المؤلف: يوسف خليفة اليوسف

مراجعة: بوبكر صابة(**)

الناشر: مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت

سنة النشر: 2015

عدد الصفحات: 512 ص

ISBN: 9789953829890

 

إن المتابع لمناهج العلوم الاقتصادية التي تدرس في الجامعات، وبخاصة على مستوى البكالوريوس (الليسانس)، والمتمعن في تاريخ الفكر الاقتصادي، يلاحظ بصورة جلية أن ما يدرس في كليات الاقتصاد والإدارة لا يعدو كونه حصيلة للفكر الاقتصادي والنظريات والمفاهيم التي توصل إليها رواد المدرستين الكلاسيكية والنيو – كلاسيكية، ولا تكاد تذكر مساهمات الباحثين الجدد ونظرياتهم الاقتصادية، مثل المقاربة المؤسسية أو نظرية الخيار العام، إلا في حدود ضيقة جداً.

لا تمثّل موضوعات اقتصاديات الطاقة بمختلف فروعها (النفط والغاز، والكهرباء، والطاقات المتجددة) استثناءً من هذا(1)؛ فمعظم ما كتب في هذا المجال كتب بأقلام غربية تمثل بالأساس وجهة نظر الدول المستوردة التي تسعى حكوماتها لضمان أمن الإمدادات بالكميات المطلوبة وبتكاليف معقولة، وهي وجهة نظر سياسات الطاقة القائمة على اقتصاد السوق الحرة(2).

في المقابل، لا نجد من الباحثين في البلدان المصدرة للنفط من تصدى للكتابة في موضوع اقتصاد النفط عارضاً وجهة نظر البلدان المصدرة بوصفها من البلدان النامية، من زاوية تحليلية اقتصادية، بالدقة وبالعمق المطلوبين. القلة من الكتابات الجديرة بالذكر والاحترام تمثل أعمال مسؤولين سابقين عن قطاع النفط والطاقة والثروة المعدنية، وهي تؤلف ما يشبه السيرة الذاتية لهؤلاء حين كانوا على رأس المسؤوليات. لذا، نجد كتاباتهم مسوغة إلى حد بعيد بآرائهم الشخصية وقناعاتهم الأيديولوجية وميولهم الفكرية.

لهذا نجدنا في البلدان النامية بصفة عامة، وفي البلدان العربية بصفة خاصة، في وضع التي تعكس الكتابات العلمية فيه حول اقتصاد النفط التي تعكس وجهة نظر البلدان المصدرة من دون أن تكون متأثرة بآراء فكرية وخلفيات أيديولوجية أو مصالح سياسية.

في هذا الخصوص، يمثل كتاب يوسف خليفة اليوسف الاستثناء من هذه القاعدة؛ فقد عمل على إبراز وجهة نظر البلدان العربية بوصفها بلداناً نامية، في موضوع مهم وشائك، بالعمق والشمول المطلوبين في الكتابات العلمية.

يحتوي الكتاب على ما يزيد على 500 صفحة موزعة على واحد وعشرين فصـلاً، إضافة إلى مقدمة الكتاب وخاتمته. ونظراً إلى عدم إمكان التطرّق إلى جميع الفصول سنكتفي بالإشارة إلى أهم النقاط التي أشار إليها اليوسف في كتابه.

1 – محدودية نظام السوق الحرة

لا يوافق الكاتب على المقاربة النيو – كلاسيكية المتبعة من طرف البلدان الصناعية والمستهلكة، التي تفترض صلاحية قوى السوق في القيام بعملها على أكمل وجه، حتى بالنسبة إلى السلع ذات الأبعاد الاستراتيجية مثل سلعة النفط(3). عمل اليوسف على تفنيد هذه المقاربة بإيراد أمثلة ثلاثة؛ أولهما رجل الأعمال روكفلر الذي أسس إمبراطورية نفطية سيطر بها على القطاع النفطي لسنوات طوال، حتى إصدار قرار منع الاحتكار. المثال الثاني هو هيئة سكة حديد تكساس التي تبيِّن ضرورة تنظيم سوق النفط إنتاجاً وتسعيراً وتسويقاً. المثال الأخير هو ميثاق قلعة أشكناري بين كبريات شركات النفط العالمية التي اتفقت على تقسيم السوق وتنظيمها لضمان عدم وجود أي فائض نفطي يمكن أن ينعكس سلباً على الأسعار وعلى ربحية الشركات، وهذا بعدما أدركت تلك الشركات أن المنافسة بينها لا تعود إلا بنتائج سلبية وسيئة على الجميع.

2 – البعد التنموي للنفط

خصص اليوسف الفصل السابع لعرض وتحليل الجانب التنموي للنفط والدور الذي يمكن أن يؤديه في اقتصاديات البلدان المصدرة له. هنا يبدي اليوسف أسفه لأن جل البلدان النفطية صودف أنها تُحكم من طرف أنظمة استبدادية تسلطية تفتقد الشرعية، وهو ما أدى إلى إضعاف الجانب المؤسسي في هذه البلدان، الذي أدى بدوره إلى سوء استغلال ثروة النفط وإيرادات تصديره وخلق البيئة لسلوكيات تتسم بالزبونية والسعي للحصول على أكبر ريع، سواء من طرف الحكومات أو من طرف قطاع الأعمال.

