسة» وأصبحت في الواقع هدفاً للعقوبات والاحتواء و«الحوكمة» من قِبل المعسكر الغربي، وبعده الاتّحاد السوفياتي. وحتى أوائل تسعينيات القرن الماضي، بقيت الصين متمسّكة بموقف سلبي من ممارسات «الحوكمة العالمية» التي يهيمن عليها الغرب، مشتكية من كون الحوكمة العالمية حجّة تتذرّع بها القوى العظمى للتدخّل في الشؤون الداخلية للدول الضعيفة، وللتحكم بمصير العالم النامي.

وبعد انضمام الصين إلى منظّمة الصحّة العالمية في سنة 2001، ومع تسارع خطى العولمة وتكامل الصين مع النظام الدولي، لم تعد الدولُ ذات السيادة الجهاتِ الفاعلة الوحيدة في المجتمع الدولي، إذْ أضحى عدد كبير من المنظّمات الدولية والإقليمية وغير الحكومية والشركات المتعدّدة الجنسيات وجهات فاعلة من غير الدول مشاركين لهم شأن في المجتمع الدولي. وإذا كانت الصين عضواً في 21 منظّمة دولية فقط في سنة 1971، فهي أصبحت عضواً في 51 منظّمة دولية بحلول سنة 1997؛ ثم نالت عضوية 298 منظّمة دولية و2659 منظّمة إقليمية بحلول سنة 2003، وهو ما آذن بمشاركة الصين في الحوكمة العالمية‏[10].

الجدول الرقم (1)

أنواع حوكمة الصين الأمنية في الشرق الأوسط

القضيةالجهات الفاعلةنوع النزاعالدول/المنظّمات المشاركة
في حلّ النزاع
مستوى المشاركة الصينية
البرنامج النووي الإيرانيالولايات المتّحدة وإيراندول إقليمية وخارجيةالأعضاء الدائمون في مجلس الأمن الدولي وألمانياقويّة
الأزمة السوريةالولايات المتّحدة، الاتّحاد الأوروبي، مجلس التعاون الخليجي، نظام الأسد، المعارضون السوريوندول إقليمية وخارجيةالأمم المتّحدة، جامعة الدول العربية، الولايات المتّحدة، بريطانيا، روسيا، فرنسا، الصينمتوسّطة
الصراع الفلسطيني – الإسرائيليإسرائيل وفلسطينبين دول شرق أوسطيةالأمم المتّحدة، الولايات المتّحدة، بريطانيا، فرنسا، روسيا، الصينقويّة
قضية الصحراء الغربيةالمملكة المغربية، موريتانيا، الصحراء الغربية، جبهة بوليساريوبين دول شرق أوسطيةالأمم المتّحدةضعيفة
النزاع بين السودان وجنوب السودانالسودان، جنوب السودانبين دول شرق أوسطيةالأمم المتّحدة، الاتّحاد الأفريقي، الصينقويّة
النزاع اليمنيجماعة أنصار الله، السنّة في اليمن، مجلس التعاون الخليجي، إيرانبين دول شرق أوسطيةدول في مجلس التعاون الخليجي مثل قطر وعُمانمتوسّطة
قضية إقليم دارفور السودانيحكومة السودان، قبائل العرب والسود في دارفور، حركة تحرير السودان، حركة العدل والمساواةضمن دولة ذات سيادةالأمم المتّحدة، الاتّحاد الأفريقي، الصينقويّة
نزاع داخلي في جنوب السودانقبيلتي الدنكا والنوير في جنوب السودانضمن دولة ذات سيادةالأمم المتّحدة، الاتّحاد الأفريقي، الصين، وغيرهاقويّة
نزاعات داخلية في أفغانستانالحكومة الأفغانية، حركة طالبان، وغيرهاضمن دولة ذات سيادةالأمم المتّحدة، الصين، وغيرهامتوسّطة
النزاع الطائفي في لبنانالسنّة، والشيعة، والمسيحيون الموارنةضمن دولة ذات سيادةالأمم المتّحدة، قطر، جامعة الدول العربيةضعيفة
النزاع الليبيميليشيات وأطراف مختلفةضمن دولة ذات سيادةالأمم المتّحدة، جامعة الدول العربيةضعيفة
محاربة تنظيم «الدولة الإسلامية»سورية، العراق، ليبيا، تنظيم «الدولة الإسلامية»نزاعات عبر وطنيةالولايات المتّحدة، فرنسا، الأمم المتّحدة، مجلس التعاون الخليجيمتوسّطة
محاربة فروع تنظيم القاعدةسورية، العراق، اليمن، أفغانستان، المغرب العربي، الصومال، فروع تنظيم القاعدةنزاعات عبر وطنيةالأمم المتّحدة، جامعة الدول العربية، مجلس التعاون الخليجيمتوسّطة
‏‏

 

شهدت الصين في القرن الحادي والعشرين نموّاً مطّرداً في قوتها الوطنية الشاملة وفي نفوذها الدولي بعد أن أصبحت ثاني أكبر اقتصاد، وأكبر مورّد ومصدّر للسلع في العالم. ففي سنة 2014، بلغ حجم استثمارات الصين الفعلية في الخارج 140 مليار دولار، وهذا رقم يتخطّى الاستخدام الصيني للرساميل الأجنبية التي تناهز 120 مليار دولار، بل وأصبحت الصين، لأوّل مرّة، مُصَدّراً صافياً للرساميل‏[11]. وتعلّق أغلبية الدول النامية على الصين آمالاً كبيرة بأن تزيد مشاركتها النشطة في الحوكمة العالمية، وتتوقّع أن تشاطرها الصينُ تجربتَها الناجحة في الحوكمة الوطنية. وفي ما يختصّ بمسألة إن كان يجدر بالصين أن تشارك بفاعلية في الحوكمة العالمية، هناك وجهتا نظر مختلفتان كلّياً: «نظرية المسؤولية» ونظرية «الانتفاع المجّاني»‏[12]. لكنّ مشاركة الصين في حلّ النزاعات الإقليمية في العصر الجديد هي الحقيقة التي يتعيّن على الصين مواجهتها في مبادرة «الحزام الواحد والطريق الواحد»، لا أنّها مجرّد جزء مهمّ في انخراط الصين في الحوكمة العالمية. في الواقع، تشكّل تركيبة مبادرة «الحزام الواحد والطريق الواحد» في ذاتها تطبيقاً مهماً لمشاركة الصين في الحوكمة العالمية.

ترحّب دول الشرق الأوسط بمشاركة الصين في حلّ النزاعات الإقليمية. يُعزى ذلك من ناحية إلى كون الصين الدولةَ النامية الوحيدة ذات العضوية الدائمة في مجلس الأمن الدولي وأنّها لا تشبه بشيء الغربَ الذي استعمر الشرق الأوسط أو انتهج سياسات تسلّطية تجاهه. ومن ناحية أخرى، يُعزى ذلك أيضاً إلى تمتّع الصين بسجلّ «خالٍ من الأعداء» مع جميع الأطراف في الشرق الأوسط، وهي تُولي اهتماماً أكبر لمشاعر الأطراف المتنازعة، مركّزة على الموازنة والتوفيق بين إسرائيل وفلسطين، وبين العرب وغير العرب، وبين الفصائل السنّية والفصائل الشيعية، وبين إيران والسعودية، وبين النظم الجمهورية والنظم الملكية، وبين الدول المنتجة للنفط والدول المستوردة له، وبين الدول الإسلامية المعتدلة والدول الإسلامية المتشدّدة، بحيث تصون علاقات ودّية مع جميع الأطراف، وهو ما يتيح ظروفاً مواتية لمشاركة الصين في حلّ نزاعات الشرق الأوسط.

كما أنّ الدول الشرق الأوسطية ترى أنّ مشاركة الصين في المنطقة ستُسهم في مصالح الأطراف المعنية بالنزاعات. مثال ذلك، رحّبت إيران بمشاركة الصين في آلية «الدول الخمس زائد واحد» في معالجة مسألة البرنامج النووي الإيراني لتكون ثقـلاً مقابِلاً للولايات المتّحدة وأوروبا. ورحّبت دول مجلس التعاون الخليجي أيضاً، ومنها السعودية، بالصين لاعباً يضطلع بدور إيجابي في الشرق الأوسط، لمعادلة الضغوط التي تمارسها الولايات المتّحدة وأوروبا لدفع النظم الملكية إلى إجراء إصلاحات ديمقراطية. وحين اعتلى الملكُ عبد الله العرش في سنة 2006، اختار الصين لتكون وجهته الأولى في أوّل رحلة له خارج المنطقة. وفي السنين الأخيرة، غدت الصين بلا شكّ أكبر شريك تجاري السعودية والمستورد الأوّل لنفطها، وإن بقيت الولاياتُ المتّحدة الشريكَ الأمني الأوّل للمملكة، علماً بأنّ الرئيس الصيني السابق هو جين تاو زار المملكة في سنة 2004 وفي سنة 2006 ‏[13]. ولغاية سنة 2015، أسّست الصين شراكات استراتيجية مع مصر (1999)، والسعودية (2006)، والجزائر (2004)، وتركيا (2010)، والإمارات العربية المتّحدة (2012)، وقطر (2014)، وهو ما يعزّز قدرة الصين على المشاركة في حلّ النزاعات في الشرق الأوسط‏[14].

شهدت السنوات القليلة الماضية إقامة علاقات وثيقة بين الصين ودول الشرق الأوسط. ففي سنة 2013، زار رئيسُ الوزراء الإسرائيلي نتنياهو والرئيس الفلسطيني عبّاس بكّين في الوقت ذاته تقريباً. ثمّ زارها في سنة 2014 وليُّ العهد السعودي آنذاك الأمير سلمان. وفي أيار/مايو 2014، زار الرئيس الإيراني روحاني مدينة شنغهاي للمشاركة في قمّة «المؤتمر المعني بالتفاعل وتدابير بناء الثقة في آسيا» (CICA). وفي سنة 2014، زار يو زهينْغشينغ، رئيس «المؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني» (CPPCC)، المغرب والجزائر والأردن والبحرين. وقدِم الرئيس المصري السيسي إلى بكّين مرّتين، الأولى في كانون الأول/ديسمبر 2014، والثانية في أيلول/سبتمبر 2015. وزار رئيس الوزراء الجزائري عبد المالك سلال الصين في نيسان/أبريل 2015. تُظهر هذه الزيارات الرفيعة المستوى أنّ دولاً شرق أوسطية ملتزمة، حالياً، بسياسة «النظر شرقاً»، وأنّها مهتمّة بالأسواق الناشئة، مثل الصين وكوريا الجنوبية والهند ودول جنوب شرق آسيا؛ فيما تنتهج دول شرق أوسطية أخرى سياسة «الموازنة بين الشرق والغرب». بيد أنّ كِلا المعسكرين يرحّب باضطلاع الصين بدور نشط في حلّ النزاعات في الشرق الأوسط.

ثانياً: أنماط وآليات حوكمة الصين الأمنية

إنّ مشاركة الصين في حلّ نزاعات الشرق الأوسط مكوّن مهمّ في حوكمتها العالمية في الحقبة الجديدة. ومع صعود القوى الناشئة كمجموعة في مستهلّ القرن الحادي والعشرين، ازدادت مواضيع الحوكمة العالمية تنوّعاً، وأضحت قوى إقليمية كالصين والبرازيل وروسيا والهند والاتّحاد الأوروبي و«رابطة أمم جنوب شرق آسيا» (آسيان) والاتّحاد الأفريقي و«منظّمة شنغهاي للتعاون» (SCO) ومجلس التعاون الخليجي جهاتٍ في الحوكمة العالمية. ومع تنامي نفوذ مجموعة العشرين، برز تحدّ لهيمنة الدولار الأمريكي التقليدية، وتعاظم النفوذ الدولي للعملة الصينية. كما أنّ أفق الصين تجاوز منطقة آسيا والمحيط الهادئ ليعمّ العالم بأسره. وما مشاركة الصين في الحوكمة العالمية غير رمز لانتقال مركز القوى العالمي، من مركز قوى غربي إلى مراكز متعدّدة الأقطاب. ومشاركة الصين في حلّ نزاعات الشرق الأوسط رمز مهمّ أيضاً للقوى الصاعدة في العصر الجديد. لو استعرضنا التاريخ، سنجد أن تغيّر القوى العالمية تلازم مع العنف في العادة. لكنّ مشاركة الصين في حلّ نزاعات الشرق الأوسط شمولية، وهي تؤكّد وجوب أن يكون للجهات الفاعلة في الحوكمة العالمية تمثيل واسع، وأن يشمل الولايات المتّحدة والاتّحاد الأوروبي والصين وروسيا وتركيا والسعودية وإيران وقوى إقليمية وعالمية أخرى.

باتت النزاعات في الشرق الأوسط أمراً «عادياً جديداً» منذ انتهاء الحرب الباردة، وبعبارة أدقّ، منذ اندلاع «الثورات العربية». وتؤكّد الصين، كونها عضواً دائماً في مجلس الأمن الدولي، أنّها ستتيح السلع العامّة دولياً وستُقدّم حكمتها وقوتها للتعامل مع النزاعات الإقليمية. وفي هذا الصدد، يمكن تقسيم مشاركة الصين في حلّ نزاعات الشرق الأوسط إلى ثلاثة ميادين.

الميدان الأول هو الحوكمة السياسية، وهو ما يتجلّى في مشاركة الصين في عمليات حفظ السلام الأممية في دولة جنوب السودان، ولبنان، وإقليم دارفور بالسودان، إضافة إلى مشاركة الصين في حلّ الأزمة السورية. وفي هذا الصدد أيضاً، بعثات حفظ السلام التي ترعاها الأمم المتّحدة آلية مهمّة، وقد انضمّت الصين إلى اللجنة الخاصّة بعمليات حفظ السلام الأممية في سنة 1988، وأرسلت مراقبين عسكريين لأوّل مرّة إلى الشرق الأوسط في سنة 1990، وأرسلت ضبّاط ارتباط عسكريين، ومستشارين وقوات هندسة للمشاركة في «هيئة الأمم المتّحدة لمراقبة الهدنة» وفي «بعثة الأمم المتّحدة للمراقبة في العراق والكويت»‏[15]. وورد في الكتاب الأبيض بشأن الدفاع الوطني الصيني لسنة 2013 أنّ الصين شاركت في بعثات حفظ سلام أممية في تسع مناطق لغاية سنة 2012. وأرسلت ضمن إطار الأمم المتّحدة فرقاً هندسية وطبّية تضمّ 335 عنصراً إلى لبنان، و338 عنصراً للمشاركة في «بعثة الأمم المتّحدة في جنوب السودان»، و315 عنصراً للمشاركة في «العملية المختلطة للاتحاد الأفريقي والأمم المتّحدة في دارفور»‏[16].

والميدان الثاني هو حوكمة النزاعات، كمشاركة الصين في حوكمة الإرهاب في الشرق الأوسط ضمن إطار الأمم المتّحدة. فالصين تساند المجتمع الدولي في مجلس الأمن في محاربة تنظيم «الدولة الإسلامية»، وإن لم تشارك بأيّ قوات للإغارة على هذا التنظيم الإرهابي. وفي سنة 2015، دعت الصين إلى حلّ الأزمة في اليمن بالطرق السلمية والحوار، وهي تشارك في حوكمة الانتشار النووي منذ مستهلّ القرن الحادي والعشرين، كما أرسلت سفن مواكبة إلى خليج عدن للتصدّي للقراصنة الصوماليين.