غير أن اليوسف يؤكد أن توافر الموارد الطبيعية، ومنها النفط، لا يعني بالضرورة أنه في حكم النقمة، فالأمر كله يتوقف على سبل إدارة هذا المورد وطرائق استثمار إيرادات بيعه، مستشهداً في هذا بأمثلة من بلدان متقدمة، كالنرويج وكندا، ومن أخرى نامية، مثل ماليزيا وبتسوانا اللتين استطاعتا أن تجعلا من ثرواتهما الطبيعية مصدراً لتحقيق التنمية. ووفق اليوسف يجب العمل على محاور أربعة لتحقيق إفادة مثلى من الموارد الطبيعية، وهي في العموم الشركات الوطنية، والحصول على أكبر ريع من سوق النفط، وتبني سياسات اقتصادية فعالة تقلل من أثر تذبذب أسعار النفط والاستثمار في المورد البشري بوصفه المصدر الحقيقي للثروة، وأخيراً ترشيد الإنفاق الحكومي.

يبدو أن اليوسف اعتمد على المقاربة المؤسسية في التحليل الاقتصادي؛ يتجلى ذلك في تأكيده أن النفط ليس نقمة بالضرورة، إذ ما يحدد النتيجة النهائية هو نوعية المؤسسات القائمة على قطاع الموارد الطبيعية. في اتباع هذه المقاربة في التحليل الاقتصادي رد على المقاربة التقليدية (الكلاسيكية والنيو – كلاسيكية) التي ميزت أغلبية الكتابات الغربية في موضوع اقتصاد الطاقة واقتصاد النفط بالتحديد، وهو ما يدل على الاستقلال الفكري للكاتب وعدم انسياقه وراء الأدبيات الاقتصادية الغربية.

3 – الاعتبارات البيئية

لقي الجانب البيئي من جهته حظه من البحث والتحليل في الفصل الثامن عشر من الكتاب، كونه من القضايا الراهنة المهمة التي تتصدر أولى الأولويات في المناقشات الدولية، وبخاصة في ظل تزايد أهمية موضوع الاحتباس الحراري ودور النفط في تفاقم هذه الظاهرة. بعد ذلك تطرق الكاتب إلى واحدة من أهم القضايا المطروحة، وهي قضية تقاسم أعباء وتكاليف محاربة ظاهرة التغير المناخي. وبحسب اليوسف، على البلدان الصناعية أن تتحمل العبء الأكبر من التكاليف، كون الوضع الذي بلغناه هو نتيجة تراكم الانبعاثات التي كان مصدرها الفحم والنفط في البلدان الصناعية تلك إلى يومنا هذا، تليها في ذلك البلدان الصاعدة التي تسجل معدلات النمو الأكبر في الطلب على النفط، ثم البلدان النفطية العربية التي لا يمثل استهلاكها سوى نسبة ضئيلة جداً من إجمالي الاستهلاك العالمي من الطاقة.

في اعتقادي أنه كان من المفيد التطرق إلى مسألة عدم اليقين الذي يميّز قضية التغير المناخي، إذ لا يوجد إجماع بين الباحثين حول أسباب هذه الظاهرة والعوامل المؤثرة فيها ودور البشر فيها، بل إن من الباحثين من يشير إلى الحالة المعاكسة تماماً، أي انخفاض درجة حرارة الأرض لا ارتفاعها(4).

4 – النفط بين الندرة والوفرة

كما عودنا اليوسف في كتابه، يتطرق دائماً إلى القضايا المهمة، وهذه المرة يبحث مسألة الندرة التي تميز النفط، مثله مثل بقية الموارد الطبيعية، من خلال عرض تاريخ هواجس نضوب النفط. بعدها قدم الكاتب حججَ وآراءَ مدرستين مختلفتين هما مدرسة الذروة، وأغلب كتابها ذوو خلفية هندسية وجيولوجية وينطلقون من أرقام وحقائق واقعية؛ ومدرسة الوفرة، وهي تمثّل أصحاب الخلفية الاقتصادية التي ترى أن النفط كغيره من السلع يستجيب لإشارات السوق وتفاعل قوى العرض والطلب. وعلى الرغم من أن اليوسف لم يبين رأيه صراحة في هذه المسألة وترك الحرية للقارئ في تبني الرأي الذي يراه أكثر منطقية وأقوى حجة، فهو، أي اليوسف، يبدو من أنصار مدرسة الذروة، لأنه جعل، في الفصل السادس عشر، نقصَ المعروض من النفط أحد أسباب الطفرة النفطية الثالثة. في اعتقادي أنه كان من الأجدى أن يدعم الكاتب عمله هذا بآراء الجيولوجي المعروف كولن كامبل (Colin Campbell) وكذا أبحاث (Roger Bentley)، كونهما من أهم الباحثين الذين كتبوا في هذا الموضوع وهما يحظيان بالاحترام والتقدير في الأوساط العلمية.