والميدان الثالث هو الحوكمة الاجتماعية، كمشاركة الصين في حوكمة اللاجئين في أفريقيا وغرب آسيا، وهذا يشمل تقديم مساعدات إنسانية للاجئين الأفغان والعراقيين والفلسطينيين والسوريين والصوماليين وغيرهم. وتشارك الصين منذ سنة 2014 في إعادة إعمار قطاع غزّة بالتعاون مع قوى عالمية وإقليمية أخرى.

تنحصر النزاعات في العالم الإسلامي منذ بداية القرن الحادي والعشرين في الدول المتاخمة لطريق الحرير أساساً. ولبعض هذه النزاعات صلة مباشرة بالأمن القومي والاستقرار الاجتماعي الصيني، مثل النزاعات الطائفية في أفغانستان، ولبعضها الآخر صلة بأمن الطاقة والاستثمارات والمصالح التجارية الصينية، مثل البرنامج النووي الإيراني، والنزاع بين جمهوريتي السودان وجنوب السودان والحملات الدولية المناوئة لتنظيم «الدولة الإسلامية»؛ ولبعضها صلة بواجبات الصين الدولية، كمشاركة الصين في حلّ أزمتي سورية واليمن. ولمّا كانت الصين الدولة «الجنوبية» الوحيدة التي تمثّل أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية في مجموعة الأعضاء الدائمي العضوية في مجلس الأمن الدولي، فقد باتت مشاركة الصين في حلّ النزاعات الإقليمية ضمانة مهمّة تحمي مصالحها في الخارج، بالإضافة إلى كونها وسيلة مهمّة تبني من خلالها بكّين صورة قوّة مسؤولة تخفّف حدّة النزاعات الإقليمية. كما أنّ هذه المشاركة نقطة انطلاق مهمّة لتبني الصين نوعاً جديداً من العلاقات بالقوى العظمى مثل الولايات المتّحدة وروسيا والاتّحاد الأوروبي.

تتمتّع الصين حالياً بخبرة واسعة في حلّ نزاعات الشرق الأوسط، وهي أظهرت مميّزاتها الفريدة في هذا المجال. إنّها تصون مصالحها على صعيد الطاقة والاستثمار والتجارة في الشرق الأوسط، وتعزّز مواقفها في الساحة الدولية، وتوطّد وضعها السياسي، وتطوّر صورتها؛ وجميع ما تقدّم وسائل مهمّة لتوسِّع الصينُ نفوذَها السياسي وتزيد التقارب الدبلوماسي والجاذبية الأخلاقية، مستخدمة حلّ نزاعات الشرق الأوسط كنقطة انطلاق.

الخلاصة أنّ مشاركة بكّين في الحوكمة الأمنية الإقليمية في الشرق الأوسط مدفوعة في المقام الأول بوارداتها المتعاظمة من الطاقة، وباستثماراتها ومصالحها التجارية. ثانياً، تُسهم الصين في تخفيف النزعات في الشرق الأوسط وتقوّي الخطاب الدبلوماسي لمنع القوى الغربية من الهيمنة على الشرق الأوسط من منطلق دعم إسباغ الديمقراطية على العلاقات الدولية. ثالثاً، مشاركة الصين في الحوكمة الأمنية في الشرق الأوسط مدفوعة بسعيها لإقامة علاقات تعاونية بين القوى العظمى لبناء شراكة استراتيجية بين الصين من جانب، وبين روسيا والولايات المتّحدة وأوروبا من جانب آخر. رابعاً، تريد الصين بمشاركتها في حلّ نزاعات الشرق الأوسط أن تُظهر صورة وطنية للعدل والسلام في العالم تعزيزاً لقوّة الإقناع الصينية.

غالباً ما تتداخل العوامل الأربعة الآنفة الذكر وتؤثر في بعضها في حلّ نزاعات الشرق الأوسط. مثال ذلك، غداة اندلاع أزمة البرنامج النووي الإيراني، اضطلعت الصين بدور نشط في آليات مفاوضات «مجموعة الدول الخمس زائد واحد»، داعية بقوّة إلى تسوية سلمية لهذه الأزمة. يُعزى ذلك من ناحية إلى كون النفط الإيراني عنصراً حيوياً في نموّ اقتصاد الصين وفي وارداتها من الطاقة. وإيران شريك تجاري مهمّ للصين، فيما الصين أكبر شريك تجاري لإيران منذ سنين متعاقبة. ويشارك الجانبان في مشاريع تعاونية ثنائية في ميادين الطاقة والبنية الأساسية والاستثمار والاقتصاد والتجارة، مع آفاق واسعة لتعاون مستقبلي‏[17]. من ناحية أخرى، شكّلت المشاركة في حلّ مشكلة البرنامج النووي الإيراني وسيلةً حيوية لتوسّع الصين نفوذها السياسي في الشرق الأوسط، بإظهار مكانتها كقوة مسؤولة وإيجاد توازن بين القوى. بالمقابل، ليس للصين مصلحة ذات شأن في الصحراء الغربية، وتواصلُ الدول العظمى حول النزاع هناك لا يكتسي طابعاً ملحّاً. لذلك، يخصّص الصينيون موارد خارجية كبيرة للمنطقة التي للصين فيها مصالح. ومع تراجع حدّة الأزمة القبرصية في السنين الأخيرة، لم تنخرط الصين بعد في دبلوماسية وساطة مكثّفة.

تضطلع الدول الأجنبية بأدوار في النزاعات الإقليمية مستخدمة آليات رسمية وغير رسمية. وقد جمعت الصين الآليات المحلّية والإقليمية والعالمية منذ مستهلّ القرن الحادي والعشرين للإسهام في الحوكمة الأمنية في الشرق الأوسط، وركزّت على النواحي ذات الشأن. ولو نظرنا إلى الآلية المحلّية، نجد أن دبلوماسية الصين امتداد لسياساتها المحلّية. وهي تنسّق غالباً بين الوكالات المتنوّعة في الداخل لتحقيق أفضل نتيجة مواتية. مثال ذلك، عملت وزارات الصحّة والعدل والتعليم وهيئات الإذاعة والسينما والتلفزيون الصينية واتّحاد نساء عموم الصين واللجنة المركزية لرابطة الشباب الشيوعي وهيئة التخطيط الوطنية للصحّة والأسرة في الصين مع «برنامج الأمم المتّحدة المشترك بين منظّمات الأمم المتّحدة لمكافحة الإيدز» (UNAIDS) في سياق حوكمة الإيدز العالمية لبذل جهد مشترك‏[18]. وهذه هي الحال أيضاً في مشاركة الصين في الحوكمة الأمنية في الشرق الأوسط، حيث تشمل الآلية المحلّية الصينية ما يلي:

1 – آلية المبعوث الخاصّ من خلال وزارة الخارجية: أسّست الحكومةُ الصينية لأوّل مرّة آليةَ مبعوث خاصّ في أيلول/سبتمبر 2002 للصراع الفلسطيني – الإسرائيلي. وبذلك تكون الصين قد أطلقت مشاركتها في تأسيس آلية لحلّ هذا الصراع الإقليمي. وبعد ثلاث عشرة سنة، انطلقت من الصفر آلية محلّية تُعنى بحوكمة النزاعات الإقليمية، وتنشد التطوّر عملياً باستمرار، وتفتح مجالاً جديداً. ولا تزال آلية المبعوث الخاصّ تتوسّع، لتشمل الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، وقضايا السودان، وقضية البرنامج النووي الإيراني، وقضايا الصومال، والنزاع الداخلي في ليبيا وسورية، وغير ذلك. ولغاية سنة 2015، سمّت الصين أربعة مبعوثين خاصّين لشؤون شبه الجزيرة الكورية (وو داوي)، والشؤون الأفريقية (زهونغ جيانْهاو)، ولشؤون الشرق الأوسط (جونغ كسياوْشينغ)، وللشؤون الأفغانية (صون يوكسي) وهو يُعنى بثلاث دول إسلامية. يشير ذلك أيضاً، وإن بطريقة غير مباشرة، إلى أنّ العالم الإسلامي أضحى ساحة مهمّة للصين تدير فيها علاقات ثنائية ومتعدّدة الأطراف مع قوى أخرى في الحوكمة الأمنية للشرق الأوسط. وفي سنة 2013، وبفضل جهود الأعضاء، تبنّى مجلسُ الأمن الدولي القرار الرقم 2118 الخاصّ بتدمير الأسلحة الكيميائية السورية. وأرسلت الصين الفرقاطة يانْشينغ للتعاون مع روسيا والنرويج والدنمارك ودول أخرى على تنفيذ مهمّة مرافقة للأسلحة الكيميائية السورية. إنّها أوّل مرّة ترسل فيها الصين سفينة حربية لتنفيذ مهمّة مثل هذه، وكانت بمنزلة استجابة لمطالبة الأمم المتّحدة بالتصدّي للأزمة في سورية. كما دعت الصين الائتلافَ الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية لزيارة بكّين؛ واقترح وزير الخارجية الصيني بعد ذلك «النقاط الخمس» لحلّ الأزمة السورية‏[19].

2 – آلية حفظ السلام الدولي والمرافقة الصومالية من خلال وزارة الدفاع الصينية: تُعتبر منطقتا أفريقيا وغرب آسيا المنطقتين الرئيستين اللتين تشارك فيهما الصين في عمليات حفظ السلام الأممية، ولا سيّما في جمهوريتي السودان وجنوب السودان، حيث لدى الصين مصالح حيوية في مجالي الطاقة والاستثمار. تُسهم قوات حفظ السلام الدولية الصينية في تعزيز الصورة الوطنية للبلاد من ناحية كقوة مسؤولة ذات نفوذ سياسي. ومن ناحية أخرى، تُعنى قوات حفظ السلام الصينية بصون المصالح العملية للصين في المناطق التي تشهد نزاعات. ففي سنة 1990، وفي أثناء أوّل مشاركة للصين في عمليات حفظ السلام الأممية بالشرق الأوسط، أرسلت 5 مراقبين للمشاركة في «هيئة الأمم المتّحدة لمراقبة الهدنة» (ومقرّها في القدس). منذ ذلك الحين، تشارك الصين في نحو 20 بعثة حفظ سلام دولية من خلال وحدات حفظ سلام يبلغ إجمالي عديدها 20000 عنصر. وفي سنة 2013، احتلّت الصين المرتبة السادسة في ترتيب الدول المساهمة في بعثات حفظ السلام الأممية، والأولى على صعيد الدول النامية المشاركة. ولغاية سنة 2014، كان هناك نحو 2000 عنصر يخدمون في وحدات حفظ السلام الصينية في بعثات حفظ سلام دولية تحت مظلّة الأمم المتّحدة‏[20].

وفي السنين الأخيرة، انحصرت مشاركة الصين في عمليات حفظ السلام الأممية المتّصلة بنزاعات الشرق الأوسط في خمسة أماكن أساساً: «هيئة الأمم المتّحدة لمراقبة الهدنة» في القدس؛ و«قوة الأمم المتّحدة المؤقّتة في لبنان» في جنوب لبنان‏[21]؛ و«بعثة الأمم المتّحدة في السودان» (ومقرّها في جنوب السودان)؛ و«العملية المختلطة للاتّحاد الأفريقي والأمم المتّحدة في دارفور»؛ و«بعثة الأمم المتّحدة للاستفتاء في الصحراء الغربية».

3 – برنامج الصين للمساعدات الدولية وآلية المساعدات الاقتصادية من خلال وزارة التجارة: استثمرت الصين لغاية الآن مليارات الدولارات في جنوب السودان، لتصبح هذه المنطقة ذات أهمّية لمصالح الصين في غرب آسيا وأفريقيا. ومن خلال تقديم مساعدات اقتصادية وإنسانية، تشارك وزارة التجارة بقوّة في حلّ نزاعات الشرق الأوسط (بالتنسيق مع وزارة الخارجية). وعندما نشب نزاع بين عدد من الفصائل في جنوب السودان، سعت الصين، بالتعاون مع الولايات المتّحدة والمملكة المتّحدة والنرويج، لإقناع جميع الأطراف بالجلوس إلى طاولة المفاوضات، وقدّمت مليون دولار لآلية المراقبة الدولية للإشراف على وقف إطلاق النار الذي توصّلت إليه الأطراف هناك، وقدّمت مليوني دولار لإعادة توطين لاجئي جنوب السودان من خلال وكالة الأمم المتّحدة‏[22]. وفي تشرين الأول/أكتوبر 2014، انعقد بالقاهرة مؤتمر إعادة إعمار غزّة، وحضره المبعوث الصيني الخاصّ جونغ كسياوْشينغ. ووعدت الحكومة الصينية بتقديم مساعدة بقيمة 5 ملايين دولار للفلسطينيين. وعقب شنّ الولايات المتّحدة والمملكة المتّحدة وفرنسا والسعودية والأردن غارات جوّية ضد تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام»، عانى اللاجئون في العراق وسورية من أوضاع معيشية صعبة، وهو ما سبّب أزمة إنسانية. لذلك، قدّمت الحكومة الصينية مساعدات إنسانية طارئة بقيمة 30 مليون يوان للأكراد العراقيين في كانون الأول/ديسمبر 2014، وشملت مؤناً طبّية وخياماً وغير ذلك‏[23]. كما قدّمت الصين أشكالاً أخرى من المساعدات الإنسانية للاجئين في أفغانستان وسورية والعراق وجمهوريتي السودان وجنوب السودان من خلال وزارة التجارة.

إضافة إلى الآلية المحلّية، تشمل مشاركةُ الصين في حوكمة النزاعات الإقليمية أيضاً سلسلة آليات ثنائية ومتعدّدة الأطراف. مثال ذلك، وقّعت الصين اتّفاقيات تعاون مع مجلس التعاون الخليجي، وجامعة الدول العربية، والاتّحاد الأفريقي، والمنظّمات الإقليمية التابعة لها، مثل الاجتماع التشاوري لكبار المسؤولين ضمن إطار «منتدى التعاون الصيني العربي»، و«منتدى التعاون الصيني الأفريقي» وآليات أخرى ذات صلة؛ وآليات تعاون دائمة وخاصّة بين الصين والولايات المتّحدة وروسيا وأوروبا ضمن إطار الأمم المتّحدة. وهذه آليات مهمّة في مشاركة الصين في الحوكمة الأمنية في الشرق الأوسط.

 

ثالثاً: أنماط مشاركة الصين في الحوكمة الأمنية في الشرق الأوسط

في الواقع، مشاركة الصين في حلّ نزاعات الشرق الأوسط عملية تفاعل بين أفكار دبلوماسية صينية وغربية. ذلك أنّ مفاهيم الحوكمة لدى الصين والقوى الرئيسة الأخرى باتت متقاربة في الحقبة الجديدة، مثل تعزيز المكانة العالمية للقوى والنزعة الأممية؛ علماً بأنّ القوى الخارجية تشدّد على مفاهيم حكم القانون، وزيادة الشفافية السياسية، وتعزيز قدرات الحوكمة في الدول التي تمرّ في مرحلة انتقالية مثل مصر والعراق وليبيا لإدارة نزاعات الشرق الأوسط. كما أنّ الغرب بات يقيم وزناً لاقتراح الصين لحلّ نزاعات الشرق الأوسط، وأعني وجوب أن يكون حلّ الأزمات الإقليمية مبنياً على رفع مستوى رفاهية الشعوب وعلى الردّ على الأزمات الإنسانية. في المقابل، توافق الحكومة الصينية على بعض أفكار الحوكمة الغربية بشكل خاصّ، مثل الجمع بين الحوكمة المحلّية والحوكمة العالمية، ووجوب أن تشكّل دولُ الشرق الأوسط حكوماتٍ أكثر شمولية في مناطق النزاع، ودعم المصالحة السياسية وإحلال الديمقراطية تحت إشراف الأمم المتّحدة. لكنّ ذلك لا ينفي اعتماد الصين والعرب أنماطاً مختلفة في حوكمة الشرق الأوسط.