5 – استشراف مستقبل النفط

الفصل الأخير المعنون «مستقبل النفط» كان عرضاً لاتجاه الأسواق العالمية بحسب منشورات وكالة الطاقة الدولية، من حيث تقدير حجم الطلب المستقبلي الذي سيعرف ارتفاعاً بسبب زيادة عدد السكان وتضاعف حجم الاقتصاد العالمي، وبخاصة في البلدان النامية. كما أشار الكاتب إلى المعروض العالمي من النفط الذي سيشهد هو الآخر ارتفاعاً يفسر بدخول حقول النفط التقليدي المكتشفة وغير المستغلة والحقول التي ستكتشف وتستغل مستقبـلاً إضافة إلى حقول النفط غير التقليدي. أما في خصوص الأسعار فيصعب تحديد اتجاهها المستقبلي؛ فقد تعرف هذه الأسعار ارتفاعاً بسبب زيادة الطلب كما يمكن أن تشهد انخفاضاً ملموساً في حال تسوية المشاكل السياسية مع إيران وتحسن الأوضاع في العراق، فضـلاً عن سماح كندا باستغلال الرمال القيرية وتوافر رؤوس الأموال والتقنية اللازمتين لاستخراج النفط غير التقليدي في بعض بلدان أمريكا اللاتينية.

لكن ما يؤخذ على التحليل السابق هو عدم ذكر المنهجية التي اتبعتها وكالة الطاقة الدولية في إعداد تقاريرها حول مستقبل النفط وذكر إيجابيات هذه المنهجية وعيوبها النظرية والتطبيقية؛ ففي النهاية وكالة الطاقة الدولية هي ناد للبلدان الصناعية المستهلكة، وتعكس أعمالها وجهة نظر أعضائها ومصالحهم الاقتصادية وخلفياتهم الأيديولوجية، وهو ما يعاكس منطلق اليوسف وهدفه من هذا الكتاب.

إن العمل الذي قام به اليوسف يعد بحق محاولة جادة في تقديم رؤية بديلة للأعمال النمطية التي اعتدناها في الكتابات الغربية حول موضوعات اقتصاديات الطاقة بصفة عامة واقتصاد النفط بصفة خاصة؛ فمن أهم ما هدف إليه الكاتب هو تقديم رؤية عربية بديلة تدحض الادعاءات الغربية وتحاملها غير المبرر على البلدان العربية في ما يخص استغلالها لثرواتها الطبيعية.

ما يميز الكتاب هو رفض الكاتب النموذجَ الغربي التقليدي في التحليل الاقتصادي الذي يتجاهل البعد الاستراتيجي والتنموي للنفط ويصر على ضرورة معاملته كغيره من السلع بإخضاعه لقوى السوق.

زيادة على هذا، يتميز هذا الكتاب بلغة واضحة وبسيطة وباحتوائه على فصل تمهيدي يعرّف الكاتب فيه بمدلولات المصطلحات التي استخدمها، وهو ما يسمح للقارئ غير المتخصص بسبر أغوار الموضوع وفهم حيثياته، كما أن حجم الكتاب مناسب جداً، فلا هو بالمختصر المخل ولا هو بالطويل الممل. وفي اعتقادي أن الكاتب أعطى جميع العناصر التي ذكرها – باستثناء تلك المشار إليها في هذا العرض – حقها من البحث والتحليل.

إضافة إلى ما سبق، فإن كمية المراجع التي استعملها تطلبت لوحدها 25 صفحة من صفحات الكتاب موزعة ما بين مراجع باللغة العربية وأخرى باللغة الإنكليزية، كما تتنوع أيضاً من حيث طبيعتها ما بين التقارير والكتب والأبحاث العلمية، فضـلاً عن تنوع زوايا بحثها موضوع الكتاب، وهو ما ينم عن سعة اطلاع الكاتب وإلمامه بمختلف أبعاد الموضوع، وهذا ما يؤهله ليكون بحق مرجعاً ينصح بقراءته والرجوع إليه.

غير أنه تبقى أبعاد لم يتناولها المؤلف في هذا الكتاب، من بينها البعد القانوني، وبخاصة في الجوانب المتعلقة بأنواع العقود، وتفاصيلها، وبنودها، وإيجابياتها وسلبياتها؛ والجدوى الاقتصادية لمشاريع استخراج النفط واستغلاله، مثل سبل الحصول على التمويل اللازم وطرائق حساب التدفقات النقدية الداخلة والخارجة، والتفاصيل الفنية المرتبطة بحساب الضرائب والأتاوات. في رأيي، إن التطرق إلى هذين الموضوعين في طبعات قادمة لهذا الكتاب سيضفي عليه مزيداً من القيمة العلمية.

 

وصدر عن موقع مركز دراسات الوحدة العربية طبعة ثانية من الكتاب في آذار/مارس 2018… اضغطوا على الرابط للحصول عليها

الاقتصاد السياسي للنفط: رؤية عربية لتطوراته