أوّل وجوه الخلاف تشديد الغرب على «الحوكمة الديمقراطية»، فيما تشدّد الصين على «حوكمة معيشة الشعوب». كما أنّ الصين والغرب يفهمان أسباب النزاعات الإقليمية بطرق مختلفة، إذْ يعتقد الغرب أنّ غياب الديمقراطية هو السبب الأساس، أو ما يسمّى العجز الديمقراطي في الوطن العربي‏[24]. لذلك، يكمن المفتاح لحلّ النزاعات حلّاً جذرياً في الديمقراطية وحكم القانون وإعلاء شأن حقوق الإنسان. لكنّ الصين تعتقد أنّ الأسباب الأساس لنزاعات الشرق الأوسط كامنة في التناقضات الاقتصادية والاجتماعية، لذلك، دعم التنمية الاقتصادية والاجتماعية هو المفتاح لحوكمة جيدة. لكنّ الصينيين يعتقدون أنّ حوكمة الغرب الإقليمية تعكس الأسلوب الغربي في التركيز على «الأعراض». لذلك، يعكس موقفُ الصين في مناطق النزاع فكرة «معالجة الداء بالمحافظة على صحّة الجسم». وعلى الضدّ من ذلك، يشدّد الغربُ على إقامة ديمقراطية تعدّدية عوضاً من دعم التنمية الاقتصادية والاجتماعية.

والوجه الثاني أنّ المقاربة الغربية تبدأ بـ «القاعدة وتنتهي بالقمّة»، بينما تبدأ المقاربة الصينية بـ «القمّة وتنتهي بالقاعدة». لذلك، تعكس حوكمةُ الغرب الأمنية في الشرق الأوسط سمة التحرّك «من الأسفل إلى الأعلى»، بالتركيز غالباً على دور المجتمع المدني، مثل المنظّمات المدافعة عن حقوق الإنسان، والجماعات الدينية، والمؤسّسات الفكرية، وغير ذلك. هذه العناصر نافعة في تحديد الأجهزة والهيئات السياسية في الشرق الأوسط التي تحبّذ مصالح الغرب أو توافق على أيديولوجيته، وهو يرعى قوى المعارضة في مناطق النزاع، بل ويزوّدها بالأسلحة. وكما في الأزمة السورية، ساندت الولاياتُ المتّحدة والاتّحاد الأوروبي الجيشَ السوري الحرّ في قتاله لنظام الأسد. لكنّ الصين تنتهج مسار التحرّك من «الأعلى إلى الأسفل». ومع أنّها تتواصل مع المعارِضين في الدول التي تشهد نزاعات (مثل حركة طالبان في أفغانستان)، فهي تعمل أساساً مع الحكومة المركزية. كما تشدّد الصين على مبدأ عدم التدخّل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، وتُبقي على قنوات اتّصال بالحكومات في العادة. وهي لن تدعم قوى معارضة داخلية عازمة على تفتيت البلاد أو تعريض استقلالها للخطر، كما أنّها لن ترعى أيّ طرف أو تضغط عليه في النزاعات، لأنّها ترى أنّ ذلك لا يعني سوى التدخّل في الشؤون الداخلية للدولة المعنية وتأجيج النزاع. مثال ذلك، دعت الصين إلى احترام سيادة العراق والسودان وجنوب السودان وأفغانستان واليمن وغيرها. فمن ناحية، وعت الصين حتمية وصوابية الحوكمة العالمية، وازدادت إدراكاً لأهمية المشاركة في الشؤون الدولية وساندتها. ومن ناحية أخرى، ترتاب الصين في العمليات العسكرية التي تقودها الولايات المتّحدة خارج إطار الأمم المتّحدة، ويساورها الشكّ حيال التدخّل الأجنبي والمنظّمات غير الحكومية/المجتمع المدني التي تشارك في الحوكمة الأمنية‏[25].

الوجه الثالث أنّ الأسلوب الغربي قائم على الحوكمة «الراديكالية» فيما حوكمة الصين «تدريجية». المقاربة الغربية في حلّ النزاعات الإقليمية تجسّد السمات «الراديكالية»، مع توقّع حلّ كلّ المشكلات في زمن وجيز. في المقابل، تنتهج حوكمة الصين في حلّ النزاعات الإقليمية طريقةً «تقدّمية» (أو تدريجية). مثال ذلك، في أثناء مفاوضات «مجموعة الخمس زائد واحد» حول البرنامج النووي الإيراني في سنة 2014، طالبت الولاياتُ المتّحدة الحكومةَ الإيرانية بوقف تشغيل أغلب أجهزة الطرد المركزي في زمن معيّن، لكنّ إيران اشترطت على الولايات المتّحدة رفعاً كامـلاً وفورياً لجميع العقوبات المفروضة. وبالتالي، وصلت المفاوضات إلى طريق مسدود. عندئذٍ، اقترح الممثّل الصيني تفكيك أجهزة الطرد المركزي شيئاً فشيئاً، على أن ترفع الولاياتُ المتّحدة بالتدريج العقوبات عن إيران، ثمّ عرض «الاقتراحات الخمسة» لحلّ مشكلة البرنامج النووي الإيراني، ولاقت قبول جميع الأطراف في نهاية المطاف. الدبلوماسيون الصينيون أكثر برودة وصبراً من المفاوضين الغربيين، وفهمهم أعمق وتوقّعاتهم أدقّ في العادة حيال تعقيد النزاعات في الشرق الأوسط، وهم يقترحون حلولاً بنّاءة وتدريجية لأزمات الشرق الأوسط.

الوجه الرابع أنّ الحلول الغربية للنزاعات الإقليمية «قسرية»، بينما الحلول الصينية «تشاورية». الولايات المتّحدة والقوى الأوروبية أصحاب مصلحة غالباً، وهم من جملة الأطراف المتصارعة، بينما تتصرّف الصين بطريقة مختلفة. فبموجب شعار منع انتشار الأسلحة النووية، تعارض الولاياتُ المتّحدة بشدّة حيازة إيران أو أيّ دولة معادية لأمريكا أسلحة نووية. وعند التعامل مع أفغانستان وسورية وليبيا والعراق والقضايا الساخنة الأخرى، ترفع الولايات المتّحدة شعارات الديمقراطية والحرّية وحقوق الإنسان، وتقول إنّ لديها مهمّة خاصّة هي دعم الديمقراطية في الخارج. بل إنّها استخدمت العنف للإطاحة بالحكومات الإسلامية في أفغانستان والعراق وليبيا، هي تعمد إلى الاحتواء العسكري لدول مناوئة لأمريكا مثل إيران وسورية. لذلك، فإنّ حوكمتها الإقليمية قهرية. في المقابل، تراعي الصين غالباً المصالح العملية للأطراف الضالعة في النزاعات، عوضاً من الترويج لأيديولوجيات الديمقراطية والحرّية وحقوق الإنسان. وتقترح الصين إيجاد أرضية مشتركة وتنحية الخلافات، وتعرض اقتراحات على جميع الأطراف، لكنّها لا تفرض على أيّ طرف العملَ باقتراحاتها، لذلك فإنّ حوكمتها من النوع التشاوري. مثال ذلك، هناك نزاعات بين جمهوريتي السودان وجنوب السودان، وللصين مصالح مهمّة في مجال الطاقة هناك، لكنّ الصين اكتفت بعرض اقتراحات غير مُلزمة على جميع الأطراف.

الوجه الخامس أنّ الحوكمة الغربية «شاملة»، بينما حوكمة الصين «انتقائية». تعكس الحوكمةُ الغربية في النزاعات الإقليمية المصالحَ الغربية المتنوّعة، وهو ما يرقى إلى مستوى «المشاركة الكاملة»، لكنّ مشاركة الصين في الحوكمة الأمنية معتمدة على قدراتها الخاصّة، وهو ما يرقى إلى مستوى «المشاركة الانتقائية». وبالنظر إلى هيكلية صنع القرار المحلّية المعقّدة وآلية الارتباط المتعدّدة، تستهلك المشاركةُ في حوكمة الشرق الأوسط الكثير من وقت الصين. لذلك، نجدها أقلّ استعداداً من الدول المتقدّمة للانخراط في الحوكمة الأمنية، بل إنّها أقلّ استعداداً من دول أخرى في مجموعة البريكس (التي تضمّ البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا)، مثل روسيا أو الهند أو البرازيل. غير أنّ الصين تستثمر موارد كثيرة في صندوق النقد الدولي دعماً لتطوير الزراعة، وتشارك في الحوكمة العالمية في هذا المجال، لكن يظهر أنّ بكّين أكثر حذراً في الحوكمة العالمية المتّصلة بالمخدّرات والجريمة ومعايير العمل والصحّة العالمية والمساعدات الإنسانية‏[26].

ولو عدنا إلى الشرق الأوسط، سنجد أنّ للغرب مصالح جيوسياسية وجيو اقتصادية كثيرة، بينما الصين ليس لديها إلا مصالح في مجالي الطاقة والتجارة هناك، وهذا هو السبب الرئيس للاختلافات بين الجانبين. ومع أنّ الصين أصبحت ثاني أكبر اقتصاد في العالم منذ سنة 2010، لا يزال هناك خلافات في الداخل حول مشاركة الصين في حوكمة الشرق الأوسط. تصرّ الصين على وجوب أن تكون مشاركتها في حلّ النزاعات الإقليمية ضمن قدراتها وأن يكون تدخّلُها انتقائياً كونها دولة نامية وليست دولة تعديلية (Revisionist)‏[27]. فعلى صعيد حلّ النزاع الطائفي في لبنان، ومحاربة فروع تنظيم القاعدة وتنظيم «الدولة الإسلامية»، والتوسّط بين الفصائل المتناحرة في الصومال، والتوصل إلى مصالحة بين حكومة البحرين ومعارضيها، وحلّ مشكلة الصحراء الغربية، والتوسط لحلّ النزاع حول الجزر الثلاث بين إيران والإمارات العربية المتّحدة، لا تتولّى الصين زمام المبادرة أو تشارك في وساطة، لكنّها تضطلع بدور غير مباشر عبر الأمم المتّحدة. بناء على ذلك، عملت الصين ودول أخرى في مجلس الأمن الدولي على تمرير القرار 2170 في 15 آب/أغسطس 2014، والقرار 2178 في 24 أيلول/سبتمبر 2014 المتعلّقَين بضرب تنظيم «الدولة الإسلامية». طالبت الصينُ المجتمعَ الدولي بتطبيق جدّي للقرارين، لكنّها لم تشارك في العمليات العسكرية المشتركة التي تقودها الولايات المتّحدة وأوروبا ومجلس التعاون الخليجي وتركيا‏[28].

الوجه السادس أنّ الحوكمة الغربية «نخبوية»، فيما الحوكمة الصينية «مدنية». إنّ تدخّل الغرب في حلّ نزاعات الشرق الأوسط حوكمة نخبوية تعكس منطق «شريعة الغاب»، بمعنى أنّه قلّة هي القوى الغربية التي ترى وجوب «التعامل» مع ما يسمّى دولاً فاشلة أو دولاً مثيرة للمشكلات. لكنّ حوكمة الصين «مدنية»، بمعنى أنّه يجب على الدول النامية والدول المتقدّمة، إضافة إلى جميع الأطراف الضالعة في النزاعات، أن تعمل يداً بيد على الحوكمة الأمنية، وعلى التحلّي بالانفتاح والصدق في حلّ القضايا على قدم المساواة. تطالب الصينُ جميع الأطراف بالعمل على إسباغ الديمقراطية على العلاقات الدولية من خلال حوكمة عالمية متعدّدة الأطراف. ففي آذار/مارس 2015، صرّح وزير الخارجية الصيني وانغ يي في مؤتمر صحافي بأنّ «الاتجاه العام هو تعزيز ديمقراطية العلاقات الدولية والحوكمة الدولية بحكم القانون. وينبغي أن تُبذل الجهود خصوصاً لصون المصالح والحقوق المشروعة لعدد كبير من الدول النامية، ليكون العالم أكثر مساواة وانسجاماً وأمناً»‏[29]. وعلى النقيض من فكرة «الحوكمة النخبوية» لدى الولايات المتّحدة وأوروبا، تقوم فكرة «الحوكمة المدنية» لدى الصين على اعتبار جميع الأطراف الضالعة في النزاعات عناصر في حلّ المشكلات بالفعل وليس اعتبارها عناصر تفتعل المشكلات، كما هي الحال في السودان وجنوب السودان والحكومتين السورية والإيرانية.

الوجه السابع أنّ الغرب أكثر «انغلاقاً» والصين أكثر «انفتاحاً» على بناء ائتلاف لحوكمة أمنية. الحوكمة الأمنية الغربية من نوع حوكمة «الباب المغلق» الذي يرفض مشاركة الدول الأخرى، كاللجنة الرباعية في الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي وما يسمّى «مؤتمر أصدقاء سورية». لكنّ الحوكمة الأمنية الصينية أكثر انفتاحاً، فترحّب بالقوى الرئيسة والإقليمية الأخرى دعماً لحلّ النزاعات الدولية من خلال تعدّدية الأطراف.

الوجه الثامن أن الدول الغربية تركّز على الأيديولوجيا، بينما تشدّد الصين على الأخلاق. ففي عملية حلّ النزاعات في الشرق الأوسط، يشدّد الغرب على المصالح الأمنية وعلى الأيديولوجيا السياسية، بينما تُولي الصينُ أهمية فائقة للمصالح الاقتصادية والأخلاق. الغرب ينظر إلى نزاعات الشرق الأوسط من خلال عدسة جيوسياسية، ويروّج للقيم الغربية المتّصلة بالحرّيات والديمقراطية وحقوق الإنسان. لكنّ الصين تنظر إلى نزاعات الشرق الأوسط من خلال عدسة جيو اقتصادية غالباً، مع التشديد على المسؤولية الأخلاقية، وتطبيق الفلسفة الصينية التقليدية على نظام عالمي‏[30]. منذ المؤتمر الوطني الثامن عشر للحزب الشيوعي الصيني الذي عُقد في سنة 2013 والصين تشدّد على أنّه «لا شيء يُكسبنا الصلاح والمصالح غير التركيز على الصلاح والمصالح؛ ولا شيء يجلب لنا العدل والمنفعة غير الموازنة بين العدل والمنفعة»‏[31]. لذلك، تتمسّك الصين بمفهوم الأخلاق الذي هو قوّة الإقناع التي تنفرد بها الصين في مشاركتها في الحوكمة الأمنية في الشرق الأوسط.

الجدول الرقم (2)

أنماط الحوكمة الصينية والغربية في الشرق الأوسط

السماتالقوى الغربيةالصين
أفكار الحوكمةالأولوية للحوكمة الديمقراطيةالأولوية لحوكمة المعيشة
المقاربةمسار من القاعدة إلى القمّةمسار من القمّة إلى القاعدة
وضع الأجندةراديكاليةمتدرّجة
طريقة حلّ المشكلاتمُلزمةتشاورية
مستوى المشاركةمشاركة كاملةمشاركة انتقائية
اختيار الشريكحوكمة نخبويةحوكمة مدنية
الآليةمغلَقةمفتوحة
متابعة المصالحمصلحة أمنية وأيديولوجيا سياسيةمصالح اقتصادية وأخلاق

 

استنتاجات

منذ إطلالة القرن الحادي والعشرين، تجاوزت الحوكمةُ العالمية إطارَ الدول المتقدّمة (مجموعة الدول السبع ومنظّمة التعاون الاقتصادي والتنمية كنواة) لتشمل الدول المتقدّمة والدول النامية، والدول ذات السيادة والمنظّمات الحكومية الدولية، والحكومات والقوى المجتمعية. وغدت قوى صاعدة مثل دول البريكس والسعودية وتركيا وكوريا الجنوبية وإندونيسيا والأرجنتين والمكسيك أعضاء جدداً في الحوكمة العالمية، بل إنّ الحوكمة العالمة في حدّ ذاتها ازدادت تنوّعاً. إنّ مشاركة الصين في الحوكمة الأمنية في الشرق الأوسط رمز للقوى الصاعدة لكي تشارك في الحوكمة العالمية في العصر الجديد. ومع تعاظم قوّة الإقناع لدى الصين وقدرتها على وضع الأجندات على الخصوص، ومع تزايد حضور الصين الاقتصادي في الشرق الأوسط، باتت قدرتها واستعدادها للمشاركة في الحوكمة الأمنية هناك ينمو باطّراد. ومن خلال الحوكمة الأمنية في الشرق الأوسط، عزّزت الصين مكانتها كقوّة عالمية صاعدة ووطّدت علاقاتها كقوّة عظمى بالآخرين. وبصفتها عضواً دائماً في مجلس الأمن الدولي، تضطلع بدور إيجابي على نحو متزايد في حلّ النزاعات الإقليمية، وهو ما يجعلها همزة وصل بين جميع الأطراف، وجميع الوسطاء.

ومع هذا العصر الجديد، غدت مشاركة الصين في حلّ نزاعات الشرق الأوسط إسهاماً في العدالة الدولية وليس مجرّد حماية للمصالح الصينية الخاصّة. ولهذه المشاركة سببان: السبب الأول، أنّ مشاركة الصين في حلّ نزاعات الشرق الأوسط تركّز على ميزان القوى في المقام الأول. ونشير إلى أنّ الولايات المتّحدة هي القوة الأجنبية الوحيدة التي تشارك في وساطات حلّ نزاعات الشرق الأوسط. وقد تجلّت هذه المشاركة في وقت مبْكر في سنة 1973 حين وضعت حرب تشرين الأول/أكتوبر أوزارها، وقام كيسنجر بمساعٍ دبلوماسية مكّوكية بين مصر وإسرائيل؛ ودعمت في وقت لاحق التوصّل إلى اتفاقيات كامب دايفيد بين هاتين الدولتين المتحاربتين، وهو ما شكّل فاتحة لعملية السلام في الشرق الأوسط. لكن يعيب مشاركةَ الولايات المتّحدة في الشرق الأوسط انحيازُها المناوئ للفلسطينيين. مثال ذلك، لو استعرضنا الحقبة 2000 – 2011 غداة الثورات التي اندلعت في الشرق الأوسط، لوجدنا أنّ الولايات المتّحدة صوّتت لأحد عشر قراراً في مجلس الأمن الدولي، منها عشرة قرارات تدافع عن المصالح الإسرائيلية. من ذلك أنّ مجلس الأمن طالب إسرائيل في سنة 2011 بالوقف الفوري والكامل لبناء المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية، لكنّ إدارة أوباما استخدمت حقّ النقض الفيتو لمنع صدور القرار‏[32]. لكنّ الصين تعتمد موقفاً أكثر توازناً تجاه العرب والإسرائيليين. ففي أيلول/سبتمبر 2006، صرّح وين جياباو، رئيس الوزراء الصيني آنذاك، بأنّ الحكومة الصينية قرّرت إرسال 1000 جندي من قوات حفظ السلام إلى لبنان، وكانت تلك أوّل مرّة ترسل فيها الصين قوّة حفظ سلام بهذا الحجم. لم يشعر لبنان والدول العربية الأخرى بالارتياح لمشاركة دول غربية مساندة لإسرائيل في قوّات حفظ السلام في المنطقة، وقالت إسرائيل إنّها لن تسمح لدول إسلامية بإرسال جنودها إلى المنطقة أيضاً. وبما أنّ الصين تقيم علاقات جيدة مع كلّ من الدول العربية وإسرائيل، قوبلت زيادة قوى حفظ السلام الصينية في تلك الدولة الشرق الأوسطية بالترحاب‏[33].

إضافة إلى اعتماد مواقف متوازنة تجاه الأطراف الضالعة في نزاعات الشرق الأوسط، تقيم الصين توزاناً استراتيجياً أيضاً بين الولايات المتّحدة وأوروبا وروسيا، فتوصّلت إلى اتّفاق مع الولايات المتّحدة في الجولة الرابعة من حوارهما الاستراتيجي والاقتصادي في أيار/مايو 2012. وقرّر الطرفان التفاوض على شؤون الشرق الأوسط، فعقدا في بكّين جولة الحوار الأولى حول الشرق الأوسط في آب/أغسطس 2012. ثمّ عقدا في واشنطن العاصمة جولة الحوار الثانية في حزيران/يونيو 2013 واتّفقا على آلية للحوار والتشاور لحلّ نزاعات الشرق الأوسط. وغدت الحوكمة الأمنية في الشرق الأوسط مهمّةً جليلة لبكين وواشنطن غايتها بناء علاقات من نوع جديد بين القوى العظمى وصون السلم الإقليمي. وفي الوقت عينه، وسّعت الصين وروسيا شراكتهما الاستراتيجية الشاملة في السنين الأخيرة‏[34]. وحين أصبح شي جينبينغ رئيساً في آذار/مارس 2013، كانت روسيا أول وِجهة له في زياراته الخارجية. وتوصّل الطرفان إلى مواقف مشتركة حيال البرنامج النووي الإيراني، والأزمات السورية والليبية والأفغانية. وهما يعزّزان قدرة القوى الصاعدة على المشاركة في حلّ نزاعات الشرق الأوسط. وبذلك تكون الموازنة بين القوى الخارجية والقوى الإقليمية في الشرق الأوسط ترجمةً للحكمة الدبلوماسية الصينية في العصر الجديد.

السبب الثاني، تمسّك الصين بالمبادئ الدبلوماسية، وهي تحافظ في هذه الأثناء على مرونة سياسية في حلّ نزاعات الشرق الأوسط. بناءً على ذلك، تعارض الصين فضّ النزاعات بالعنف، ومحاولاتِ القوى الغربية تغيير النظم السياسية، وانتهاكاتِ سيادة الدول الشرق الأوسطية ووحدة أراضيها، والقيامَ بعمل منفرد ضدّ طرف ما عبر الالتفاف على الأمم المتّحدة، والتحيّز ضدّ أيّ طرف، والتدخّل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، وانتهاك سيادة الدولة المستهدَفة ووحدة أراضيها. وفي الوقت عينه، المشاركة الصينية في حلّ نزاعات الشرق الأوسط أكثر ميـلاً إلى اعتماد وسائل مرنة ومقاربات براغماتية‏[35]. مثال ذلك، صوّتت الصين لمصلحة قرار في مجلس الأمن يدعم المجتمع الدولي في حربه على تنظيم «الدولة الإسلامية» وجبهة النصرة (القرار الرقم 2170)، وأكّدت، في الوقت عينه، الحاجة إلى احترام سيادة كلّ من سورية والعراق.

برغم ما تقدّم، تظلّ مشاركة الصين في الحوكمة الأمنية في الشرق الأوسط بحاجة إلى مزيد من التحسين في العصر الجديد. قبل أي شيء، على الصين أن تزيد قدرتها على إدارة الأزمات في الشرق الأوسط، فأصدرت الحكومة الصينية «إعلان توجّه الصين العام تجاه أفريقيا» في سنة 2006، و«إعلان توجّه الصين العام تجاه أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي» في سنة 2008، وهما يرسمان السياسة الخارجية الأساسية للصين ومبادئها وغاياتها الاستراتيجية في تلكما المنطقتين في القرن الحادي والعشرين. لكنّ الحكومة الصينية لم تُصدر إلى الآن كتاباً أبيض أو وثائق سياسية حول الشرق الأوسط. أيّ أن مشاركة الصين في الشرق الأوسط مفتقرة إلى تصميم عالي المستوى‏[36]. وغداة اندلاع النزاعات، لا يزال الضعفُ النسبي يعتري التخطيطَ العام والتنسيق والتواصل الداخلي بين الدوائر التابعة لوزارة الخارجية، وبين وزارة الخارجية والوزارات الأخرى. بل إنّ الصين لا تزال إلى الآن تفتقر إلى الخبرة والقدرة الكافية لصياغة خطط للحالات الطارئة. بالتالي، حين تنشب أزمة، لا يتمتّع الدبلوماسيون الصينيون إلّا بدعم محدود من الجهات العُليا، وهذا يؤثّر في إبداعهم ومخيّلتهم في المفاوضات. لذلك، لا تتمتّع مبادرة الصين لوضع أجندات بالقوة الكافية عادة في هذه اللحظة المفصلية. مثال ذلك، غداة اندلاع أزمة الأسلحة الكيميائية في سورية في سنة 2013، اقترحت روسيا «التخلّي عن الأسلحة الكيميائية من أجل السلام»، وكان إجراءً خلّاقاً. وفي مستهل سنة 2015، دعت الحكومةُ الروسية حكومة الأسد والفصائل المعارضة لها لإيفاد ممثّليهم إلى موسكو. وأصدر الطرفان «بيان موسكو»، وكان مسعى خـلّاقاً آخر. وفي نيسان/أبريل 2015، شنّت عشر دول بقيادة السعودية غارات جوّية على أنصار الله في اليمن، وهو ما سبّب أزمة إنسانية خطيرة. ضغطت روسيا على مجلس الأمن لعقد مشاورات عاجلة، وطالبت المملكة والدول العربية الأخرى بوقف غاراتها الجوّية على اليمن‏[37]. إنّ المشاركة الخلّاقة من جانب روسيا في حلّ نزاعات الشرق الأوسط مثال جيد للصين.

ثانياً، لا تزال الحاجة إلى مشاركة الصين في حلّ النزاعات الشرق الأوسطية وطابعها الملحّ موضع تشكيك داخلي. يحاجج بعض المنتمين إلى الدوائر الأكاديمية والإعلامية الصينية بأنّ الصين غير ملزَمة بمدّ يد العون للغرب في القضايا ذات الصلة بمصالحه الحيوية إذا لم يكن لها صلة بالمصالح الصينية، كأزمة البرنامج النووي الإيراني والأزمة في سورية. في الواقع، تتجاهل وجهة النظر هذه حقيقة أنّ حلّ نزاعات الشرق الأوسط ناحية تعاون استراتيجي جديدة بين القوى الرئيسة، وهذا يُعين على تأسيس شراكة تعاونية أكثر استقراراً بين الولايات المتّحدة وأوروبا وروسيا والصين، إضافة إلى تعزيز المصالح الصينية الحقيقية. يمكن ببساطة إجمال المصالح الصينية في الشرق الأوسط غداة اندلاع الثورات هناك بأمن الطاقة، وأسواق السلع، ومشاريع المقاولات وأسواق العمل، وغير ذلك. لكن ليس هناك تحليل من منظور استراتيجية الحوكمة العالمية لمعاينة مشاركة الصين في حلّ نزاعات الشرق الأوسط ودلالاتها الطويلة الأجل‏[38].

ثالثاً، ينبغي تطوير احتياطي المعرفة، ومجموعة المواهب وقاعدة البيانات المعلوماتية لدعم مشاركة الصين في حلّ نزاعات الشرق الأوسط. أخذت مشاركة الصين في حوكمة الشرق الأوسط أدواراً مختلفة: دور الغريب (المتفرّج السلبي)، والمرسال (مشارك سلبي)، والمساعد (وسيط إيجابي). وبما أنّ الصين حديثة العهد، لا تزال قوّتها الوطنية في مراحلها الأولى. وهناك فجوة بين توسّع مصالح الصين في الشرق الأوسط وقدرتها على صون تلك المصالح، وهي فجوة يصعب جسرها في المدى المنظور. ولا يزال تركيز المؤسّسات الفكرية والبحوث الأكاديمية الصينية منصَبّاً على القوى الغربية واليابان وكوريا الجنوبية وروسيا والقوى العظمى الأخرى، متجاهلين مناطق «الغرب المتوحّش»، وعلى التحديد الدول الواقعة في نطاق مبادرة «الحزام الواحد، الطريق الواحد». ونشير خصوصاً إلى افتقار الصين لبحوث معمَّقة في دراسات المناطق والبلدان، ولا سيما في الشرق الأوسط. من هنا تتبيّن محدودية قدرة الصين على المشاركة في حلّ النزاعات الإقليمية في العصر الجديد‏[39].

باختصار، مشاركة الصين في حلّ نزاعات الشرق الأوسط تحتاج إلى عملية «تغيير الذات والتأثير في العالم»، وهي عملية تعلّم وتعديل وتكيّف مستمرّة. إنّ مشاركة الصين في الحوكمة الأمنية في الشرق الأوسط لا تعني «رفض» النظام الدولي القائم أو «إسقاطه»، ولكن تعني تقديم مفهوم وأفكار أكثر إبداعاً وقيمة للحوكمة العالمية في ظلّ إعادة الهيكلة الدولية الراهنة‏[40]. وقد مرّت مشاركة الصين في الحوكمة الأمنية في الشرق الأوسط بمراحل متعدّدة من الإدراك السلبي إلى التقييم الإيجابي؛ ومن الردّ السلبي إلى المشاركة النشطة؛ ومن انتظار السانحة إلى بناء الفرص؛ ومن عدم التدخّل في الشؤون الداخلية للآخرين إلى تحمّل واجبات قوّة مسؤولة، وهو ما سيساعد على صون المصالح الصينية الحيوية والأمن الوطني في الشرق الأوسط. كما أنّ هذا باعث على تطوير خطاب الصين الدولي، وجاذبيتها الأخلاقية، ونفوذها السياسي، إضافة إلى إثراء الربط بين نظرية الدبلوماسية الصينية وتطبيقها.

 

قد يهمكم أيضاً  تأثيرات الصعود الروسي والصيني في هيكل النظام الدولي في إطار نظرية تحول القوة

اقرؤوا أيضاً  صعود الصين: المصالح الجوهرية لبكين والتداعيات المحتملة عربياً 

#مركز_دراسات_الوحدة_العربية #الصين #الحوكمة_العالمية #الصين_والشرق_الأوسط #صعود_الصين #أمن_الشرق_الأوسط #حوكمة_أمن_الشرق_الأوسط